أنصار الله ومواقف السمو ..1 – 2

أحمد يحيى الديلمي

الموقف من قطر وليبيا
على خلفية المساجلات والمسرحيات الهزلية التي تعصف بدول الخليج ، وتمت كتابة فصولها وتحديد مشاهدها في واشنطن ، بدون شك أجد من المفيد إجلاء الصورة عن بعض المواقف السامية لحركة أنصار الله في أشد الظروف الحالكة التي مرت بها ، بالذات المتصلة بعلاقة هذه الحركة مع قطر وليبيا ، وما جسدته الحركة من مواقف عظيمة دلت على السمو ورفض كل المغريات المادية التي تتطلب التبعية أو الانقياد للتوظيف النفعي .
تعددت القراءات لحالة عدم الوفاق بين دولة قطر والحركة وكانت سبب تراجع قطر عن الوعود التي قطعتها على نفسها واستعدت بموجبها لتقديم مساعدات كبيرة لليمن أثناء قيامها بدور الوساطة بين الحكومة والحركة في خضم المعارك المتعاقبة ، ومن أهم تلك الوعود الإعلان عن خمسمائة مليون دولار لإعادة إعمار ما هدمته الحرب في صعدة وبعض المحافظات التي امتد إليها لهيب الحرب ، إضافة إلى وعود كثيرة ومغريات مادية كبيرة قدمت للحركة نفسها إلا أنها سرعان ما تبخرت وذرتها الرياح في الهواء بفعل الأطماع والنزعات الأنانية التي تولد رغبات الاستتباع والتحكم في الأجواء مهما حدث .
فما هي خلفية هذا الموضوع ؟!
هناك قراءات كثيرة حاولت الاقتراب من نفس الموضوع والاجتهاد لتفسير ما حدث ، إلا أن جميعها بعلم أو بغير علم ، وبقصد أو بدون قصد التقت عند نقطة واحدة مفادها أن قطر فشلت فشلاً ذريعاً في احتواء حركة أنصار الله وتحويلها إلى ذراع ومخلب قط تابع لها يترجم رغبات قطر وخططها المتصلة برسم مستقبل المنطقة ، بعض التحليلات ذهبت منحاً آخر مفاده أن فروع حركة الإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية والإسلامية وفي المقدمة حركة حماس الفلسطينية كلهم ضغطوا على قطر وحذروها من التمادي في هذه العلاقة مؤكدين أن حركة أنصار الله تدين بالولاء ا لمطلق لإيران وأنها إن وافقت أن تتماهى مع قطر فإن ذلك من قبيل التقية وذر الرماد على العيون حتى تتمكن ويعظم شأنها ، بالمقابل قدموا حزب الإصلاح اليمني باعتباره البديل الأمثل لتبني وجهة نظر قطر وترجمتها على الواقع في الداخل اليمني ، ومثل هذا الاحتمال وارد لسببين هما :
الأول : أن قطر أصبحت قبلة كبار قادة حزب الإصلاح وبالذات الطرف المتشدد الذي تناسل من حركة الإخوان المسلمين في الحزب .
الثاني : أن الأموال القطرية تدفقت على حزب الإصلاح وبعض الجماعات السلفية والفصائل الإرهابية بدعوى نصرة أهل السنة وكبح جماح حركة أنصار الله وتطويع القوى السياسية الأخرى في الساحة .
في كل الأحوال وحيثما كانت الحقيقة فإنها صبت في صالح الحركة ، وأكدت صوابية ورؤية قائد المسيرة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وامتلاكه لوجهة نظر ثاقبة ، كونه لا يرى في وجوده مبرراً لأن يكون يد لهذه الفئة أو تلك ، بل يرى أن الحركة إنما جاءت مستقلة بذاتها ، وتحمل أهدافاً سامية مجردة عن الأهواء والنزعات الأنانية وتمثل امتداداً للنهج الرسالي وبالتالي فإنها لا يمكن أن تنساق لرغبات هذا الطرف أو ذاك مهما عظمت المغريات ، فرفضت كل العروض بما في ذلك عرض ليبيا الذي كان أكثر سخاءاً ، وكان الرئيس السابق لليبيا معمر القذافي أكثر من حاول استقطاب الحركة وجرها إلى منزلقات الصراع مع الآخرين مقابل مدها بالمال الكبير ، فقط كان المطلوب موافقتها أن تصبح رأس حربه لتنفيذ مخططاته وترجمة رغباته ، إلا أن الحركة رفضت عرضه تماماً وكان رد فعله غير طبيعي ، مع ذلك لم تعبأ الحركة بردة الفعل ، وظلت تتعامل بنفس منطق السمو والأخلاق الفاضلة بالتعاطي مع كل بلد عربي إسلامي شقيق ، بالمقابل لا تعبأ بالتهم التي توجه إليها حول التبعية لإيران ، فهي لا تخجل من الإفصاح عن العلاقة التي تربطها بإيران ، وهي علاقة الموقف المبدئي من دول الاستكبار العالمي والرغبة في الدفاع عن الإسلام وذب الأعداء عنه ، وهو موقف يدعو إلى الفخر وليس فيه أي شيء يبعث على الخجل أو يستحق إخفاءه ، وهنا تكمن عظمة الحركة وقوة قادتها الذين رفضوا كل العروض مع ما اتسمت به من السخاء والمال الوفير الذي يسيل لعاب أي طرف وكان هو المحور الذي تقاطرت من أجله قيادات حزبية كثير إلى المملكة العربية السعودية ووقفت في وجه الوطن ، وليته وصل إلى نفس المستوى لكنه للأسف مجرد فتات ، مع ذلك انقادوا له وذلوا من أجله ” اللهم لا شماته “.
كانت تلك مجرد عينة متواضعة من عشرات المواقف التي تعاملت معها الحركة بمسؤولية تامة ، دلت على السمو والاستقلالية التامة ورفض التبعية وكل حالات الاستقطاب ، لأنها من الأساس لا تبحث عن المال المرهون بتنازلات مقيتة ولا تعطي الدنيئة ، وليست بصدد النقاش حول كل ما يتصل بالذات وسلامة المبدأ ، هذه الصورة الجميلة المجسدة لصدق الولاء للدين والانتماء للوطن لا تزال هي الحاكمة لمسارات الحركة في تصرفاتها اليوم ، رغم كل هذه الحرب الشرسة شبة العالمية والتكالب على الحركة والوطن اليمني ، فهي تتعاطى مع الواقع بكينونة سياسية راقية تتسم بالوعي ، وتنطلق من خاصية هامة تحترم الثوابت الوطنية وترسم صيغة التعامل مع قضية الوطن بأفق إيماني يرتقي بالانتماء الصادق والمواطنة الشريفة إلى مصاف القداسة، فالجميع يعلم أن الحركة لا تساوم ولا تفاوض إلا إذا تعلق الأمر بإنقاذ مجاهد وقع في يد الأعداء ، أو إغاثة ملهوف أحاطت به الحرب ، وهذا هو عنوان الإنسانية الصادقة التي تظل شامخة في الأخذ والعطاء ، شامخة في التضحية والفداء ، على أتم الاستعداد لأن تقدم الكثير طالما كانت المهمة تصب في خدمة الوطن وتحقيق غاياته السامية .. البقية في الحلقة القادمة .. والله من وراء القصد ..

 

قد يعجبك ايضا