برقية عزاء ومواساة

عبدالفتاح علي البنوس
كعادته الموت لا يستأذن أحدا ، لا يحاور ولا يناور ، يهجم بغتة دونما سابق إنذار ، لا يفرق بين كهل كبير ولا طفل صغير ، ولا بين غني أوفقير ، أوسليم وسقيم ، ولا بين أسود ولا أبيض ، ولا بين المسلم وغير المسلم ، ولا بين طائع وعاص لله ، متى ما حان الأجل الإلهي المحتوم فلا مرد له ولا حاجز يحول دون وقوعه ، وما من يوم يمر علينا إلا ونشيع في مواكب الإباء ثلة من الشهداء الأبرار الذين قدموا أرواحهم فداء لهذا الوطن وللذود عن حماه وهؤلاء هم الأحياء عند ربهم يرزقون الذين يستحقون منا التهنئة بهذا الفوز وبهذا الفضل الرباني والعطاء الإلهي الذي استحقوه عن جدارة وإستحقاق وما كان ولن يكون لغيرهم الوصول إليه ، كون الشهادة عطاء قابله الله بعطاء حصري للشهداء العظماء الخالدين الكرماء .
ولكن برقية العزاء التي أجد نفسي ملزما بإرسالها بوجع وألم وحسرة هي لأسرة فقيدين عزيزين يحملان من نبل الأخلاق ودماثتها وحسن التعامل ورقي السلوك ، خسرناهما خلال الأسبوع الماضي بمحافظة ذمار وهما المغفور له الشاب الخلوق المهندس عمار محمد الأكوع مدير إدارة خدمات المشتركين بمكتب الاتصالات بمحافظة ذمار ، والأخ العزيز محمد الباشا عاقل حارة المؤسسة الاقتصادية بمدينة معبر ، حيث شكل رحيلهما المفاجئ خسارة فادحة على كل من عرفهما ، فالمهندس عمار الأكوع ابن ذمار المدينة ونجل مفتيها القاضي العلامة محمد العزي الأكوع كان مثالا للموظف الكفؤ والنزيه ، حيث فرض بحسن سيرته وتعاملاته مع الآخرين احترامه على الجميع ، عرف بثقافته الواسعة وفكره النير وعقليته الراجحة ، ووسطيته واعتداله ، كان يتطلع إلى بناء يمن جديد وضمان المستقبل الأفضل للأجيال المقبلة ، وقف بجرأة ضد العدوان على بلادنا وكانت منشوراته ومواقفه واضحة وجلية في هذا الجانب ، وظل حتى توفاه الله على هذا المنوال وفي هذا المسار الوطني الذي أحبه الجميع من أجله .
وقبل أن تصلنا فاجعة رحيل المهندس عمار الأكوع كان الحزن لا يزال مخيما علينا وكان الألم لا يزال يعتصرنا على رحيل الأخ محمد الباشا الشخصية الاجتماعية التواقة لتقديم العون والمساعدة للمحتاجين والتي كان هو في أمس الحاجة لها ، ولكن تعففه وسمو نفسه كان يدفعه لخدمة الناس وتوفير العون والمساعدات لهم عبر المنظمات الإغاثية والإيثار على نفسه وأسرته ، ودائما كان السباق في تلمس وتعقب الحالات الفقيرة والمعدمة ليرفع بها إلى لجان المنظمات الإغاثية ، طمعا منه في الأجر والمثوبة من الخالق جل وعلا ، لم يشكو أو يتذمر ولم يطلب العون والمساعدة من أحد ، فالكل كانوا يحسبونه من الميسورين ولكنهم تفاجأوا بعد وفاته بأنه كان من البسطاء وأن أوضاعه المعيشية والمادية كانت أكثر صعوبة من حالات عديدة قام بتسجيلها لدى المنظمات الإغاثية .
بالمختصر المفيد، مات محمد الباشا ، وعمار الأكوع وستظل ذكراهما حاضرة في الأذهان ومحفورة في الذاكرة ، وكم يحتضن الوطن العديد من النماذج التي تحاكي شخصيتيهما وسيرتيهما وما أحوجنا في ظل هذه الأوضاع وفي إطار هذه المرحلة إلى الاهتمام والعناية بهذه الكوادر وتقديم العون والمساعدة لها في إطار ما هو متاح من الإمكانيات من باب التحفيز والتشجيع والتكريم ، وهي فرصة أن نقفز على برقية العزاء لتوجيه دعوة للتكافل والتراحم والتعاطف والتواصل والتصالح والتسامح والإخاء .
رحم الله عمار الاكوع ومحمد الباشا وطيب الله ثراهما وأحسن مثواهما وجعل الجنة سكناهما وخالص العزاء لإسرتيهما وكل محبيهما سائلين من الله الرحمة والمغفرة ولذويهما الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .

قد يعجبك ايضا