تطبيقات مفهوم السيادة والأمن في اليمن الديمقراطية ..دروس واجب التعلم منها ( 4 )

 

عبدالجبار الحاج

في العام 72 تعرضت ناقلة نفط كورال سي متجهة إلى إسرائيل في خليج عدن وبالقرب من جزيرة ميون لهجوم بقذائف الاربي جي واحترقت وتخبطت الحكومة الإسرائيلية جراءها في توجيه الاتهامات تارة نحو جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ما دفع حكومة اليمن الديمقراطية إلى إصدار بيان نفت فيه علاقتها بالحادث وسرعان ما عادت أجهزة الكيان الصهيوني تصدر بياناً توجه فيه الاتهام إلى أحد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ..
في ذات الفترة الواقعة بين 70 و73 وما بعده كانت الجاسوسية الإسرائيلية تتحرك على نطاق مكثف ومحموم على سواحل اليمن وبالذات الساحل الغربي ولعل حادثة سقوط الجاسوس الإسرائيلي في الحديدة والدور الذي اضطلع به الشهيد إبراهيم الحمدي إذ كان يومها نائبا لرئيس هيئة الأركان في اليمن الشمالي وبحكم علاقته الوثيقة بأجهزة وقيادات الدولة العليا في اليمن الديمقراطي قد اضطلعا بدور مباشر في التحقيق مع الجاسوس الإسرائيلي الذي أوشكت وزارة الداخلية يومها وعلى رأسها علي سيف الخولاني أن تطلق الجاسوس الإسرائيلي قبل اكتمال التحقيق معه، وأعلن ذلك عبر مؤتمر صحفي لولا أن تدارك الحمدي بالتنسيق مع الرئيس الإرياني وتحفظوا على الجاسوس بمكان سري وفشل محاولات الوصول إليه أو تخليصه بأعجوبة من كمين نصب له وضابط المخابرات المصري المكلف بالتحقيق وصولا إلى استقدام طائرة وطيار إلى شمال صنعاء بشكل سري وبتنسيق بين الحمدي وأجهزة جنوبية والطائرة والطيار يتبعان اليمن الديمقراطي إلى أن تم إيصاله إلى مطار القاهرة وتسليمه إلى الاستخبارات المصرية وفي كتاب “جاسوس إسرائيلي” ما يروي تفاصيل الجاسوس الاسرائيلي واسمه ( …..مرزاحي ) .
ويشيرُ النشاطُ الاسْتخبَاريُّ الإسرائيلي في اليمن من الفترة 1967م حتى عقب حرب أكتوبر 1973م إلى أَهميَّةِ اليمن ككل والمناطق الساحلية القريبة من باب المندب خُصُوصاً لدى العقلية الحاكمة للكيان الصهيوني، فاليمن تمكّنت من القبض على عدة جواسيسَ أجانبَ أغلبهم كانوا يعملون لصالح الموساد الإسرائيلي، وقد قامت السلطاتُ اليمنيةُ بتسليمهم إلى السلطات المصرية التي بدورها قامت بمقايضتهم بأسرى مصريين كانوا لدى إسرائيل.
اما حادثةُ السفينة كورال سي، وهي سفينة كانت محملةً بالمشتقات النفطية وتحمل العلَم الليبري في طريقها إلى ميناء إيلات وأثناء مرورها من باب المندب تعرّضت لقذائف من الجانب اليمني، الأمر الذي أدّى إلى اشتعال النيران في أجزاء منها قبل أن تهرَعَ القواتُ الإسرائيلية المتواجدة في القواعد العسكرية بجُزُرٍ إريترية إلى إنقاذ السفينة.
بدا الأمر وكأنه مفتعَلٌ من قبل العدو الصهيوني، حيث جاءت الحادثة عقب تحركات لدول عربية وذلك في الجامعة العربية، جميع تلك التحركات تنطوي على تحذيرات من مخاطر التواجد العسكري الإسرائيلي في جنوب البحر الأحمر، وتحاول دفع الدول العربية إلى حماية أمنها القومي .
جاءت الحادثة بعد اتجاه الشطر الجنوبي من اليمن نحو موسكو والانضمام لمَا كان يسمى بالمعسكر الشرقي، حيث كان الكيان الصهيوني يحرصُ على أن تظلَّ اليمن بشطرَيها تحت وصاية السعودية كأحد أوثق أصدقاء إسرائيل.
وهو التفسيرُ الوحيدُ لتصريحات الإسرائيليين ومخاوفهم من خطورةَ أن تصبح الجزر اليمنية تحت أيد غير صديقة لإسرائيل إثر الحادثة اتهمت وسائلُ إعلام غربية عناصرَ المقاومة الفلسطينية المتواجدة في اليمن باسْتهدَاف السفينة، وحاولت تحريض العالم على اليمن الديمقراطي وبإيوائه منظمات فلسطينية إرهابية . ومن خلال الحديث عن المخاطرِ التي تتهدد حركة الملاحة الدولية حتى صدرت تصريحات من دول كبرى ومن أمريكا تدينُ العملية وتلمح إلى إجراءات قد تتخذ ضد اليمن في حال الاسْتمرَار بتهديد الملاحة في المندب بل وتمنَحُ إسرائيل حق حماية سفنها .. وبلغ الأمرُ بالولايات المتحدة الأميركية إلى التهديد بتحريك الأسطول السابع في المحيط الهندي إلى خليج عدن وباب المندب .
وأمامَ هذا التوتُّر كانت جمهورية اليمن الديمقراطية قد نفت ما ورد في وسائل الإعلام وفي الاتّهَامات الإسرائيلية، مشيرةً إلى أَن المعلومات لديها تؤكد أن الحادثةَ مفتعلَةٌ من قبل إسرائيل نفسها، وقالت اليمن وقتها إن الزورق الذي استهدف السفينة قد يكونُ إسرائيلياً؛ لأنه لا يحملُ أيّ علَم!!
ومن الناحية الأخرى من الاتهام الموجه لأحد فصائل منظمة التحرير فإن المتتبعُ لنشاط الجماعات المسلحة الفلسطينية في اليمن في السبعينيات يجد أن هذه الجماعات كانت تتواجَدُ في المدن الرئيسية ولم تتواجد بكثافة إلا عقب خروج حركة فتح من لبنان مطلع الثمانينيات، وكانت وحدات عسكرية جنوبية متواجدة وعلى أهبة الاستعداد في المضيق والخليج وداخل جزيرة ميون .. ويبدو أن تل أبيب ومعها واشنطن من خلال حادثة كورال سي حاولتا إيجادَ المبرِّرِ المناسب للتواجد العسكري الإسرائيلي جنوب البحر الأحمر والتهديد بتدويل قضية باب المندب والتلميح باحتلَال الجُزُر اليمنية ، ومنها زقر وحنيش والطير، وهو ما اتضح جلياً من خلال تمكُّنِ الأجهزة الأمنية من القَبْضِ على الجاسوس الإسرائيلي 1972م يدعى (باروخ زكي مرزاحي) والذي اعترف بأنه كان مكلف بجَمْعِ معلوماتٍ عن باب المندب والمناطق الساحلية الغربية لليمن.
في الفترة التي حظيت فيها اليمن بسلطتين وطنيتين على رأسيها سالمين والحمدي اتفقتا على قضايا جوهرية في موضوعات السيادة وأهمية الحضور اليمني في البحر الأحمر وسأتناول ذلك مع مقررات مؤتمر البحر الأحمر عام 77 في تعز في سياق هذه الحلقات …
بعد قيام الوحدة في 90 وحرب 94 التي أودت بانفراد السلطة لصالح الفريق السياسي المشائخي الديني والعسكري في صنعاء وتصفية الصف الوطني المتشدد في موضوعات السيادة عادت الأطماع الإقليمية والدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحرب العرب تتحرك وتبحث عن موطئ قدم لها ، فماذا حدث في ميون وسقطرى خلال تلك الفترة ..وماعلاقتها بالعدوان المباشر والاحتلال. الذي تتعرض اليمن له اليوم ..؟!!

قد يعجبك ايضا