تطبيقات مفهوم السيادة والأمن في تجربة اليمن الديمقراطية ..دروس واجبة التعلم ..( 2 )

 

عبدالجبار الحاج

( عندما توجّه الرئيس سالمين لزيارة مدرسة الأيتام في العاصمة مقديشو ضمن برنامج الزيارة وعند وصوله باب أحد الفصول رأى على السبورة كتابة باللغة العربية بخط عريض العبارة التالية “سقطرى صومالية”، فسلّم على الطلاب بشكل ودي، بينما كان يشتط غضباً وشرع في خلع حذائه ليمسح تلك العبارة، لكن الأخ/ محمد سليمان ناصر- وزير الزراعة حينذاك، ناوله منديلاً؛ فمسح سالمين العبارة، وكتب بدلاً عنها بخط عريض: “سقطرى يمنية إلى الأبد”.
كانت قيادة اليمن الديمقراطية تتعامل مع السيادة والتراب براً وبحراً وجواً؛ فقد توترت علاقاتها مع أقرب حلفائها “الصومال” بسبب سقطرى وأقامت علاقات قوية مع إثيوبيا شريطة التخلّي عن الادعاء بتبعية حنيش لإثيوبيا؛ كونها يمنية تاريخاً وانتماءً وجغرافياً، بشراً وشجراً وحجراً، براً وبحراً وجواً ).*
نتناول في هذه الحلقات ليس بحثا تاريخيا فذاك مجاله أوسع من هذا الحيز ..وإنما أردنا أن نلفت إلى مفاصل تاريخية وادوار نتعلم منها عبرا ودروسا هي في مجمل القول وبيت القصيد إجابة على تساؤلات كيف تتعرض الأوطان للانكماش والتلاشي أو كيف تسجل جغرافيتها الدائمة الحضور والتماسك والاتساع في ذات الإطار التاريخي والمجال الجغرافي التاريخي وسياقه العام ..
تكمن أهمية موقع اليمن في مضيق المندب والمياه والجزر اليمنية والساحل هي العمق الاستراتيجي وهي المساحة والاتساع الأهم بل هي المجال الحيوي للأمن القومي اليمني و( العربي )
ولا أهمية استراتيجية لليمن بدون هذا الفهم وهذا العمق والاتساع والحضور الجغرافي ..
على مدى ثلاثة قرون في العصر الرسولي في اليمن وعلى وما عدا محطات تاريخية متناثرة جرى إهمال واضح ونسيان لحال الجزر بين الاحتلال والغزو الأجنبي مع وفي مقابل استعادة ويمننة الجزر ببسط النفوذ والسيادة لفترات وعصور وفيما طالعتنا مصادر التاريخ يتضح لي للأسف إهمال وإهمال أكثر من دول الأئمة وبالذات القرن السابع والثامن والتاسع عشر الميلادي مع تقاطعات وتداخلات المد والجزر المتوازي مع الغزو والاحتلال العثماني خلال أربعة قرون من الغزو والاحتلال العثماني تارة والانسحاب والتحرير تارات أخرى وفي زمنيه الأول والثاني احتلالا وانسحابا ..
وماعدا الدور الحيوي واللافت لحكومة الثورة في اليمن الديمقراطي في وضع اليد وبسط النفوذ والسيادة بالقوة ..
ومن ثم ما لاقته آنذاك الجزر والمضيق والمياه من اهتمام سياسي وعسكري ومفهوم قانوني وطني يمني المفهوم والجغرافيا وفهم وطني للقانون الدولي يخضع لما هو مفهوم الحق والسيادة فقد كانت الجزر اليمنية موضوعا تربويا وطنيا وتعليميا منذ الصف الثالث الابتدائي نلقن به ونحفظ خرائطها المرسومة على حوائط المدرسة عن ظهر قلب .. رسما وأسماء انحفرت في ذاكرتنا عن ظهر قلب عن وفي تلك الجزر والمياه والمضيق .وكان الاهتمام بالجزر وبناء المرافق ونقل السكان إليها أحد أهم أشكال فرض السيادة عليها ويمننتها .
فقد كانت جزيرتا دهلك وفاطمة لمرات وفي محطات عديدة ملاذا لأمراء الدولتين النجاحية والزيادية في صراعهما مع الدولة الصليحية على وجه الدقة آنذاك في القرن الثالث الهجري وبما انها كانت ملاذا ومحطة استئناف لنفوذهما الرئيسي وميدان تحضير لاستعادة دويلاتهم أو دولهم الأخذة بين المد والجزر ولنفوذ دائم لفترات تطول حينا وتقصر أحيانا أخرى . إذ أن نفوذهم كان ممتدا أساسا وعاصمة ومركزا على الساحل التهامي تحديدا ..وفي صراعهما مع مركز الدولة الإسلامية في منحى صراع الاستقلال اليمني عن عواصم الخلافة ومع تجليات عصر الانحطاط أيام الخليفة العباسي المتوكل أو في خضم صراع الدولتين اليمنيتين آخرها مع الدولة الصليحية مرات كثيرة و بحيث شكلت الحزيرتان بؤرتا إعادة ترتيب وانطلاق هؤلاء الأمراء والملوك لاستعادة دويلاتهم أو دولهم ..وكانت لمرات اقرب إلى السجن على نحو يماثل سجون سيبريا في العهد القيصري .وذلك أيام الرسوليين تحديدا .
وبسطت حكومة الثورة يدها على جزر سقطرى وميون وكمران أيضا بعد أن كانت تخطط بريطانيا سرا محاولة تسليم سقطرى للصومال وللرئيس سالم ربيع علي ، موقف شهير وكلمة قاطعة حينما قال سقطرى يمنية.أوردناها في الفقرات السابقة هنا عن حديث للأستاذ محمد غالب عضو المكتب السياسي .
وهكذا وضعت حكومة الثورة يدها وبسطت نفوذها على سقطرى وميون وكمران وكوريا موريا ..
وضعت حكومة الثورة في الجنوب يدها وبسطت بالقوة نفوذها عنوة ورغما عن المحاولة البريطانية أبان الرحيل وضعت حكومة اليمن الديمقراطي يدها فورا وبلا نقاش أو تفاوض على جزر كوريا موريا عندما أرادت بريطانيا تسليمها لعمان أو إجراء استفتاء لسكانها الذين لا يتعدون المئات وفرضت وبسطت سيادتها بالقوة قبل أن تسلم في التسعينات إلى عمان ولا نعلم أي مسوغ حتى اللحظة غير أن ضعفا ما وبدا الحديث يومها عن اتفاق جنوبي عماني في ٨٢ في فترة على ناصر كما لو أن النظام الضعيف يبحث عن قوة له من الخارج .
وسيظل السؤال كيف آلت جزر كوريا موريا إلى سلطنة عمان في تسعينيات القرن الماضي .
أما الارخبيل الأعظم وذو الجغرافية الواسعة من جزر فرسان المقابلة لشواطئ عسير وجيزان فقد جرى قضمها شيئاً فشيئاً دونما نزاعات أو حروب بل بسبب النسيان والإهمال والتواطؤ الرسمي للأنظمة المتعاقبة في صنعاء والذي تمادى وبلغ ذروة خيانته فيما اسماه التوقيع على اتفاق جدة 2001 وهو اتفاق لا شرعية له ولا دستوري له إذ أن موضوعات السيادة لا تكون إلا باستفتاء،شعبي وهو ما لم يكن .
لقد خسرنا أجزاء غالية وواسعة من الوطن بسبب أنظمة وحكومات فرطت وخانت وباعت وفقدنا جزراً صغيرة تتجاوز الخمس عشرة لتؤول إلى اريتريا في موضوع سقوط أرخبيل حنيش والتحكيم في تواطؤ مكشوف من نظام صنعاء آنذاك ولصفقات متصلة بصفقات حرب 94 وما تلاها من اتفاقات ترسيم كغطاءات للتنازلات والمكافآت مقابل دور أو إقرار حال النظام المشكل من نتائج تلك الحرب .
… يتبع

قد يعجبك ايضا