التاجر ضمين الدولة على موظفيها ..خلل!

عبدالرحمن علي علي الزبيب
ضعف الدولة وانعدام الثقة بينها وبين الشعب وصل إلى حد انعدامها مع موظفيها .
تفاجأت الاسبوع الماضي بإعلان في صحيفة رسمية ينص على وجوبية تجديد جميع موظفي الدولة والقطاع الخاص لضماناتهم التجارية لاعتمادها من الغرفة التجارية.
ويصبح بذلك جميع موظفي الدولة تحت رحمة التاجر الضمين الذي يجب مداراته وعدم اغضابه لأن غضب وزعل التاجر سيسبب على الموظف خروجه من الوظيفة العامة لأن التاجر سيسحب ضمانته التجارية عنه.
وسيؤدي هذا الاجراء الخاطىء الى تنازل وتساهل جميع موظفي الدولة عن واجباتهم القانونية لصالح التاجر الذي يضمن استمرار وظيفته ويهدد بإخراجه منها بسحب ضمانته عنه .
من المفترض أن يتم إلغاء هذا الإجراء الشاذ بشكل عام وعلى الأقل يتم استبداله بضمان محل إقامة الموظف العام بحيث يتم الزام موظفي الدولة بتقديم ضمان محل إقامة كل منهم بتعريف عاقل الحارة أو شيخ القرية بأن الموظف يقيم في المنطقة المحدده ويعمدها لدى الجهات المختصة بذلك لا ان يتم طلب ضمانة تاجر عليه .
الجميع متضرر من هذا الشرط الشاذ المتمثل في الضمانة التجارية لجميع موظفي الدولة وحتى التاجر يكون متضرراً لأن أية مخالفة يرتكبها الموظف العام ستتم ملاحقة التاجر الضمين بدلاً من ملاحقة الموظف العام المخالف وهذا يتناقض مع القواعد القانونية .
وجوبية تقديم ضمانات تجارية لجميع موظفي الدولة عن التوظيف ووجوبية تجديدها يجعل من الموظف متهماً محبوساً داخل قفص التاجر ومفرجاً عنه بضمانته التجارية .
فالقاضي يتوجب ان يضمنه تاجر والضابط والمدير وموظفو الضرائب والجمارك وجميع الوزارات والمصالح الحكومية واصبح ذلك قيداً غير قانوني على موظفي الدولة يقيده التاجر الضمين ويتوجب ان يتم إلغاء هذا الاجراء الخاطىء ليس فقط في القطاع العام بل وحتى في القطاع الخاص لانعدام جدواه وآثاره السلبية على استقلالية الموظف واسباب سلبية اخرى.
تم فتح نقاش ساخن مع بعض الاصدقاء عن عبثية وغباء هذا الاعلان والمتمثل في وجوبية تقديم جميع الموظفين ضمانات لقبول توظيفهم في اجهزة الدولة والقطاع الخاص بل اعتبارها شرطاً اجبارياً وهذا اجراء خاطىء يتوجب اعادة النظر فيه وإلغاؤه كونه يتناقض مع كافة الاجراءات الادارية المعتبرة في جميع دول العالم.
لا أعرف من ابتدع هذه الفكرة لكنها فكرة غبية يستوجب إلغاؤها كونها تجعل من الموظفين عبيداً تحت رحمة التاجر الضمين وهذا يتناقض مع ابجديات الوظيفة العامة كونه يؤثر عليها سلباً بشكل عام ومن جميع النواحي اهمها :
1. آثار سلبية على استقلالية الموظف العام
استمرارية شرط تقديم الضمان التجاري من الموظف العام يؤثر على استقلال الموظف العام ويجعله تحت رحمة التاجر وهذا خطأ ويتناقض مع اساسيات الوظيفة العامة بشكل عام .
ولنتوقع مثلاً أن التاجر الضمين كانت له قضية منظورة لدى قاضٍ والقاضي المختص بنظرها التاجر, ضمين له في وظيفته كيف سيكون تصرف القاضي وهل سيتصرف في القضية المنظورة باستقلال؟ وهذا فقط كمثال بسيط ينطبق على موظفي الضرائب والجمارك وجميع الموظفين هل سيتصرف الموظف باستقلال حتى لو جازف بسحب التاجر ضمانته التجارية وفقدانه لعمله ..
2. اختراق لقدسية واحترام الوظيفة العامة :
شرط الضمانة التجارية على الموظف العام اختراق خطير لقدسية واحترام الوظيفة العامة ويجعلها تحت سيطرة الضمين ليتحكم بها .
3. خلل التبعية الحقيقية:
بسبب الضمانة التجارية سيتبع الموظف العام الضمين ولن يتبع السلم الاداري للوظيفة العامة لآنه سيكون تحت رحمة الضمين الذي بجرة قلم سيقذف بالموظف العام خارج الوظيفة العامة بسحب ضمانته عنه واصبحت بذلك الضمانة التجارية هي مظلة امان لاستمرارية الموظف العام في وظيفته وبدونها يطرد الموظف العام من وظيفته فمن سيتبع الموظف العام بعدها ..
4. خلل العدالة والمساواة
بسبب شرط الضمانة التجارية للحصول على الوظيفة العامة واستمراريتها يفقد الكثير حقهم في الحصول على الوظيفة العامة بسبب عدم قدرتهم توفير ضمانة تاجر وسيتحول هذا الحق الى من يمتلك فرصة الحصول على ضمانة تاجر .
وهذا يعتبر خللاً في العدالة والمساواة في الحصول على الوظيفة العامة واستمراريتها الذي يعتبر حقاً يجب أن يكون متاحاً للجميع بشكل متساو ومن دون اي تمييز وبالضمانة يختل هذا الميزان .
5. خلل المسؤولية:
بشرط الضمانة التجارية على الموظف العام لايتضرر فقط الموظف العام والوظيفة العامة فقط بل يتضرر التاجر الضمين ايضاً فعند حصول اي اختلال من الموظف المضمون عليه سيتحمل التاجر الضمين مسؤولية اخطاء الموظف العام وهذا يتناقض مع المبادىء القانونية التي تنص على شخصية المسؤولية وان كل شخص مسؤول عن عمله ولا يتحمل احد مسؤولية اخطاء اشخاص آخرين, وهذا ما تقوم به الضمانة التجارية حيث يتم تحميل التاجر الضمين مسؤولية مخالفات الموظف العام المضمون عليه وتتم بناء على ذلك ملاحقة التاجر وافلات الموظف المسؤول الحقيقي عن مخالفاته .
6. ضعف الرقابة والتفتيش:
بسبب الضمانة التجارية على الموظف العام تعتمد معظم الجهات الحكومية عليها كمظلة امان تضمن عدم انحراف الموظف العام عن وظيفته لأنه ستتم ملاحقته عبر ضمينه وهذا خطأ ويتوجب ان يتم تفعيل اجراءات الرقابة والتفتيش لإيقاف اي اختلال قبل حصوله .
فمثلاً أمناء الصناديق يتوجب متابعتهم لإيداع جميع الإيرادات في البنك المركزي بشكل يومي ووفقاً لما رسمه القانون لذلك وعدم مخالفة هذا الاجراء .
وصرف المرتبات والمستحقات يتم مباشرة عبر البنوك بحسابات شفافة خالية من اي خلل أو فساد وبنفس الآلية لجميع الموظفين، يستوجب اتخاذ جميع الإجراءات القانونية لوقاية الوظيفة العامة من أي خلل قبل حصوله لا بملاحقة ضمنية.
في الأخير :
نأمل أن تتم إعادة النظر في شرط الضمانة التجارية للحصول على الوظيفة العامة واستمراريتها, كونه لا جدوى منها وتتناقض مع جميع المبادىء القانونية والإدارية ويتضرر الجميع منها،الموظف العام والتاجر الضمين وتعتبر اخلالاً كبيراً بقدسية الوظيفة العامة واستقلاليتها وتقيد الموظف العام وتجعله تحت رحمة التاجر الضمين وستتحول تبعيته من تبعية للجهة التي يعمل بها الى تبعية وسيطرة التاجر الضمين لأن حصوله على الوظيفة العامة كانت بسبب تقديم ضمانة التاجر واستمراريتها تحت سيطرة ومزاج التاجر الذي بمجرد سحب ضمانته أو عدم تجديدها حكم نهائياً بطرد الموظف العام من وظيفته وهذا اجراء شاذ يجب أن يتوقف ،وأن يتم بدلاً عن ذلك اتخاذ إجراءات رقابية لوقاية الوظيفة العامة من الإختلال وعدم الإعتماد فقط على الضمانة التجارية كمظلةٍ أمان وبالامكان استبدالها بضمان محل إقامة الموظف العام بحيث يتم التعريف بمحل إقامة الموظف العام من قبل الجهات المختصة بدلاً من شرط الضمانة التجارية .
ويتوجب لمعالجة ذلك إلغاء هذا الاجراء الخاطىء المتمثل في استمرار التاجر ضميناً للدولة على موظفيها .. لأنه خلل .
* عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الانسان + النيابة العامة
law771553482@yahoo.com

قد يعجبك ايضا