أسباب الثورة الشعبية وآفاقها في اليمن

هذه الدراسة الموجزة تمت كتابتها قبل العدوان الشامل على اليمن بفترة وجيزة، وما ورد في هذه الدراسة، يوضح أسباب العدوان والارتباط الذي لا يقبل التجزئة بينه وبين مراكز قوى الطغيان والفساد التي اندلعت ثورة 21 سبتمبر 2014م ضدها.
الحلقة الثانية

مجلي أبورافد *
استعادة السيادة اليمنية
الثابت، تاريخياً، هو أن سلطة الحكم في اليمن اعتمدت، كلياً أو جزئياً، على مصدر خارجي وذلك منذ انقلاب 1962/9/26م ودخول القوات المصرية لمساندته وإنجاحه. وكان ذلك، وما زال، على حساب مصالح اليمن شعباً ووطناً، الأمر الذي كان مقتضاه هو تجريد المجتمع من قواه الذاتية، كي تتمكن السلطة الحاكمة من الاستمرار في الحكم، لأنها ليست وليداً شرعياً لحركة المجتمع وصيرورته، وإنما عصابات (مراكز قوى) فرضت نفسها على المجتمع الذي لم يمنحها يوماً الولاء والانتماء. وبذلك تكون أولى خطوات الاستبداد المتواشج مع الفساد قد رسمت، وبواكير بذوره قد غرست في المجتمع من خلال طغيان مراكز القوى الحاكمة على المجتمع، يعاونها في ذلك الدول الخارجية الحامية والراعية لها، حيث تأتي المملكة السعودية في المقدمة منها.
وذلك هو ما يفسر لنا اعتماد السلطات الحاكمة في اليمن منذ 1962م وحتى الآن، في وجودها نشوءاً وصيرورة، على دعم دائم من طرف خارجي ظاهر وخفي، وارتباط مستمر بدولة استعمارية سابقة أو وريثة لها أو دولة امبريالية ذات طموحات عالمية كالولايات المتحدة الأمريكية أو دولة مجاورة ذات أطماع توسعية في اليمن وتتطلع لاحتلالها أو أجزاء أخرى منها، كما هو حال المملكة السعودية المحتلة للأراضي اليمنية (جيزان ونجران وعسير)، والمتطلعة إلى احتلال ما تبقى من اليمن واختصاص نفسها مباشرة بذلك دون توريث من غيرها أو إشراك له فيها، خاصة إذا ما علمنا أن السلطة الحاكمة في اليمن كانت قبل انبلاج فجر ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2014م مجرد وكيل تابع للملكة السعودية وأمريكا بدرجة أساسية، ولذلك فإن قادة مراكز القوى الحاكمة في اليمن، كانوا وما زالوا أشبه بالموظفين في أجهزة تلك الدولة، ويتقاضون ثمن ولائهم للمملكة الرجعية الطغيانية، إما مباشرة أو عن طريق ما يسمى (اللجنة الخاصة).
لقد كانت ولا تزال ترتفع أسهم المسؤول اليمني أو المرشح لتولي منصب سياسي رفيع بمقدار ارتباطه بأمريكا أو بإحدى دول الجوار البترولية وخاصة المملكة السعودية باعتبارها مصدراً للشرعية في اليمن وليس الشعب، ولذلك، يتم التنسيق مع الدول الأجنبية في كافة السياسات اليمنية وخاصة في ما يخص التحولات السياسية وحتى سياسات الإصلاح الاقتصادي … إلخ.
وقد ترتب على ذلك أن مراكز قوى الطغيان والفساد لم تعمل خلال حكمها على اتباع أسس محددة لسياسة اليمن الخارجية تكفل استقلاله وسيادته وعدم تبعيته للقوى الأجنبية، فكانت، ولا تزال، التبعية المطلقة للسعودية وأمريكا وبعض دول الاستكبار العالمي الأخرى كبريطانيا، كذلك العشوائية وانعدام الرؤية الواضحة هي البارزة في السياسة الخارجية للسلطة الحاكمة في اليمن.
إن الانصياع لمطالب القوى الدولية العربية الاستعمارية والرجعية المهيمنة على المنطقة، على حساب الشعب ومصالحه، قد أدى أيضاً إلى تخريب خطير في المجتمع اليمني وتدمير شبكة علاقاته الاجتماعية، ونجح إلى حد بعيد في إلغاء هويته الثقافية من أجل إرضاء المملكة السعودية الوهابية وأمريكا وحلفائهم.
ومن هنا يمكن معرفة السر وراء مواقف بعض القوى الإقليمية والدولية المعادية للثورة والثوار في اليمن بقيادة (أنصار الله)، وقد أوضح ذلك القائد الثوري السيد (عبدالملك بدر الدين الحوثي)، حيث قال في أحد خطاباته:
((كان لها موقف معلن وصريح وواضح ضد إرادة الشعب اليمني وتطلعاته وآماله، وبعض القوى الداخلية كانت توالي تلك القوى الدولية والإقليمية، وتدعم موقفها، وترتبط بها وترتهن لها، وكان ما كان)).
واستطرد قائلاً: ((في نهاية المطاف يحق للشعب اليمني أن تكون إرادته هي الأقوى، وأن تكون إرادته هي التي تنتصر لنفسه، لحقه، لما يتعلق به، وأن يكون حراً، مسؤولاً هو بنفسه تجاه نفسه، وأن يكون مستقلاً في قراره السياسي بما فيه صالحه)).
لقد وضع الزعيم الوطني قائد الثورة يده على الجرح المزمن عندما أكد أن لدى الأعداء التاريخيين للشعب اليمني توجهاً إما أن يبقى اليمن تحت هيمنتهم ويتدخلون في كل شؤونه الصغيرة والكبيرة بما يريدون، ويبقى الشعب اليمني بأجمعه خاضعاً بإذلال وهوان للوصاية الخارجية، وبائساً ومعانياً وفقيراً، ولا ينعم بأمن ولا باستقرار، ليبقى دائماً يعيش حالة من الاضطراب والتناحر والغرق في المشاكل وهذا ما أكده قائد الثورة في خطابه بتاريخ 13 أكتوبر2014 حيث قال:
((مشكلتهم معنا هي أنهم يريدون أن يكونوا هم من يقرر، ومن يتخذ القرار على كل المستويات، من يتحكم في واقعنا، [يريدون] أن نبقى شعباً ضعيفاً مشتتاً فقيراً بئيساً محروماً))(1).
وفي تاريخ 18 صفر 1436هـ الموافق 2014/12/10م أصدر المجلس السياسي لـ (أنصار الله) بياناً، انتقد فيه البيان الختامي للقمة الخليجية الـ (35) التي انعقدت في (الدوحة) في الـ 9 من ديسمبر 2014م، وشكل تدخلاً سافراً في شئون اليمن، وكشف البيان أن أعراب الجزيرة يعتبرون اليمن جغرافيا ملحقة بهم، والشعب اليمني تابعاً لهم.
ومما ورد في بيان (أنصار الله): إن اعتبار قمة (الدوحة) بعض المحافظات مناطق محتلة من قبل (أنصار الله) ومطالبتهم بالانسحاب منها، توصيف يندرج في خانة التدخل المباشر في شؤون الغير، والإمعان في ذلك بالتحريض الإعلامي والسياسي والتمويل المالي للعابثين في بلادنا انتهاك للمواثيق الدولية المنظمة للعلاقات بين دول الجوار.
وبشأن (اللجان الشعبية) أوضح البيان: إن (اللجان الشعبية) هم من أبناء اليمن تحركوا في محافظاتهم بما يمليه عليهم الواجب الوطني والأخلاقي تجاه الانهيار الأمني والفشل السياسي نتيجة عبث الفاسدين، وحاجة فرضتها ظروف البلاد، وهي مكملة لدور رجال الأمن والجيش، وليست بديلاً عنهم، وبنود اتفاق السلم والشراكة، ومخرجات الحوار الوطني، أكدت على ضرورة الشراكة الوطنية والتعاون المشترك في بناء البلد ومواجهة التحديات.
وأخيراً وضع بيان (أنصار الله) النقاط على الحروف وأكد أن بيان دول أعراب الخليج يشكل: تدخلاً واضحاً في شؤون البلاد وتماهياً مع المشروع الأمريكي الساعي للهيمنة على القرار السياسي في بلادنا ومساندة لمراكز الفساد، التي استثمرت فترة المبادرة الخليجية لمزيد من الإفساد، وهدم بنيان الدولة من الداخل، وإهدار المال العام، ورهن السيادة الوطنية، واستباحة الدم اليمني، بالاغتيالات، والحروب، وإهدار كرامة المواطن.
كما أوضح السيد القائد (عبدالملك بدر الدين الحوثي) أن: قوى الفساد عندما تحس بالخطر على مصالحها وتحرك أذيالها وأصحابها وأتباعها، وعلى سبيل المثال كلما تحقق إنجاز على الأرض لصالح الشعب والوطن عن طريق (اللجان الشعبية) بغية إرساء الأمن والاستقرار وإنقاذ مجتمعنا اليمني من جرائم ومخاطر التكفيريين المجرمين والذرائع والأيادي الاستخباراتية الأمريكية، كلما انزعج الفاسدون والطغاة وأسيادهم في الخارج وخاصة الأمريكان الذين يزعمون أنهم يتحركون بالكون كله لمحاربة ما يسمونه بالإرهاب فإذا بهم هم أم الإرهاب وأبو الإرهاب ومَنشأ الإرهاب(2).
ويسخر القائد الثوري من مزاعم دول الهيمنة الخارجية أن اليمن تحتله (اللجان الشعبية): يصورون اللجان الشعبية الوطنية بأنها (محتلة للبلد)، (محتلة لليمن) تصوروا اليمني في بلده يسمونه محتلاً!، أي عبقرية هذه أي ذكاء؟!.
أي رؤية جديدة لتوصيف الاحتلال، بينما بعض تلك الدول التي أصدرت ذلك البيان وبدعم من أمريكا وبتنسيق مع أمريكا تبعث بالآلاف من الإرهابيين من خارج اليمن إلى (البيضاء) و (الجوف) و (مأرب) ليقوموا ببسط سيطرتهم وممارسة جرائمهم الإرهابية ضد الشعب اليمني.
لذلك نقول في حال الاستمرار في التهديد لن نفرط أبداً بأمن واستقرار هذا البلد لن نقبل أن يكون شعبنا اليمني مستباحاً.
دأب الطغاة الفاسدون المحليون بالتعاون مع أسيادهم الأمريكان والسعوديين على إذلال الشعب واعتقدوا أنه صار عبداً خاضعاً ذليلاً لهم ومن طول الإقامة على هذا الاعتقاد الزائف فوجئت قوى الطغيان والفساد في الداخل وعملاؤها أو أولياؤها في الخارج، بالنهضة الكبيرة لشعبنا اليمني العظيم، بهذا الإحساس العالي بالمسؤولية، بتلك الشجاعة الكبيرة لشعبنا الذي توكل على الله وتحرك بنفسه، وصدق الله العظيم القائل ((ومن يتوكل على الله فهو حسبه))، ((إن الله بالغ أمره)).
لقد أثبت شعبنا اليمني العظيم فاعلية ووعيا وحيوية بالرغم من كل الجهود على مدى عقود من الزمن لتدجينه وإخضاعه لعصابات الفساد والطغيان حتى لا يقول كلمة حق ولا يرفع رأسه شامخاً في مواجهة أي ظالم أو متجبر في الداخل والخارج على السواء.
هذا شعب لم يمت، وإذا كان قد غفا فهو استيقظ وانتبه وأدرك المخاطر التي تحيط به وقيعان الفساد التي كان الفاسدون الطغاة قد أوصلوه إليها، لقد أخضعوا طيلة فترة حكمهم الشعب اليمني العزيز والحر لطغيانهم وفسادهم ونهبوا ثرواته بالتعاون مع أسيادهم في الخارج حتى وصل الحد بهم لوضع الوطن والشعب تحت الوصاية الدولية والهيمنة الخارجية بداية بالسر تلاها بالعلن وبشكل مكشوف للعالم كله ووصل الأمر درجة أن صار أكثر من نصف الشعب اليمني تحت خط الفقر العالمي.
بينما هو شعب له خيرات، له ثروة سمكية، له نفط، له مخزون هائل من الغاز، له مخزون ضخم جداً من المعادن والمواد الخام.
في (مجلس الأمن) أدرجوا اليمن تحت الوصاية الدولية وكأن الشعب اليمني العظيم الذي هو أكثر من خمسة وعشرين مليون نسمة مجاميع من الأطفال الصغار الذين لا يمتلكون رشداً ويحتاجون إلى أوصياء عليهم؟!، ومَنْ هؤلاء الأوصياء هم أكبر ساع للفساد وداعم للفاسدين وعاملون على إفقاد الشعب أمنه واستقراره.
فوجئوا لأنهم اعتادوا أن يروا الشعب متهالكاً واعتقدوا أنهم قد أكملوا إخماد نزوعه الثوري.
ولذلك فإن أهم آفاق ثورة 21 سبتمبر 2014م في هذا المضمار هو تحقيق السيادة لليمن وطناً وشعباً، والعمل على استعادة مكانة اليمن الدولية وإعادة الاعتبار له والحفاظ على استقلاله، وقد تضمنت رؤية انصار الله حول بناء الدولة المقدمة إلى مؤتمر الحوار الوطني تحقيق الأهداف التالية:
الهدف الأول: تحقيق استقلال القرار اليمني بعد أن كان مرهوناً بالتنسيق المستمر مع الجيران والدول الكبرى في كل ما يتعلق بمصالح تلك الدول في المنطقة، واعتبار السلطة الحاكمة موافقة قوى الصمت الخارجية، على أن لها الأولوية عند تحديد السياسات الداخلية والخارجية ومقدمة على مصالح الوطن والشعب اليمني.
الهدف الثاني: إعادة بناء علاقة اليمن بغيرها من الدول والمنظمات الدولية على أساس احترام سيادة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه واستقلالية قراره السياسي مما يتيح له ممارسة دور حقيقي في القضايا الإقليمية والدولية بوصفه استحقاقاً أصيلاً لليمن يوفره له رصيده التاريخي، وموقعه الجغرافي الاستراتيجي.
الهدف الثالث: الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية تحت أي مسمى أو مبرر.
الهدف الرابع: إعادة رسم خارطة علاقات اليمن الخارجية على أساس الندية في التعامل بداية بالجوار فالجوار العربي والإسلامي والعالمي وبما يعزز علاقات التعاون وحسن الجوار والأخوة العربية والإسلامية والإنسانية(3).
بناء الدولة المدنية الحديثة العادلة
المقصود بـ (الدولة المدنية الحديثة العادلة): الدولة المدنية الإسلامية الحديثة التي تستمد شرعيتها من الشعب وتكون الشريعة الإسلامية المصدر الأساس لقوانينها، وتتحقق فيها سيادة القانون، وتكفل الحقوق والحريات، وتحترم التعددية، وتلتزم بالتداول السلمي للسلطة.
ومؤدى ذلك أن الدولة المدنية المنشودة هي دولة المؤسسات والتقدم وسيادة القانون والمساواة والعدل.
ولن تتحقق هذه الدولة إلا إذا كانت متحررة من الخضوع لقوى الفساد والنفوذ والتسلط، وثمرة الشراكة الوطنية الجامعة، حسب ما أوضحه الزعيم الثوري السيد (عبدالملك الحوثي) في خطاب له بتاريخ 15 ديسمبر 2014 حيث قال: ((21 سبتمبر أتاح فرصة لبناء دولة، وهناك فرصة حقيقية، ولا بد من استمرار الثورة. فالشعب معني اليوم أن يقتطف ثمرة تضحياته وصبره والتضحيات بالشهداء والجرحى، وكان لا بد اليوم من اغتنام هذه الفرصة لبناء دولة)).
ولقد كان ولا زال المحور الأساسي لنضال القوى الوطنية والثورية في اليمن، هو بناء الدولة المدنية الحديثة العادلة.
ولذلك فإن الدولة المدنية الحديثة العادلة (حسب تعبير الشهيد الدكتور محمد عبدالملك المتوكل) لا يمكن أن تقام في اليمن إلا على حاملها الجماهيري المتمثل في قوى الثورة وفي مقدمتها الجماهير الكادحة والطبقة الوسطى التي يقودها الثوار (أنصار الله) الحوثيون وحلفاؤهم وفي اليمن حاضنة الفكر الإسلامي الثوري العقلاني (اليسار الإسلامي) وما حققه من إنجازات فكرية واجتهادات حضارية عبر العصور، وخاصة في مجال المفاهيم الحديثة كمفهوم الحرية الفردية (الإنسان مُخَيَّر لا مُسَيَّر) والديمقراطية السياسية (حرية الاختيار) ومقاومة الظلم (الخروج على الحاكم الظالم) وتحقيق العدالة والسمو الأخلاقي (العدل والتوحيد).
إن التمسك بهذه المفاهيم وإعطاءها مضامين أغنى وأقوى وأشمل على ضوء الحياة المعاصرة هو الأساس المكين لبناء الدولة المدنية الحديثة في اليمن(4).
إن بناء الدولة المدنية الحديثة العادلة يبدأ، في اليمن، بالتحرر من الإرهاب وكافة الطغاة وقادة عصابات البغي والفساد وأبواقهم الإعلامية ومناهجهم التكفيرية في الثقافة والتعليم.
ولا ريب أن بناء الدولة المدنية الحديثة لن يتم دفعة واحدة وإنما من خلال مرحلة انتقالية يتم فيها:
1 – القضاء على ما تبقى من العصابات (مراكز القوى) الفاسدة الطغيانية الحاكمة وذيول ما أسقطته الثورة منها تمهيداً لبناء الدولة المدنية العادلة.
ولذلك يحافظ الفاسدون في القضاء (على فساد الماضي) ويماطلون في إنجاز إجراءات مهمة وضرورية، ومنها: تجفيف منابع الفساد الرسمي أولاً واستعادة المديونية العامة للدولة، سواء على مستوى المستخلصات والديون الجمركية والضرائب التي هي مع كبار الشخصيات النافذة، التي لها نفوذ في الدولة أو مديونية الكهرباء أو مديونية الماء أو مديونية بقية المؤسسات التي لدى النافذين. عامة الناس في حالة معاناة، بينما كبار النافذين أصبحت المديونية عليهم بالمليارات، لحد الآن لا يهتمون بمتابعة الديون المتراكمة من الضرائب لدى (شركة سبأفون)، ودفع إتاوات من أموال الشعب حتى للفارين إلى خارج اليمن(5).
2 – تجفيف مصادر الفساد تمهيداً للقضاء النهائي عليه.
3 – إحلال خطاب إعلامي وطني وثوري وتقدمي محل الخطاب السائد.
4 – نشر الثقافة الفقهية العقلانية، فقه الثورة والعمل والاجتهاد والحرية والعدل.
5 – فك ارتباط الأحزاب والشخصيات العامة، وخاصة تلك التي ترفع لواء التقدمية والثورية، بنظام الحكم الفاسد ومراكز القوى القبيلية العسكرية الطغيانية وأن يتم توجيه تلك الجماعات والأفراد بأن تنتهج بدلاً من ذلك: (حماية) الوطن ليس من خلال (الاصطفاف الانتهازي)، مع قوى التخلف والتكفير والإرهاب والفساد وإنما بـ (الاصطفاف المبدئي) مع كافة القوى الوطنية والثورية وفي القلب منها (أنصار الله) وصولاً إلى تحقيق الأمن الشامل وبدء مرحلة بناء الدولة المدنية الحديثة.
ولذلك فإن بناء الدولة المدنية الحديثة العادلة هو أهم أفق في المشروع المستقبلي المنشود لجميع الوطنيين والثوار في اليمن.
على أن مشروع (الدولة المدنية الحديثة) مهما اختلفت تجلياته، مستحيل التحقيق، إذا لم يتم تحرير اليمن من الهيمنة الأجنبية وبالذات السعودية والأمريكية ودعم الحروب التي يخوضها الآن في كل بقاع اليمن الثوار ضد صناع الإرهاب وقواعده وأدواته، وما لم يؤخذ في الاعتبار الثورة الشعبية الشاملة التي يقودها (اليسار الإسلامي) على الساحة اليمنية، والذي يمثله (أنصار الله) وحلفاؤهم وأعوانهم من قادة وجماهير الإسلام المستنير وكافة المناضلين من أجل الحرية والعدالة والتقدم. وذلك أمر بديهي من أهم أسبابه أن الدين، بطبيعته، وخاصة في اليمن، منتج أساسي للاستقطاب وتعميقه المتواصل والدائم من مرحلة تاريخية إلى التي تليها، وقد أثبتت الشواهد والأدلة اليقينية والتجارب التاريخية أن خير من يعبر تعبيراً صحيحاً وصادقاً عن الدين هم الثوار الوطنيون أصحاب المسيرة القرآنية الظافرة.
الدولة المدنية ومراكز القوى
عندما تتحدث مراكز قوى الفساد والتخلف والإرهاب عن (الدولة) فإنها تختزلها، هذه القوى الطاغوتية، في مصالحها وإرادتها ومكوناتها الرجعية الفاسدة التي دمرت اليمن شمالاً وجنوباً وعطلت قواه المادية الروحية طيلة فترة حكمها.
وحقيقة الحال أن مراكز القوى القبيلية المسلحة والرأسمالية الطفيلية المتواشجة معها كانت هي (الدولة) وذلك لأنها هي المسيطرة على أجهزة الحكم الهشة بحيث صارت تابعة لها، وأمسى اليمن خارج نطاق هيمنة الدولة كجهاز حكم عليها.
ولذلك فإن هناك مسألة هامة مرتبطة بالدولة المدنية الحديثة العادلة باعتبارها أهم آفاق الثورة، هذه المسألة هي أدوات مراكز القوى للسيطرة والمتمثلة في قصور وقلاع الطغاة والفاسدين المسلحة والمعسكرات الجاثمة على المدن اليمنية، وهي معضلة مزمنة أرّقت كل القوى المدنية الوطنية والثورية منذ وقت طويل، حيث عبرت عن ذلك في بياناتها وصرخاتها المطالبة بإخراج المعسكرات من المدن، كذلك فقد نصت عشرات القرارات منذ إعلان الوحدة عام 1990م على ذلك وكان آخرها قرارات مؤتمر الحوار التي تجاوز عددها ثمانية قرارات في محاور مختلفة من وثيقة الحوار الوطني، ولكن دون تنفيذ حتى بزوغ فجر ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2014م.
وبالإضافة إلى المعسكرات الحكومية توجد جيوش خاصة تابعة لكبار مشائخ القبائل وممولة من الميزانية العامة(6)، ومن ذلك على سبيل المثال (لواء الزبيري) التابع لـ (عبدالله بن حسين الأحمر) وبجانبه لواء آخر أيضاً، ويكفي في هذا البحث الموجز أن نورد الأرقام التالية كعيِّنة فقط للبرهنة على ما سبق.
وتشمل المعسكرات أيضاً تلك التي يتم فيها تدريب الإرهابيين وإعدادهم، وعلى سبيل المثال، فقد أعطت مراكز الفساد والطغيان معسكراً للقاعدة في منطقة (يحيص) (أرحب) بالقرب من أمانة العاصمة وعلى مشارفها يتدرب فيه الإرهابيون ويخرجون لممارسة جرائمهم تحت سمع وبصر أجهزة (الدولة) والطائرات الأمريكية بدون طيار، ما معناه أن الإرهاب تتم ممارسته تحت سمع وبصر الدولة بتواطؤ رسمي(7).
((لجان الثورة تمكنت من إفشال تحويل مليارات الريالات كانت مخصصة لتلك المعسكرات)).
وقال: ((إن تلك المعسكرات مختلطة بين حزب الإصلاح وتنظيم القاعدة)).
وأضاف أنه سيتم بث مشاهد من معسكر (يحيص) في منطقة (أرحب)، المتاخمة للعاصمة (صنعاء)، تبين حجم تلك المساعدات، مؤكداً أن: ((اللجان الشعبية فرضت سيطرتها على ذلك المعسكر التابع للقاعدة، والقريب من المؤسسات العسكرية والأمنية بالعاصمة صنعاء))(8).
ولذلك فإن تحرير المدن من المعسكرات وعصابات الطغاة الفاسدين المسلحة، هو من أهم آفاق الثورة تنفيذاً لقرارات (مؤتمر الحوار) بإخراج المعسكرات من المدن وكشف أسرارها الإجرامية وتحويلها إلى مواقع مدنية كما حدث بالنسبة لـ (معسكر الفرقة الأولى مدرع). على أن تنفيذ ذلك لن يتأتى إلا بالتزامن مع تحرير اليمن من عصابات الطغاة قادة مراكز قوى الفساد والنفوذ، وهو عمل لن يتم تنفيذه إلا بواسطة قوى الثورة الشعبية المدنية بقيادة (أنصار الله).
لقد صاحب انتشار المعسكرات السرطاني في المدن اليمنية، ويشمل ذلك أيضاً، قلاع وقصور الطغاة من مشائخ القبائل وأتباعهم من مجاميع البغاة المسلحين المدججة بالأسلحة المتنوعة، تضخم الإنفاق العسكري والأمني، وكلاهما مكرس لخدمة الطغاة والفاسدين ولا يتصدى إلا للمدنيين الضعفاء المسالمين داخل المدن بغرض استمرار تحقق هدفيه الأساسيين:
الهدف الأول: استمرار الحكم الذي يتوحد بالفساد والقمع والعنف في كل المستويات، العنف المادي والعنف الاقتصادي والعنف المعنوي، والعنف الكلي الذي تجلى ولا زال في اغتيال المثقفين والمفكرين واضطهاد الصحافيين، الذي تدور جرائمه من الشوارع حتى السجون وقاعات المحاكم وحتى داخل السجون والمعتقلات.
الهدف الثاني: الحفاظ على ممتلكات قادة مراكز القوى ومصالحهم غير المشروعة وتوسيع نطاقها وحماية طغيانهم وضمان استمرار جباية الأموال وتهريبها إلى أرصدتهم في الخارج أو تكديسها في الداخل.

الهوامش:
(1) خطاب قائد الثورة السيد (عبدالملك الحوثي) المؤرخ 2014/10/13م.
(2) م. س.
(3) من رؤية أنصار الله حول بناء الدولة، مقدمة إلى مؤتمر الحوار بواسطة الشهيد الأستاذ الدكتور (أحمد شرف الدين)، كتاب من: إصدار المجلس السياسي لأنصار الله.
(4) أ. د. محمد عبدالملك المتوكل، (التنمية السياسية)، جامعة صنعاء، الطبعة الأولى 2004م، ص (140).
(5) السيد القائد (عبدالملك الحوثي).
(6) انظر الجدول الملحق والذي يبين بعض بؤر الفساد ومن ذلك المرافقين والمليشيات المسلحة التابعة لعدد من المشائخ وكبار العسكريين.
(7) من خطاب السيد يوم 2014/12/15م.
(8) من خطاب السيد يوم 2014/12/15م.
* محلل سياسي وقانوني

قد يعجبك ايضا