لشعب اليمني في ظل العدوان والحصار.. التنمية المستدامة هي الحل

 

استطلاع / مروان حليصي

* مع استمرار العدوان السعودي الامريكي والحصار على الشعب اليمني الذي يوصف بأنه الأكثر فقرا في شبه الجزيرة، للعام الثالث على التوالي، وما خلفه من آثار كارثية وإنسانية عبر استهدافه المتعمد للبنية التحتية والمنشآت الاقتصادية والصناعية والتجارية وممتلكات المواطنين الخاصة، بالتزامن مع انقطاع صرف مرتبات الموظفين لعشرة أشهر جراء العدوان والحصار الذي شل الحياة برمتها، زادت نسبة الشريحة التي بحاجة الى مساعدات من الشعب اليمني، ولم تقتصر على شريحة الفقراء والمعدمين ، بل أنضم اليها العاطلون عن العمل والذين فقدوا اعمالهم أو استهدفت مصادر رزقهم ، والمزارعون الذين دمر العدوان مزارعهم والصيادون الذين احرق العدوان قواربهم، وصولا الى شريحة الطبقة المتوسطة والموظفين.
وفي ظل ازدحام معاناة الشعب اليمني بمختلف شرائحه ، زادت الحاجة الى دور المؤسسات والمنظمات في إغاثة الشعب، وفي سياق هذا الموضوع أجرينا استطلاعا لمعرفة آراء العديد من أبناء محافظة الحديدة حول دور المنظمات والمؤسسات الإغاثية في ذلك:
محمد صالح – مزارع – يقول: العدوان يقتلنا بغارات طائراته وفي نفس الوقت يقتل أسرنا جوعا نتيجة فقداننا لمصادر رزقنا التي كنا نعيش منها، وأضاف ” كنا نزرع بعض الزراعات التي تكاد تكفينا للقمة العيش وقيمة الديزل والزيت للمضخة، ولكن الآن لا أستطيع ان أزرع بنفس الوتيرة السابقة، وفي حال تعرضت المضخة لأي عطل فإننا لا نملك قيمة الإصلاح، ورغم ذلك صامدون في وجه العدوان، وعن المساعدات التي تقدمها المنظمات، يقول :نحصل على سلة أو سلتين غذائيتين من المنظمات، لكنها لا تغطي احتياج الأسرة بشكل كامل، واذا كانوا يعطونا أو يشتروا مقابل السلال الغذائية بعض البذور وكمية من الديزل للمضخة لكان أفضل لي، لأن ذلك سيجعلني أزرع الأرض واعيش منها لفترة أطول.
محمد سليمان حليصي رئيس لجنة الخدمات بالحديدة من جانبه يقول: ان العدوان رغم استخدامه للورقة الاقتصادية وتجويع المواطنين إلا ان صمود الشعب ومقاومة العدوان هو فطرة بالنسبة للشعب اليمني الذي يآبى الخنوع والركوع مهما كانت قوة الطرف الأخر ، واضاف ” هنالك العديد من المنظمات التي تساهم في إغاثة الشعب من خلال تقديمها للسلال الغذائية وبعض المساعدات الآخرى، إلا أننا في الواقع لا نريد تلك السلال، لأن دعم المنظمات لن يدوم للشعب اليمني ، ونحن بحاجة الى تسخير نصف ذلك الدعم في التنمية البشرية، والاهتمام بالإنسان باعتباره محور التنمية، وإقامة بعض الدورات لخريجي الثانوية في المديريات على مراحل في مجال الصيانة ،الخراطة، الميكانيك، الكهرباء وغيرها من المهن التي تؤهل المواطن اليمني الى العمل، والتي ستجعله يستغني عن دعم المنظمات.
وأضاف ” اكتفاء المؤسسات والمنظمات الانسانية والإغاثية العاملة في الساحة على تقديم المساعدات العينية للمواطنين جعل من مساعداتها بمثابة حلول مؤقته ، لا تسمن ولا تغني من جوع، وبمجرد ان تنتهي من حملاتها الإغاثية إلا والمواطن يبحث عن داعمٍ آخر يقدم له المزيد، ورغم انها ليست حلا جذريا لشعب يتعرض لعدوان كوني مترافق بحصار شامل، إلا انها في نفس الوقت صنعت مشكلة أخرى للمجتمع ، وهي مشكلة إتكال المجتمع على الآخرين في إطعامه وتوفير حاجاته ، واقعدته عن التفكير عن حلول تقيه الاستمرار في طلب المساعدة ، سيما والأرض اليمنية تزخر بالخيرات وبها العديد من الموارد الكفيلة بجعل المجتمع يعتمد عليها في سد حاجاته وتوفير متطلباته لاستمرار الحياة وصولا الى مرحلة الاكتفاء الذاتي.
ويرى الاعلامي عبد القادر المنصوب أن سياسات أغلب المنظمات والمؤسسات في العمل الإغاثي على تقديم بعض المساعدات العينية التي توفر الحلول المؤقتة للمجتمع في سد حاجاته، وتجاهلت العمل التنموي الذي كان ليغنيها عن تقديمها المساعدة للمجتمع نفسه أكثر من مرة، باعتبار العمل التنموي وتمكين المجتمع وتشجيعه على الإنتاج والعمل هو الحل الجذري الذي يجعل المجتمع يستغني عن طلب المساعدة مرة أخرى، وهو ما تجاهلته المؤسسات والمنظمات، ويفتقده المجتمع اليمني منذ بدء العدوان.
ويذهب علي حسن الريمي – مدرس – إلى أنه في تهامة الساحلية والزراعية التي نال ابناؤها نصيب الأسد من جرائم العدوان، قل ما تجد المنظمات أو المؤسسات التي تركت أثرها في، فكل المنظمات تهافتت على إغاثة المواطنين بالسلال الغذائية والمواد العينية التي لا تكفي الأسرة الواحدة لشهر كامل، وتجاهلت التنمية المجتمعية وتبني المبادرات المجتمعية والشبابية ودعم اصحاب المشاريع الصغيرة بالأفكار والحلول ، وتنفيذ ورش العمل والدورات التخصصية التي يحتاجها المزارعون والصيادون وأصحاب المهن للحفاظ على ديمومة مصادر رزقهم أو انقاذ مشاريعهم الصغيرة المجتمعية.
وبحسب الاعلامي ابراهيم الزعرور فإن المتابع للعمل الإغاثي والمساعداتي الذي تقوم به المنظمات والمؤسسات الإنسانية يلحظ تجاهلها لأهم عمل اغاثي ممكن ان تقدمه للمجتمع ، وهي التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يحتاجها الشعب اليمني، وكيفية توجيه المجتمع نحو المسار الصحيح الذي يمكنه من تخطي الصعوبات وتجاوز التحديات وصنع فرص حقيقة منها، بدلا عن الاستجداء وطلب المساعدات.
تجربة أبناء وادي مور مع مؤسسة بنيان للتنمية
جاء العام 2016 الذي مثل عام النكبة للعديد من القرى والأسر، حيث اجتاحت سيول الأمطار التي تدفقت بغزارة في وادي مور العديد من القرى وتسببت في جرف مئات الهكتارات من الاراضي الزراعية الخصبة على امتداد مساحة 28 كيلو مترا وبعرض أكثر من 300 كيلو متر، وتهدمت على إثرها العديد من منازل المواطنين الذين وجد اصحابها انفسهم بين خيارين احلاهما مر، فإما المخاطرة بأسرهم و البقاء في اماكنهم وانتظار محاصرة السيول لهم وتعريض أسرهم للموت المحدق ، أو النزوح الجماعي لهم الى أماكن أخرى، وهو الخيار الذي اجمع عليه الجميع بعد فقدان العشرات منهم لمنازلهم ومزارعهم.
ويقول نائب مدير غرفة الطوارئ في وادي مور: في بادئ الأمر كانت مسألة إعادة النازحين الى مساكنهم التي نزحوا منها والعودة الى إعادة تأهيل مزارعهم أمراً معقدا ويحتاج الى امكانيات مالية كبيرة وقدرات دولة ، سيما ولم تجر أي صيانة للوادي من قبل الجهات المختصة لأكثر من ثلاث سنوات سابقه كما أشار بذلك أحد أبناء وادي مور، لكون ذلك يتطلب أولا صيانة قنوات الري الرئيسية الحديثة والتقليدية ، وإعادة بناء ما دمرته السيول بشكل عام بتكلفة تصل الى عشرات الملايين من الريالات، إلا انه متى ما تملكت المجتمع الإرادة الصلبة والعزيمة في قهر التحديات وصنع منها فرص حقيقية، فأن المستحيل يصبح واقعا ،وهو ما دأبو على تحقيقه مع المؤسسة منذ اليوم الأول لتواجدها.
وأضاف : وأمام حجم الكارثة الإنسانية التي عاشها ابناء وادي مور وانعدام النفقات التشغيلية لدى الجهات المختصة لصيانة المنشاة المائية عقب استهداف طيران العدوان للهيئة العامة لتطوير تهامة، كانت هنالك حاجة ملحة لإنشاء كيان موحد يجمع كل جمعيات الوادي، وأثمرت الجهود المجتمعية في تأسيس غرفة الطوارئ لصيانة المنشآت المائية هو أول البذر للمشروع التنموي.
ولفت الى أن قيادة المؤسسة قامت بجمع أبناء وادي مور وتعريفهم بمسؤولياتهم في إنهاء معاناتهم ، وتحفيزهم من خلال دورات تدريبية وورش عمل نظمتها لأبناء الوادي على توظيف قدراتهم بالإشتراك مع الكوادر والمتخصصين من المؤسسة، وفي غضون فترة وجيزة وتحت شعار “معا نحول التحديات الى فرص” تم تحويل التحديات والصعوبات التي كانت تقف حجر عثرة امام عودة المواطنين الى حياتهم السابقة التي عاشوها ، الى مشروع حقيقي عمت فوائده جميع أبناء وادي مور.
كثيرة هي التجارب التي سردها لنا التاريخ ،واصبحت واقعا، عن العديد من الشعوب التي جعلت من معاناتها وظروف الحرب والحصار التي عاشتها منطلقا لنهضتها واعتمادها على نفسها في متطلباتها الحياتية، وهو ما يتطلع اليه المجتمع اليمني من المؤسسات والمنظمات ،من خلال تمكينه في التنمية و استنهاض مسؤولياته ودوره في التنمية الاقتصادية، وتشجيعه وتوجيهه على ان يكون رديفا للدولة في العمل التنموي في ظل عجز الدولة نتيجة العدوان والحصار، وإعانته على تجاوز الصعوبات والتحديات التي يواجهها من خلال ورش العمل والدورات التي يتطلبها حسب المجال، واليمن لن تكون الاستثناء ، سيما وبفضل قيادتها الثورية والسياسية قطعت شوطا كبيرا في مجالات عدة منها التصنيع الحربي والعسكري .

 

قد يعجبك ايضا