محو التاريخ السوري.. تركيا وداعش وجهان لعملة واحدة

 

 

هدير محمود

لا تزال تركيا تتوغل في الأراضي السورية بذريعة محاربة القوات الكردية هناك، ومنع إقامة كيان كردي يهدد الأمن القومي التركي. وعلى الرغم من أن توغلها هذا لم يتعدَّ مدة العشرة أيام، لكنها كانت مدة كفيلة لتحويل الوضع في مدينة عفرين الواقعة في شمال سوريا إلى مأساة إنسانية وتاريخية، حيث تستهدف القوات التركية الأخضر واليابس في المدينة السورية، لتتسبب في كارثة إنسانية ليست أقل وطأة من تلك التي تسبب فيها تنظيم “داعش” خلال سيطرته على بعض المدن السورية، ناهيك عن استهداف المواقع الأثرية؛ لمحو التاريخ السوري، وهو ما يظهر أن تركيا وداعش وجهان لعملة واحدة.
أكدت مصادر سورية رسمية وتقارير إعلامية، أن معبد “عين دارة” الواقع قرب مدينة عفرين، والذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، دُمرت أجزاء منه جراء قصف القوات التركية للمدينة والمنطقة المحيطة بها، وهو ما أكدته الصور ومقاطع الفيديو الصادرة عن وكالة “هاوار” الإخبارية الكردية، حيث أكدت المصادر أن القصف الجوي التركي دمر أجزاء واسعة من المعبد، رغم غياب أي أهداف عسكرية في منطقته، مؤكدة أن المعبد ليس الموقع الأثري الوحيد في منطقة عفرين الذي تعرض لاعتداء من قبل الجيش التركي، حيث تعرض أيضًا جامع صلاح الدين الأيوبي إلى أضرار بالغة.
وأفاد نشطاء في “المرصد السوري لحقوق الإنسان” المعارض بتضرر معبد “عين دارة” بشكل مادي دون وقوع خسائر بشرية، مؤكدين أن الموقع الأثري تعرض لأضرار هائلة تصل إلى 60%.
من جانبها أدانت المديرية العامة للآثار والمتاحف في وزارة الثقافة السورية عدوان النظام التركي على المواقع الأثرية في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي، والتي أدّى آخرها إلى تدمير معبد “عين دارة” أحد أهم الأبنية الأثرية التي بناها الآراميون في سوريا خلال الألف الأول قبل الميلاد، حيث تم اكتشاف معبد “عين دارة” في عام 1982م، ويتميز بمنحوتاته النادرة المصنوعة من الحجر البازلتي، ويُعد أحد أهم مدن مملكة بيت أغوشي الآرامية، وتبلغ مساحتها نحو 50 هكتارًا، وعمر بعض أجزائه 12 ألف سنة حسب الخبراء المختصين في الشؤون الأثرية.
في ذات الإطار دعت المديرية العامة للآثار والمتاحف بوزارة الثقافة السورية المنظمات الدولية المعنية وكل مهتم بالتراث العالمي الى إدانة هذا العدوان، والضغط على النظام التركي؛ لمنع استهداف المواقع الأثرية والحضارية في منطقة عفرين، إحدى أغنى البقاع السورية بالآثار والتراث الثقافي، وأكدت مديرية الآثار أن “هذا العدوان يعبّر عن مدى الحقد والكراهية والهمجية التي يمتلكها النظام التركي ضد الهوية السورية وضد ماضي الشعب السوري وحاضره ومستقبله”.
بدوره أفاد المدير السابق للمديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا، مأمون عبد الكريم، أن الموقع الأثري يشتهر بضمه “أسودًا بازلتية ضخمة واستثنائية ولوحات حجرية عليها منحوتات”، منددًا بـ”فداحة” الكارثة التي شبهها بما حصل في مدينة تدمر على يد داعش، مضيفًا: 3000 سنة من الحضارة اندثرت بضربة طائرة.
على جانب آخر، أعرب العديد من خبراء الآثار عن قلقهم بشأن القصف التركي الغاشم على الشمال السوري، حيث أكد الخبراء أن منطقة “عين دارة” تضم خمسة وستين تلاًّ أثريًّا مسجلًا لدى المديرية العامة للآثار والمتاحف، وخمسة وعشرين مزارًا دينيًّا، كما يهدد العدوان التركي المزيد من المناطق التاريخية، خاصة تلك الواقعة في منطقة جبل سمعان، حيث أُدرجت قرى قديمة هناك على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر، وتتميز هذه القرى التي بُنيت بين القرنين الأول والسابع بمناظر حافظت على الكثير من خصائصها على مدى السنين، وتشمل معالم أثرية لعدد من المساكن والمعابد الوثنية والكنائس والأحواض والحمامات العمومية، كما تضم منطقة جبل سمعان ثلاث محميات أثرية من ضمنها قرية “براد” التي تضم ضريح “مار مارون” المُدرجة على لوائح اليونسكو منذ عام 2011، تحت بند “القرى القديمة في شمال سوريا”.
الدمار الذي لحق بالمواقع الأثرية الواقعة في مدينة عفرين على يد القوات التركية يعيد إلى الأذهان حجم الدمار الهائل الذي ألحقه تنظيم “داعش” الإرهابي بالمواقع الأثرية السورية في العديد من المدن التي كانت واقعة تحت سيطرة التنظيم، وعلى رأسها مدينة تدمر التي تضم مواقع أثرية تعود لأكثر من ألفي عام ومدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، حيث ألحق التنظيم في عام 2015 دمارًا هائلًا بمعبدي “بل” و”بعل شمين” و”قوس النصر الأثري” والمسرح الروماني في مدينة تدمر، ناهيك عن الدمار الذي ألحقه التنظيم بجامع حلب الكبير ومئذنته التاريخية.
كاتب صحفي مصري

قد يعجبك ايضا