فقيد الثقافة

 يحيى حسين العرشي *

المرحوم هشام علي بن علي لم يكن أديباً، ناقداً، تربوياً، إدارياً، برلمانياً، مؤلفاً فحسب، إنه إنسان عبر عن أجمل صفات الإنسانية بسلوكه الإنساني المتحضر الراقي، الرفيع، لم يصب بجبروت وأطماع وتكبر بعض بني البشر ترفع بنمط حياته ليقدم مثالاً متميزاً نيراً، لصورة المثقف الواعي، الأديب المؤدب.

الوطني الغيور على وحدة وطنه وسيادته واستقراره، توغل في عراقة تاريخ اليمن وقدم الكثير من إبداعاته تراثه، ببحوثه ودراساته العميقة.. نعم إنه كما عرفه الجميع وأحبه الجميع.

كان المنصب بالنسبة له مجرد فرصة ليعطي من خلاله ما عنده ويمتلكه باقتدار كفاءة، بتواضع جم وبنزاهة وزهد، وخُلق عظيم.

في ظروفه الخاصة المعروفة البسمة لا تفارق شفتيه في أحلك الصعاب.

منذ وقت مبكر ربطتني به صداقة حميمة، كان يومها لصيقاً باتحاد الأدباء والكتاب المؤسسة الوحدوية بامتياز، رفيقاً لمؤسسة الصديق المرحوم عمر الجاوي، لا يفترقان يناضلان من أجل استعادة وحدة الوطن يوماً في صنعاء ويوماً في عدن صوتا هناك وصوتاً هنا شجاعة في كل الأحوال وفي وجه العسس والمندسين.. كانت أدبيات الاتحاد وصحافته وندواته ونشاطاته لفقيدنا هشام اليد الطولى فيها والقلم الذي لا ينضب بكل مثابرة وجهد.

ذكريات في مقر الاتحاد في ساحل أبين أو في مقايل صنعاء وبمشاركة أسماء سبقوه إلى دار الخلود من عبدالله البردوني ومحمد سعيد جرادة إلى محمد اليريمي وعبدالله فاضل من الدماجين زيد مطيع وأحمد قاسم، إلى محمد عبده نعمان وعبدالرحمن عبدالله إلى محمد الربادي وإسماعيل الوريث وغيرهم كثر.

ثم جمعنا القدر في وزارة الثقافة والسياحة لأجد نفسي مع أعز الأصدقاء زميلاً في ظروف كانت هي الأصعب لمواجهة التحديات ولإنجاز وتأسيس ما يفيد.

كان هشام علي بصيص ضوء في وجه الظلام حريصاً على كل ما يحافظ على ثروة الثقافة وحرية المبدعين وأمانة المسؤولية.

حينما يقوم بمهمة ثقافية في مجلة ثقافية أو في لجان مختصة رئيساً لها أو عضواً فيها أو في أي مهمة ثقافية في الداخل أو الخارج يؤديها بكل أمانة واقتدار وإخلاص ويعطي فيها من ثماره الطيبة.

أتذكر منها قيامنا معاً وآخرين من الزملاء في الثقافة عقب امتحان عام 1994م بجهد استثنائي فيه الكثير من المخاطر لنستعيد محتويات متاحث الآثار التي نُهبت في عدن أو حضرموت أو المهرة أو مارب والجهد الذي بُذل لإعادة الاعتبار للثقافة والسياحة باستعادة مقارها والمباني الثقافية التي أُحتُلت من الجهلة والأغبياء كمعهد محمد جمعة خان للموسيقى في عدن ومباني دور السينما والمسرح ومقر الفنانين وقاعات الفن والإبداع وحتى مباني الصهاريج التاريخية.

نعم شارك الفقيد بكل جهد وإخلاص وتحمل متاعب عدة وانتقلنا لنفس الغرض من عدن إلى حضرموت الوادي والساحل إلى المهرة إلى مارب مع موقع أثري إلى آخر حتى عدنا إلى صنعاء بعد مهمتنا الوطنية هذه، وفي مهمة أخرى تصدر فقيدنا هشام الإعداد لها حتى أُنجزت بنجاح، وهي إحياء لذكرى الشاعر الفرنسي “رامبو”، وبمجيء عدد كبير من مثقفي فرنسا، وغيرها لحضور افتتاح مركز رامبو الثقافي في عدن الذي تحول فيما بعد – بفضل الفساد – إلى فندق أو مطعم سياحي.

كان لفقيدنا المرحوم هشام علي أسلوبه الخاص في كتاباته، يختار مفرداتها وجُملها بعناية ليقدمها بحسن التعبير وجمال اللغة، جميعنا نقرأ كتاباته أو كتبه وكأننا أمام لوحة فنية لها تأثيرها في وجداننا وإضافاتها في ثقافتنا، وتبعث فينا التفاؤل والمحبة والأمل.

هذا القليل جداً عن فقيدنا، فقيد الوطن اليمني الواحد، فقيد الثقافة، فقيد اتحاد الأدباء والكتاب الذي كان فيه شمعة لا تنظفئ إلى جانب القليل من أمثاله في الاتحاد كالأستاذ محمد القعود والشاعرة هدى أبلان.

لأكثر من عشرين عاماً وفقيدنا على كرسيه دون أن يدور به ليبعده عن ثوابته الوطنية، وقناعاته وخصاله الحميدة بل ونزاهته التي جعلته حتى اليوم بدون سكن يمتلكه، بقي بالإيجار من مكان إلى آخر، لم تستقر مكتبته رغم محاولته أن يحفظها بين جدران في حي بعيد باتجاه سعوان.

ولنا أن نتذكر كيف أن أعضاء مجلس النواب مع بداية دولة الوحدة والذي كان الفقيد أحدهم – كيف أصبحوا.. وكيف أمسى هشام.

فهل في إمكان من هم في المسؤولية اليوم إنصافه من حق لم يحصل عليه؟!

نأمل جميعاً ذلك ونحن نذرف دموعنا عليه لُنسقي بها تعازينا، ليتقبلها منا نجله الشاب أنس وزوجته المصون السيدة الأستاذة بلقيس أحمد سيف هادي رفيقة عمره التي شاركته الحياة بحلوها ومرها، ووقفت إلى جانبه بكل محبة وصبر وإخلاص.

تغمد الله الفقيد بواسع مغفرته ورحمته، إنا لله وإنا إليه راجعون.

* عضو مجلس الشورى

قد يعجبك ايضا