غصن الزيتون التركية … لماذا الآن !؟”

 

هشام الهبيشان *
من جديد يعلن من تركيا بدء عملية غزو جديدة للأراضي السورية، والحجة والذريعة جاهزة وهي ان العملية تستهدف مقاتلي ميلشيا حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي (PYD) شمال سوريا ،فالأتراك حشدوا قوات عسكرية تبلغ ضعف القوات التي شاركت في عملية “درع الفرات”، التي شنتها تركيا لدعم المجاميع المسلحة في معركة “غامضة “ ضد تنظيم داعش الإرهابي في ريف حلب الشمالي ، وأدت إلى سيطرة المجاميع المسلحة والأتراك على بلدات الباب وجرابلس وعشرات البلدات والقرى الأخرى.
وعملية الغزو الجديدة “ غصن الزيتون “ لن تتوقف أهدافها عند حدود عفرين أو منبج كما يتحدث الأتراك بل ستمتد إلى غرب اعزاز وفي كل من بلدة عين دقنة ومطار منغ العسكري في ريف حلب الشمالي، لتستمر وصولاً إلى كل من مدن تل رفعت وما بعد عفرين في ريف محافظة حلب الشمالي وصولاً إلى غرب ادلب وشمال غربها، ومدينة تل أبيض شمال الرقة.
وهنا من الواضح ،أن الوجود التركي في شمال سورية بدأ يتحوّل إلى أمر واقع ، بل ويحاول الأتراك التمدد بمساحات جغرافية جديدة ، والأخطر هنا أنهم يحاولون فرض هذا الوجود وذلك التمدد بالقوة ، وهذا التحرك التركي يحتاج على وجه السرعة ، لدراسة فورية وخطط تنفيذية سريعة من سورية وحلفائها للتصدّي للعدوان التركي على الأراضي السورية الذي كان ومازال تحت حجج محاربة الأكراد وتنظيم داعش، مع أن الأهداف بعيدة المدى غير ذلك بالمطلق.
اليوم لا يمكن إنكار حقيقة ان هناك احتلال وغزوا مباشر وعلنيا بريا للأراضي السورية من قبل الدولة التركية في ريف حلب الشمالي ، وهناك حرب تصريحات إعلامية وتحركات عسكرية تؤكد أن الأتراك كما أسلفنا يستعدون لاحتلال وقضم المزيد من الأراضي السورية شمالاً، وهنا، لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الأتراك حاولوا وما زالوا يحاولون المسّ بوحدة الجغرافيا والديمغرافيا للدولة السورية من خلال السعي للسيطرة والنفوذ على مساحات جغرافية من شمال سورية ، فالنظام التركي أظهر منذ بداية الحدث السوري رغبته الجامحة بسقوط شمال سورية خصوصاً وسورية كلّ سورية في أتون الفوضى، ودفع كثيراً باتجاه انهيار الدولة والنظام السياسي السوري، وهذا الأمر ينطبق على أطماع الأتراك بالشمال السوري، فكانت لهم صولات وجولات في هذا السياق، ليس أولها فتح حدودهم بالكامل أمام السلاح والمسلحين العابر والعابرين للقارات من تركيا مروراً بسورية وإلى العراق، وليس آخرها ما جرى من أحداث مؤخرا من غزو علني للأراضي السورية ، واجزم أن الهدف الرئيسي للتدخل التركي هو الاستحواذ والسيطرة على جزء من الجغرافيا السورية لتحقيق مطامع اقتصادية وسياسية تركية.
فتركيا لم تأت إلى سورية لمحاربة ميليشيا قوات “سورية الديمقراطية” أو حزب العمال الكردستاني أو لضرب تنظيم داعش الإرهابي ، وإنما جاءت لغزو سورية بعد ان تيقنت بأنّ مساحة المناورة لها في سورية قد ضاقت بشكل كبير بعد التدخل الروسي وتحرير حلب المدينة ، ولهذا قرّرت التحرك في الريف الحلبي الشمالي لإيجاد هامش وأوراق مناورة جديدة لها بالاقليم، وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الغزو التركي للأراضي السورية ما كان ليتمّ لولا التوافق والدعم لهذه الخطوة التركية من بعض الأنظمة العربية والغربية وبعض القوى المنخرطة بما يسمى المعارضة السورية بالخارج .
من الطبيعي ان يشكل الاحتلال والغزو التركي خطراً كبيراً على مستقبل الدولة السورية سياسياً وأمنياً وجغرافياً وديمغرافياً، وهذا ما يؤكد أنّ المرحلة المقبلة ستشهد أحداثاً دراماتيكية عسكرية وسياسية في مسار وتداعيات ونتائج هذا الغزو التركي للأراضي السورية، وهذا ما يؤكد أنّ الدولة السورية والجغرافيا السياسية السورية قد دخلت بمرحلة اشتباك دولي وإقليمي جديد، وعلى ضوء نتائج هذا الاشتباك سترسم من جديد الخارطة السياسية والجغرافية للإقليم والمنطقة العربية ككلّ.
ختاماً، من المؤكد أنّ الغزو التركي للأراضي السورية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يخطط له الأتراك في الشمال السوري، فمحاولة وصل منطقة نفوذ تركية تمتدّ من شمال شرق سورية إلى شمال غربها هو مخطط تركي قديم، ولهذا هم يسعون للاحتفاظ بمنطقة نفوذ جديدة في شمال سورية وفي الريف الشمالي لحلب بالتحديد لضمان فرض سيطرة تركية ومساحة نفوذ ومناورة تركية جديدة بالإقليم، وهذه الخطوة ستكون لها تداعيات كارثية على أمن المنطقة والإقليم ككلّ.

*كاتب وناشط سياسي- الأردن.
hesham.habeshan@yhoo.com

قد يعجبك ايضا