أوجاع الطفولة خلف القضبان ..أحداث وجانحاتأوجاع الطفولة خلف القضبان ..أحداث وجانحات

عبدالرحمن علي علي الزبيب*
الطفولة أجمل وأخطر مراحل حياة الانسان تستوجب أن يتمتع جميع البشر بمرحلة طفولة مملوءة بالحب والحنان والحرية والأمان فالأطفال مثل العصافير تعيش في فضاء واسع بكرامة محفوظة ورؤوس مرفوعة إلى سماء خالية من أي منغصات للعيش أو حاطة للكرامة ..  ولكن ؟؟أخطر انتهاكات حقوق الطفولة حجز حريتهم واحتجازهم خارج إطار القانون .بل تعتبر جريمة حجز حرية يعاقب عليها القانون بعقوبات مشددة حماية للطفولة من الانتهاك .الأطفال ضحاياالطفولة هي ضحية في أي جريمة ترتكب لا يوجد طفل مجرم بل يوجد مجتمع مختل وأسر مفككة ودولة غائبة مغيبة عن واجباتها وتسقط نتيجة ذلك الطفولة جريحة كضحية .الطفولة مجني عليها في جميع الأحوال حتى لوكان الطرف الآخر ايضاً ضحية جريمة لأن الطفل غير مجرم بل المجتمع هو المجرم ويستوجب للمجتمع أن يدفع ثمن إجرامه لأن الطفل ضحية ويستوجب معالجة الأسباب وجذورها وعدم التوقف عند ظواهرها فقط وأن تكون وفقاً لمصفوفة عمل كاملة تشمل جميع أنحاء الوطن لحماية الطفولة في أي مكان وزمان بلا تمييز ولا استثناء ووفقاً لنصوص القانون بلا مخالفة ولا تجاوز لها فالطفل هو الطفل في أي مكان في الشرق أو الغرب في المدينة أو الريف والقانون هو القانون يحكم جميع القضايا والوقائع والاشخاص في أي مكان وزمان بلا تمييز أو استثناء .لو وضع الجميع أنفسهم في نفس موضع طفل أثناء التحقيق والمحاكمة ستتغير الاجراءات ستتوقف الانتهاكات لأنك لن ترضى أن تنتهك طفولتك لذلك لن ترضاها ايضاً لطفل آخر يتجرع ألم غياب المجتمع الحاضن لحقوق الطفل في كل زمان ومكان بلا استثناء .كنت مشاركا في أحد البرامج الاذاعية لإحدى الاذاعات الوطنية عن حقوق الجانحات والأحداث شعرت بألم الطفولة خلف القضبان الباردة  بسبب مخالفة القانون راجعت القانون وضمانات الحد الأدنى لحقوق الطفل واستعجبت المذيعة وربما المستمعون بنصوص قانونية تحمي الحد الادنى لكرامة طفل تخالف باستمرار وبلا ردع أو رقابة أو إنسانية .بالرغم من أن نصوص القانون الوطني والدولي توضح بجلاء منع احتجاز الأطفال دون الثانية عشرة مهما كانت الواقعة المتهم بارتكابها  واستوجب تسليمه لولي امره للتحفظ عليه لديهم وفقط في حالة عدم وجود ولي امر للطفل فيستوجب التحفظ عليه في مراكز رعاية الاحداث حيث نص القانون على تفضيل الافراج عنهم اثناء فترة التحقيق والمحاكمة وتسليمهم لأولياء أمورهم كون نصوص القانون تنص على براءة المتهمين أثناء إجراءات التحقيق والمحاكمة وحتى صدور حكم نهائي وبات وفي حالة فقط عدم وجود أقارب للمتهم الحدث أو الجانحة فإنه يتم التحفظ عليه ليس في سجون بل في دور رعاية خاصة بهم تراعي أعمارهم وجنسهم بحيث تكون دور الرعاية :1. دار رعاية الأحداث للتحفظ على الأطفال الذكور تكون مستقلة عن أماكن احتجاز الكبار ومقصورة فقط على التحفظ ورعاية الأطفال الأحداث.2. دار رعاية الجانحات : للتحفظ على الجانحات من الأطفال الإناث وتكون أماكن مستقلة عن أماكن احتجاز الذكور ومستقلة أيضاَ عن أماكن احتجاز الإناث الكبار .الطفولة نقصد بها ما عرفه القانون الوطني بانها مرحلة من مراحل عمر الانسان تمتد منذ الولادة حتى بلوغ سن الثامنة  عشرة عام وهذه المرحلة مرحلة تأسيسية لبناء سلوكيات واخلاقيات الانسان تستلزم أن تتكامل جهود الجميع لتوفير بيئة مناسبة لها حنى يكون مستقبلها إيجابيا وذا مردود إيجابي للجميع وإيقاف أي انتهاك أو تجاوز ضدها لأنه لن يؤثر على حاضر هذه الفئة فقط بل ومستقبلها ولن تتوقف الاثار السلبية لتلك الانتهاكات على الطفل المنتهكة كرامته فقط بل ستعصف بالمجتمع في ردة فعل قاسية  وسيظل اي انتهاك للإنسان في مرحلة الطفولة جرحا غائرا في اعماقه لن ينساها وستصنع إجراما في المستقبل إن لم تعالج في حينها.هناك أطفال للأسف محرومون من أهم حقوق الطفولة.. وهل هناك أهم للطفل من الحرية ؟؟نصوص القانون الوطني كفلت حماية الطفولة من أي اعتداء وتشديد العقوبات لمرتكبه سواء كان ذلك الاعتداء من أشخاص أو حتى من موظفي دولة تجاوزوا حدود صلاحياتهم وانتهكوا بذلك حقوق الطفولة .جميع البشر كانوا أطفالا  ويعرفون ماهي مرحلة الطفولة وخطورتها على مستقبل الوطن فاذا تم الاهتمام بالطفولة ورعايتها بشكل صحيح سينشأ جيل خال من أي عقد أو مشاكل نفسية يبني الوطن وإن تم عكس ذلك سيتم تدمير مستقبل الوطن بتدمير طفولته التي تعتبر أمل الحاضر وكل المستقبل .بالرغم من ملاحظاتنا الكبيرة على وجود قصور كبير في حماية الطفولة في التشريعات الوطنية الا انه حتى الحد الأدنى المنصوص عليه يتم مخالفته للأسف الشديد أثناء التعامل مع الطفولة وهذه المخالفة والتجاوز لنصوص القانون تعتبر جريمة ليس فقط بحق الطفولة بل بحق الوطن والدولة التي تعتبر هي الضامنة لتنفيذ نصوص القانون ومبرر وجودها .فالقانون سبب وجوده تنظيم العلاقات بين جميع أطراف المجتمع بين أجهزة الدولة والشعب  وفي ما بين الشعب مع بعضهم حقوق وواجبات .والأطفال هم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب والذي يستوجب ان يكون القانون ضامنا للجميع بما فيهم الاطفال ففي الاوضاع الطبيعية يستوجب بذل كافة الجهود لحماية الاطفال من أي اعتداء ومعاقبة مرتكبيه بسرعة وصرامة من دون أي تباطؤ باعتبارها قضايا مستعجلة لا تقبل التأخير .ضمانات ملزمةوايضاً في الحالات الاستثنائية ونقصد بها عندما يكون المتهم بجريمة طفلا ( حدثاً أو جانحة ) فالقانون رسم الاجراءات القانونية اللازمة(باعتبار الطفل ضحية )  لضمان عدم انتهاك الطفولة وشدد على ضمانات يستوجب التقيد بها وعدم مخالفتها وأهمها :1. عدم احتجاز أي حدث متهم بارتكاب جريمة ووجوبية تسليمه لولي امره للتحفظ عليه اذا كان عمره لا يتجاوز الثانية عشرة واذا تجاوزها يفضل عدم احتجازه ويسلم لولي امره للتحفظ عليه وإن لم يوجد ولي امر له للتحفظ عليه لديه يستوجب ايداعه في دار لرعاية الاحداث ويحظر احتجازه في أقسام الشرطة أو في السجون مع كبار السن .2. المسؤولية الجنائية : الطفل دون العشرة أعوام لا يساءل جنائياً ولا يعاقب باعتباره لم يصل الى عمر التمييز وإن تجاوز العاشرة والى الخامسة عشرة فالعقوبات تكون مخففة استثناءً من النظام العام فلا يحكم بالاعدام وتخفض سنوات الحبس بشكل كبير مراعاة لظروف الطفولة
3. الحماية القانونية  للطفل : أوجب القانون صراحة على وجوبية تكليف محام للدفاع عن الطفل أثناء إجراءات التحقيق والمحاكمة  وبذلك تكون محاضر التحقيق لدى أجهزة الأمن والنيابة العامة والقضاء غير قانونية إن لم يتم إثبات حضور المحامي وتمت دون تكليف محام للدفاع عن الطفل ويلاحظ أن هذه الضمانة منتقصة ولا يتم الاهتمام بها ويفترض أن يتم إلغاء أي اجراءات تتجاوز هذه الضمانة الهامة ومساءلة ومعاقبة منتهكيها .4. تحديد سن الطفولة : هناك اشكاليات كبيرة تنتهك حقوق الطفولة واهمها عدم تطبيق نصوص القانون بخصوص تحديد سن الطفولة وهل المتهم طفل ام تجاوز سن الطفولة وهذا اجراء خطير وهام إذ تبني عليه كافة الاجراءات التالية له فإذا تم اعتبار المتهم طفلا يتم الالتزام بالضمانات القانونية له وان لم يكن كذلك فيتم اتخاذ الاجراءات الطبيعية دون استثناء وبالرغم من أن القانون ينص على اعتبار المتهم طفلا بوجود وثائق رسمية تثبت ذلك غير أنه يتم تجاهل ذلك ويتم الخوض والطعن فيها وهذا يخالف القانون وينتهك حقوق الطفولة ويستوجب الالتزام بنصوص القانون فإذا احضر المتهم أو ولي أامره أو محاميه وثيقة رسمية تثبت ان سنه لم يتجاوز حدود الطفولة فيستوجب الالتزام بها ومعاملته كطفل وعدم الخوض في اي اجراءات تناقضه وان لم يحضر المتهم وثيقة رسمية يجب أن تكون هناك اجراءات شفافة لقيام الطبيب الشرعي بتحديد سنه وفقاً للإجراءات الطبية المعمول بها لتحديد السن وان تكون الوثائق التي يستند عليها الطبيب الشرعي من فحوصات وأشعة متاحه لجميع الأطراف ليتم البناء عليها الاجراءات التالية .5. عدم الحبس إطلاقاً وانما التأهيل والتحفظ لا يعاقب الطفل بأي عقوبة ومنها الحبس وتتحول جميعها الى اجراءات تأهيل وتصحيح فيتم تسليمه لولي امره وفي أقصى الحالات يتم ايداع الاحداث والجانحات في دور رعاية للتأهيل مخصصة لذلك ولا يجوز التحفظ عليهم في اي اماكن اخرى وبهذا يستوجب على الأجهزة الأمنية والقضائية الالتزام بهذه الضمانة واذا جرت مخالفتها تعتبر منتهكة لحقوق الطفولة ولا يبرر ذلك عدم وجود دور رعاية للأحداث والجانحات في جميع المناطق فإذا لم توجد دور الرعاية فيستوجب عدم التحفظ على الاحداث والجانحات باعتبارها ضمانة قانونية .6. التحقيق والمحاكمة الاستثنائية للطفولة ينص القانون صراحة على اختصاص التحقيق والمحاكمة للأطفال في نيابة خاصة متخصصة في التحقيق مع الأحداث والجانحات تسمى نيابة الاحداث  وتنظر قضاياهم محكمة خاصة تسمى محكمة الاحداث تمارس اجراءاتها القانونية وفقاً لاجراءات استثنائية وضمانات قانونية أهمها ( سرية التحقيق والمحاكمة – الاستعجال في الاجراءات  – إشراك باحثين اجتماعيين في هيئة المحكمة – نظر القضايا والتحقيق فيها من ناحية اجتماعية أكثر منها جنائية لمعالجة الأسباب والجذور وليس الظواهر )وفي الأخير :نؤكد على وجوبية التزام جميع الجهات الإدارية والأمنية والقضائية بتوفير الضمانات اللازمة لحماية الطفولة من أي انتهاك والالتزام بما رسمه القانون من اجراءات تضمن للطفولة الحد الأدنى من الحماية القانونية اللازمة لان اي انتهاك للطفولة خطير جداً لأنه لا يؤثر فقط على الحاضر بل ايضاً يدمر مستقبل وطن .كما نأمل من الجميع مراعاة ان الاطفال غير مجرمين بل ضحية لمجتمع مختل أو اسر مفككة ولغياب دور أجهزة الدولة وتقصيرها في واجباتها الدستورية والقانونية يستوجب مراجعتها لإعادة الطفولة الى وضعها الطبيعي كفئة محمية من أي انتهاك ويعاقب منتهكوها بسرعة ودون تباطؤ ويعتبر أي تجاوز للقانون انتهاكا وجريمة وخصوصاً أهم حقوق الطفولة وهو الحرية فأي تجاوز وانتهاك لها يعتبر جريمة خطيرة تستوجب  العقاب الناجز لمرتكبها. ولن يتحقق ذلك إلاّ بوجوبية الالتزام بمصفوفة قانونية شاملة تحمي الطفولة من أي انتهاك ومن أي شخص أو جهة مهما كان فلا مبرر لانتهاك الطفولة  ومراجعة كافة الاجراءات القانونية والأمنية والقضائية وتصحيح اختلالاتها بسرعة ومن دون تباطؤ وبمهنية وانسانية وبذلك نأمل ان تخفف آلام الطفولة وما اقساها وخصوصاً أوجاع الطفولة خلف القضبان ..احداث وجانحات.
عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الانسان + النيابة العامةlaw771553482@yahoo.com

قد يعجبك ايضا