إطالة أمد الحرب وقرار الحسم

محمد أحمد المؤيد
ها هو العام الثالث من الحرب يطوي أخر أيامه وأنفاسه , إيذانا بدخول العام الرابع , ولا جديد , إلا أفواه البنادق وصوت الطائرات وأنين المتخمين بالجراح , نراها تعلو على تحكيم العقل , في حرب طال أمدها , وجرح وتضرج بالدماء , وحال كانت ذات يوم خارج الحسبان , معها تعلم الجميع لعبة الموت بالنار , والتولع بالأزمات , والارتياح لكثرة الكدمات , والتغني بصوت الطائرات , وعدم الاكتراث من خطرها , الذي صار خوفاً كما الشعور بالخوف حين اللعب مع الأرجوحات .
يُجمع الجميع على أن الحرب قد نالت من كل غالٍ ونفيس في هذا الوطن المعطاء , فصرنا في حال لانحسد عليها , والغريب أننا نرى كل يمني يتغنى بحب اليمن , والتمني لو أن لديه القدرة على جعل الوطن في رخاء لا مثيل له , وتقدم لا نظير له , ورقي لم يسبق لليمن مثله , والأغرب من هذا وذاك ; أن من يتشدقون بالوطنية – ولا نشكك في هذا – هم أنفسهم من يلاحظ عليهم التزمت والعنصرية والفردية في جل توجهاتهم على ساحة الوطن , ولذا فمن الطبيعي أن نرى خطوط التماس في جميع الجبهات يملأها الخط الناري المتواصل بلا انقطاع , من أناس يَدعّون وطنيتهم , فكالبوا العالم على وطنهم , وهي محاولة منهم لتأليب العالم على وطن يَدعّون الحب والولاء له , وأنهم أحق به والعيش فيه .
وكلها مفارقات عجيبة وغريبة تفضح زيف مايدعون , لأنه ليس هناك أي شيء واضح إلاّ حقد على وطن لطالما احتضنهم في ربوعه , فصاروا له بالمرصاد كالسباع الجائعة المسعورة التي لا يرجى خيرها , فمن يحب الوطن يفدي وطنه بالحلول والتنازلات , التي للأسف لم نجد لها أثرا , حتى غابت تماماً عن واقعنا خلال الفترة الماضية , فلم نعد نسمع إلا دماء وشتاتا وأزمات وحصارا , فغاب العقل عن تقبل الأخر , والأخذ والعطاء بعسى حل يناسب الجميع , ويقرب المسافات وينهي الخلافات , ويوطد الإخاء مع تعدد الانتماءات والولاءات , التي تذوب وتنصهر تحت لواء الوطن ومصالحه ومكتسباته .
مَنْ يدافعون عن الوطن من داخله هم المعنيون به والتحكم بقراره ومسيرته , فليس منا من يدعي الوطنية وهو من يقوم بجمع دول العالم كي يقاتلوا إخوانه في أرضه ووطنه , ويجعل من الغازي هو من له الحق في أن يتحكم بمصيره وقراره , فنراه كالمهبول حين يظهر ذلك التعنت والكبر والتعجرف , الذي لا يفسره لنا ومدى شدته إلاّ عند الاستماع لشروطهم المجحفة والمنحازة والمُقْصِية , فتكون شروطاً تعجيزية ليس إلا, هدفها التدحين و التهرب من تحقيق أي تقدم ونجاح لأي نقطة في أي حوار يجمع الوطن وأبناءه وينهي خلافاتهم , لأنها أساساً ليست إلا شروطا تملى عليه من دول العدوان الخارجي , وإلا فاليمني يعرف أصله وشيمته اليمنية التي لا تقبل التذمر والتملص , خاصة إن كان حواراً يمنياً يمنياً وتنازله وانحيازه هو لكل يمني لا يقبل من يفتك باليمن وأرضه وناسه.
مَنْ يريد للحرب أن يستمر مداها , هم فقط أولئك الذين يتمصلحون من وراء متناقضات الحرب والمتحاربين , كالدول التي لها هدف في تدمير الشعوب وبنُاها التحتية -كتفشي الفقر والأمية وانعدام الخدمات الأساسية والضرورية – كي تبقى هي المهيمنة والمسيطرة عالمياً كأمريكا وبريطانيا , فتعمل على تهيئة الخريطة العالمية كي تبقى متماشية مع مصالحها وأطماعها , التي لا تنتهي عند حد وشعب ودولة بعينها , وكذا من هم صُناع الأزمات ويتمصلحون من ورائها كالتجار المحتكرين وتجار السوق السوداء , كما هو حاصل اليوم مع أزمة الغاز وتكدس الاسطوانات أمام المحطات بشكل خيالي , لا يدل إلا على تدخل تجار الأزمات والسوق السوداء بشكل فعلي , وكذلك القادة الذين أتت بهم الحاجة بفعل نشوب الحروب فأصبحوا يتربعون على مناصب قيادية خولت لهم اللعب بمجريات الأحداث , كي يتسنى لهم أن يستفيدوا من أموال تصب عليهم صباً وباسم الدفاع عن “الشرعية” المزعومة , ولذا فليس لهم حاجة في إنهاء الحرب , لأن انتهاء الحرب يعني انتهاء ضخ المال بسخاء من القيادات العليا للبلدان المشاركة في الحرب السعوأمريكية على اليمن.
استمرار الحرب يعني استمرار الدمار والشتات والدماء , فالحرب إما أنت أو عدوك , وسواء ً أنت أو عدوك , إن لم يحصل بينكم تقارب للمسافات والحوارات والتنازلات , وإلا فحقيقة الأمر أنه سيحكم أحدهم على الأنقاض وتفشي الأزمات , كما هو حاصل اليوم في شقيقتنا سوريا وما يجري فيها من أحداث يشمئز لها البدن وما يحصل من حرب تأكل الأخضر واليابس وأخرها مدينة الغوطة وحلب , واللتان كانتا مدناً صالحة للعيش فأصبحتا بفعل الحرب أثراً بعد عين , فبالله عليكم ; على ماذا سيحكم؟! سواء الجيش الوطني أو جيش التحرير المزعوم , لاشك سيحكمون على أنقاض المنازل والناس الذين صاروا جثثاً هامدة تحت الأنقاض.
لغة الحوار هي لغة الأقوياء , فلا يفقهها إلاّ من له نظرة إلى الأفق البعيد , فأن أجري حكماً يتأسس على الشراكة والمواطنة الحقة خير من أن أجري حكماً على الأنقاض والأشلاء وأثار الحروب والدمار والشتات , ولأن خسارة الحرب حتى ولو انتصر فخسارته لن تعوض ولن يجبر كسرها , كما صار في العراق وحربها مع إيران , والتي راح ضحيتها سبعمائة ألف رجل وشاب , وبالمقابل سبعمائة ألف امرأة رُملت وخمسة ملايين طفل يتيم , ولكم المقارنة , وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولله عاقبة الأمور

قد يعجبك ايضا