بين حركة التصحيح وثورة الـ21 من سبتمبر

قاسم مشترك.. وعدو واحد
إعداد/
حمير العزكي

منذ بداية العدوان الغاشم على بلادنا وتباين مواقف القيادات الحزبية والشخصيات السياسية مابين مؤيد بلا خجل ومقاوم بلا كلل وبناءً على هذا التباين شنت الهجمات الضارية والشرسة على المقاومين الشرفاء ولعل أوفرهم نصيباً من ذلك القيادات الناصرية التي انحازت لوطنها.. تجسيدا لمبادئها ووفاءً لرموزها.. ناصر والحمدي ولم تتناس تحت تأثير المال صنائع آل سعود بهما وبأمتهما كغيرها من القيادات التي باعت نفسها بخسا أمثال عبدالملك المخلافي.

لذلك عزمت العودة الى حركة13يونيو التصحيحة بقيادة الشهيد المقدم إبراهيم الحمدي ومقارنتها بثورة 21سبتمبر بقيادة السيد عبدالملك الحوثي وإبراز القواسم المشتركة بينهما من حيث القيادة والظروف المصاحبة واهم الخطوات العملية وأخيراً العدو المشترك فالقادم من مدينة(ثلا) الخارجة من خريطة النفوذ القبلي والعسكري من أسرة علم وقضاء ليست ضمن تشكيلة أي من فرق اللعبة السياسية المتقاسمة للنفوذ وغنائمه وبعيدة كل البعد عن كل مصادر القرار ومراكز النفوذ.. لا يختلف كثيرا في ذلك عن القادم من (مران) صعدة غير أن ذلك البعد كان في جوهرها قربا من معاناة البلاد والشعور بآلامها والتأمل في احوالها وبذل المستطاع في مساعدة الناس وانصاف المظلومين من خلال المكانة العلمية والتأثير الاجتماعي المعنوي في نطاقها الجغرافي المحدود وكان لكل ذلك انعكاساته على تكوين شخصية القائد وثرائها المعرفي والتزامها الديني وبعدها الاخلاقي والسلوكي والتي كونت في مجموعها حسا وطنيا ونزقا ثوريا ونزعة تحررية عززتها فيما بعد الأحداث والمتغيرات التي شهدها المحيط العربي في كلا المرحلتين وأيضا كان لذلك البعد عن مراكز القرار والنفوذ أثرا ايجابيا في البراءة من كل سلبيات الفترات السابقة للمرحلتين ومؤامرتها وفسادها وكذلك عدم الارتباط بأي من قوى النفوذ في الداخل أو الخارج وقد مثل ذلك حجر الزاوية في بناء شخصية القائد وأساسا لوضع الرؤية المستقبلية لنهضة واستقرار واستقلال اليمن مهما تباينت الايديولوجات واختلفت الوسائل وتنوعت الأساليب لكل منهما وبذلك تمثل وحدة القيادة وتكوينها وتحررها من قيود النفوذ الداخلي والخارجي القاسم المشترك الأول بين 13يونيو و 21سبتمبر.

*اليمن ما قبل الثورتين
بالقليل من التأمل واليسير من الإنصاف مع السلامة من التعصب والأهواء والقناعات الفكرية المسبقة والنزعة المناطقية المقيتة.. تبرز أوجه التشابه واضحة للعين بين الظروف المصاحبة للثورتين وملامح المشهد السياسي للفترة السابقة لهما ومنها حسب وجهة نظري – التي لا أراها ملزمة مهما بلغت درجة اعتقادي بصوابها – ومن ذلك:
*ثورتان بعد ثورتين
بعد أن طال أمد الصراع إبان ثورة 26سبتمبر بين الملكيين والجمهوريين وعجز أي من الطرفين على حسم المواجهة لصالحه وكذلك تراجع الدور المصري بعد نكسة67 وتعاظم الدور السعودي – الذي سنتحدث عنه لاحقا – كان لابد من إنهاء ذلك الصراع لتبدأ الفترة التي سبقت 13 يونيو ب(المصالحة الوطنية)
وعلى نفس المنوال عندما طال أمد ثورة 11 فبراير ولم تستطع إسقاط النظام ولم يتمكن النظام من احتوائها وإخمادها وأصبح البحث عن مخرج هدف الجميع وإنهاء الصراع والبدء في الفترة التي سبقت 21 سبتمبر ب(المبادرة الخليجية)
ومن لم يلاحظ هذا التشابه الكبير في تلك الفترتين سيلاحظه في ما تلاهما من أحداث ومنها على سبيل المثال بعد المصالحة الوطنية تم تشكيل حكومة شراكة وطنية بين الجمهوريين والملكيين وبعد المبادرة الخليجية تم تشكيل حكومة وفاق وطني بين المشترك وشركائه والمؤتمر وحلفائه.

في المرحلتين تم اختيار(رئيس توافقي)
لاينتمي لمراكز النفوذ .. يقبل به الجميع .. لضعفه كي يسهل الضغط عليه من الجميع
في المرحلتين ازدادت قوة مراكز النفوذ ليزداد الصراع فيما بينها وتنعكس آثاره على الرئيس التوفقي – في المرحلتين – وبالتالي أصبح (مسلوب الإرادة) لايملك القرار ولا أجد فرقا في ذلك بين القاضي الارياني والدنبوع هادي سوى حرص الارياني على عدم إراقة الدم اليمني وعدم اكتفاء الدنبوع بإراقة اليمنيين دماء بعضهم بل استدعى عدوانا خارجيا لذلك من اجل بقائه في الرئاسة وبالتالي فكلاهما خضعا لمراكز النفوذ القبلي المتكئ على النفوذ العسكري والنفوذ الخارجي في أقوى صوره عندما قدما استقالتهما واحدثا حالة فراغ دستوري فالأول استقال رئيس مجلس الشعب بعد تقديمه استقالته وذلك منعا لنشوب حرب أهلية – حسب قوله – والثاني كان رئيس الوزراء قد سبقه بالاستقالة وذلك من اجل نشوب حرب أهلية – حسب فعله – بالإضافة ان كلاهما حرصا على وضع دستور للبلاد في فترتهما وان لم يدرك هادي الوقت لذلك كما شهدت الفترتين وبرغم توقف الصراعات وتدفق المعونات والمساعدات تدهور الحالة المعيشية والاقتصادية في عموم البلاد ليقف الشعب وحيدا وقد تخلى الجميع عنه حين آثر الرؤساء سلامتهم وآثرت مراكز النفوذ مصالحها ولم يزل واقفا يرقب ما سيهديه القدر وتمنحه كف المشيئة من سبل الخلاص..

*الخطوات الثورية المشتركة
وبعد أن وقفت البلاد على حافة الانهيار تقاوم بغريزة حب البقاء قوتان عابثتان ظلتا تتجاذبانها حتى أوصلتاها ذلك الموصل وهما مراكز النفوذ والفساد المستشري والعلاقة الطردية الازليه بينهما التي مثلت رأس العلة لذلك فإن أي حركة إنقاذ للبلاد لابد أن تبدأ بإجراءات ثورية عاجلة لكبح جماح تلك القوتين والقضاء عليهما وفي أتون تلك المواجهة المحتدمة رغم تفاوت القوى بين غريزة البقاء وعوامل الفناء بين إرادة الشعوب المنهكة والمنظومات الحاكمة المستبدة حمل العام 1974 مفاجأة لم تكن في حسبان القوى النافذة ويحمل العام 2014 ذات المفاجأة مهما اختلفت المسميات أو التوجهات أو الايديولوجيات بعد 40 عام تتكرر المفاجأة الصادمة للداخل والخارج على حد سواء
حركتان ثوريتان لإنقاذ اليمن تتخذان ذات الخطوات مع اختلاف الوسائل تصلان لذا الهدف الاستقلال والاستقرار والسيادة وبناء الدولة ومن هذه الخطوات….

1/القضاء على مراكز النفوذ
بعد تولي مجلس قيادة الثورة زمام الحكم في 13 يونيو74 قام الشهيد الحمدي بعدد من الإجراءات للقضاء على النفوذ القبلي فبدأ الحمدي بالتقليل من دور مشائخ القبائل في الجيش والدولة وألغى وزارة شؤون القبائل التي كان يرأسها عبدالله بن حسين الأحمر باعتبارها معوقاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحولت إلى إدارة خاصة تحت مسمى “الإدارة المحلية” ثم قام حل مصلحة شؤون القبائل ولم يسمح لأي شيخ قبلي بتولي منصب حكومي ولأن الشهيد الحمدي كان من أبناء الجيش فقد قضاء على النفوذ العسكري المسنود من النفوذ القبلي جهوياً ومناطقياً وذلك من خلال اختيار وتعيين ضباط أحرار أمثال مجاهد أبو شوارب وعبدالله عبدالعالم.
ولم يختلف الحال في 21سبتمبر 2014 كثيرا فبعد نجاح الثورة لم تجد قوى النفوذ القبلي والعسكري التي كانت قد تطورت وجعلت لنفسها غطاءً حزبياً سياسياً بدلاً عن الغطاء الجهوي المناطقي في السابق لم تجد لها أمام الضغط الشعبي والزحف الجماهيري الثائر سبيلا سوى الفرار و الهروب
وجدير بالملاحظة أن اختلاف طبيعة الثورة (عسكرية – شعبية) أدى إلى اختلاف الوسيلة
2/القضاء على الفساد
صاحب حركة 13 يونيو إنشاء (لجان تصحيحية) في جميع مرافق ومؤسسات الدولة تقوم بدور رقابي مصاحب وتشرف على اداء المؤسسات وتحد من الصلاحيات المطلقة للقائمين عليها وتمنع استغلالهم لمناصبهم والعبث بالمال العام
كما صاحب ثورة21سبتمبر تشكيل (لجان ثورية) تقوم بنفس مهام تلك اللجان التصحيحية بعد ان رفضت السلطات تمكين قيادة الثورة من الرقابة عبر الأجهزة الرسمية المنشأة لغرض الرقابة
– الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة –
ومهما كان الخلاف والاختلاف في تقييم أداء اللجان التصحيحية واللجان الثورية بين عين رضا لا ترى عيباً وعين سخط لا ترى جميلاً إلاَّ أن لتشابه الخطوات الثورية دلالات عميقة تفرض على المتمترسين خلف القناعات الأيديولوجية والمناطقية الوقوف مع أنفسهم والتأمل قليلا في مواقفهم

*العدو المشترك
بدأت اليد السعودية العابثة التدخل المباشر في الشأن اليمني إبان ثورة ال26من سبتمبر 1962 وذلك عندما اتخذت موقفا ظل ملازما لسياستها تجاه اليمن حتى اليوم ذلك الموقف الصلف المتكرر بالوقوف ضد ارادة الشعب وآماله وتطلعاته مسخرة في سبيل ذلك كل إمكانياتها المادية والمعنوية تجسيدا للثقافة الرجعية التخلفية التي قامت عليها
ففي ثورة 26سبتمبر قامت بدعم الملكيين بشتى صنوف الدعم الممكنة والاستماتة في إعادتهم للحكم – وحسب اعتقادي لم يكن هذا الموقف كما يرى البعض رد فعل على دعم عبدالناصر للثورات التحررية في البلاد العربية بل كل هذا الموقف هو الفعل الذي استوجب رد الفعل من عبدالناصر- وقد كانت وسيلتها الأبرز تتمثل في شراء الذمم والولاءات والتي ظلت تستخدمها حتى اليوم وان غيرت خارطة تحالفاتها من حين لآخر ونلاحظ ذلك جليا في حركة 13 يونيو عندما استخدمت لمواجهة هذه الحركة التصحيحية حلفاءها الجدد الذين كانوا يقفون ضدها في صف الجمهورية ويتمثل هؤلاء الحلفاء في من تمكنت من شراء ولاءاتهم من المشائخ بالإضافة إلى الإخوان الذين كانوا في عداء فكري مع كل التيارات القومية التقدمية ونظراً للطابع العسكري للحركة ووقوف الجيش إلى جانب الحركة وقيادتها التي تنتمي إليه وعدم قدرة السعودية على التدخل العسكري المباشر – بسبب برود وتدهور علاقاتها مع الأمريكان والغرب في أعقاب حرب اكتوبر73 – وغير المباشر بواسطة حلفائها – بسبب موقف الجيش الموحد
فلجأت إلى اغتيال الوطن في قيادته الشهيد إبراهيم الحمدي والذي شابه الغموض وكثر الأخذ والرد فيه وتبادل الاتهامات حول من قام بالتنفيذ ولكن لا خلاف حول حقيقة أن النظام السعودي كان المخطط والممول لتضع بذلك حدا لطموحاته وتفرض معادلة جديدة لن تجرؤ على العبث بمتغيراتها أي قيادة مستقبلية كي لاتلقى نفس المصير
أما في 11فبراير2011 فلم يتغير موقفها كثيرا وان كان فيه شيء من الدهاء والسياسية التي طالما تفتقدها السعودية حيث مثل انضمام حلفائها التقليديين إلى ثورة الشباب السلمية تشويها لأهدافها وإفراغا لمحتواها القيمي .. أفقدها جزءً كبيراً من الزخم الشعبي وكان سببا لإحجام الكثير عن الانضمام إلى صفوفها – أنا أحدهم – ومثل انضمام تلك الشخصيات والأحزاب إكسير الحياة للنظام طال به عمره ومكنه من تحسين فرص التفاوض لديه التفاوض الذي أنتج المبادرة الخليجية
ليعتقد البعض حينها أنها تخلت عن حلفائها التقليديين ووقفت بصف النظام وهي في حقيقتها وقفت ضد الشعب وإرادته بغض النظر عن الاستفادة العرضية التي قد يحرزها أي من الأطراف تلك الأطراف التي أرادت المبادرة الخليجية مؤقتة ومفسرة فأرادتها السعودية مبهمة ومفخخة
وأخيرا يتجلى صلف وهمجية الموقف السعودي في مواجهته لثورة 21 سبتمبر 2014 عندما قدم الملاذ الآمن لعملائه الفارين من ثورة الشعب في البداية ثم التخطيط لحالة الفوضى عن طريق الاغتيالات والتفجيرات والعبوات الناسفة وكذلك التخطيط لحالة الفراغ عبر تقديم الاستقالات وعندما فشل التقط قميص الشرعية وبدأ العدوان الغاشم جوا باسم التحالف وبرا بمرتزقته الذين تجمعوا في بعض المحافظات
لقد تدارك النظام السعودي ما اعتبره خطأ عندما ترك لحركة13 يونيو بعض الوقت فحققت انجازات جعلته يشعر بالغصة أمدا طويلا فحاول ان يباغت ثورة21 سبتمبر ليقضي عليها في مهدها بالتدخل العسكري ويقضي عليها فكريا بنفس الأداة الفكرية التي استخدمها للقضاء على أفكار 13 يونيو بنفس الوجوه وذات اللحى والمنابر على منهج لم ولن يتغير( التكفير والتضليل )
لتظل السعودية ومن خلفها من الأنظمة الامبريالية الاستكبارية وعملاؤها من المشائخ والإخوان عدواً مشتركاً لـ 13 يونيو و 21 سبتمبر وكل الحركات التحررية
ختاما…
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدي المساويا
بعد أن انتهيت من كتابة رؤيتي المتواضعة والتي آمنت بصوابها إيماني بحق غيري في نفيها واقتنعت بكل حرف فيها قناعتي بحق الغير عدم الاقتناع بأي حرف منها .. وقد اجتهدت في ذلك الاختصار المفيد وذكر المواقف التي لاخلاف فيها ملتزما بقدر لابأس به من الموضوعية والتجرد وملتمسا العذر عن القصور الوارد دون ريب فالموضوع أكبر بكثير من قدرات كاتب مبتدئ ولكني لما لم أجد من يتصدى له شرعت فيه ملتمسا من العلي القدير السداد والتوفيق.

قد يعجبك ايضا