توجه حكومي للتوسع الزراعي كخيار استراتيجي للصمود

*الاعتماد على الذات هو الخيار الصحيح لمواجهة الحصار
الثورة/ أحمد المالكي

مع بداية الربيع بدأت الأزهار تتفتح وعاد المزارعون اليمنيون لممارسة أنشطتهم الزراعية وتدشين موسم زراعي جديد متحدين بكل إصرار وعزم وللعام الثالث على التوالي قوى العدوان السعوصهيو امريكي التي دأبت على استهداف الشجر والبشر والحجر، وبرغم الاستهداف المباشر من العدوان للأراضي والمنشآت الزراعية وبرغم الحصار الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وبالذات مادة الديزل إلا أن المزارع اليمني مصمم على مواجهة كل التحديات والعودة إلى الأرض لكسر الحصار والاعتماد على ما تنتجه أرضنا الطيبة الغنية بمحاصيلها ومنتجاتها الزراعية..سعيا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والحبوب ..” الثورة الاقتصادي” يتقصى الأنشطة والاستعدادات الراهنة لخوض المعركة الزراعية هذا العام في ما يلي:
انتهى فصل الشتاء ببرده القارس الملوث بالسموم والأدخنة القاتلة التي تنفثها طائرات قوى العدوان على أرض اليمن الطيبة تطال البشر والشجر والحجر قتلا وتدميرا وإفسادا وإهلاكا للحرث والنسل سواءً بالصواريخ والقنابل العنقودية والمحرمة دوليا أو بالكذب والزيف والتضليل الذي يستهدف الدين والفكر والمجتمع وقيم اليمنيين الجميلة والأصيلة المتجذرة فيهم بعمق وأصالة تربة وأرض اليمن الطيبة المعطاءة التي لا تنبت ولا تثمر إلا طيبا.
موسم واعد
وهاهو الصيف الممطر يد نو ليهل عليها بالخير والخضرة اليانعة ونزول زخات غيث واعدة إيذانا لبدء المزارعين اليمنيين ممارسة أنشطتهم المزراعين كالمعتاد كل موسم زراعي بدءا من حرث الأرض وتقليبها وتقليم الأشجار وتلقيحها بمياه الري وغير ذلك من الأنشطة الزراعية المتعددة والمتنوعة، متحدين بذلك الحصار الغاشم الذي يستهدف القطاع الزراعي والحيواني وكل شيء يتعلق باقتصاد اليمنيين وحياتهم المعيشية بكل ما أوتي من قوة سواء بالقصف المباشر أو بالحصار البري والبحري والجوي الذي يؤثر بشكل كبير على المزارعين المعتمدين في الغالب على مادة الديزل.
ومما لا شك فيه أن الأمن الغذائي يعد تحديا وخيارا استراتيجيا واقتصاديا كبيرا سيتجاوزه اليمنيون بالتأكيد من خلال تكثيف الاهتمام بزراعة الأرض والاعتماد على الذات لنأكل ونعيش من خير ترتبتنا الطيبة اقتداء بالأجداد الأوائل، وهو الاهتمام الذي يلوح في الأفق.
توجهات للاكتفاء
وشرع المزارعون اليمنيون في ممارسة انشطتهم الزراعية المختلفة والمتنوعة استعدادا وتجهيزا وحرثا وريا وتقليما وتقليبا للأرض وبذر البذور لاسيما في ما يخص المحاصيل الزراعية الموسمية كالعنب والفواكه وغيرها من المحاصيل الزراعية النقدية الكثيرة والمتعددة وأرضنا اليمنية مشهورة وغنية بإنتاج مئات بل الآلاف من المحاصيل الزراعية المتعددة والمتنوعة.
ويتزامن بدء الموسم الزراعي مع توجهات حكومية نحو التوسع في استصلاح الاراضي للزراعة، باعتبار اللجوء والاعتماد على الزراعة خيارا استراتيجيا واقتصاديا كبيرا لتجاوز محنة الحصار الاقتصادي الغاشم الذي يترافق مع العدوان الظالم لقوى البغي والاستكبار العالمي السعوصهيوامريكي خاصة وأن العدوان والحصار يدخلان عامهما الرابع في الـ26 من مارس الجاري.
برامج موسعة
المهندس علي الفضيل وكيل وزارة الزراعة لقطاع تنمية الإنتاج الزراعي أكد لـ ” الثورة” أن الوزارة لديها برنامج موسع لاستقبال الموسم الزراعي الجديد من خلال تنفيذ برامج التوعية والإرشاد الزراعي للمزارعين لزيادة وعيهم باستخدام البذور ذات الإنتاجية المجدية “.
وأضاف : كما أن لدى وزارة الزراعة ممثلة بالمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب خطة لتبني مشاريع كبيرة في مجال زراعة وإنتاج الحبوب لديها حيث تتمثل مهمة المؤسسة في التدخل لتخفيض تكاليف الإنتاج من خلال إدخال التقنية الحديثة في زراعة الحبوب، خاصة وان كلفة الاستيراد للحبوب تقدر بــ مليار و800 مليون دولار سنوياً وهناك لجنة لعمل دراسة جدوى في محافظة الحديدة لتجهيز 10 آلاف هكتار من الأراضي يتم تجهيزها للقطاع الخاص للاستثمار في زراعة الحبوب”.
جدوى كبيرة
وكيل وزارة الزراعة لقطاع تنمية الإنتاج الزراعي علي الفضل أكد أن “جدوى الاستثمار في القطاع الزراعي كبيرة وممتازة خصوصا ان اليمن بدأت تتحرر من تبعية القرار السياسي وهناك من رؤوس الأموال من هم حريصون على وطنهم وسيبادرون بالدخول في شراكة للاستثمار في القطاع الزراعي “..داعيا القطاع الخاص إلى ” استشعار مسؤوليته الوطنية في هذه الرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن”.
دورة إيرادية
ويؤكد أساتذة وخبراء الاقتصاد الزراعي أن 75 % من سكان اليمن يعملون في قطاع الزراعة وأن الدورة الاقتصادية للأرض الزراعية تعتبر أكثر من الموارد الأخرى ومع ذلك الأسواق اليمنية تعج بالمنتجات المستوردة من الخضروات والفواكه والمكسرات وغيرها من المنتجات والمواد الزراعية المستوردة التي يمكن الاستغناء عنها بشكل كبير والتي تستنفد الكثير من الأموال والعملات وتذهب إلى الخارج لاستيراد هذه السلع التي يجب أن تنتج من أرضنا الزراعية.
ويشددون على أن الأمر لا يتطلب سوى “توجه المجتمع بدءاً من أصحاب القرار السياسي وانتهاء بالمزارع نفسه وأن المسألة تحتاج إلى توجه عام وتشجيع المزارعين للعودة والإنتاج من أرض اليمن المعطاءة”.. مشيرين إلى أن “هناك اكتفاء من الخضروات مثلاً والفواكه نوعاً ما”.
استثمار مربح
كما يجب تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الجانب الزراعي وتعريف المستثمر بأن هناك تقنيات يمكن أن تحل محل التقنيات الزراعية التي تأتي من الخارج واعتبار هذه المسألة تكاملية بحسب الخبراء الذين يؤكدون أن “المسألة مرتبطة بالتشريعات واهتمام الدولة بهذه الجوانب” ويشيرون إلى تجربة خاضتها اليمن سابقاً بالقرار الذي اتخذ بمنع استيراد الفواكه في الثمانينيات وحقق نقلة نوعية في الإنتاج الزراعي”.
داعين القطاع الخاص إلى ” التعامل مع المزارع ويستكفي بمدخلاته من المزارع بدلاً من الاستيراد من الصين مثلاً أو غيرها ناهيك عن أهمية إيجاد وتنفيذ السياسات الخاصة باستهلاك المياه التي تستنزف بشكل كبير في اليمن”.
ومع ذلك اليمن بلاد زراعية مطرية.. وحسب خبراء الاقتصاد الزراعي فإن حوالي 3 % من الأراضي اليمنية صالحة للزراعة و40 % زراعة رعوية بمايقدر بمليون و600 ألف هكتار فقط هي الأرض الصالحة للزراعة الآن والتي تزرع حالياً وهناك 65 % من الأراضي تعتمد في الزراعة على مياه الأمطار 100 % و لوحظ العام الماضي مع غزارة الأمطار إنتاجية كبيرة من المنتجات الزراعية وفائض كبير في الأسواق من الحبوب كالذرة الرفيعة والدخن والقمح وغيرها”.
الإنتاج والاستيراد
وبحسب الإحصائيات الزراعية فإن اليمن “تنتج حوالي 950 طناً فقط من الحبوب وتغطي حوالي 15 % من الإنتاج فيما يتم استيراد 85 – 90 % من الحبوب من الخارج”، كما أن “الزراعة تساهم في حدود 20 % من الناتج المحلي الإجمالي” قبل العدوان والآن انخفضت نسبة مساهمة القطاع الزراعي إلى 5 % حسب الإحصائيات الأخيرة نتيجة للحصار الغاشم وتأثر الإنتاج بارتفاع المحروقات وبالذات الديزل الذي ارتفعت قيمة الـ200 لتر «البرميل» منه إلى ما بين 50 – 60 ألف ريال في الآونة الأخيرة فقط.
ويشير المسؤولون وخبراء الزراعة إلى أن معدل النمو في السكان كبير جداً بينما بقعة الأرض الزراعية ثابتة حيث وصل عدد السكان في اليمن إلى 26 مليوناً وبالتالي تظل إنتاجيتها محدودة في ظل عدم الاهتمام الرسمي والشعبي وارتباط المزارعين بما ينتجه من الحبوب مثلاً كبير وإنتاجية الطن من البذور المحسنة تقريبا 3.5 طن للهكتار وبين الأصناف العادية المحلية إنتاجها 1.1 للهكتار وتفاوت نسبة الريات بين هذه الأصناف من رشتين إلى رشة واحدة والأصناف المطرية إنتاجها يصل إلى 1.611 للهكتار وهي أفضل بكثير من الأصناف المحلية وهناك أهمية للحصول على تغذية مرتدة من المزارعين.
الاعتماد على الذات
خبراء الاقتصاد الزراعي يشيرون إلى أهمية وضرورة أن تتخذ من الحصار والأزمة الراهنة التي أنتجها العدوان دافعا للاعتماد على الذات والرجوع إلى الأرض لتحقيق الاكتفاء الذاتي حتى تتكامل العملية بدءاً من الإنتاج الزراعي إلى الحيواني إلى المياه وإذا كان المحصول مثلاً يمكن أن يغذي الحيوان من الأعلاف وغيرها والمزارع رجع إلى الأرض وتجنب الزراعة المجهدة بل اتجه إلى الزراعة المتنوعة كأن يزرع ذرة ثم يغير إلى محصول آخر كالشعير أو المحاصيل النقدية أو ترك الأرض فترة ثم العودة وهكذا.. لا فتين إلى أن “والأزمات دائماً تولد الابتكار والفائدة كالعودة إلى ذبل الأرض بالسماد البلدي وترك الأسمدة الكيمائية التي تضر بالتربة غالباً”.
وبحسب الخبراء إذا ما عدنا إلى الاهتمام والاستفادة من مواردنا فسنتكفي ذاتياً كما كان أسلافنا القدامى وسنكتفي من اللحوم والدجاج والبيض والحبوب والزيوت والسمون والجبن وغيرها كل ذلك ممكن إنتاجه محلياً والاستغناء عن الإنتاج والاستيراد من الخارج ويمكن إنتاج وتصنيع كل شيء حتى الاستفادة من إنتاج القطن والإنتاج الحيواني والعودة إلى الأرض والإنتاج المحلي وضرورة العودة إلى التقنيات المحلية الأصيلة في مجال الزراعة التي كان يتبعها اليمنيون وما زالت متوفرة حتى الآن فقط يجب التحول والاهتمام الرسمي من قبل الدولة باتجاه تشجيع الزراعة والإنتاج المحلي حيث لا يزال يتعلق بتكلفة المدخلات وارتفاع قيمة المحروقات والذي أثر بشكل كبير على المزارعين، ولا بد أن يعود السلوك الزراعي الأصيل كثقافة يجب أن تشيع في الأوساط الزراعية كما يجب على مراكز البحث والدراسات الاقتصادية والاجتماعية أن تركز على سلوك الناس ومدى ممارستهم وارتباطهم بالأرض.
عودة إجبارية
وعاد الكثيرون إلى الزراعة في السنوات الاخيرة جراء العدوان والحصار، لاسيما أن هناك ما لا يقل عن 13 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي حسب الإحصائيات الأخيرة للمنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.. و21 مليوناً يحتاجون إلى المساعدات الغذائية العاجلة.
تهديدات وتحديات
وبحسب المهتمين بالشأن الزراعي في اليمن فإن “التنمية الاقتصادية في اليمن غير بعيدة المنال شريطة تطوير القدرات الإدارية والتشريعية والتخطيطية وتنميتها بحكمة، “… موضحين أن ” القطاع الزراعي يمكن إصلاحه لينتج منتجات ذات قيمة عالية”.
وتعد الزراعة ثالث أكبر مورد من إجمالي الناتج المحلي الوطني بعد الخدمات والصناعة. ويشغل القطاع 73 % من إجمالي القوة العاملة سواء بشكل مباشر بنسبة (33 %)أو بشكل غير مباشر بنسبة (77 %).
غير أن القطاع الزراعي يواجه تحديات بنيوية خطيرة تهدد استدامته في المستقبل المنظور، ومن بين التحديات الأكثر إلحاحا بحسب دراسات متخصصة ” الإفراط في استخدام المياه. فمنذ الستينيات ومع دخول وسائل التقانة الحديثة في استخراج المياه شهد البلد نقلة من استخدام الطرق التقليدية إلى مضخات المياه الأكثر تقدما وأدى ذلك إلى التوسع في الإنتاج الزراعي على حساب احتياطيات المياه الجوفية وقد سبق أن تعدى استهلاك المياه في البلاد نسبته من الاحتياطي”.
ويفرض ذلك تهديدات وجودية حقيقية على نسبة كبيرة من المجتمع اليمني، فالزراعة لا تعد فقط مصدرا للدخل بالنسبة للكثير من السكان بقدر ما توفر أيضا مصدرا ثابتاً للغذاء والاستقرار وبما يحد من معدل الهجرة الداخلية، وعلى هذا النحو يفترض أن يحظى القطاع الزراعي بإصلاحات بنيوية أكثر فعالية من شأنها أن تساعد في استدامته على المدى الطويل وأن تعزز من قيمته الإجمالية.

قد يعجبك ايضا