كارثة الغاز إخفاق أم فساد ؟!

عبدالرحمن علي الزبيب
جنون ارتفاع أسعار الغاز بشكل مبالغ فيه وبنسبة تجاوزت 500 % من سعره الرسمي كارثة و مؤشر واضح وصريح على وجود فشل وإخفاق أو فساد أو كليهما في إدارة الموارد العامة باعتبار الغاز إنتاجاً وطنياً، ومن المفترض ان يتم تقديمه مجاناً أو برسوم رمزية لتغطية تكاليف استخراجه وصيانة المعدات والآلات وتكاليف نقله للمواطن، لا أن يكون سلعة يتم احتكارها تحت سيطرة عدد من الأشخاص الذين يقومون بتعبئة مقطورات الغاز بمادة الغاز وإخفائها في الاحواش والأرياف حتى ينخفض مستوى العرض لها ثم يتم تغذية السوق المحلية بكميات قليلة ورفع أسعارها لأن الطلب يكون أكثر من مستوى العرض وصاحب ذلك سرية شبه مطلقة في ملف الغاز حتى أصبح ملف الغاز ألغازاً لا يستطيع أحد حلها أو حلحلتها ويتفاجأ الشعب بالكارثة دون إنذار أو إرشاد .
أهمية الغاز وخطورة كارثة ارتفاع أسعاره بشكل جنوني تنبع من أهميته في حياة الشعب كون معظم غذاء الشعب يتم طهوه بمادة الغاز المنزلي كما ان معظم وسائل النقل أصبحت تعمل بالغاز بعد تفاقم اختلالات وارتفاع أسعار المشتقات النفطية لذلك كارثة ارتفاع الغاز إذا لم يتم معالجتها بسرعة ستؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني للشعب في غذائه وفي وسائل النقل التي تعتبر من أهم احتياجاته .
تكلمنا وتكلم الجميع عن اختلالات في إدارة الموارد العامة ومنها الغاز ولم يلق لنا أحد اهتماماً ولكن ؟
اليوم وبعد ارتفاع أسعار أنبوبة الغاز عن سعرها الرسمي الذي لا يتجاوز ثلاثة دولارات إلى أضعاف الأضعاف لتصبح بحوالي أربعة عشر دولاراً وبنسبة تجاوزت 500 % فهذا خطير وكارثة لا مبرر لها ، وهو أيضا مؤشر واضح على إخفاق إدارة ملف الغاز بشكل عام ومبرر ليس فقط لتغيير الأشخاص القائمين عليها بل أيضا لتغيير المنظومة الفاشلة التي وصلت بالشعب إلى هذه الكارثة لكي لا تتكرر.
تغيير الأشخاص فقط من دون اتباعها بتغيير شامل للمنظومة وآليات العمل لن يحقق شيئاً ايجابياً ويستوجب تغييرها بشكل شامل .
الغاز يتم إنتاجه من الحقول المملوكة للدولة والشركة التي تنتجه شركة حكومية يعني معالجة وتوقيف كارثة الغاز بسيطة جداً وتحتاج فقط إلى إدارة ناجحة لها ووعي شعبي ومجتمعي ضاغط لتصحيح الاختلالات وإزالة المعوقات بإجراءات معالجة شاملة بعيداً عن الترقيعات المؤقتة التي لاتقتلع جذور الكارثة .
يتوجب تغيير وتصحيح اختلالات منظومة الغاز في جميع المناطق وإخراج الغاز من أي صراعات سياسية أو حسابات ضيقة باعتبار الغاز مادة هامة للحفاظ على حياة الإنسان .
المعالجة الشاملة لكارثة الغاز يتوجب أن تتم بناء على تشخيص مهني كامل للمشكلة من جميع النواحي المتعلقة بها وأن تشمل جميع مراحله كالتالي :
1. التصحيح الإداري
يتوجب أن يتم تصحيح أي اختلالات في مقر شركة الغاز الحكومية والمنتجة لمادة الغاز في منابع الغاز للتأكد من عدم وجود اختلالات أو معوقات تؤدي إلى تأخير وتباطؤ تزويد السوق المحلية بالكميات اللازمة لتغطية الاحتياج بشكل كامل و حيادي ومستقل ومن دون أي تدخلات سلبية من أي طرف بما في ذلك ضرورة الاهتمام بصيانة جميع معدات وآلات الشركة لضمان استمرارية الإنتاج بكفاءة جيدة.
كما يتوجب أن يشمل التصحيح كافة مكاتب شركة الغاز الحكومية في جميع المناطق والمختصة بإدارة الشركة وتسويق الغاز وغيرها من المكاتب التابعة لشركة الغاز لتصحيح أي اختلال أو ربما فساد يتخللها ومنها على سبيل المثال لا الحصر إعادة تشغيل مقطورات نقل الغاز التابعة للشركة بشكل مباشر من دون وسطاء أو وكلاء لإيصال مادة الغاز إلى المواطن مباشرة من دون روتين ودون مقاولات أو تعقيدات لتغطية جزء كبير من الاحتياج لإعادة التوازن المختل في سوق الغاز المحلية.
2. التصحيح المالي
لا يكفي فقط التصحيح الإداري لشركة الغاز لإيقاف الكارثة بل يتوجب ان يتواكب معه تصحيح للاختلالات المالية التي تعرقل أداء الشركة.
والذي يستلزم لتحقيق ذلك نشر كافة التفاصيل المالية والمحاسبية لشركة الغاز من إيراد ونفقات عامة وعرضها على الشعب ليعرف الشعب أين الخلل .
وان يتم توجيه إيرادات الغاز لصيانة المعدات والآلات ودفع تكاليف النقل ولشراء مقطورات غاز إضافية لشركة الغاز لتغطية الاحتياج المحلي بشكل كامل بدلاً من تبديدها .
3. الشفافية الكاملة
من أهم مسببات كارثة جنون أسعار الغاز السرية وكتمان تفاصيله ويتوجب أن يتم توضيح كافة تفاصيله بلا استثناء ابتداءً من خروج الغاز من حقول شركة الغاز وحتى تحميل مقطورات الغاز وخارطة التوزيع للغاز ورسوم الغاز مصيرها وجميع مراحل الغاز وتكاليفه الحقيقية منذ خروجه من الحقول مروراً بنقله بمقطورات الغاز وحتى وصوله إلى المواطن بسعره الحقيقي والمناسب دون مغالاة أو احتكار أو جشع وعندها ستتوقف الاختلالات وتعالج المعوقات لأنها أصبحت مكشوفة للشعب وسيعرف الشعب من المتسبب في الكارثة بشكل واضح دون تكهنات واحتمالات قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة ..الشفافية فقط ستوضح الحقيقة والصواب وتدحض الخطأ والأكاذيب .
4. مكافحة الفساد
من ضمن أسباب كارثة جنون اسعار الغاز الفساد والذي يستوجب ان يتم تفعيل آليات الرقابة ومكافحة الفساد بشكل عام وخصوصاً في ما يخص ملف الغاز وان يتم فتح جميع الملفات المتعلقة بالغاز دون أي استثناء ليتم ضبط المتلاعبين والتحقيق معهم ومحاكمتهم ليتوقف كل من تسول له نفسه التلاعب في احتياجات الشعب الأساسية لأنه سيعرف أن مصيره خلف القضبان وستتوقف اسطوانة الغاز المجنونة والمشروخة عن الدوران وتتحطم كافة حلقات الاختلالات والتلاعب تحت مطرقة القانون وسندان العدالة .
في الأخير :
ندق ناقوس الخطر بخصوص كارثة جنون ارتفاع أسعار الغاز بشكل مضاعف لخطورتها على حياة الإنسان وجوب معالجتها بسرعة .
ونعتبرها فرصة جيدة لإعادة النظر في كافة منظومة عمل شركة الغاز الحكومية من إدارة وحسابات ومالية وإنتاج ونقل وتسويق الغاز الوطني ولمعالجة الاختلالات الجسيمة التي تراكمت منذ سنوات عديدة وجاءت الفرصة الآن لتصحيحها بعد أن أصبح الشعب لديه قناعة كاملة بوجود خلل كبير فيها بعد تضاعف أسعاره أضعافاً كبيرة وبنسبة مهولة تجاوزت 500 % خلال فترة وجيزة واحتكاره وإخفائه بشكل وقح عن المواطن والذي تم فكفكة ألغازه وإظهار طلاسمه، وكان من أهم أسباب تفاقم الوضع الإنساني للشعب.
ويتوجب تدخل الجميع لمعالجته ومنها أهمية قيام الأمم المتحدة كمنظومة دولية بإجراءات إيجابية لتحييد احتياجات الشعب ومنها مادة الغاز المنزلي عن أي صراع أو حسابات سياسية ضيقة كون استمرار سلبية دور الأمم المتحدة في هذا المجال سيفاقم من تدهور الوضع الإنساني وسيتم إضافة ملف جديد كعبء إضافي على عاتق الأمم المتحدة التي لم تستطع إنجاز الملفات الأخرى، وإضافة هذا الملف سيؤثر عليها وبالإمكان معالجة الملف بشكل مهني بعيداً عن أي تدخلات سلبية والأمم المتحدة ربما يكون لها دور ايجابي لحلحلة هذا الملف ومعالجته ويتوجب أن تتواكب مع ذلك معالجة شاملة لكافة منظومة عمل الغاز وتعزيز الدور الرقابي ومكافحة الفساد بشكل فاعل باعتبار كارثة الغاز إخفاقا وفساداً …
عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الإنسان + النيابة العامة
law771553482@yahoo.com

قد يعجبك ايضا