أنصار الله مدرسة سياسية جديدة

 

محمد الصالحي
يعتبر نيكولا ميكافيلي هو الأب الروحي والمؤسس لعلم السياسة أو ما تسمى المدرسة الميكافيلية وتعتبر مبادئ ميكافيلي هي الأسس الأولى في علم السياسة .
ومن المعروف أنه لا يستغني الحاكم أو السياسي أو الباحث عن الإلمام بهذه الأسس التي تضمنها كتاب الأمير لميكافيلي .
ويعتبر البعض أن أنصار الله ليسوا سياسيين ولا يمتلكون خبرة وقدرات سياسية تؤهلهم لخوض المعترك السياسي ومواكبة العالم في مساره السياسي والشيء الذي لا يدركه هؤلاء أن أنصار الله ليسوا ميكافيليين وليسوا خريجي مدرسة ميكافيلي وإنما هم خريجو مدرسة القرآن الكريم.
ونستعرض أهم المبادئ التي وضعها ميكافيلي ليجعلها سياسيو العالم ثوابتهم ومنطلقاتهم التي يتحركون وفقها وعلى أساسها .
أهم مبادئ ميكافيلي
– الغاية تبرر الوسيلة : نرى تطبيق هذا المبدأ بشكل أساسي من قبل حكومات وأنظمة العالم وتعتبر هذه الأنظمة أن استخدام أي وسيلة لتحقيق غاياتها وأهدافها شيء مباح وحتى وإن كانت ذات ضرر بالإنسانية وتتنافى مع القيم والأخلاق بل لا تحكمها قيم أو مبادئ وتقوم على أساس المصلحة والمصلحة فقط .
– إنها متعة عندما تخدع : الخداع والمكر والأساس من أساسيات الحكم لدى ميكافيلي وبذلك يظهر المكر والخداع وعدم الالتزام بالعهود والمواثيق وتراهم يتخلون عنها متى ما سنحت الفرصة لهم .
– إن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس: يعتبر ميكافيلي أن الدين ليس ضرورياً لاستقامة البشرية وتسيير حياتها ولكنه وسيلة لتمكين الحكومة والحاكم من سلطته ويستخدم الدين كرداء تختبئ تحته بشاعة الحكام وسوئهم والتسييس الدين بما يخدم الحاكم .
-الله ليس مستعداً لفعل شيء ولكنه يسلبنا حريتنا ويشاركنا المجد الذي نحققه : هنا يظهر المبدأ الإلحادي الذي وضعه ميكافيلي والذي يدعو إلى تغييب الدور الالهي والمنهج الرباني لتسيير حياة البشرية ويهدف إلى إظهار عجز الله سبحانه وتعالى عن تقديم أي شيء ينفع البشرية وتمجيد الفعل البشري بعيداً عن الحكمة الإلهية ..
وهذا المبدأ لا يتنافى مع سابقه الذي يقول بضرورة الدين لتثبيت حكم الحاكم ولسيطرته على الشعب .
فالدين في نظر ميكافيلي للدولة التي يجب أن تستغله لأغراض سياسية بحتة واعتبارية،
– حبي لنفسي قبل حبي لبلادي: هنا يقدم ميكافيلي الفرد على الجماعة بحيث تصبح الجماعة في خدمة الفرد وتقديم مصلحة الفرد على مصلحة العامة وهذا شيء يتنافى مع الفطرة والعدل والمساواة .
– إدراك أن القوة والعنف قد يكونا جوهريين للحفاظ على الاستقرار والسلطة . وأن يكون الحاكم الأسد والثعلب والقنطور.
الأسد يمثل القوة
الثعلب يمثل المكر والخديعة
القنطور يمثل القدرة على استخدام قوة الحيوانات وعقل البشر (القنطوره والحيوان خرافي يمتلك جسم حيوان ورأس إنسان )
– إن الطبيعة البشرية شريرة : يقدم ميكافيلي الإنسان هنا على أنه ولد وفطر على الشر وأن استخدام الأساليب الشريرة والشر شيء طبيعي لدى الإنسان بمثابة أنه مصدر للشر ومنبعه .
بينما أن الشر والسلوك مكتسب لدى الإنسان الذي فطر على الخير والحب والتسامح والتعايش …
وبذلك تظهر الغريزة البشرية في سمات الساسة والحكام في العالم ويغلب عليهم طابع الشر والتنصل من كل الروابط والعلاقات وتسيطر على توجهاتهم السياسية المصالح والتغلب على بقية الجوانب ..
ولمن يدعون أن أنصار الله ليسوا سياسيين هم مصيبون في ادعائهم أنصار الله ليسوا سياسيين وفق مبادئ ميكافيلي ولكنهم سياسيون وفق منهج القرآن الكريم .
ولنعمل مقارنة بسيطة بين المبادئ التي وضعها ميكافيلي وبين سياسة أنصار الله من منطلق التعاليم القرآنية.
-الغاية تبرر الوسيلة – الغاية تحدد الوسيلة :
أنصار الله هم أصحاب فكر وثقافة راقية وغاياتهم نبيلة بنُبل ثقافتهم وليس من ثقافتهم استخدام وسائل قبيحة لتحقيق غايات نبيلة بل ان الغايات النبيلة لا تتحقق إلا بوسائل نبيلة وراقية ..
فمثلاً أن يقدم خيار الاستسلام كوسيلة لتحقيق السلام وتحت مبدأ الغاية تبرر الوسيلة بينما في الحقيقة أن الاستسلام لن يحقق لنا السلام أبداً بل سيزيد من وضعنا سوءاً إلى سوء .
وإذا كانت الغاية تحقيق السلام فإن أفضل وسيلة لتحقيقها هي المواجهة والصمود والاستعداد على بذل الغالي والنفيس ليتحقق السلام الحقيقي الذي يضمن كرامة وعزة الشعب واستقلال وسيادة البلد .
– ليست متعة عندما تخدع المخادع , ولكن أن تفي وتلتزم وتسير وتتعامل بوضوح وصدق وشفافية وحتى وإن رأيت خصمك وعدوك مخادعاً ومرواغاً وكذاباً وغير ملتزم بالعهود والمواثيق وستنتصر أنت في الأخير لأنك تسير وفق منهج رباني .
وإذا كان عدوك خبيثاً ويستخدم أساليب قذرة ليس بالضروري أن تتعامل معه بالمثل لأن لكلً ثقافته وأخلاقه وقيمه .
– إن الدين ضروري للبشرية لإنقاذها من الضلال والغي والظلم والهيمنة ويحفظ للناس حقوقهم ويقوي الروابط والعلاقات فيما بينهم وينظمها والدين الحقيقي وفق منهج القرآن الكريم والذي يجب أن يحكم وأن يسير وفقه الحاكم والمحكوم وتكون سياسته وفق المبادئ القرآنية العظيمة لا أن يسيس الدين وفق أهواء ورغبات الحاكم للسيطرة على العامة .
– إن الله سبحانه وتعالى قد سخر لنا كل شيء حتى أعداءنا أنفسهم لخدمتنا وأنه المتحكم في مجريات الأمور وهنا تتلاشى وتذوب الذات البشرية والقدرات الذاتية وعن عجزنا عن القيام بشيء ما لم يكن هناك تأييد وعون إلهي رباني وتدخلات إلهية مباشرة في تذليل الصعاب ..
ومن هذا المنطلق يتحرك أنصار الله في تحركاتهم وسياستهم في جميع الجوانب مهما كانت التحديات والصعوبات ومهما كانت المخططات فلا يرونها بشيء أمام قدرة الله وعونه ويحاول البعض أن يثنيهم بأسلوب الناصح والحريص على موقفهم في مواجهة المخططات ولكن في الأخير تتضح سلامة مواقفهم وحكمتها . وإن ما يتم تحقيقه من إنجازات وبقدرة الله وليس بقدرة البشر.
– إدراك أن القوة والعنف لا يكونان اساسيين في الاستقرار والسلطة وإنما ثانويان أما الإحساس واللين والرحمة والتواضع والإخاء ولا تستخدم القوة إلا عندما تفرض الظروف ذلك كأسلوب ردع والدفاع عن النفس .
ويمثل استخدام العنف والقوة كأسس للحكم تجبر وتكبر وتسلط على رقاب الناس، والإفراط في استخدامها يعتبر تغليباً لمنطق القوة والحكم الغاب على أساس البقاء الأقوى وهذا ما يتنافى مع قيم وأخلاق أنصار الله بنصرة المستضعفين ورفع الظلم عن المظلومين.
والاستخدام منطق القوة دليل على ضعف قوة المنطق وأنصار الله يملكون من الثقافة ما والكفيل بدحض كل الأقاويل والكشف عن الأكاذيب.
وعندما يضطرون لاستخدام القوة كإجراء أخير وثانوي فإن ضرباتهم تكون محددة ومؤلمة .
وهذا ما ظهر من خلال دعوة أنصار الله الدائمة للحوار والتعايش وإلى الشراكة الفعلية بين جميع المكونات وأن يتحمل الجميع المسؤولية بل فاجأوا العالم بعد الحسم الثوري في 21 سبتمبر 2014م بتوقيع اتفاقية السلم والشراكة بين جميع المكونات فقد كانت حالة فريدة في العالم فالمتعارف عليه هو أن من يسيطر على الأرض يصنع القرار ومن ثقتهم بتحركهم وسلامة موقفهم اتجهوا إلى الشراكة وكانت الأحداث كفيلة بفضح وتعرية خصومهم ووطنيتهم الزائفة .
– تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية عند أنصار الله. على النقيض تماماً مما هو عند أتباع ميكافيلي .
فالمصلحة الشخصية تتلاشى نهائياً عند أنصار الله ويذوب حب الذات تماماً ويعود ذلك إلي ثقافتهم وفكرهم القائم على العطاء والبذل والتضحية بالغالي والنفيس يصل إلى تقديم النفس والروح من أجل أن يحيا الذين بعدهم في وضع أحسن وأفضل فلا تجد للأهداف والمصالح الشخصية مكاناً في نفوسهم .
– إيمانهم بأن الإنسان خلق على حب الخير له ولغيره وأن الشر شيء مكتسب بسبب خلل في نفس الإنسان ويعود إلى اكتساب الشر ويكون الإنسان مصدره وخروج الإنسان عن المسار السليم المحدد له .
وذلك ترى أنصار الله يعملون على نشر الفضيلة والخير بين الناس واللا يقبلون من أي كان أن يكون مصدراً للشر حتى وإن كان محسوباً عليهم أو المنتمي لهم .
من خلال ما سبق حاولت أن أقدم رؤية واضحة والمبسطة عن اختلاف سياسة أنصار الله عن من سواهم .. وذلك لاختلاف الفكر ومشروع والتوجه والأهداف والمبادئ والثوابت والمنطلقات .
أنصار الله لم يأتوا بجديد ولكنهم قاموا بإحياء القديم ليصبح جديداً ويواكب الأحداث والمتغيرات ..
مدرسة أنصار الله القديمة الجديدة هي مدرسة ربانية مدرسة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ومدرسة الإمام علي عليه السلام والأئمة وأعلام الهدى من آل البيت عليهم السلام .
مخرجات هذه المدرسة صالحة لكل زمان ومكان لشموليتها وسعة آفاقها ومجالاتها الواسعة بسعة منهجية القرآن الكريم…

قد يعجبك ايضا