تاريخ اليمن في مرمى الحقد الوهابي البغيض

 

 

مجدي عقبة

لم تقتصر الحرب التي تقودها السعودية في اليمن على تدمير الحاضر والمستقبل بل ذهبت إلى إيذاء الماضي من خلال تدميرها لمعالم تاريخ اليمن وحضارته العريقة بات من المؤسف أن يكون الإرث الحضاري مشوه الآثار والصروح أو رهن اللامبالاة بسبب الحرب الدائرة في رحى اليمن المملوء بالشواهد والآثار والمعالم الحضارية والإنسانية، حيث تفقد اليمن يوميًا جزءاً من آثارها التاريخية المدرجة على قائمة التراث العالمي، وذلك بفعل الغارات التي يشنها طيران تحالف العدوان بقيادة السعودية ضمن الحرب على اليمن، تلك الغارات المتواصلة منذ عامين ونصف العام لم تفرق بين حجر وبشر بل تستهدف بشكل ممنهج المنازل والبنى التحتية والآثار التاريخية، لتهدم بذلك تاريخ شعب وحضارته، وهو ما دفع اليونسكو إلى دق ناقوس الخطر. حيث علقت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو “ايرينا بوكوفا” على الغارات الجوية التي نفذها طيران التحالف السعودي على مدينة صنعاء القديمة في تاريخ 12/6/2015م قائلة “إن التراث الثقافي هو جزء من ذاكرة وهوية المجتمعات ومرجع هام للمصالحة المستقبلية وللتنمية المستدامة وهذا التراث يجب احترامه وحمايته”، وحثت “بوكوفا” على الكف فورًا عن استهداف التراث الثقافي وبشكل خاص المناطق السكنية التاريخية ولا ينبغي أن يتضرر التراث الثقافي أثناء الأزمات، داعيةً إلى احترام اتفاقية عام 1954م بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة الاشتباكات وبروتوكولها عن طريق الإحجام عن استهداف الممتلكات الثقافية واستخدامها لأغراض عسكرية.
وكان موقع “ميدل ايست آي” البريطاني، قد نشر تقرير (الجمعة 2 سبتمبر 2016) التقرير أعده كل من بيتر اوبورن (الحائز على جائزة الصحافة)، ونوال المقحفي (مراسلة ميدل ايست آي)، اللذين زارا اليمن خلال تلك الفترة حيث كشف التقرير كيف محت السعودية، بشكل رهيب، ماضي اليمن العتيق وتراثه النابض بالحياة. يقول معدا التقرير،
إن السعودية لم تستهدف مجرد المدنيين خلال الحرب العدوانية على اليمن، لكنها أيضاً ضربت، مراراً وتكراراً، التراث المعماري الفريد، وألحقت دماراً لا يوصف. في تراث اليمن النابض بالحياة وعدد من العمارة التي تعود إلى عدة قرون، ويشير التقرير، إلى أنه حتى مدينة صنعاء القديمة – التي يعود تاريخها لأكثر من 2500 سنة، من وهي ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. كل شيء فيه لا يقدر بثمن وفريدة من نوعها، كما هو الحال في المدن الأوروبية، مثل البندقية وفلورنسا، لم تسلم من قبل طائرات قوات التحالف التي تقودها السعودية حسب ما جاء في التقرير .. يذكر أن مدينة صنعاء القديمة والتي تعد أقدم عاصمة في التاريخ مأهولة بشكل متواصل منذ أكثر من 2500 سنة، وكانت مركزا رئيسا لنشر الديانة الإسلامية، وفيها أكثر من 100 مسجد و14 حماما عاما وأكثر من 6 آلاف دار تاريخية. وأدرجت في قائمة يونسكو لمواقع التراث العالمي عام 1986م.
واتهم بعض الخبراء الدوليين السعودية بالانسياق وراء دوافع مماثلة لداعش والقاعدة في تدميرها الممنهج للتراث والحضارة الإنسانية العملاقة.
حيث كتبت لمياء الخالدي، عالمة آثار في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، في نيويورك تايمز:
لايوجد أي مبرر للسعودية في قصف وتدمير هذه المواقع التراثية الثقافية والحضارة اليمنية القديمة، سوى أنه نفس الفكر “الظلامي” الذي يبرره “داعش” في تدميره لمواقع التراث الثقافي. ليس هناك تفسير آخر على الهجوم السعودي لهذه الكنوز الأثرية التي لا يمكن أن يستغني عنها العالم، وأشارت عالمة الآثار لمياء الخالدي، إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية قد يكون متعمداً الاستهداف للتراث اليمني.
أما المدينة القديمة في صعدة، والتي تعد واحدة من أقدم وأهم المدن المميزة بالعمارة الترابية في شمال البلاد فقد كان لها النصيب الأكبر من الدمار حيث دمرت معظم مبانيها الأثرية والتاريخية بسبب القصف الجوي الذي نفذه طيران التحالف والذي خلف دمارا واسعا في معظم أحياء صعدة القديمة حتى باحة مسجد الإمام الهادي، الذي يعتبر المركز الروحي للمدرسة الزيدية، دمرت تماماً. الجدير بالذكر أن التحالف السعودي كان قد أعلن في بداية حربه على اليمن محافظة صعدة بالكامل هدفا عسكرياً .
أما “سد مارب” الذي يعتبر واحدًا من أهم المواقع الأثرية في اليمن على الإطلاق، وأحد أبرز المعجزات الهندسية لتاريخ شبه الجزيرة العربية، لم يسلم أيضًا من غارات التحالف العربي، حيث قام سلاح الجو السعودي بتاريخ 31/5/2015م بشن خمس غارات على سد مارب التاريخي القديم، إذ أصابت الغارات المصرف الجنوبي للسد بأضرار كبيرة ويعود تاريخ هذا السد إلى القرن الثامن قبل الميلاد في مملكة سبأ، التي لم يعد يتبقى من حقبتها التاريخية الكثير من الآثار مثل هذا السد.
الدمار في مدينة كوكبان التاريخية
قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في 18 من الماضي، إن حصن “كوكبان” الذي نجا من حروب القرن الثاني الميلادي التي خاضها الأيوبيون في اليمن ومن حروب المصريين والعثمانيين في الماضي ظل صامدًا حتى تاريخ 14 فبراير 2016، مشيرة إلى أن الطائرات الحربية السعودية قصفته بـ4 صواريخ حطمت بوابته التاريخية وقتلت 7 أشخاص وحولت المنازل التاريخية إلى كومة من التراب. ولفتت الصحيفة إلى أن الحرب التي تقودها السعودية على اليمن بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية تهدد مستقبل البلاد. مشيرة إلى أن اليمن تعرض لحروب عدة في السابق، لكن أي منها لم يترك دمارًا مثل الذي خلفته الحرب الحالية. وذكرت الصحيفة أن اليمنيين يدركون أن بلادهم تعد واحدة من أقدم مستودعات الحضارة في العالم والتي يمتد تاريخها إلى حقبة ما قبل الميلاد، مشيرة إلى وجود أصوات تطالب بالحفاظ على تراث اليمن الحضاري الذي يتعرض للدمار.
وبالتوازي مع ما يقوم به طيران العدوان السعودي من تدمير ممنهج للمعالم الأثرية والتاريخية في شمال اليمن كانت الجماعات الدينية المتطرفة التي انتشرت في جنوب اليمن ضمن صفوف ما تسمى المقاومة المدعومة سعوديا قد قامت بهدم وتدمير كل القباب والأضرحة الأثرية والتاريخية في تلك المناطق بذريعة أنها من “مظاهر الشرك حيث تطابقت ممارسات هذه الجماعات الإرهابية والمتشددة التي تسيطر على مناطق شاسعة من شرق وجنوب اليمن مع ما يقوم به الطيران السعودي في شمال اليمن وما يمارسه تنظيم داعش الإرهابي في العراق من نسف وتدمير للمعالم التاريخية والأثرية في الأماكن الخاضعة لسيطرة التنظيم الإرهابي ، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر أقدمت جماعة دينية متطرفة بتاريخ 14/ فبرابر 2016م على هدم قباب أثرية تحوي أضرحة في مسجد الشيخ ابن إسماعيل الواقع في منطقة مسيال سمعون في مدينة الشحر بحضرموت وتعد هذه القباب من أقدم القباب الإسلامية، أما في محافظة تعز فقد أقدم متشددون على تفجير قبة الشيخ مدافع بن احمد بن محمد المعيني الملقب ” بالخولاني ” الواقعة في منطقة صينة مديرية المظفر والتي يعود بناؤها الى نحو 640 هجرية مستخدمين مادة الديناميت حيث يقدر عمرها بـ 800 سنة وفي تعز أيضا أقدم متشددون على اقتحام ضريح ومقام الإمام عبد الهادي السودي والذي يقع مسجده في حي يحمل اسمه في الأشرفية بالمدينة القديمة وقاموا بالعبث والتخريب في الضريح وتهديم، أجزاء منه كما قاموا بسرقة الأخشاب والمنحوتات والزخارف الأثرية، أما في محافظة عدن فقد أقدمت عناصر تنظيم القاعدة المنضوية تحت مسمى “المقاومة ” على هدم وتخريب مسجد الحسيني المعروف بـ ” الخوجة ” وقبتيه الجميلتين والذي يقع في شارع الإمام العيدروس بكريتر مستخدمين جرافة لهدم ما تبقى من القبتين بعد عجزهم عن تكسيرهما وتدميرهما بشكل كامل بأيديهم، وفي عدن أيضا أقدمت عناصر موالية لتنظيم داعش بتاريخ 16 سبتمبر 2015 على إحراق كنيسة الباردي التاريخية على مرأى ومسمع الجميع ومن السلطات المحلية وقوات العدوان السعودية الإماراتي.
كما أن هنالك نوعا من محاولات استئصال الهوية والجذور اليمنية في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرة حلفاء السعودية وكانت جزيرة سقطرى اليمنية في مقدمة الأماكن المتأثرة من هذه التصرفات، حيث اقدمت دولة من المناطق الخاضعة لسيطرة حلفاء السعودية وكانت جزيرة سقطرى اليمنية في مقدمة الأماكن المتأثرة من هذه التصرفات حيث أقدمت دولة الإمارات وعبر قواتها المتواجدة في سقطرى على إيذاء الخصوصية الطبيعية والتاريخية التي تتميز بها هذه الجزيرة وقد رصدت في هذا السياق عدداً من الانتهاكات مثل تغيير بعض المعالم وقطع ونقل عدد من الأشجار النادرة مثل شجرة دم الأخوين والتي تم نقلها إلى بعض شوارع المدن الإماراتية وهو مادفع بكثير من النشطاء والحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني إلى رفع الصوت عاليا تنديدا بما تقوم به الإمارات من نهب وتجريف للتراث الذي تتميز به سقطرى اليمنية، داعين المجتمع الدولي إلى حماية الأرخبيل وخصوصيته التاريخية من أطماع دولة الامارت، الإحصائيات الرسمية التي رصدتها الهيئة العامة للآثار حول حجم الضرر والدمار الذي طال عشرات المواقع الأثرية والتاريخية بفعل هذه الحرب اللاحضارية التي تشنها دول تحالف العدوان بقيادة السعودية على اليمن بينت أن أكثر من 60 موقعاً أثريا ومعلما تاريخياً استهدفها طيران العدوان السعودي في مختلف مناطق اليمن حتى الآن.

قد يعجبك ايضا