ماراثون العضلات في الجنوب.. تقاسم للنفوذ أم خندق للمواجهة ؟

كتب / رئيس التحرير

أسباب كثيرة دعت الحاكم الإماراتي الانقلابي محمد بن زايد لدعم مجلس انتقالي جنوبي أولها وقوفه عاجزا أمام الإطاحة بنفوذ الفار هادي ونفي شرعيته وحكومته العميلة الملغمة بقيادات تنظيم ” الإخوان” بعدما صال وجال في عواصم العالم داعما ذرائع عدوانه الهمجي على اليمن وأهدافه في إنهاء ما يسمونه ” الانقلاب وإعادة الشرعية”.
بدا ذلك واضحا في صياغة البيان الذي اعلنه محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي بصيغة قرار يفتقد إلى الأرضية الدستورية والقانونية القرار والذي تجنب الإشارة إلى الفار هادي وشرعيته بصورة واضحة مكتفيا بالحديث عن مجلس انتقالي يمثل الجنوب داخليا وخارجيا، والمرجح أنهم ارادوا بــ “داخليا” محاصرة الفار هادي في التعيينات والقرارات في المحافظات الجنوبية الخاضعة للاحتلال والحد من قدرة النظام السعودي في اللعب على المتناقضات، كما ارادوا بـ”خارجيا ” التأسيس لتمثيل مستقبلي للمجلس الانتقالي الجنوبي في أي مفاوضات وضمان مكان في أي تسويات قادمة.
يدعم ذلك أن بيان الزبيدي لم يطرح خيارات الحراك الجنوبي في فك الارتباط أو الانفصال كما تجنب الخوض في قضية “الجنوب العربي” تماما كما تجنب الخوض في تفاصيل الدولة الاتحادية وعدد الأقاليم تاركا هذا الأمر لأمنيات المفاوضات القادمة.
من الواضح أن الغازي الإماراتي استخدم آخر أوراقه بدعم تشكيل المجلس الانتقالي أيضا لمواجهة النفوذ السعودي في المحافظات الجنوبية الخاضعة للاحتلال من قوات الغزو الإماراتية سعيا إلى قوة ضغط داخلية توازي قوة الضغط التي يملكها النظام السعودي المتمثلة بالفار هادي وحكومته العميلة.
ابقي بيان عيدروس الزبيدي حلقة التحالف الأخيرة للعدوان السعودي الإماراتي بإعلانه الواضح التمسك بتحالفه مع تحالف العدوان لمحاربة المد الإيراني والإرهاب وهي الحلقة الأضعف التي يسعى السعوديون والإماراتيون لتقويتها وابقائها في دائرة التنسيق المشترك للحفاظ على التأييد الدولي من جهة والدعم الأميركي والدولي والاممي المقدم لقطبي العدوان في عدوانهما الهستيري على اليمن بما خلفه من تداعيات إنسانية خارجة عن السيطرة.
كان واضحا أن التيار الغالب في قوام المجلس الانتقالي الجنوبي يمثلون الموالين لقوات الغزو الإماراتية في حين حسم الموالون للنظام السعودي والفار هادي أمرهم ببيانات أعلنت تأييدها لشرعية الفار هادي وحكومته العميلة، فيما امسك آخرون العصا من المنتصف معترفين بالمجلس الانتقالي والفار هادي وحكومته في آن.
غير أن الإطار المعلن للمجلس الانتقالي لن يبقى عند سقفه المعلن إذ تبين أن الكثير من المكونات والفصائل المنخرطة في الحراك الجنوبي أقصيت تماما عن المجلس لتكون على ما يبدو خط رجعة لترجيح كفة الميزان حال ظهور مفاجآت.
توقيت إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي لم يكن مفاجئا فهو جاء محصلة لمؤشرات انهيار متسارع لكتائب محمد بن زايد في الجبهات الساحلية، وتفاقم حال انعدام الثقة بين كتائبه وكتائب المرتزقة الموالية للنظام السعودي والفار هادي وحزب الإصلاح، فضلا عن انه كان واحدا من تجليات الصراع غير المعلن بين قطبي العدوان السعودي الإماراتي على النفوذ، في حين ان الصدفة وحدها جعلته يأتي بالتزامن مع احتفالات الشعب اليمني بذكرى العيد الوطني 22 مايو ذكرى إعلان دولة الوحدة.

هل حقق محمد بن زايد أهدافه ؟
على الرغم من أن الغازي الإماراتي دعم بقوة خطوة الإعلان عن المجلس الانتقالي الجنوبي إلا أنه تجنب الاعتراف به رسميا لتعارض ذلك مع ذرائعه في المحافل الدولية وعواصم العالم بتأييد ما يسميه” الشرعية ” التي يمثلها الفار هادي وحكومته، في حين أوفد أمس عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك إلى الرياض في رسالة تطمين.

ذلك يؤكد أن المجلس الانتقالي الجنوبي انشئ لأداء وظيفة محددة وهي كبح النفوذ السعودي عبر تقليص صلاحيات الفار هادي وحكومته في المناطق الخاضعة للاحتلال الإماراتي والتي يعدها بن زايد مناطق خاصة وقد شرع فعلا في إحداث تغييرات كبيرة فيها ولا سيما في حضرموت وعدن ومحافظة ارخبيل سقطرى.
ومع تحقيق محمد بن زايد اهدافه هذه إلا أن الطريق لا يبدو سالكا أمامه في المحافظات الجنوبية كلها، إذ أعلن محافظون ومسؤولون في بعض المحافظات الجنوبية تأييدهم للفار هادي وحكومته العميلة، ومواجهة أي مشاريع احادية.
وقياسا بما يخطط له المجلس الانتقالي الأعلى في الجنوب وما سيتاح له من قطبي العدوان، فإن المؤكد أن هذا المجلس واستنادا إلى التأييد الداخلي، سيكون أمام قائمة استحقاقات بالغة الأهمية ومن اليوم وصاعدا سيكون معنيا بوقف نزيف الدم الحاصل نتيجة استمرار تحالف العدوان في تجنيد المليشيا من أبناء المحافظات الجنوبية الذين يدفع بهم لخوض حروبه في المحافظات الشمالية ولا سيما في الجبهات الساحلية. ناهيك عن استحقاقات عدم التدخل في الحرب العدوانية الخارجية على اليمن خصوصا وأن هذا المعطى لن يكون بعيدا عن أي مفاوضات يخطط المجلس الانتقالي الجنوبي لأن يكون طرفا فيها مستقبلا.
يضاف إلى ذلك قضية صرف مرتبات الموظفين والحد من مفاعيل الحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف العدوان السعودي على اليمن وكذلك وقف المشاريع التي يدعمها العدوان لتأجيج الفتنة الطائفية والمناطقية وهي ملفات يدرك الكثير من الجنوبيين أنهم وحدهم من سيدفعون ثمنها بمجرد رحيل العدوان عن بلادنا.
يضاف إلى ذلك إدراكهم أن أي تأطير شكلي للمجلس الانتقالي المعلن في حدود معادلة الصراع السعودي الإماراتي سيفضي إلى تداعيات داخلية بالغة الخطورة سيدفع أبناء المحافظات الجنوبية ثمنا باهظا لها.

رد الفعل السعودي
لم تكن السعودية بعيدة عن هذه التداعيات إذ سارعت وبصورة غير مباشرة لإعلان مواقف ووضعت خيارات للتعاطي مع هذه المستجدات عبر عنها الاجتماع الذي دعا إليه الفار هادي ليل الخميس في الرياض، وخلص إلى قرارات برفض الإطار الذي أعلن فيه المجلس الانتقالي كممثل للجنوب داخليا وخارجيا بل التعاطي معه بوصفه فاعلية سياسية سلمية لها الحق في ممارسة نشاطها في إطار ما سماه “الشرعية”.
الاجتماع الذي دعت إليه الرياض للفار هادي ومستشاريه لوح أيضا باستخدام القوة بالتأكيد على ما سماه وحدة الهدف الذي لأجله قامت عمليات التحالف العربي عاصفة الحزم وإعادة آلامل بإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة وبسط سلطاتها على كافة التراب اليمني ” وأكثر من ذلك وصفه المجلس الانتقالي الجنوبي بأنه” كيان مناطقي ” ودعوته “كل المسؤولين وغيرهم ممن وردت أسماؤهم في قوام المجلس الانتقالي الجنوبي” إعلان موقف واضح وجلي منه” في صورة بدت أشبه بتحذير نهائي.
وفي حين لم يخل بيان اجتماع الفار هادي ومستشاريه من دعوة النظام السعودي إلى الاستمرار في عدوانه على اليمن “حتى تحقيق كامل أهداف التحالف” منح البيان أيضا الفار هادي صلاحية اتخاذ خطوات مشابهة بالتأكيد على تفويضه اتخاذ “كافة الإجراءات الكفيلة بتعزيز التوافق والسير صفاً واحداً لإنجاز المهمة الأساسية في إنهاء الانقلاب” وهي الجملة التي أفصح بيان الفار هادي ومستشاريه بأن خيار القوة سيكون ضمن خيارات أخرى لمواجهة الخطوات الإماراتية في المحافظات الجنوبية.
ورغم الإشارات الخطيرة التي حملها بيان الفار هادي ومستشاريه فإن ذلك لم يخف حقيقة أن النظام السعودي والفار هادي ابدوا استعدادهم لتقديم تنازلات بدت واضحة في البيان الذي اعلنه محافظ حضرموت الموالي للقوات الإماراتية الغازية والمقرب من النظام السعودي والفار هادي والذي أعلن التمسك بشرعية الفار هادي وطالب بإنهاء الحرب والدخول في مفاوضات مباشرة مع من هم على الأرض ” متحدثا بشكل واضح عن حل سياسي للمشكلة اليمنية بصيغة اقليمين شمالي وجنوبي.
هذا الإعلان عبر عن رضوخ الفار هادي للمواقف المناهضة لمشروعه في الأقاليم الستة والقبول بمشروع الاقليمين والأكثر من ذلك أنه أفصح عن محاولات للبحث عن مخرج مشرف من النفق المظلم بعدما تورط بحرب عدوانية على اليمن لم تحقق أي أهداف سوى أنها فضحت شرعيته الزائفة التي خسرها في الشمال والجنوب في آن.
يضاف إلى ذلك ما حمله بيان محافظ حضرموت من محاولات لنقل مربع التدخل السعودي الإماراتي في اليمن إلى مربع جديد يتصدره وقف العدوان مقابل التعاطي مع الاحتلال كأمر واقع.

قد يعجبك ايضا