المملكة الوهابية…مهد القتل و التكفير

علي الشمري
هناك مثل عربي قديم يقول من نشأ على شيء شاب عليه، فالفكر الوهابي نشأ وترعرع في أحضان الجاسوسية البريطانية، متخذاً من التخريب والقتل السمة البارزة له، وما مذكرات الجاسوس البريطاني “همفر” مع مؤسس الحركة الوهابية محمد بن عبد الوهاب يوم التقى به لأول مرة في البصرة هي خير دليل على نهج الوهابية المعادي لكل المذاهب والأديان الاخرى، ومن البصرة بدأت العلاقة بين الفكر الوهابي ووزارة المستعمرات البريطانية وأنيطت به مهمة زعزعة كيان الدولة العثمانية لغرض أسقاطها، والمهمة الثانية هو القضاء على المذاهب الاسلامية الأخرى الموجودة في المملكة ( المذاهب السنية الأربعة، إضافة إلى مذهب الامامية الاثني عشرية والزيدية والإسماعيلية) واتفق محمد بن عبد الوهاب مع محمد بن سعود على أن يؤسسوا كيان دولة وهابية، فبدأوا بتطبيق الفكر الضال بدءا من نجد.
ابن سعود هو الحاكم السياسي والعسكري كونه يمتلك النفوذ في نجد ومحمد بن عبد الوهاب المرشد الروحي والمفتي للكيان الجديد والتمويل المادي يأتي من بريطانيا العظمى في وقتها، وأول عمل قاموا به هو احتلال شبه الجزيرة العربية والإحساء والكويت والحجاز واليمن وعمان، وفي حملاتهم هذه يقومون بقتل كل من يعتنق غير الفكر الوهابي، متخذين من إحياء السنة والقرآن وعدم الاعتماد على المذاهب السنية الأربعة، وهدم قبور جميع الأولياء والصحابة وهدم حتى الجوامع التي عليها النقوش والزخارف شعارات يختبئون وراءها، وكأنما القرآن الكريم أوصى بقتل الآخرين وانتهاك حرمة بني البشر؟ فأي إسلام يعرفون و أي شعارات يرفعون؟
بعدها احتلوا مدينة كربلاء عام 1801م وهدموا قبة قبر الحسين عليه السلام وفي عام 1883 احتلوا مكة والمدينة….. وفي حملاتهم هذه كانوا يفرضون الفكر الوهابي على السكان بقوة السيف، وليس بلغة الإقناع والمجادلة العلمية، متخذين من التكفير والتعصب والطائفية والإرهاب الفكري منهجا لهم لبسط فكرهم، وعلى إثرها انتقم الشيعة لضحاياهم فقاموا بقتل عبد العزيز بن محمد بن سعود زعيم الوهابيين السياسي وقائدهم في الدرعية…
وفي عام 1818 نجحت القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا من محاصرة الدرعية عاصمة الدولة الوهابية واحتلالها وقد استسلم عبد الله الامير الوهابي وأعدم في اسطنبول سنة 1819م. وانتهت بذلك حقبة مظلمة من الحكم الوهابي المعادي لكل التوجهات الإسلامية الحقيقية.
وفي نهاية الدولة العثمانية، تأسست من جديد في أوائل القرن العشرين (1902 – 1932م ) الدولة الوهابية تحت قيادة عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة السعودية الحديثة، وأول عمل دموي قام به هو المذبحة الدموية الرهيبة التي أقامها ضد أبناء قبيلة شمرفي منطقة حائل، والتي كانت واقعة تحت سلطة بن رشيد التي أقامها في المنطقة الوسطى( نجد).
الفكر الوهابي حديث العهد بالنسبة لباقي المذاهب الاسلامية الممتدة بجذورها الى أكثر من ألف عام، أما كيف أصبح هذا الفكر الضال هو المهيمن على الساحة السعودية ويحكمها دينيا وسياسيا؟ وهل هو الفكر ذو الأكثرية في المملكة؟ ومن هو يحميه ويرعاه؟ هذه الأسئلة وغيرها نتركها للقارئ الكريم ولحرية التفكير… فالوهابية ورغم ما عملته من المجازر الدموية ضد المذاهب الأخرى فهي تعتبر الإقلية بالنسبة للمذاهب الأخرى الموجودة في المملكة، فالإسماعيلية القريبة الى المذهب الشيعي الإثني عشري موجودة في نجران، والزيدية هي الأخرى القريبة إلى الشيعة الإثني عشرية موجودة في جيزان، والوهابية من سكان المملكة موجودون في بريدا والقصيم والرياض. والصوفية ( الحنفية موجودة في الحجاز. والشيعة الإثني عشرية في المنطقة الشرقية الأحساء والقطيف) ورغم كل هذا فالمذهب الوهابي المدعوم من حكام المملكة هو المسيطر، لأن مجلس شورى الدولة ومجلس الإفتاء يتم تعيينهما من قبل الملك، ولا حرية في اتخاذ القرار والإفتاء إلا لمصلحة الملك، وكان الأمير بندر بن سلطان هو من يغذي سياسة التصعيد المفتعلة ضد الشيعة وبقية المذاهب من أجل تصفيتها بالقمع والاضطهاد، وهذا هو دين العائلة المالكة من أول نشأتهم والى يومنا هذا، متخذين من شعارات التقارب بين الأديان والمؤتمرات التي رعوها وعقدوها وسيلة للتستر على جرائمهم التي لا تتوقف ضد البشرية عموماً والمسلمين خصوصاً…
وفي سبعينيات القرن الماضي يشهد العالم كله على السعودية وما أنتجته من الفكر المدمر المتمثل ببن لادن وطالبان، وما جرته على الشعوب من مآس وويلات، وفي فترة صدام حسين، قدمت الوهابية الدعم الكبير لإذكاء نار الحرب المجنونة بين البلدان الإسلامية، والتي راح ضحيتها الملايين بين قتيل ومعوق ومفقود. وفي فترة ما بعد سقوط صدام حسين ولحين يومنا هذا، تبقى الوهابية هي من تتآمر على النظام الجديد في العراق وتجنّد وترسل القطعان من البهائم الجهادية الى العراق للإمعان والتفنن في قتل العراقيين الأبرياء، وزعزعة الأمن والاستقرار في العراق وسورية ودول المنطقة بأسرها. مرصد طه الإخباري
وما نسمعه اليوم من قتل وتشريد للمدنيين في كل من باكستان وافغانستان والعراق وليبيا وسورية هو نتاج الفكر الوهابي وما تمخض عنه من حركات التطرف المنتشرة في عالمنا المعاصر، ولا علاج لمرض التطرف هذا، إلاّ بعلاج النظام في المملكة وكبح جماح التطرف الديني من خلال إقرار مبدأ التعايش على أساس المواطنة وتعزيز الاحترام المتبادل بين كل المذاهب الإسلامية الموجودة على أرض المملكة، عبر تعزيز الحوارات واللقاءات المستمرة فهي الكفيلة بأن تخفف من شدة الاحتقان المذهبي والتوتر الطائفي في المملكة والعالم بأسره لأن المملكة هي الحاضنة الرئيسية لكل الشرور التي تصيب البشرية في العالم، وهذا يتطلب جهداً أممياً ودولياً لإقناع حكام المملكة بتغيير نهجهم من خلال إعطاء الحريات في المملكة، وكذلك تغيير سياستها العدائية تجاه المذاهب الأخرى والتي تنعكس سلبا على المذاهب في الدول الأخرى…

قد يعجبك ايضا