تفاصيل من حياة اليمنيين في «مذكرات طبيب»

 

> تؤرخ لحقبة تاريخية مهمة من حياة المجتمع المحلي

عرض/ خليل المعلمي

عاش الدكتور عبدالكريم نصار العديد من التجارب والمواقف والأحداث في فترة الستينيات والسبعينيات وقد رأي أن يقدمها للقارئ خاصة وأنه زامن التحولات التي شهدتها اليمن خلال فترات الستينيات والسبعينيات، وقد ظل متردداً في كتابة هذه المذكرات حتى قرر نشر الجزء الأول منها تحت عنوان “مذكرات طبيب”، واسترشد ببعض تجارب الآخرين في هذا المضمار، وخصص الجزء الأول للفترة التي عاشها من العام 1966 – 1975م، لما لهذه الفترة من خصوصية في حياة الكاتب باعتبارها من أسعد الفترات التي عاشها وأشدها صعوبة واقصرها زمناً، وكان لها أثرها المباشر في رسم خارطة مستقبل حياته المهنية بشكل عام.
يأتي الكتاب الصادر عن مؤسسة حجة الثقافية في 160 صفحة من القطع المتوسط لسرد مذكرات طبيب بأسلوب شيق ولغة سلسة، وتعتبر هذه المذكرات لأول طبيب في محافظة حجة، كما تؤرخ لحقبة تاريخية مهمة من حياة المجتمع المحلي، وتصف بدقة طريقة حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأنماط تفكيرهم، وتعتبر مرجعاً لا غنى عنه للباحثين والمؤرخين، لم يتضمن الكتاب أجزاءً أو فصولاً وإنما وضع عناوين فرعية سرد تحتها مادة الكتاب التي تشمل تفاصيل حياته منذ النشأة والتعليم والسفر إلى بلغاريا ومن ثم العودة إلى الوطن وكثيراً من الأحداث التي مر بها الكاتب والوضع العام السائد في اليمن.
النشأة والتعليم
نشأ في أسرة ذات وضع اجتماعي واقتصادي مرموق في محافظة حجة، فمعظم أفراد هذه الأسرة يعملون في سلك القضاء أو في العمل الإداري الحكومي، الأمر الذي سهل له الحصول على فرصة للدراسة في الخارج، وحول ذلك يقول المؤلف: سنحت لي الفرصة رغم صغر سني أن أُبعث إلى خارج الوطن للدراسة في الجمهورية العربية المتحدة (مصر حالياً) قبل اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بثلاثة أعوام، وأُتيحت لي الفرصة ولعدد كبير من الطلبة اليمنيين في الجمهورية العربية المتحدة لاستكمال دراستهم في بلدان أوروبا الشرقية والتي كانت على علاقة جيدة بحكومة الثورة في اليمن، وكانت تقدم منحاً دراسية متنوعة للطلاب، وتم توزيعي مع عدد من الطلبة اليمنيين في القاهرة من الشمال والجنوب للدراسة في جمهورية بلغاريا، فالتحقت بكلية الطب مع بعض الزملاء بداية العام 1965م.
زيارة الوطن وعوائق العودة
بعد عامين قضاهما المؤلف في بلغاريا اشتد حنينه إلى الوطن وإلى زيارة أهله وأقربائه خاصة مع مرور ستة أعوام من آخر زيارة له إلى الوطن، وقرر السفر رغم شحة الإمكانيات وعدم توفر المال الضروري المطلوب لمواجهة تكاليف السفر، وقام بالاستدانة من زملائه واستغل التخفيضات التي تمنح للطلاب في تذاكر السفر.
وقد واجهته العديد من العوائق والصعوبات أثناء عودته إلى اليمن وأثناء سفره مرة أخرى إلى بلغاريا، فكان أن أخذ القطار من بلغاريا إلى اليونان ومن هناك قطع تذكرة سفر ذهاباً وإياباً عبر البحر على متن إحدى السفن السياحية الروسية من أثينا إلى الإسكندرية، ولم يأخذ في الحسبان آلية مواصلة الرحلة من مصر إلى اليمن.
انتقل إلى القاهرة وهناك حل ضيفاً على أحد أصدقائه في القاهرة وبدأ بالسؤال على إمكانية الحصول على مساعدة مالية أو تذكرة سفر إلى اليمن عن طريق السفارة اليمنية بالقاهرة، لكنه شعر بخيبة الأمل عندما عرف أن الطلاب اليمنيين الذين يدرسون في مصر لم يتسلموا مرتباتهم منذ أشهر، لكنه لم ييأس واستغل علاقته بالسفير اليمني في القاهرة وكان وقتها “محمد أحمد نعمان” الذي ساعده في السفر مع الجنود المصريين إلى اليمن، فكان له ما أراد ووصل إلى الحديدة عبر السفينة المصرية كليوباترا.
ومع وصول المؤلف إلى الحديدة لم يجد وسيلة للسفر إلى مدينة حجة نتيجة الظروف التي كانت تعيشها بلادنا آنذاك مثل وعورة الطرق وانتشار العصابات المتمردة عن الدولة عبر هذه الطرق والحرب المشتعلة بين الجمهوريين والملكيين، فظل أسبوعين في دار الضيافة في الحديدة حتى حصل على سيارة تابعة لمدير أمن لواء حجة كانت متجهة إلى حجة فأقلته إلى هناك.
عند وصول المؤلف إلى مدينته، كان لقاؤه بوالدته وأهله وأقربائه حاراً ملفوفاً بالشوق والحنان، واستعرض المؤلف الكثير من المواقف التي واجهته أثناء زيارته القصيرة، خاصة وأن البعض يظن أنه أصبح طبيباً ويمكنه المعاينة وعلاج المرضى فيما لم يكن قد أتم إلا السنة الأولى في كلية الطب.
وكما كانت رحلة العودة إلى الوطن شاقة وشابها الكثير من الصعوبات كانت رحلة عودته إلى بلغاريا كذلك أيضاً فعندما قرر السفر لم يجد وسيلة تنقله من مدينة حجة إلى الحديدة فانتظر حتى وجد مصفحة تابعة للجيش متجهة على الحديدة، فاستقلها ومن الحديدة اتجه إلى صنعاء وهناك ظهرت مشكلة الحصول على تذكرة سفر إلى القاهرة، فالمبلغ غير متوفر، كما لم يستطع الحصول على تذكرة مجانية من الحكومة، التي أحالته إلى القيادة العربية في صنعاء لإمكانية تسهيل سفره عبر إحدى الطائرات أو السفن التي تنقل الجنود المصريين العرب من اليمن إلى القاهرة، ولم يكن الدخول إلى مقر القيادة العربية سهلاً كما يصوره المؤلف فكان لابد من موافقة الضابط المختص، ووجود إجراءات مشددة في التفتيش لمن يدخل القيادة، وعند الالتقاء بالضابط المختص ظل يوجه إلى الكثير من الأسئلة حول الوطن والأسرة والدراسة وبلغاريا وظل يعطيه موعداً تلو الآخر، فيما الأيام تمر ولم تتبق إلا القليل حتى تبدأ الدراسة فاضطر المؤلف إلى الاستعانة بالسفارة المصرية في صنعاء التي تفهمت وضعه وإعطاءه رسالة توصية إلى القيادة العربية التي وافقت على سفره مع الجنود عبر إحدى طائرات الشحن العسكرية اليوشن وبعد وصوله القاهرة كان عليه أن يمر بمكتب اليمن هناك لأخذ الموافقة للسفر إلى بلغاريا ومن القاهرة إلى الإسكندرية ليعود بحراً إلى اليونان ومنها إلى العاصمة البلغارية صوفيا.
الدراسة والتخرج
استعرض المؤلف بقية سنوات الدراسة التي مرت كما يقول بسلاسة وسهولة متناهية ومشاركته في رابطة الطلبة اليمنيين التي كانت تتكون من15 طالباً من شمال الوطن وجنوبه وانتخابه لرئاسة الرابطة قبل عامين من تخرجه.
ويصف لنا تفاصيل تلك الفترة بالقول: كانت روح المودة تسود العمل الطلابي رغم التباين في الآراء والمواقف إلا أن الاحترام والحرص على علاقتة الإخاء والصداقة كانت تسود علاقة الجميع، خاصة أن الرابطة كانت تتولى حل معظم القضايا والصعوبات التي كانت تواجه الطلبة اليمنيين سواء على مستوى الجامعات والمعاهد، أو المشاكل الطلابية الأخرى وفي ظل عدم وجود سفارة لليمن في بلغاريا في ذلك الحين، كانت الأنشطة التي تنظمها الرابطة متنوعة ومتعددة سواء من حيث الاجتماعات وتنظيم الندوات أو الاحتفالات أو اللقاءات مع بقية المنظمات الطلابية البلغارية، العربية، والأجنبية.
كما شارك باسم الرابطة في الاتحاد العام للطلبة العرب وشغله منصب المسؤول عن النشاط الاجتماعي في مجلس إدارته، فساعده ذلك بالتعرف على المنظمات الطلابية العربية والأجنبية، منوهاً إلى بعض المواقف الطريفة التي حدثت له بعد اتمامه جميع المقررات الدراسية، مثل عهدة كيس “المخدة” الذي لم يتم إخلاء طرفه من الجامعة إلا بعد إعادته ومن نفس النوع فاضطر أن يسافر إلى مدينة أخرى تبعد عن العاصمة بحوالي150 كيلومتراً، بعد ذلك عاد إلى أرض الوطن في العام 1972م.
الوضع الصحي في البلاد
حين قرر الدكتور عبدالكريم نصار العودة إلى اليمن كانت رحلته أسهل من رحلته السابقة فقد حجز على الطيران الإيطالي (اليطاليا) فمرت الرحلة بروما ومن ثم القاهرة والخرطوم ومقديشو ومن هناك عبر الطيران الروسي إلى مدينة الحديدة فهبطت الطائرة على مطار ترابي، بعد ذلك اتجه إلى العاصمة صنعاء وحصل على وظيفة في المستشفى الجمهوري بصنعاء.
وقد استعرض المؤلف الوضع الصحي العام في البلاد من خلال مرافقته لعدد من المسؤولين إلى منطقة حاشد، فلازالت الأرياف تفتقر إلى المراكز الصحية، وإلى العيادات العادية، فالأمراض لازالت منتشرة تفتك بالمواطنين، ولا يتمكن من الحصول على الخدمة الصحية إلا الميسورون من خلال السفر إلى العاصمة صنعاء.
العودة إلى حجة
بعد قضائه مدة في صنعاء عاد إلى مدينته حجة لزيارة أهله، وأثناء تواجده في المدينة زار المستشفى الجمهوري في المدينة، فوجد أنه لا يحتوي على كادر بشري صحي مؤهل غير عدد من الممرضين بالخبرة اكتسبوها عن طريق الممارسة والاحتكاك بالأطباء السوريين واللبنانيين قبل الثورة وبالأطباء المصريين بعد الثورة، وأثناء قيامه بالعمل الطوعي في المستشفى أثناء تواجده، إذا بالتوجيهات تصدر من محافظة لواء حجة بنقل درجته الوظيفية إلى المستشفى الجمهوري في حجة، ولم تكن تلك رغبته إلا أن مشاهدته للأوضاع الصحية المتردية في تلك المنطقة جعلته يوافق على ذلك.
وتطرق المؤلف إلى ما شهده العام 1973م من تطورات في لواء حجة ومنها شق وتعبير وسفلتة طريق صنعاء – حجة وكذلك خط حجة – الحديدة، وإنجاز مشاريع في المياه والكهرباء وتحسين الخدمات في المستشفى الجمهورية في مدينة حجة ورفده بعدد من الأطباء.
مواقف وأحداث
وقدم المؤلف الدكتور عبدالكريم نصار نبذة عن عمله في المستشفى وبعض الأحداث والتحديات التي واجهته ومنها إجرائه لأول عملية جراحية لاستئصال الدودة الزائدة من أحد المرضى ومن ثم إجراء العديد من العمليات الجراحية، فقد كان مضطراً لذلك نتيجة الحالات الحرجة لهؤلاء المرضى.
وخلال استمراره في العمل في محافظة حجة حتى العام 1975م صادفته الكثير من المواقف وعاصر جملة من الأحداث على مستوى الوطن منها حركة 13 يونيو التصحيحية التي قادها المقدم إبراهيم الحمدي، كما شهد تحديات جمة في المجال الصحي لقلة الإمكانيات المتواجدة في المستشفى، ورغم ذلك فقد ذاعت شهرة المستشفى الذي أصبح يستقبل الحالات من كافة المناطق المجاورة.
وللأوضاع الاجتماعية التي كان يعيشها السكان من جهل بالصحة العامة وقلة وعي في كثير من الأمور فقد كانت الثلاثة السنوات التي قضاها الدكتور نصار واختلاطه أكثر بالمرضى وتنقله بين مختلف المناطق وتحمله المسؤولية في أكثر من موقف، قد أكسبته الخبرة وكيفية التعامل مع مختلف المواقف، كما تعرف أكثر على مشاكل المجتمع والعادات والتقاليد الاجتماعية السيئة في تلك الفترة بما فيها من أخطاء وسلبيات وحاول مع المسؤولين في المحافظة محاولة التخلص من هذه العادات، منها آثار الزواج المبكر على الفتيات ووصول حالات إلى يديه من ذلك.
العودة للدراسة التخصصية
رأى المؤلف بعد أن قضى ثلاث سنوات في المستشفى الجمهوري بحجة أنه لابد أن يواكب التطور العلمي في مجال الطب ولابد من مواصلة الدراسات العليا والتخصص في الجراحة وكان قد سعى للحصول على منحة عبر منظمة الصحة العالمية والموافقة لمواصلة الدراسة من الجامعة التي تخرج منها في بلغاريا، فكان له ما أراد وأكمل معاملته في ذلك وتوجه في خريف العام 1975م إلى بلغاريا لمواصلة الدراسات العليا.
ألحق المؤلف في نهاية الكتاب ملحقاً للصور منذ دراسته في القاهرة وفي بلغاريا وأثناء عمله في حجة.

قد يعجبك ايضا