عن المناورة الدبلوماسية الشرسة بمواجهة الهيمنة الأمريكية على منظمة الأمم المتحدة

شارل أبي نادر
لم تكن المناورة الدبلوماسية التي خاضتها سوريا وحليفتها روسيا مؤخرا، وحضنت المباحثات والنقاشات الحساسة التي رافقت التحضير لدراسة وإقرار مجلس الأمن الدولي لقراره الأخير رقم 2401، حول هدنة إنسانية لمدة شهر على الأقل في كافة المناطق السورية، مختلفة كثيرا عن المناورة العسكرية والميدانية التي يخوضها الجيش العربي السوري، مدعوما أيضا من روسيا وحلفائها في معركة مواجهة الإرهاب وتحرير سوريا منه، منذ أكثر من سبع سنوات تقريبا.
من خلال متابعة حيثيات ووقائع تأخير التصويت على القرار المذكور، لناحية ما وضعه مندوبا الدولتين السورية والروسية من نقاط على الحروف، في مواجهة ومهاجمة وتشريح حيثيات ومعطيات القرار بنسخته البدئية قبل التعديل، تستطيع ان تستنتج، وكما في الكثير من القرارات الأممية، حجم الانحياز الدولي للمشاريع التي تخطّها الولايات المتحدة الأمريكية في كل مكان تقريبا.
عندما تستمع إلى مقاربة السيد فاسيلي نيبينزيا مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة، حول البروباغندا الدولية الموجهة غربيا وتحديدا أمريكيا، من التمييز في معايير استغلال المدنيين واستهدافهم في الحروب عامة وفي سوريا بشكل خاص أيضا، إلى تجاوز القانون الدولي لناحية التدخل في شتى أصقاع العالم دون موافقة الأمم المتحدة، أو دون موافقة الدولة المُتَدَخَل فيها صاحبة السيادة، كما يفترض هذا القانون وشرعة الأمم المتحدة، تستطيع أن تستنتج خطورة الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية، في إدارة واستغلال وتوجيه النزاعات في العالم خدمة لسياساتها ولمصالحها.
عندما تتابع بدقة وبموضوعية منهجية الدكتور بشار الجعفري مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة أيضا، في مقارنته واستنتاجه للازدواجية الأمريكية بين منطقة وأخرى أو بين دولة وأخرى، في استغلال المدنيين لتنفيذ ضغوط ديبلوماسية وسياسية وعسكرية، تستنتج الانتقائية البغيضة التي تمارسها الإدارة الأمريكية في خلق ومقاربة النزاعات في العالم، وحيث أحرج ممثل الدبلوماسية السورية وكعادته، مندوبي الدول الأخرى المعروفين بعدائيتهم للدولة السورية وبانحيازهم الدائم لمشروع استهدافها، منذ دعموا الارهابيين وسمحوا باستباحة الأرض السورية لجحافل المجموعات الإرهابية من كافة أقطار العالم، لم يستطع احد من هؤلاء المندوبين أن يرد أو أن يواجه، لا بالمنطق المفترض ولا بالحجة القانونية أو الطبيعية، ما أورده من نقاط ووقائع، اظهرت وثبتت التجاوز الواضح للقانون الدولي وللمنطق السيادي الذي يقاربون فيه بأغلبهم الأزمة السورية.
كيف يفسر هؤلاء المندوبون، أو حتى مسؤولو الامم المتحدة ومجلس الامن، سقوط الآلاف من المدنيين من الأطفال والنساء في اليمن، وبطريقة متعمدة ومقصودة من التحالف العربي الدولي، دون أي تحرك ولو تحت شعار “ادانة انسانية”، إن لم نقل قراراً اممياً من مجلس الأمن، يدين او يمنع أو يتحفظ، بالحد الادنى، على تلك المجازر؟
كيف يفسر هؤلاء المندوبون، والحريصون كما يفترض، على المدنيين في كل مكان، سقوط عشرات الآلاف من المدنيين بقذائف التحالف الأمريكي وبصواريخه الموجهة والذكية في الرقة، عند معركة مهاجمة داعش فيها، في الوقت الذي انتهت تلك المعركة بتدبير أمريكي – أممي، لسحب عناصر التنظيم وتأمين حمايتهم وإيصالهم الى مناطق آمنة، ليتمددوا منها ولينتشروا لاحقا كما تقضي مناورة التحالف المذكور؟
كيف يفسر هؤلاء المندوبون أيضا، سقوط عشرات الآلاف من المدنيين في منبج، وأيضا بصواريخ التحالف الذي “يحارب داعش” كما يُفترض استنادا لتسميته، لتنتهي المعركة بخروج آمن لعناصر التنظيم وبآليات غربية، نقلتهم إلى شرق دير الزور، في الميادين وغيرها، وتجهيز خط مدافعة قوي تحت أنظار طائرات التحالف “الذي يحارب الإرهاب” أيضا، لمواجهة وتأخير تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه لتحرير تلك المناطق من سيطرة التنظيم الإرهابي المذكور؟
كيف يفسر أيضا مندوبو تلك الدول المتواطئة في الحرب على سوريا، سقوط عشرات آلاف المدنيين في العاصمة السورية، ومن مختلف الانتماءات السياسية والمذهبية والطائفية، بقذائف مسلحي وإرهابيي الغوطة الشرقية، دون أي تحرك أو قرار أو متابعة من مجلس الأمن ومن الأمم المتحدة؟
طبعا، لن يجد هؤلاء المندوبون الدائمون تفسيرا منطقيا وواقعيا لتلك التساؤلات، وهم في الحقيقة لا يبحثون في قانونية أو عدم قانونية تلك الوقائع المذكورة، لأن ما يهمهم فقط هو تكوين ملف يضغطون به على روسيا وعلى سوريا، ملف تستطيع الولايات المتحدة الامريكية من خلاله أن تعرقل أو تعيق التقدم الذي يحرزه الجيش العربي السوري وحلفائه في معركتهم المفتوحة ضد الإرهاب.
وأخيرا، هؤلاء المندوبون ومن يمثلون، لا يرون من الغوطة الشرقية، أو من العاصمة دمشق، أو من ادلب، أو من عفرين، أو من الكثير من المناطق السورية، ومن معاناة أبنائها، إلا وسيلة للتصويب على سوريا الدولة والجيش والنظام، وهم لا يبحثون إلا في ابقائها ثغرة بوجه التفاوض والتسويات، ولا يحبذون ان تكون مثل غيرها من المناطق التي سلكت فيها المفاوضات وأنتجت حلولا واقعية، لكي يعيش أبناؤها بسلام وبأمان بانتظار التسوية الكبرى النهائية في سوريا، والتي سوف تحصل عبرها جميع مكونات الشعب السوري على حقوقها الصحيحة.
* كاتب ومحلل عسكري لبناني

قد يعجبك ايضا