شهداء مجزرة تنومة والناجون منها

 

*مجزرة الحُجاج الكبرى..كتاب للباحث حمود الاهنومي يوثق جريمة آل سعود بحق حُجاج اليمن.. “الثورة” تنشر الكتاب في حلقات.. “الحلقة الثانية عشرة”

 

شاع كثيرا في المصادر التاريخية أن عدد النـاجــين قليلٌ جدا، من شخصين(10)، إلى 5 أو 6 أو 7 أشخاص(11)، هم من تولَّوا الإخبارَ والروايةَ لوقائعِ الحادثة الأليمة.
لكنَّ هذه المعلومة عند التحقيق العلمي ليست سوى شائعة؛ إذ هناك معلومات من المعايشين أنفسهم للحدَث يُقَدِّمون أرقاما أكثرَ من ذلك بكثير، كما أن عملية التتبُّع والاستقصاء البسيطة والأوَّلية والتي أجراها الباحث أكَّدَتْ أن عدد النـاجــين أكثر من ذلك العدد الشائع كما سيأتي.
11 – الشهيد قائد ناصر علي صبر، من أهالي قرية حلملم الأشمور، لواء حجة، كان من وجهاء محله، وكان برفقته ثلاثة من أهالي قريته استشهدوا جميعاً، ما عدى امرأة من بيت صَبِر كانت متزوجة في قرية الزافن،الأشمور، نجت وعادت بعد المجزرة ببضع شهور، وأخبرت أهالي الشهيد بما حدث وأن الشهيد كان مسلحاً وحفر له مترساً عند هجوم الغطغط وقتل مجموعة منهم (1) .
12 – الشهيد العلامة محمد حسين فايع، كان حاكما اختياريا في بلاد خولان بن عامر، وخلف أربعة من الأولاد. (2) .
13 -الشهيد محمد مصلح الوشاح، من أهالي مدينة صنعاء، استُشْهِد وعمرُه حوالي 58 سنة، حيث احتُسِبَ سعيُه في عام 1298هـ، وكان الشهيد قد نفَّذ عملية بطولية فدائية، تنبِئ عن أصالة الــيــمــني الكريم الذي يضع روحه في خدمة أرواح الآخرين، فقد تكفل هو ورفيقٌ له بإعاقة تقدُّم المعتدين على الــحــجــاج ومشاغلتهم ليتمكن ولو بعضُ الــحــجــاج من النجاة، وقاما بذلك حتى استُشهدا رحمة الـلـه عليهما(3).
14 – الشهيد محمد محسن علي بن علي أحمد شداد، …(4)
15 -الشهيد يحيى بن أحمد بن قاسم بن عبدالـلـه حميد الدين، ابن سيف الإســـلام أحمد بن قاسم حميد الدين، ولد نحو 1316هـ، وكان قد أقبل على طلب العلم، وتتلمذ على كبار المشائخ الأعلام، كالقاضي العلامة الحسين بن علي العمري، وغيره، وقد “كان أشرف على النبوغ وهو في سن الشباب”، وكان متديِّنا فاضلا، كلَّفه الإمــام يــحــيـى بأن يكون نائب أمير الــحــج؛ لمكانته من والده، الذي كان معجبا به(5).
ذكره السيد العلامة المؤرخ محمد زبارة في لاميته(6)، حيث قال:
ومات فيها من السادات آل حميـد
الدين شهبِ العلى والعلمِ والعملِ
يحيى بن أحمد سيف المسلمين سليل
قاسمٍ نجلِ عبدِالـلـه نجلِ علي
من نيِّفٍ بعد عشرينٍ لمولده
ثوى شهيدا شهابُ الفضل والعمل
فرحمة الـلـه تغشاه ومن دفنوا(7)
بالعام هذا من الــحــجــاج عن كمَلِ
16 -الشهيد يحيى إسماعيل الضحياني، من أهالي ضحيان صعدة، ومن أعيانها، وهو مشهور فيها(8).
17 – الشهيد يحيى محمد العزب، من قرية حلملم السفلى، عزلة الأشمور (عمران)(9).
18، 19، 20 – رجلان وامرأة من أهالي مدينة الطويلة (المحويت)، لم نتمكن من التعرف على أسمائهم حتى الآن.
ثانيا: النـاجــون
شاع كثيرا في المصادر التاريخية أن عدد النـاجــين قليلٌ جدا، من شخصين(10)، إلى 5 أو 6 أو 7 أشخاص(11)، هم من تولَّوا الإخبارَ والروايةَ لوقائعِ الحادثة الأليمة.
لكنَّ هذه المعلومة عند التحقيق العلمي ليست سوى شائعة؛ إذ هناك معلومات من المعايشين أنفسهم للحدَث يُقَدِّمون أرقاما أكثرَ من ذلك بكثير، كما أن عملية التتبُّع والاستقصاء البسيطة والأوَّلية والتي أجراها الباحث أكَّدَتْ أن عدد النـاجــين أكثر من ذلك العدد الشائع كما سيأتي.
أكَّدت جريدة القبلة وصولَ أمير الــحــج إلى موسم ذلك العام بعد الوقعة ومعه من النـاجــين مائة وخمسون شخصا، وكانت الجريدة قد أخبرَتْ بنجاة نحوِ السبعين أو الثمانين في عددٍ سابق لها(12). بل تقدم أن القاضي أحمد الجرافي ذكر أن الناجين ما يقارب الـ280 شخصا(13).
بل ذلك البــحــث المخطوط ذو التفاصيل الدقيقة يعطينا رقما لا أستبعد صحته، وهو أن قريبا من “خمسمائة هربوا حال الرماية”(14)، مستغلين حالة الهجوم، وعامل الوقت الفارق بين تـنـومـة وسدوان؛ إذ لعل أغلب أولئك النـاجــين كانوا من فرقتي سدوان الذين تقفَّزوا من شواهق الجبال بــحــثا عن النجاة في عرصات تهامة.
أسماء وتراجم قليلٍ منهم
تقدَّم ذكرُ الشائعة بكون النـاجــين بعدد أصابع اليد، ومع ذلك فهي تعكس الوجدان الشعبي المتملِّك للناس، والذي يوحي بهول وقع المــذبــحــة على أسماعهم، وعظيم فظاعتها، ومن خلال تتبُّع أوليٍّ تبين أن هناك عددا أكبر مما تذكره تلك الشائعة.
هذه قائمة أولية بأسماء بعض النـاجــين وتراجم بعضهم ممن عثرت على معلومات عنهم، مرتَّبة أبجدياً:
1 -الحاج إبراهيم بن أحمد الحشحوش (ت1390هـ)، من أهل رحبان، صعدة، كان ملازما لكتاب الله، تمرّغ بين الدماء أثناء المجزرة، ثم انسل بعد ذهاب المعتدين من مكان المجزرة(15).
2 -السيد العلامة العابد حسين بن عبدالـلـه الحرجي، لعله من علماء صعدة، عرفه الشهيد الدكتور عبدالكريم جدبان، شيخا كبيرا، وأورد اسمه في هامش مقدمة كتيِّب (إرشاد ذوي الألباب إلى حقيقة أقوال ابن عبدالوهاب) للسيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير (ت1182هـ) عند ذكره عرضا لهذه المــجــزرة.
3 -صالح سراج، من جبل عيان، مديرية حجة، نجا من المــذبــحــة بارتمائه بين دماء القتلى، واستطاع النجاة أيضا بامرأةٍ من قبيلة خولان الطيال، نجت هي الأخرى من المــذبــحــة، وقد أوصلها بعد ذلك إلى أهلها في خولان الطيال، فأكرموه وأعزوا جانبه(16). وهذه القضية تثبت وجود العنصر النسائي في قافلة الــحــجيج، بالإضافة إلى تصريح الرحالة نزيه العظم بذلك.
4 – تلك المرأة من خولان الطيال، خولان العالية، والتي أوصلها الــحــاج صالح سراج رحمه الـلـه.
5 – تلك المرأة من بني صبر من قرية حلملم التي نجت من المذبحة ووصلت بعد بضع شهور إلى قريتها وأخبرت بالمجزرة (17) .
6 – السيد ضيف الـلـه المهدي، من محلِّ العرينة عمار –إب، وكان قد أفلت من المجرمين في المــجــزرة بحيلةٍ اتَّخَذها، حيث رمَى بنفسِه بين دماءٍ كثيرة، وامتدَّ بينها حتى ابتعد عنه القتلة، ثمَّ تمَّ مطاردتُه وآخرين بعد ذلك من الجيش النجدي أصحاب الإبل، فاختبأوا عنهم، ثم التقاهم قطاعُ طرق في الطريق، وسلبوهم ثيابهم، ولم يتركوا على أجسامهم شيئا من اللباسِ سوى السراويل، إلى أن وصلوا إلى قريةٍ صغيرةٍ، كان بها ذلك الرجل الصالح، الذي أكرمهم وآمنهم حتى وصولهم إلى مركز حكومي(18).
7 -الــحــاج عبدالوهاب بن أحمد الخباني (ت بعد1380هـ)، من قرية الذاري، من محافظة إب(19).
8 – الــحــاج علي صالح المرشحي، من أهالي مدينة كحلان عفار، محافظة حجة(20).
9 – الحاج الأستاذ غالب الحرازي، من أهالي مدينة صنعاء، كان رفيقا للطبيب حمادي التركي، وهو الذي روى كيفية مقتل رفيقه كما تقدم.
10 – السيد العلامة محمد بن عبدالـلـه بن أحمد بن عبدالكريم، من ذرية الأمير عبد الرب بن علي بن شمس الدين ابن الإمام شرف الدين، ولد سنة 1309هـ، وأخَذ العلمَ عن السيد العلامة حسين بن محمد أبو طالب في الفقه والنحو، وعن السيد العلامة عبدالصمد بن عبدالرحمن أبو طالب، وعن القاضي عبدالوهاب بن محمد المجاهد، وغيرهم، وأخذ القراءات السبع عن السيد العلامة المُقْرِئ يحيى بن محمد الكبسي، وتلاميذُه كثيرون في العلوم، وتجويد القرآن والمتون، وكان كل من منزلته وهو أعزب، ثم بيته وهو متزوج، في غاية النظام والنظافة ورائحة العود تنفح منها. وكان كريم الأخلاق، سخي النفس، صادق الـلـهجة، عظيم المروءة، يحب معالي الأمور، ويفصل بين المتنازعين وأهل التركات مجانا، ثم تعين عاملا لعيال سريح، وللقفلة،والمخادر، ثم تعيَّن مدة من الزمن في عضوية محكمة الاستئناف الشرعية بصنعاء، وكان قد حج مرارا، وتوفي عام 1393هـ، وشيع جنازته الناس بجميع طبقاتهم من علماء، وتجار، وضباط، وعامة، وممن شيَّعه الرئيس إبراهيم الحمدي، ولم تشهَدْ صنعاءُ جنازةً أكثرَ من جنازته، ورثاه كثير من الشعراء(21).
11 – رجلٌ من آل الذويد من أهالي مدينة صعدة، نجا بتظاهره بالموت وارتمائه بين الجثث والدماء، وهو الذي سمع النجديين وهم يطوفون بين القتلى، وأحد قادتهم يسأل جنوده: كم قتلت؟ فإذا قال: واحد، قال له: لك قصر في الجنة، وإذا قال أكثر بشره بقصورٍ بعددِ مَنْ قتل من حــجــاج بيت الـلـه الحرام(22).
12 – رجل من العبديين من أهالي رحبان، صعدة، من آل عدوان …(23).
13 – رجل من العبديين أيضا، من أهالي رحبان، صعدة، …(24)
هل كانوا محــرمين؟
بما أن القوم لم يكونوا قد وصلوا إلى أيٍّ من مواقيتِ الــحــج، ولا إلى إزاءِ أيٍّ منها، فإنه من المرجَّح أنه لم يكن قد أحرم أيٌّ منهم، ولا تساعدُ ظروف السفر الشاقة والمُعْنِتة آنذاك أيّاً منهم على التطوع بالإحرام من أمكنةٍ سابقة للميقات، والذي يجوِّزُه الفقه الإســـلامي؛ لذا يترجَّح أنهم لم يكونوا قد أحرموا بعد.
وبناءً على هذا، يبدو أن قولَ القاضي الأكوع: “اعتدى عليهم جيش الملك عبدالعزيز آل سعود فقتلهم وهم مُحْرِمون”(25)، وما ذكره القاضي عبدالرحمن الإرياني من أنهم “كلهم مُهِلُّون بالإحرام للحج”، وكذلك مناقشة الباحث الدكتور عبدالرحمن الوجيه لرواية آل سعود في المــذبــحــة بقوله: “ألم يكن ارتداءُ أولئك الضحايا للباس الــحــج في موسم الــحــج دافعا للقَتَلة كي يتأكَّدوا من هوية ضحاياهم”(26)، كله نشأ عن الوهم والالتباس.
ومن خلال هذا الــفـصـل .. يتبين أن الـشــهــداء كانوا أكثر من 3000 شهيد، وأن النـاجــين منهم حوالي 500 شخص، وأن وضع السلطة السابقة وعلاقتها مع نظام آل سعود أدَّى إلى إهمال توثيق هذه الحادثة لاحقا، وأنه يجبُ أن لا يفوتَ الــيــمــنيون هذا الأمر مرة أخرى.
يتبع في الحلقة القادمة: الفصل السادس النتائج والآثار والتطورات المترتبة على المجزرة
الهوامش
(1) من إفادة الأخ طارق عبدالله صبر قائد(من ذرية الشهيد)، إفادة شفهية بتاريخ 3 /10 /2017م.
(2) من إفادة حفيده السيد حسن فايع محمد حسين فايع، إفادة شفهية، بتاريخ 4/10/ 2017م.
(3) من إفادة الأخ الدكتور أحمد الوشاح عن آبائه.
(4) صادفتُ حسابا في قوقل اسمه (Mohammed Shaddad) يذكر أن جده هذا شهيد في تلك المــجــزرة.
(5) مطهر، سيرة الإمــام يــحــيـى بن محمد حميد الدين، ج2، ص428؛ ومن ترجمة قصيرة كتبها لي الدكتور العلامة أحمد بن عبدالملك بن أحمد بن قاسم حميد الدين، ابن أخي الشهيد، في عام 2017م.
(6) نزهة النظر في أعيان القرن الرابع عشر – خ – بقلم ولد المؤلف مفتي الــيــمــن السابق، السيد العلامة أحمد بن محمد زبارة، فرغ من نسخه في شوال 1404هـ، (توجد منه نسخة مصورة في مركز الوثائق والمعلومات)، ج4، ص150.
(7) تم ترجيح أنه لم يحظ أولئك الـشــهــداء حتى بدفن وحثيات من التراب، بل تركوا للسباع والطيور، ثم سحبتهم السيول إلى ما شاءت.
(8) من إفادة السيد الأستاذ محمد أحمد الحاكم حفظه الـلـه.
(9) من إفادة الأخ طارق عبدالله صبر، إفادة شفهية بتاريخ 3/ 10 /2017م.
(10) كشف الارتياب، ص50.
(11) العظم، رحلة في العربية السعيدة، ص227؛ والشهاري، المطامع السعودية في الــيــمــن، ص66 – 67.
(12) جريدة القبلة، العدد 705، ص4؛ والعدد 703، ص1.
(13) الجرافي، تعليقة على المجزرة، في حامية كتاب ديوان المتنبي في مكتبة بدر.
(14) بــحــث مفيد، 114/ أ- ب.
(15) من إفادة السيد العلامة محمد قاسم الهاشمي، بتاريخ ذي الحجة، 1438هـ، رواية عن العلامة يحيى حسين عبدالرزاق الحشحوش، وسيدنا أحمد عبدالرزاق الحشحوش.
(16) من إفادة الأخ الــحــاج حمود علي الراجعي، من مديرية نجرة، محافظة حجة، حيث عرف الناجي وكان يحدثهم عن المــجــزرة، وأخذت هذه الإفادة من الــحــاج بتاريخ ذي القعدة 1438هـ.
(17) صبر، إفادة شفهية بتاريخ 3 /10 /2017م.
(18) من إفادة السيد العلامة عبدالرحمن بن حمود الوشلي.
(19) من إفادة الأستاذ الفاضل السيد علي بن محمد بن يحيى الذاري.
(20) من إفادة الأستاذ الفاضل السيد عباس علي حفظ الدين الكحلاني، من أهالي مدينة كحلان عفار، بتاريخ ذي القعدة 1438هـ.
(21) زبارة، نزهة النظر، ج2، ص581؛ ونزهة النظر أيضا، – خ – ، ج3، ص247.
(22) من إفادة الأخ محمد أحمد سهيل، من صعدة يرويها عن أبيه، عن أحد النـاجــين من آل الذويد بصعدة.
(23) من إفادة الأخ الأستاذ المؤرخ عبدالرقيب حجر، بتاريخ 21 ذي الــحــجة 1438هـ.
(24) من إفادة الأخ الأستاذ المؤرخ عبدالرقيب حجر، بتاريخ 21 ذي الــحــجة 1438هـ.
(25) الأكوع، هجر العلم ومعاقله في اليمن، ج3، ص1531.
(26) الوجيه، عسير في النزاع السعودي الــيــمــني، ص126.

قد يعجبك ايضا