كشف الغطاء عن عدم صحة أخذ زيد عن واصل بن عطاء 1-2

عدنان الجنيد

أطلعتُ على بعض مصادر المعتزلة فوجدتهم يذكرون بأن الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب – عليهم السلام – تتلمذ على يد واصل بن عطاء شيخ المعتزلة في عصره ، وكلامهم هذا غير مقبول..
فكيف يُقبل مثل هذا الكلام ومعلوم قطعاً بأن الإمام زيد خريج بيت النبوة وهو حفيد ينبوع الفتوة – سلام الله عليهم أجمعين – … فما هو الداعي إلى أن يتتلمذ على يد واصل بن عطاء وهو أحد أعلام آل البيت الذين جعلهم الله تعالى مصابيح الهدى ، وسُفن النجاة..
أم كيف يحتاج الإمام زيد (ع ) إلى علم واصل بن عطاء وحديث الثقلين يحث الأمة على التمسك بالكتاب والعترة وأنهما أمان هذه الأمة من الضلال ومعلوم أن واصلاً فرد من أبناء هذه الأمة ، والإمام زيد – عليه السلام – من العترة الطاهرة والشموس الزاهرة أنوار الدنيا والآخرة فهم أمان هذه الأمة ووارثوا علم الأنبياء … فكان الأولى بهم أن يقولوا بأن واصل بن عطاء تتلمذ على يد الإمام زيد (ع ) وليس العكس
وهذا ليس تخميناً أو رأياً من غير دليل بل حقائق تاريخية معضدة بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة ونوجزها فيما يلي :
1-أن الإمام زيد (ع ) ولد في المدينة المنورة في بيت النبوة وتربى في كنفها وشرب من معينها ، حيث نشأ في أحضان والده الإمام زين العابدين علي بن الحسين ( ع ) أعلم أهل زمانه وأخيه الأكبر باقر علوم الأنبياء الإمام محمد الباقر ( ع ) فقد درس وتعلم على يديهما جميع العلوم لاسيما علم العقيدة وعلوم العصر فهو _ أي الإمام زيد _ خريج مدرسة لا يحتاج بعدها إلى مدرسة أخرى ( مدرسة زين العابدين إمام الدنيا والدين ومدرسة باقرعلوم الأنبياء والمرسلين ) فإذا كان كذلك فما هو الذي سيحوجه إلى التتلمذ على يد واصل بن عطاء ؟!! هذا مع العلم أن الإمام زيد أكبر سناً من واصل بسنوات فولادته – عليه السلام – كانت سنة 66هـ أو سنة 67هـ… بينما ولادة واصل بن عطاء سنة 80هـ وهو المتفق عليه ، وصحيح أن كتب الطبقات والتراجم إختلفت في تحديد سنة ولادة الإمام زيد حيث ذكرت أن ولادته في سنة 80 هـ وبعضها ذكرت أن ولادته سنة 75هـ وأخرى ذكرت سنة 78هـ … لكن الذي جعلنا نقول بأن ولادته كانت سنة 66هـ أو 67هـ هو أن المختار الثقفي كان قد اشترى أم الإمام زيد _ وهي أم ولد من السند ( باكستان ) – وكانت متحلية بالدين والأخلاق والآداب اشتراها المختار أيام ظهوره في الكوفة وقال لها : ما أرى أحداً أحق بكِ من علي بن الحسين ثم بعث بها إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين – سلام الله عليه – فعلقت به _ أي بزيد _ في السنة التي بعثها المختار الثقفي إلى زين العابدين ومعلوم أن المختار الثقفي قُتل سنة 67هـ باتفاق كتب الطبقات والتراجم .. وهذا يدل على عدم صحة ولادة الإمام زيد في سنة 75هـ أو سنة 78هـ أو سنة 80هـ لأن المختار لم يدرك السبعين من الهجرة فضلاً عن الثمانين … روي عن زين العابدين علي بن الحسين -عليه السلام- أنه أصبح ذات يوم فقال لأصحابه : “ إني رأيت رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في ليلتي هذه ، فأخذ بيدي فأدخلني الجنة ، فزوجني حوراء فواقعتها فعلقت ، فصاح بي رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ( يا علي سمّ المولود منها زيداً )
فما أن حلّ اليوم التالي حتى أرسل المختار بأم زيد “ (1)
فلما ولد زيد أخرجه علي بن الحسين وهو يقول 🙁 هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) قلت : فانظر إلى قول الإمام زين العابدين: ( فما إن حل اليوم التالي حتى أرسل المختار بأم زيد ) وهذا دليل على أنها – أم زيد – عَلقَت به في السنة التي بعثها المختار إلى زين العابدين ، وتحققت الرؤيا في ذلك العام.. وحتى لو كانت ولادة الإمام زيد في سنة 75هـ أو 78هـ كما في بعض المصادر فإن الإمام زيد في هذا التحديد _ أيضاً _ أكبر من واصل بخمس سنوات أو سنتين فهل يُعقل أن يذهب بحر العلم – الإمام زيد – ليتتلمذ على يد شاب صغير لا يتجاوز العشرين من عمره وهو واصل بن عطاء ؟! وأما إذا افترضنا أن ولادة الإمام زيد في سنة 80هـ حسب أكثر المصادر وهي نفس السنة التي ولد فيها واصل بن عطاء
ولو سلمنا ذلك – جدلاً – فكيف تتلمذ الإمام زيد على يد واصل ومعلوم أن واصلاً كان قد غادر المدينة وهو في العشرين من عمره -حسب قول المعتزلة -؟
فهل يُعقل أن يذهب الإمام زيد -وهو الذي قد بلغ من العلم الرتبة العظيمة وهو مازال في مقتبل عمره – إلى واصل الذي لم يصل عمره إلى العشرين عاماً ؟! ومن هو أحق بالذهاب إلى الآخر ليتعلم ؟! الجواب معروف…
والعجيب أن الذين يُصرّون على تلمذة الإمام زيد لواصل بن عطاء تجدهم يستدلون برواية لا تنهض كدليل بل هي تسيء للإمام زيد نفسه ولآل البيت – عليهم السلام –
وإليكها : “ روي أن واصلاً دخل المدينة ونزل على إبراهيم بن يحيى فتسارع إليه زيد بن علي وابنه يحيى بن زيد فقال : جعفر بن محمد الصادق لأصحابه : قوموا بنا إليه ، فجاءه والقوم عنده – أعني زيد بن علي وأصحابه – فقال جعفر : أما بعد فإن الله -تعالى- بعث محمداً بالحق والبينات والنذر والآيات وأنزل عليه : (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) [الأحزاب :6] فنحن عترة رسول الله ، وأقرب الناس إليه ، وإنك يا واصل أتيت بأمر يفرق الكلمة وتطعن به على الأئمة ، وأنا أدعوك إلى التوبة.. -إلى أن قال الراوي – فتكلم زيد بن علي فأغلظ لجعفر أي أنكر عليه ما قال ، وقال : ما منعك من “ اتباعه “ إلا الحسد لنا ، فتفرقوا … قلتُ -أي ابن المرتضى- روى ذلك الحاكم وغيره والله أعلم بصحتها..” (2)
قلتُ : إن هذه الرواية تجعل الإمام زيدا جاهلاً بقدر نفسه وبقدر العلم الذي يحمله حتى يسرع هو ومن معه من أجل اللقاء بواصل بن عطاء لينهل من علوم واصل وليس هذا فحسب بل ويغلظ على ابن أخيه جعفر الصادق ويتهمه بالحسد وكذلك تثبت هذه الرواية أن واصل بن عطاء لديه علوم يجهلها أئمة آل البيت … وهذا كله لا يصح بل ويتنافى مع شخص وعظمة الإمام زيد بن علي ومع الإمام الصادق اللذين كانا مهبط العلوم والأسرار ومراجع الأمة الإسلامية في عصرهما… هذا مع أن الذي أورد هذه الرواية _السيد ابن المرتضى_ قال في نهاية الرواية (والله أعلم بصحتها) وذلك لشكه في صحتها … المهم ما أوردناه هنا هو على افتراض أن الإمام زيد بن علي تتلمذ على يد واصل بن عطاء في المدينة والذي لم يتجاوز العشرين ومازال طالب علم وقد علمت مما سبق عدم صحة ذلك

 

الهوامش:
(1)- هذه الرواية أخذناها من الكتيّب الموسوم بـ” نبذه عن الإمام الأعظم زيد بن علي “ أعدها المجلس الإسلامي وعزاها إلى :
– المرشد بالله الشحري (ت 652هـ) الأمالي الإثنينية ط ، 2008م صـ569
– المحلي حميد الوادعي (ت 652هـ) “
– الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية “ مكتبة بدر ، ط 1 ، 2002م ج 1 صـ255

(2)- انظر “ طبقات المعتزلة “ للإمام أحمد بن يحيى المرتضى.. عند كلامه عن الطبقة الثالثة

قد يعجبك ايضا