النقد بين الإفراط والتفريط

جمال محمد الشهاري

جميلٌ جدا أن نتحلى جمعيا بحس عالٍ من المسئولية ونقد الأخطاء، والتحذير من الهفوات، فتلك ظاهرة صحية، ومطلوبة، واحد أوجه تغيير المنكر المطلوب شرعا وعرفا، والحمد لله بلادنا بفضله تعالى تتمتع بقدر عالٍ من حرية الرأي والتعبير لن تجده أبداً في دول الجوار وفي كثير من الدول. نعم جميلٌ جدا، بل مطلوب شرعا، أن ننتقد الأخطاء والهفوات، ولكن مع التفنيد والتبيين والمصداقية، لكي يكون نقدًا بناء وليس هداماً، وهنا أبين بعض جوانب النقد البناء، ومنها:
1. أن يحدد أولا وقبل كل شيء نيته وهدفه من ذلك النقد؛ أيريد به حقًا وجه الله والإصلاح بين الناس؟ أم أنه الرغبة في الانتقاد وحسب!؟، وليتذكر قبل أن يخط انتقاده قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)، وقوله تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)
2. ألا يخبط المنتقد خبطاً عشوائياً دون بيِّنَة واستناد لدليل.
3. أن يقوم الشخص المنتقد بوضع نفسه مكان من ينتقده، ويبذل له حسن النية، فهذا من العدل والإنصاف، وهو المطلوب شرعا، لا أن يسارع في التشويه والتخوين.
4. أن تحدد في هذا النقد المشكلة تحديدا واضحا بأبعادها وتفاصيلها، وأن تُقدم المعالجات والبدائل والحلول اللازمة، وأن يتريث ويسأل من لهم علم بهذه المشكلة، محامين، قانونيين، أصحاب اختصاص واطلاع، وهذا مطلوب، ليكون النقد موضوعيا وإيجابيا وفاعلًا، أما إلقاء القول على عواهنه، فقد يعد عند الله من الزور والكبائر، وكما ورد في الحديث الشريف: (وهل يكب الناس في النار إلاّ حصائد ألسنتهم).
5. أن يبتعد عن الاتهام المسبق، والتجريح المتعمد، لأن ذلك يوغر الصدور، ويورث العداوات، ويشق الصف، ويهدم عرى الوحدة والتوافق، إلاّ أن تكون قضية فساد -جريمة سرق أو اختلاس مثلا- فهذا منكرٌ السكوت عنه حرام وإثم كبير عند الله.
6. من الأولى والأفضل بل ومن الواجب الديني والوطني أن يتقدم بكل ذلك إلى جهة الاختصاص، أو الجهة المسئولة عنها حتى تتمكن من معالجة المشكلة.
7. أن يعرف أن اتخاذ مثل هذه الإجراءات فيه إنصاف لنفسه ومجتمعه ولمن ينتقدهم.
8. ألا يسارع في نشر ما يراه مشكلة على القنوات العامة ومواقع التواصل قبل اتخاذ الإجراءات السابقة، لأن ما ينشر يوظف من قبل أذناب العدوان، وهناك من يرقب ويرصد، ويوظف مثل هذا النوع من الانتقاد لكي يؤجج، ويؤلب، ويوغر النفوس، ويثير البلبلة والإرجاف.
9. أن يحدد بالضبط هل المشكلة إجراء خاطئ أم قضية فساد، فالإجراء الخاطئ شيء، والفساد شيء آخر، لأن الفساد جريمة، فيجب عليه عندها اتخاذ الإجراءات السابقة، ومخاطبة الجهات الرقابية والمختصة، فإن لم يلقَ تجاوباً فله الحق أن ينشرها للعالم كله، والسكوت هنا جريمة وذنب كبير عند الله، ولكن بشكل سليم مدعوم بالوثائق اللازمة الداحضة، الإجراء الخاطئ يمكن معالجته ووضع البدائل والحلول اللازمة، أما الفساد فليس له إلاّ النيابة والمحاكم والعقاب الرادع.
تلك بعض جوانب النقد البناء، التي يجب علينا جميعا أن نلتزم بها أمام الله أولا، وإنصافاً لأنفسنا ثانيا، وإنصافا لمن ننتقده ثالثا، وإنصافاً للمجتمع والناس رابعا، ويؤسفني أن البعض ينزل منشورات فيها من الانتقاد العشوائي؛ النقد الهدام، ما لا حد له، بعضه بسذاجة وحسن نية، وبعضه متعمد مدروس وموجه ليخدم أغراضا محددة معروفة. وهنا أورد مثالًا واحداً بسيطا عن النقد الساذج اللامسئول الذي تجد مثله لشبابٍ كثر بسذاجة وحسن نية ولغرض الانتقاد وحسب؛ فمثلا تجد أحدهم ينزِّل منشورا ينتقد فيه الأستاذ صالح الصماد لتعيينه عددا من الوكلاء الجدد، وجميلٌ أن يكون هامش حرية التعبير يسمح في بلدنا بانتقاد رئيس الجمهورية نفسه، لكن من الإنصاف أن يسأل الشخص المنتقد قبل أن ينزل منشوره:
– هل قام الرئيس صالح الصماد بتعيين هؤلاء الوكلاء اعتباطًا، ومنفردا بالقرار، أم أن القرار كان بعرض من الحكومة؟
– هل الرئيس الصماد فرض ذلك العدد من الوكلاء؟ أم أنه اقتراح من الحكومة؟
– ما مدى الحاجة لتعيين أولئك الوكلاء؟
– وهل ذلك العدد والذي رآه المنتقدون مهولا مبرراً أم غير مبرر؟
تلك أسئلة بسيطة وهناك غيرها مما كان يجب على المنتقدين أخذه في الحسبان، قبل أن يسلخوا الرئيس الصماد في منشوراتهم، ويسلقوه بألسنة حداد، ملمحين إلى أن تلك التعيينات كانت عشوائية وأن أولئك الوكلاء المعينين سينهبون اعتمادات بالملايين !!، العجيب أن بعض المنتقدين ربط بين تعيين أولئك الوكلاء وبين قطع بطائق لأعضاء حزب المؤتمر!!، وكان الرئيس الصماد هاله أمر قطع بطائق جديدة لعضوية حزب المؤتمر فقام بتعيين أولئك الوكلاء ردا وانتقاما في مقابل تلك البطائق المؤتمرية !!، وكأن الرئيس الصماد لم يعد له من همِّ في هذه الدولة وفي ظل هذا العدوان الغاشم والحصار الخانق إلاّ الانشغال بقضية قطع بطائق عضوية لحزب المؤتمر الشعبي؟!!. هذه مع الأسف عقليات البعض ممن يحلو له الانتقاد لغرض الانتقاد، وممن بعضهم محسوب على الفئة المثقفة مع الأسف.
نتمنى جميعا أن نكون عند مستوى الوعي والمسئولية، وأن يكون نقدنا مسئولا إيجابيا، يبني ولا يهدم، وأن نسعى كلنا لتفعيل إجراءات هامة ضرورية وملحة مثل تفعيل الجهات الرقابية، ومبدأ الشفافية، والمحاسبة للمفسدين، كما أشار إلى ذلك السيد القائد عبد الملك بدرالدين حفظه الله.
وخواتم مباركة على الجميع.

قد يعجبك ايضا