بـانــورامــــــا 2017

 

العالم 2017.. ترامب يفاقم مشاكل العالم

عام بدأ بتنصيب دونالد ترامب وانتهى بتهوّره؛ وبينهما شهدت 2017 أحداثاً سُجلت في صفحات التاريخ، وغيّرت موازين المعادلة السياسية في العالم والشرق الأوسط تحديداً.
فبعد سلسلة قرارات أثبت فيها وفاءه بوعوده الانتخابية، أجرى زيارة إلى منطقة الخليج العربي، أشعل على إثرها الخلاف بين الأشقاء العرب، وغادر وفي حقيبته نحو 480 مليار دولار أمريكي، لتدخل منطقة الشرق الأوسط في غياهب التوتر.
وبين قلق من نتائج سياساته الداخلية، وترقّب لما يحمله على الصعيد الخارجي، حبس العالم أنفاسه في اللحظات التي سبقت تنصيب دونالد ترامب، الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية، مطلع العام الجاري.
ترامب المثير للجدل

فتح ترامب أبواب البيت الأبيض، وفتح معها أبواب العالم على مزيد من الصراعات وموجات الغضب، إزاء وعوده الانتخابية وقراراته المتهورة وانعكاساتها على المنطقة العربية والعالم، وكذلك الداخل الأمريكي.
في أعقاب فوزه وتنصيبه رئيساً لأمريكا، خرجت مظاهرات حاشدة في شوارع العاصمة واشنطن، رفضاً للرئيس الجديد؛ ما أدى إلى اشتباكات بين أنصار ترامب ومعارضيه الذين رفعوا لافتات مناهضة لترامب، وصفوه فيها بـ»النازية» و»العنصرية».
وفي أولى خطواته المثيرة للجدل أصدر ترامب مجموعة أوامر تنفيذية تحظر دخول اللاجئين والزائرين من عدة دول إسلامية، وتعلق العمل ببرامج الإعفاء من التأشيرات، فعلّق بشكل فوري برنامج الإعفاء من التأشيرات.
وقع ترامب أمراً تنفيذياً يعلّق برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة لمدة 4 أشهر، ويوقف قبول اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة حتى إشعار آخر، كما قرر منع دخول مواطني دول: اليمن، وليبيا، والعراق، وإيران، وسوريا، والصومال، والسودان.
وفي عهده الجديد تفاقمت الأزمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، على خلفية إجراء الأخيرة تجارب صاروخية باليستية، دفعت واشنطن إلى فرض عقوبات عليها، مع استمرار التلويح بالحرب والمواجهة بين البلدين.
كذلك فإن ترامب لوّح مراراً منذ توليه بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران الذي وُقع مع القوى العظمى في العالم بعهد سلفه الرئيس باراك أوباما، في 2015، بل إنه واصل- حتى نهاية العام- فرض العقوبات على طهران.
وفي منتصف العام، أعلن ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ، واضعاً حداً للتكهنات التي أُشيعت منذ توليه، وقال إنها «تهدف إلى إلحاق الضرر بالولايات المتحدة وإعاقتها وإفقارها».
بريطانيا وتنفيذ الخروج

ولم يعزل ترامب نفسه عن السياسة البريطانية، فقد أعرب- حينما كان مرشحاً جمهورياً لانتخابات الرئاسة الأمريكية- عن اعتقاده بأنه ينبغي على بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وفي مارس، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بدء إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، بعد تسعة أشهر من التصويت تأييداً لهذه العملية التي تستمر عامين من المفاوضات الصعبة قبل الانفصال التام، المتوقع في ربيع عام 2019.
وخلال الشهر ذاته، أطلقت بريطانيا رسمياً مفاوضات إنهاء عضويتها في الاتحاد الأوروبي منذ 44 عاماً، ووقّعت ماي الرسالة الرسمية بهذا الشأن التي سلمتها حكومتها إلى الاتحاد.
هذه الخطوة وضعت ماي أمام مهمة أصعب عليها من أي سلف لها في التاريخ المعاصر، تتمثل في الحفاظ على وحدة البلاد في وجه تجدد مطالب الأسكتلنديين بالاستقلال، وإدارة محادثات شاقة مع 27 دولة أوروبية في الشؤون المالية والتجارية والأمنية، وغيرها من القضايا المعقدة.
وترسم نتيجة المفاوضات مستقبل الاقتصاد البريطاني خامس أكبر اقتصاد في العالم، ويبلغ حجمه 2.6 تريليون دولار، وستقرر إذا كانت لندن ستحتفظ بمكانتها بوصفها أحد أكبر مركزين ماليين في العالم.
أما بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي فيشكل خروج بريطانيا أكبر ضربة له خلال ستين عاماً من جهود إقامة وحدة أوروبية بعد حربين عالميتين مدمرتين.
وفقاً لآخر توقعات صندوق النقد الدولي، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيتسبب في تراجع الاقتصاد البريطاني بنسبة 5 بالمئة مع حلول 2019.
يقول عديد من الخبراء الاقتصاديين والمحللين لمعهد «بيترسون» للدراسات الدولية، إن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي سيسبب المشكلات لبقية أوروبا، «وسيكون حجر عثرة في طريق النمو الاقتصادي للاتحاد».
– زيارة ترامب السعودية والأزمة الخليجية
وفي أول جولة للرئيس الأمريكي بعد توليه إدارة البيت الأبيض، توّجه ترامب إلى السعودية في زيارة لفتت أنظار العالم، فهو لم يختر الرياض عبثاً، لكونهما يلتقيان معاً في عداوة إيران التي تمثل المحور المناوئ للسعودية.
وشهد اليوم الأول لزيارة ترامب توقيع عدد من الاتفاقات المشتركة استفادت أمريكا على إثرها من نحو 480 مليار دولار، في صفقة وصفت بأنها «أضخم صفقة في تاريخ الولايات المتحدة»، وقد أثارت حفيظة العالم العربي الغارق في الصراعات والفقر.
هذه الزيارة ربما كانت الحدث الأكثر جدلاً، نظراً لما خلّفته من مشاكل وأزمات في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي تحديداً، فبعد أن غادر ترامب بأيام قليلة، تغيّرت الأوضاع في المنطقة التي كانت تُصنّف كأكثر المناطق استقراراً.
ترامب الذي ردد مصطلح «محاربة الإرهاب الإسلامي» مراراً خلال زيارته، أيّدته به السعودية التي اتخذت من قرصنة وكالة الأنباء القطرية وسيلة لاتهام الدوحة بـ»الإرهاب»، ومبرراً لفرض الحصار عليها.
ففي 5 يونيو وعقب زيارة ترامب بأسابيع قليلة، اشتعلت منطقة الخليج إثر قطع دول السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها الدبلوماسية بالدوحة، وفرض حصار اقتصادي بدأ بإغلاق جميع المنافذ المشتركة مع قطر.
ترامب الذي غسل يديه بأموال السعودية، استطاع ضرب منطقة الخليج محاولاً عزل قطر عن المشهد السياسي العالمي، والساحة العربية التي تعيش صراعات مستمرة قصمت ظهر الشرق الأوسط.
هذه الزيارة والحرب الإعلامية والدبلوماسية على قطر، زادت من شوكة السعودية التي تحاول السيطرة على القرار السياسي بدول اليمن وسوريا وليبيا، لتحقق لنفسها ثقلاً في المنطقة العربية.
فعقب زيارة ترامب أيضاً، شهدت السعودية تغيرات غير مسبوقة في بيت العائلة المالكة، عقب عزل الأمير محمد بن نايف من منصب ولي العهد، وتعيين الأمير الصغير محمد بن سلمان بدلاً منه، حليف الإماراتي، ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.
تعيين بن سلمان كان له دور أيضاً في الأزمة الخليجية من جهة، وتعبيد الطريق لنفسه نحو سدة الحكم في السعودية من جهة أخرى، وظهر ذلك في حملة الاعتقالات التي شنّها ضد أمراء ووزراء سعوديين، مطلع نوفمبر الماضي.
إعلان ترامب

وفي ديسمبر ذاته كان القرار الأكثر تهوراً، بعد أن أعلن ترامب اعتراف بلاده بالقدس المحتلة عاصمة لدولة «إسرائيل»، وأمر ببدء نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى المدينة الفلسطينية المقدسة.
قرار ترامب صبّ الزيت على نار المنطقة العربية، التي شهدت مظاهرات واحتجاجات رافضة للقرار الأمريكي، في حين اندلعت مواجهات بين فلسطينيين وجنود الاحتلال في غزة والضفة، أفضت إلى 15 شهيداً ومئات المصابين.
وأن تصبح القدس عاصمة لإسرائيل يعني أنها أصبحت بشقيها الشرقي والغربي تحت إمرة الاحتلال والسيادة الإسرائيلية الكاملة على المدينة، ما يفرض سياسة أمر واقع على خيار المفاوضات المتوقفة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ويترتب على قرار ترامب أيضاً، إعطاء الحق لإسرائيل في السيطرة والتوسع، وبناء «عاصمتها» بالشكل الذي تريده، متجاهلة كل القرارات الدولية المتعلقة بالحفاظ على الموروث الثقافي الإسلامي والمسيحي.
أضف إلى ذلك أن ترامب نسف كل الحقوق المطالبة بحرية زيارة الفلسطينيين والعرب للأماكن المقدسة في المدينة، بحجة الحفاظ على أمن «العاصمة» والتي تمثل أمن واستقرار «الدولة الإسرائيلية».
كذلك، فإن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يعني رفع الوصايات الدولية والعربية والإسلامية عن المدينة المقدسة، وهو ما يسعى إليه الاحتلال، بما يمكّنه من بناء قواعد عسكرية هناك تسمح بدخول الجيش رسمياً متى شاء.
وفي خضم استمرار المواجهات والاحتجاجات، تحرّك الرواق السياسي العربي والإسلامي للتصدي للقرار؛ فدعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى عقد قمة طارئة لدول مجلس التعاون الإسلامي، التي أكدت أن «القدس الشرقية عاصمة لفلسطين».
وعقب ذلك، قدمت تركيا واليمن مشروع قرار لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، يرفض تغيير واقع القدس، ويدعو الدول إلى عدم نقل بعثاتها الدبلوماسية للمدينة المقدسة، فنجح الأمر بتصويت 128 دولة للقرار، ورفضته 9 دول، في حين امتنعت 35 أخرى عن التصويت.

قد يعجبك ايضا