تساؤلات حول عصر ما بعد الحداثة

خليل المعلمي
البشرية اليوم غير راضية عن أوضاعها، فليست أكثر سعادة من قبل، والعلم المعاصر المقترن بالتكنولوجيا قد يكون ساعد الإنسان بالسيطرة على الطبيعة، ولكنه في الوقت نفسه ساعد الإنسان على السيطرة على أخيه الإنسان، وكان له دور بارز في قهر الناس لبعضهم البعض وفي نهب البعض لثروات البعض الآخر.
يدعو الدكتور رشيد الحاج صالح في كتابه “الإنسان في عصر ما بعد الحداثة” للاشتراك في مناقشة عدد من الأسئلة حول هذا العصر وطرح مستقبل الإنسان في عصر أخذ يتكاثر فيه الحديث عن نهاية البشرية في إشارة واضحة إلى اليأس الذي أخذ يستبد ببعض الناس.
ويؤكد في استهلاله للكتاب أن الحداثة التي قامت على احترام العقل وحقوق الإنسان والبحث عن الوسائل التي تجعل حياة الإنسان أكثر عدلاً ومساواة وعلى حق الشعوب في تقرير مصيرها، فهي تواجه اليوم أزمة كبرى تكاد لا تستطيع الخروج منها فالإنسان المعاصر ولا سيما الغربي لديه حرية وديمقراطية ولكنه مكبل بالنزعة الاستهلاكية التي فرضت عليه الشركات العابرة للقارات، لديه حرية في وسائل الإعلام ولكنه لا يشاهد إلا ما يختاره له أصحاب تلك المؤسسات، تؤمن مؤسسات السياسة حق تقرير مصير الشعوب ولكنه يجد نفسه منخرطاً في حروب ليس لها نهاية من أجل آبار النفط.
ويتساءل ماذا نحن فاعلون فيما بعد الحداثة التي تعني في مجمل ما تعني الانفلات القيمي وتقديس المصالح الذاتية والاعتماد على الإرادة بدل العقل وعلى القوة بدل العدل أصبحت تجتاح حياة البشر من كل حدب وصوب.
فلسفة الحروب
تحدث المؤلف تحت هذا العنوان عن الفلسفة التي تشن تحت سقفها الحروب واستعرض عدداً من الآراء الفلسفية القديمة والحديثة فالبعض أرجع أسباب الحروب إلى عزيزة الإنسان في العدوانية أو إلى الصراع على المصالح أو إلى التعصب العرقي والسياسي والعقائدي، والبعض أعتبرها أمراً طبيعياً في البشر فيما آخرون فسروها بأنها وسيلة من وسائل حفظ التوازن لدرجة أن هناك من غيرها الطريق الحقيقي للحرية والسلام والعدالة.
وتناول المؤلف في ذلك نظرية “اريك فروم” عن العدوانية والنزعة التدميرية لدى البشر، وفهم أسباب العدوانية الهمجية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ أكثر من ستين عاماً والتعرف إلى الأسباب اللاأخلاقية التي تشنها الدول الاستعمارية على الدول والشعوب النامية.
وتعود أهمية استخدام المؤلف لنظرية “اريك فروم” لاستخدامه التحليل النفسي، السريري الطبي، الفلسفي التاريخي، الاجتماعي، ليقدم لنا مقارنة خلاقة لكل تلك المجالات المعرفية حتى تساعدنا على الوصول إلى فهم أكثر عمقاً للنزعة العدوانية عند البشر، وعبر عن قلقه على مستقبل البشرية من الحروب لأنه يعتقد أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يحارب نوعه ويمارس “القتل الجماعي”.
السلطة بين المعرفة والسياسية
ينوه المؤلف إلى أن التقاليد الفكرية في دراسة السلطة قد درجت على البحث عنها في الميادين السياسية والعسكرية وحتى الدينية لدرجة أن مفهوم السلطة أصبح ملازماً لتلك المجالات بحيث ينظر إليه على أنه مفهوم سياسي بامتياز.
ويتابع: أما البحث في ماهية السلطة من حيث هي موضوع معرفي وليس موضوعاً سياسياً والوقوف عند بنيتها الاستراتيجية وآليات عملها الداخلية وتحليل العلاقة الديالكتيكية بين السلطة والمعرفة والمجتمع، فقد تم انجازه لأول مرة بشكل منهجي وعميق على يد “ميشيل فوكو” (1926 – 1984م).
والانتشار الرهيب للسلطة في كل مكان داخل الأنظمة المعرفية والاجتماعية والسياسية قد دفع “فوكو” للبحث عن الآليات والاستراتيجيات التي تعمل السلطة من خلالها والوقوف على الإجراءات والممارسات والمؤسسات التي تنظمها السلطة فالسلطة هي موضوع معرفي أو المعرفة هي سلطة بذاتها ولذلك لابد من دراسة الأبعاد السياسية والسلطوية للمعرفة من جهة ودراسة الأبعاد المعرفية للسلطة والسياسة من جهة ثانية.
مفهوم اليقين
يناقش المؤلف في هذا الجزء من الكتاب مفهوم اليقين لدى الإنسان الذي قدمه “جون ديوي” في بحثه عن اليقين من خلال المعالجة المختلفة لهذا المفهوم وحاول تأسيس اليقين على أسس تجريبية ونفسية وحياتية بعيداً عن العقل الذي اعتبر عرين اليقين لآلاف السنين وبعيداً عن الأديان التي آمنت بالوحي الخارجي وبعيداً عن الرياضيات التي اعتبرتها البشرية المثل الأعلى لليقين.
ويشير المؤلف إلى أن “ديوي” قد نظر إلى اليقين على أنه حالة نفسية أكثر مما نظر إليه على أنه حالة عقلية وحالة عملية حياتية أكثر مما نظر إليه على أنه حالة نظرية مجردة وهذا ما أدى به إلى تفسير اليقين على أساس عقلي، فالإنسان يطلب اليقين لأنه يشعر معه بالأمان والراحة والسلام، ولكي يهرب من المخاطر والمخاوف التي يسببها اللايقين.

قد يعجبك ايضا