من المكتبة العربية:الشهيد والشهادة في الأدب العربي

 

«حماسة الشهداء… رؤية الشهادة والشهيد في الشعر العربي الحديث» هو عنوان كتاب من تأليف  الدكتور خالد الكركي والذي صدر عن   المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت .

وهو يعد من الكتب القليلة التي تتناول موضوع الشهادة والشهيد في الأدب العربي.. يحتوي  الكتاب على جملة من الأبعاد الجميلة المغيّبة في حياتنا السياسية والإبداعية، فهو يعالج أنبل حالة انسانية عرفتها البشرية وهي الشهادة كحالة خاصة، فهنا ثمة عطاء لا يبحث عن بديل مادي. والشهادة أو الموت دفاعاً عن قضية ما، هي حال الفناء الذاتي بحثاً عن حياة الآخر. والآخر هنا قد يكون وطناً أو مبدأ. ولأن زمن “التسوية” ينطوي على الخروج من ميدان مثالية الشهادة الى البحث عن نصف حياة أو ربما أقل من ذلك، فإن تخليد الشهداء وإعادة البحث في مضامين شهادتهم، والكيفية التي جرى بها تخليد تلك الشهادة، سيكون بمثابة اعطاء مدد جديدة للفكرة.

ويعيد الكتاب الاعتبار للابداع المتفاعل مع القضايا الوطنية والقومية والاسلامية والانسانية، ذلك أنه يؤكد على فكرة تكاد تتلاشى، وهي الهجمة التي تقلل من القيمة الابداعية لأي عمل يعالج مثل تلك القضايا، وتعتبره نوعاً من أدب التحريض والخطابة والوعظ.

فالكتاب، وعبر العدد الكبير من القصائد التي يقدمها كنماذج لمعالجة قضية الشهادة والشهيد من مختلف زواياها، يؤكد أن بالامكان انتاج أدب رائع خارج دائرة الغموض، وحكاية الهموم الذاتية، وعبر معالجة قضايا خاصة كأن تكون مقتل طفل أو إعدام بطل أو استشهاد شاب بحزام ناسف أو سيارة مفخخة، أو سقوط عدد من الضحايا في مجزرة، كما في قانا مثلاً.

في الكتاب، يلتقط الدكتور الكركي، وبحس نقدي متميز، عدداً من القصائد التي تختزن عناصر الخلود، على رغم كونها تعالج حالا خاصة في ظاهرها. وهي قصائد سيظل القارئ يعيش معها في كل زمان ومكان بحثاً عن إبداع الشهادة وأسرارها الروحية.

هناك آلاف القصائد التي يمكن تصنيفها ضمن القضية التي يعالجها الكتاب، غير أن القصائد التي يلتقطها الباحث هي من النماذج الخاصة في هذا الميدان، التي تملك أدواتها الابداعية المتميزة. وهو ما يثبت أن الهم الوطني لا ينزل – بالضرورة – بالشعر الى مستوى النثر والخطابة، تماماً مثلما يمكن القول ان معالجة القصيدة لما يسمى هموم الذات لا يمنحها ميزة ابداعية إذا كانت عناصر الابداع فيها ضحلة أو لا وجود لها أساساً.

ثم ان للشهادة شأناً آخر لا تجده في مسائل أخرى، اذ أنها اشتباك روحي ونفسي وفلسفي في الحال الانسانية، ليس من السهل الولوج اليها دونما أدوات إبداعية خاصة، كما ليس بالامكان التقاط عناصر الابداع في قصيدتها دونما حس نقدي متميز وامكانات ذوقية راقية.

عبر القصائد المتميزة التي يعالجها الكتاب، وملحق القصائد في نهايته، يحول خالد الكركي، كتابه الى كتابين، الأول نقدي، يقدم رؤية خاصة في فك أسرار القصيدة وصولاً الى خصوصية ابداعها وما تنطوي عليه من ديناميكية متحركة في معالجة الحال في سياقها الرمزي وليس الذاتي. والآخر هو ديوان شعر خاص يشترك في ابداعه عدد من الشعراء، ربما كانت القصائد أو القصيدة المنتقاة لكل واحد منهم من أروع ما جادت به قريحته. وهو ما يؤكد جانباً آخر في العمل الابداعي ويعلي من شأنه، ويتمثل ذلك الجانب في تماهي الشاعر مع حال الشهادة وانتمائه إليها كفكرة انسانية خاصة.

 

 

 

قد يعجبك ايضا