اليمن الواحد …

> في خلد يحيى بن حسين العرشي

زيد الفقيه
شَرُفْتُ بإهداء كتاب (صفحات من الماضي … في الوحدة والإعلام والثقافة) للأستاذ الفاضل / يحيى العرشي ، الكتاب في ثلاثة أجزاء ، جاء في جزئه الأول مقدمة ضافية أوجزت تاريخ اليمن المعاصر منذ اللحظات الأولى لثورة 26سبتمبر الخالدة وما رافقها من انتصارات وإخفاقات ، ولم يمر المؤلف على أي سنة من السنين إلَّا وقد كتب عن أحداثها ، إذ يُعد حاضراً في تلك الأحداث أو شاهداً عليها ، مستشهداً بما قاله الشعراء في كل مناسبة من تلك المناسبات دون أن يشطِّره ، لكنه جعل صنعاء وعدن وحديثه عنهما كغرفتين من غرف قلبه الذي ينبض بالحياة ، مشيراً إلى ما أنجزته الثورة في شتى المجالات ، والثقافة والإعلام على وجه الخصوص .
من يطَّلعُ على هذه المقدمة يأخذ وصفة كاملة عن تاريخ الثورة اليمنية تحديداً في أرض 22مايو90م ، تناول أحداثها شخصياتها أهم المنعطفات في حياتها ، لكأني أجده ومطهر الإرياني ـ وهو يوجز تاريخ اليمن القديم في مقدمة مذكرات القاضي عبدالرحمن الارياني ـ على سياق واحد لكن بخلفيات مختلفة.
عند وقوفي على ما كتبه الأستاذ يحيى في جزئه الأول استوقفتني بعض المحطات التي أدهشتني أفكارها ورؤاها
* وأولى هذه المحطات عنوان في مقابلة للأستاذ يحيى بصحيفة “الثورة” العدد(2520) بتاريخ 26 /2/ 1976م نصه 🙁 أعدنا تنظيم الإعلام ليستوعب مهمة الثقافة) هذه الرؤية لا تصدر إلا من شخص يفهم المهمة الجسيمة المناطة بالثقافة والإعلام ، إذ جعل الإعلام الوسيلة الأمثل لحمل رسالة الثقافة إلى جميع شرائح المجتمع ، إذ تعد الثقافة والتربية هما موئل التغيير ووسيلة التحضر في أي مجتمع من المجتمعات ، وقد ترجم رؤيته التنظيمية للإعلام والثقافة بعد أن تحدث عن الانجازات بالقول : ( وكان لا بد من أن يساير تلك الانجازات ـ التي تحققت ـ إعادة تنظيم وزارة الإعلام ، بحيث تستوعب مهمة الثقافة الوطنية ، باعتبارها المنطلق الأساسي لخطوات أي شعب)، وفي اعتقادي لو كنا في بلدٍ يأخذ بمبادئ العلم والبحث العلمي لانبرى عدد من الباحثين لدراسة هذه الرؤية بمختلف أبعادها : الثقافية ، والوطنية ، والتربوية التي تومئ إليها ـ حتى في وقتنا الحالي ـ بخاصة ، ونحن بأمس الحاجة إلى أن نتخذ من ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا السمح ما هو كفيل بإخراجنا مما نحن فيه، في هذه الرؤية بل في أحد أبعادها أن مهمة الإعلام هي مهمة وطنية ناطقة باسم الشعب وهي منه وإليه، لا أن تكون مهمته للحاكم بكل تفاصيل حياته اليومية ؛ دخل ، خرج ، قام، قعد …الخ وكذا التركيز على تلميع أسرته ، وقادته العسكريين ، وهذا ما دأب عليه الإعلام العربي بالإضافة إلى نشر ثقافة الحذق والشيطنة ، وتلميع الفاسد وبخس الوطني الشريف الورع.
إحياء التراث
لقد أولى الأستاذ يحيى التراث جل اهتمامه ـ وما يزال ـ لأنه قد أُشْربَه منذ الصغر ومن ثمَّ فقد اهتم بالتراث اليمني بكل أشكاله : المطمور ، والمعمور ، والمقروء ، والمسموع ، وكان ضمن الخطة الخمسية في حينه طباعة مائة كتاب ثراثي بين مخطوط ومطبوع ، وإنشاء الفرق الفنية الإنشادية والغنائية والراقصة ، وفرقة مسرحية ، وإنتاج فلم وثائقي عن اليمن الجديد ، وغيرها الخطوات التي عمدت إلى إعادة إحياء تراثنا اليمني ، كما عمل على تكريم عدد من أبرز الأدباء اليمنيين ومنهم أ.د. عبدالعزيز المقالح ، الشاعر عبدالله البروني ، شاعر الثورة صالح سحلول ، والأستاذ الشاعر عمر الجاوي ،والشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان ، ثريا منقوش ، أحمد سعيد باخبيرة ، أحمد بن صالح بن غودل ،عبدالمجيد القاضي ،القرشي عبدالرحيم سلام، وعالم الآثار/محمد عبدالقادر بافقيه .
وقد سجل عام 1980م ، أهم حدث ثقافي في تلك الفترة تمثل بافتتاح مطابع مؤسسة سبأ للصحافة ومقر صحيفة “الثورة” ،وكان هذا الحدث من أهم منجزات تلك الفترة ، لما ترتب عليه من إنجاز ثقافي وصحفي .
في عام 1985م وتحديداً يوم 4 /6 /85م جاء في الصفحات 168ـ 170، من الجزء الأول مقابلة مع الأستاذ يحيى في صحيفة الشرق الأوسط وتركزت تلك المقابلة عن خطوات لجان الوحدة التي كانت تسير حين ذاك بوتيرة عالية ، حين تقرأ أسئلة تلك المقابلة تشعر أنها أسئلة استجوابية مخابراتية ، وليست أسئلة إيضاحية ـ من وجهة نظري ـ لكن دبلوماسيته حوَّلت اجوبته عليها إلى معلومات عن الوحدة التي تِطَمْئِن كل جيران اليمن ، وأنها ستكون عوناً وسنداً لدول الجوار ، نعرض للقارئ الكريم هذين السؤالين من المقابلة على سبيل المثال لا الحصر :
س : عند توليكم منصب وزير الدولة لشؤون الوحدة اليمنية ـ ضمن التعديل الوزاري الأخير أفاد قرار التعيين ـ ضمنا ـ تطوير مكتب شؤون الوحدة إلى وزارة … هل يمكن تحديد أهم ما يعنيه هذا التطوير؟
س: هل يمكن إعطاء تفاصيل أكثر عن الاجتماع الطارئ الأخير الذي تم بين رئيسي الشطرين في عدن وتعز ، وأهم النتائج التي خرج بها وما هي ملامح اللقاءات المتكررة أخيراً بين المسؤولين في حكومتي الشطرين … وما هي أهدافها ونتائجها حتى الآن ؟ ثم ما هي ثمارها المنتظرة على المدى المنظور يمنياً وعربياً؟
هذان السؤالان نموذجان لمقابلة كاملة عملتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية في ذلك الوقت ، وهناك أسئلة أكثر استجواباً في المقابلة وقد وجدت فيها أنها لجلب معلومات دقيقة وتفصيلية عن خطوات سير الوحدة ، التي كانت السعودية والشيخ عبدالله ومن يدور في فلكهما ضد قيامها ، كما ذكر ذلك خالد القاسمي في حينه بكتابه : (الوحدة اليمنية حاضرا ومستقبلاً) .
خلاصة القول : إن استاذنا / يحيى بن حسين العرشي في هذا الكتاب أراد أن يؤرخ لمرحلة تاريخية من أهم مراحل الحياة السياسية اليمنية ، كان هو من صانعي هذه المرحلة ، وهي خلاصة تجربه عملية نضالية وطنية من الطراز الفريد ، ونستطيع أن نطلق عليها اسم مذكرات رجل الدولة يحيى العرشي ، لكن بطريقة يتداخل فيها التاريخ بالسياسة بالتراجم بعلم الاجتماع ، استطاع الكاتب أن يحيك مظانها لتوائم بين العلوم المذكورة في وعاء واحدٍ.
الكتاب جديرٌ بالقراءة ، وقد اقتصرت في هذا السفر المتواضع على إعطاء نبذة عن الكتاب من خلال جزئه الأول ، لكن الجزأين الآخرين فيهما ما هو أهم وأبدع مما بين أيديكم أعزائي القراء .

قد يعجبك ايضا