الملبون بأصوات الغزاة

عباس الديلمي
* لم تختلف اطماع الامبراطورية العثمانية الاسلامية في اليمن عن اطماع الامبراطورية البريطانية العظمى , ولأن لكل منهما مآربها فقد اقتسمتا الكعكة وحقنتا دماء الصراع فيما بينهما, شمال اليمن وكثافته السكانية للعثمانيين, وجنوبه وشرقه للبريطانيين, كما تم التوصل إلى تقسيم الأرض اليمنية بما أسمي بالخط العثماني والخط البريطاني وتم لكل طرف اطلالته وتواجده العسكري على البحر الأحمر ومضيق باب المندب الاستراتيجي.
وبما أن الغزاة كالصوص إخوة – كما يقال- فقد تمكن الطرفان من تقسيم اليمن وأوجدا على أرضه ذلك الشرخ الجغرافي السياسي إلا أنهما كانا أعجز من أن يصلا بذلك الشرخ إلى النفسية اليمنية التي ظلت متماسكة بواحدية الانتماء والهوية رغم المحاولات البريطانية – المعروفة بخبثها وسوء نواياها – لسلخ جنوب اليمن وشرقه عن بنيته اليمنية وذلك من خلال خطوتين رئيسيتين تمثلت الأولى في تمزيق الجنوب والشرق إلى اثنتين وعشرين سلطنة وولاية وجمهورية (جمهورية دثينة) لكل منها ادارتها وجيشها وحدودها.. وأما الثانية فتمثلت فيما اسموه بالجنوب العربي وهو الكيان الذي اسقطته الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر والتوجه الوحدوي الذي يسجل للجبهة القومية.
وهكذا فشل العثمانيون والبريطانيون في الوصول بشرخهم إلى النفسية اليمنية التي ظلت متمسكة بواحدية الهوية والأرض وواحدية الثورة ضد الوجود الاستعماري وظل الانتماء إلى اليمن هو الأقوى وتجسد ذلك أكثر بعد جلاء الاتراك من اليمن وتعمق بعد اندلاع وانتصار الثورة اليمنية ( سبتمبر وأكتوبر) وجلاء المستعمر البريطاني ولا ننسى أن هذا الانتماء لليمن الواحد وعدم تأثر البنية الثقافية اليمنية بما أجهد الغزاة والمستعمرون أنفسهم في زرعه وبث سمومه قد كان العامل الأساسي في استعادة اليمن لوحدة أرضه وهويته السياسية الواحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م وتحقيق ذلكم الانتصار الذي توج نضالات وتضحيات أجيال متعاقبة.. وخلد رموزا تاريخية لن ينساها التاريخ.
ها نحن اليوم نحتفي بذلك النصر الخالد وبعيده السابع والعشرين ومن المؤسف أن تأتي هذه المناسبة العظيمة ونحن نسمع من الأصوات النشاز وكأنها تلبي بما فشل الاستعمار في تحقيقه, أو كأنهم يطوفون في ساحة الغزاة والمستعمرين ملبين بما أمروهم به.
نعرف أن هناك بعض الاخطاء التي رافقت استعادة الشعب لوحدته ولكن هل من الوطنية أن نناضل من أجل اصلاحها وتحصين وحدة شعبنا وأرضنا مما يتهددهما, أم بالحنين إلى التشطير واثنتين وعشرين سلطنة وولاية وجمهورية؟!!
وتمكين الغزاة والمستعمرين ما عجزوا عن تحقيق القليل منه, بفضل تضحيات الآباء ودماء الشهداء, والمواقف الوطنية لمن حافظوا على اليمن كوديعة لديهم للأجيال القادمة..
سؤال نطرحه أمام من نعني.

قد يعجبك ايضا