الدين العام إرث ثقيل ومعضلة كبلت التنمية

رشيد الحداد
يعد الدين العام الداخلي والخارجي من أبرز معضلات التنمية في اليمن ، حيث بلغ الدين العام الحكومي قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م، أعلى المستويات وأصبح يكبل أي نمو اقتصادي في البلد، فكل مواطن يمني مدين للمؤسسات المالية المحلية والأجنبية بما يزيد عن 1400 دولار، الدين العام بنوعيه الداخلي والخارجي يصل إلى قرابة الـ 22 مليار دولار، منه قرابة 6.5 مليار دولار دين عام خارجي.
أبرز أدوات الدين الداخلي
تمثل أذون الخزانة التنافسية التي بدأ العمل بها منذ يوليو 1996م بإيعاز من البنك والصندوق الدوليين أهم أدوات الدين العام الداخلي، اعتمدت أذون الخزانة كأداة لسد العجز في الموازنة العامة للدولة وأيضا لامتصاص فائض العرض النقدي من العملة المحلية والتحكم في معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، لكن ما يعيب على أذون الخزانة أمور كثيرة:
– أنها تقوم على نظام الفائدة الربوي.
– اعتمادها كأداة طويلة الأجل أدت إلى تراكم حجم الدين العام الداخلي وتجاوزه للحدود الآمنة.
– تسببت أذون الخزانة في تراخي الحكومات عن تحصيل الموارد العامة.
– تسببت في حالة من الركود التضخمي الذي أصاب مختلف الأنشطة الاقتصادية.
– أدت إلى استحواذ الحكومة على مدخرات المجتمع التي كان يفترض أن توجه لتمويل مشاريع القطاع الخاص في مختلف المجالات.
– رفعت معدلات الدين العام الحكومي إلى مستويات قياسية وأصبحت فوائد وأقساط الدين العام السنوية تثقل كاهل الموازنة العامة للدولة.
– لم توجه أذون الخزانة نحو الإنفاق على المشروعات الاستثمارية بل نحو النفقات الجارية.
أكثر من عامل
أدى تدهور الوضع الأمني في البلد منذ مطلع العام 2011م إلى تدهور بيئة الأعمال وتزايد مخاوف القطاع المصرفي المحلي، وشكل دافع رئيسي لتخلي المصارف اليمنية عن دورها التنموي والاستثماري، حيث اقتصرت قروض البنوك التجارية والإسلامية نحو التمويلات التجارية والمجالات ذات العائد السريع خوفاً من تعرضها لخسائر فادحة في ظل بيئة غير مستقرة، وفي ظل تقلص خيارات البنوك والمصارف اليمنية، اتجهت نحو الاستثمار في أذون الخزانة التي يعتمدها البنك المركزي اليمني كآلية لجذب الأموال منذ عام 1996م بهدف تغطية العجز المزمن الذي تعانيه الموازنة العامة اليمنية حتى اليوم.
على الرغم من الانتقادات الحادة التي تعرضت لها المصارف اليمنية خلال السنوات الماضية، إلا أنها وجدت أذون الخزانة النافذة الاستثمارية الأكثر أماناً والأكثر ربحية، سيما وأن معدل الفائدة التي يمنحها البنك المركزي تجاوزت خلال السنوات الماضية الـ 15%. تراجع إيرادات الدولة خلال الفترة 2011م ـ 2014م بسبب تراجع إنتاج النفط وتعرض أنبوب النفط للأعمال التخريبية وتعرض الكهرباء لانتكاسة تاريخية تمثلت بتصاعد الهجمات التخريبية على إمدادات كهرباء غازية مارب التي كانت تغذي العاصمة بـ380 ميغاوات، وعوامل أخرى منها ارتفاع النفقات العامة مقابل تراجع الإيرادات، كل ذلك أدى إلى ارتفاع الدين العام الداخلي من 2,1 تريليون ريال مطلع العام 2012م إلى 3,7 تريليون ريال منتصف العام 2014م، ووفق نشرة التطورات المصرفية الصادر عن البنك المركزي اليمني في سبتمبر 2014م، فإن استثمارات البنوك التجارية والإسلامية في أذون الخزانة بلغت 1,2 تريليون ريال من إجمالي موازنتها الموحدة البالغة 2,7 تريليون ريال، ولذات السبب ارتفع رصيد الدين العام الداخلي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 44% عام 2014م، كما ارتفعت نسبة أعباء الدين العام الداخلي إلى إجمالي النفقات العامة من 7.2% في 2010م الى 42% عام 2014م.
معدل الفائدة
احتلت فوائد وأقساط الدين المحلي خلال الأعوام 2013ـ 2014م المرتبة الثانية من إجمالي النفقات العامة بعد المرتبات والأجور، وتحولت إلى عقبة كأداء لا يمكن تجاوزها.
معدل الفائدة على أذون الخزانة تراوحت خلال الأعوام 2010 ـ 2012م ما بين 19-21%، ما دفع البنك المركزي اليمني منتصف العام 2012م إلى تخفيض معدل الفائدة إلى 16% و15%، إلا أن تخفيض معدل الفائدة لم يدفع البنوك والمؤسسات والشركات والصناديق الحكومية إلى التوقف عن الاستثمار في أذون الخزانة. أرباح البنوك والصناديق والشركات التي اكتفت بالاستثمار في أذون الخزانة تراوحت بين 2ـ 3 مليارات دولار سنوياً.
وعلى الرغم من أن المعايير الدولية تشدد على ألا تزيد نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي عن 60% ليكون في الحدود الآمنة، إلا أن البيان المالي لموازنة حكومة المبادرة الخليجية للعام 2014م أكد تجاوز الدين العام الداخلي 120% وبلغت فوائد وأقساط القروض المحلية التي تدفعها الحكومة اليمنية للبنوك المحلية والصناديق والمقدرة في موازنة 2014م بـ 415 مليار ريال (قرابة ملياري دولار) بزيادة قدرها 160% عن العام 2010م.
الدين العام الخارجي
على الرغم من تراجع وتيرة القروض الخارجية خلال الفترة 2011م ـ 2014م ، إلا أن الدين العام الخارجي كان كبيراً قبل 2011م بسبب أن الحكومات السابقة كانت تقترض من الخارج لتغطية العجز في الموازنة العامة للدولة تحت مبرر تنفيذ المشاريع التنموية، حيث بلغ أجمالي الدين العام الخارجي منتصف العام 2014م 7,4 مليار دولار لعدد من الدول الأجنبية والعربية والصناديق الإقليمية والدولية، منها 1،5 مليار دولار ديون مستحقة للدول الأعضاء في نادي باريس، ومن الدول الدائنة لليمن والحاصلة على عضوية نادي باريس ” روسيا واليابان وأمريكا وفرنسا وايطاليا وأسبانيا والدنمارك وهولندا والمانيا”، كما أن ملياراً و537 مليون دولار من الدين العام الخارجي اليمني مستحق للدول غير الأعضاء في نادي باريس كالصندوق السعودي للتنمية والصندوق الكويتي للتنمية والصندوق العراقي وبولندا وكوريا، يضاف إلى 3,7 مليار دولار كديون مستحقة لهيئات التمويل كهيئة التنمية الدولية وصندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي والصندوق العربي للإنماء وصندوق التنمية الزراعية “ايفاد “، وصندوق الأوبك والبنك الإسلامي للتنمية والاتحاد الأوروبي، كما يوجد 222 مليون دولار ديون مستحقة لعدد من الدول والمؤسسات الدولية.
تحذيرات سابقة
حذر تقرير الرقابة السنوي للعام 2012م الصادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، من وصول الديون الداخلية لحكومة الوفاق الوطني إلى مرحلة يصعب تحمل الاقتصاد اليمني لها، وذكر تقرير الرقابة أن الدين الداخلي ارتفع من تريليون و645 مليار ريال في 2011م إلى تريليونين و85 ملياراً نهاية العام 2012م، منها 988 ملياراً أذون خزانة، بلغت الفوائد عليها 200 مليار ريال، وقال التقرير إن رصيد الدين الداخلي الصافي ارتفع بمعدل يفوق 26% عام 2012م مقابل قرابة 23% في العام الذي سبقه لتعادل مدفوعات الفوائد عليها 14% من نفقات الدولة في 2012م ، إضافة إلى اقتراب تلك الفوائد من ضعف النفقات الاستثمارية.
ونبه إلى اختلالات في هيكل الدين الداخلي نتيجة وصول حصة أذون الخزانة والاقتراض من البنك المركزي الى ما نسبته 71% من إجمالي الدين في 2012م، ما قال إنه يؤثر سلباً على الجدارة الائتمانية للدولة أمام الخارج وجراء ترحيل هذه الديون لتصل لاحقاً إلى مستوى لا يمكن تحمله خاصة مع وصول السحب على المكشوف (الاقتراض من البنك المركزي) في عام 2012م إلى 707 مليارات ريال، وشكك تقرير الرقابة في جدوى الاستمرار في إصدار أذون الخزانة (كوسيلة لتمويل عجز موازنة الدولة، وامتصاص فائض العرض النقدي)، وأشار إلى أن أذون الخزانة تسهم في توجيه جزء من المدخرات المحلية باتجاه مجالات غير إنتاجية.
تقارير مشابهة أكدت ارتفاع الدين العام الداخلي إلى 13.2 مليار دولار، أي ما نسبته 141% من إجمالي الإيرادات الذاتية لعام 2013م، وتجاوزت النسبة 150% في العام 2014م.

 

قد يعجبك ايضا