عقدة الرجل الأول !!

 

أحمد يحيى الديلمي
مشكلتنا في العالم الثالث أن ثقافة معينة ترسخت في أذهاننا وحولت الجميع إلى شبه عبيد منقادين إلى بعضهم البعض من خلال الولاء المطلق والطاعة العمياء للرجل القابع على سدة الحكم ، فأي شخص قد يأتي إلى السلطة يكون طيباً ولديه نوايا حسنة، إلا أن هيلمان السلطة يحوله إلى شيطان أخرس أضف إلى ذلك دور البطانة السيئة ، فكما قال الكاتب العربي صلاح عيسى، واصفاً هذه البطانة “برابطة صناع الطغاة في الوطن العربي ” فهم الذين يحولونه أحياناً من ملاك إلى شيطان ، ويصورون له بأنه الوحيد الفاهم والوحيد القادر ، ولا يصلح لنفس المكان سواه ، ثم ما يلبثون أن يختزلوا الوطن والحزب إن وجد في نفس الشخص ، لأن الجميع يدعي الوطنية بلا تفكير وبلا عقل ولا منطق ، فكل الأحزاب مثلاً والمكونات السياسية لا تمارس الديمقراطية بداخلها ، وإنما تعتنق إيديولوجيا التقاتل والتناحر والرفض المطلق للآخر ، وعلى هذا الأساس يتم اللجوء إلى برامج التحريض وإثارة النعرات .
أبواق التحريض والتراشق والتلاسن تزداد ضراوة وتنبس بما لا يقال من الكلام المملوء بسموم الطائفية والخسة والنذالة ، كلها تتحول إلى أشياء مقبولة ومرغوبة طالما حدث الرضا بين الرجل الأول والبطانة المحيطة به .
الإشكالية الأكبر تتجذر في الواقع عندما يقتنع الرجل فعلاً بأنه إنسان خارق ، وهبة إلهية لا يوجد له مثيل في المجتمع الذي يحكمه ، في هذه الحالة يحرص على البقاء في السلطة والخوف من القوى الوطنية التي تتربص به في الداخل ، عندها لا يمانع من الارتماء إلى أحضان دول خارجية يرى فيها سنداً وصمام أمان وحيداً قادراً على بقائه في السلطة ، وعلى هذا الأساس تترتب الكارثة ، الرجل الأول بحكم موقعه يتحول إلى دمية تتقاذفه أهواء ورغبات الآخرين المسخرة لخدمة مصالحهم الذاتية ، حينها لا يتردد عن الارتهان بالبلاد والانزلاق بها إلى منحدرات المجهول ، طالما أنه سيضمن البقاء في كرسي السلطة ، ولا يمانع من تنفيذ الخطط والبرامج المعدة سلفاً وهي غالباً ما تتضمن أعداء الداخل وتحرض عليهم ، إضافة إلى انحراف بوصلة الاهتمام بالأعداء الخارجيين خلافاً لما هو ثابت وراسخ في قاموس الأنظمة الوطنية المفترض أنها تتولى مواجهة الأعداء ، ومن هؤلاء الأعداء الدول الممسكة بتلابيب القرار بشكل غير مباشر، تصبح هي الملاذ، لأن أحداً في نطاق الوطن لا يجرؤ على الوقوف في وجه الزعيم الملهم أو يعارض قراراته دون الحصول على الضوء الأخضر من الدول من ذات الدول التي حرفت مسارات النظام ، فينساق إليها بقصد أو بدون قصد ، وهذا هو واقع المعارضة في الوطن العربي وأكثرها خطراً التي انطلقت بأفق ديني وحاولت أن توظف الدين وفقاً لرغبات الحزب أو القائمين عليه بأسلوب قذر لا يتردد عن تأويل النصوص وحرفها عن مسارها الطبيعي من أجل خدمة أهواء ومصالح ذاتية ، بما في ذلك الاجتهاد في خلق أعداء آخرين وهميين ، غير الأعداء الحقيقيين المتربصين بالأمة .
من المفارقات العجيبة أن مثل هذه الأحزاب كثيراً ما تتباكى على الدين وتذرف الدموع على أحكامه ، وهي مجرد مناورات سياسية هدفها تطويع الخصوم من القوى السياسية الأخرى المخالفة لإجبارها على التخلي عن برامجها الوطنية إن كانت تمتلك برامج ولم تنزلق إلى أتون العمالة والخيانة ، وهذا أمر شبه مستحيل ، لأن الجميع انزلقوا إلى هذا الميدان عندما تدفقت الأموال المدنسة وأصبحت هي شعار المرحلة .
ما أسلفت هو باختصار ترجمة لواقعنا الحالي ويتطلب حالة استنفار لتجاوز مثل هذه الثقافات والعودة إلى ثقافة الوطن الخالي من الشوائب .. والله من وراء القصد ..

 

قد يعجبك ايضا