العدوان يتسبب في أكبر أزمة إنسانية القطاع الخاص ساهم في عدم انزلاق البلاد إلى المجاعة الجماعية

الثورة / احمد الطيار

أكدت الأمم المتحدة أن العدوان السعودي الأمريكي على اليمن تسبب في حدوث أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم منذ مارس 2015م مشيرة إلى أن هذا الاعتداء الحربي يعد الأكبر في تاريخ الدول الفقيرة حيث سبب تحالف مكوناً من 15 دولة في تحويل حوالي 22.2 مليون يمني إلى جوعى يتكففون العالم لحمايتهم أو لحصولهم على مساعدة إنسانية.
التقارير الدولية وعلى مدى الثلاثة الأعوام الماضية من عمر العدوان على اليمنيين رغم عدم حياديتها لم تغفل كيف أن عدوانا كاملاً وحربا اقتصادية شنتها السعودية على بلادهم جعلت منهم 11.3 مليون في حاجة ماسّة. فيما هناك 17.8 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي شديد ومن خطر المجاعة المحدق.

الصمود اليمني

حين تقول الأرقام وتكشف تلك المآسي فإنها تغفل الحديث عن أسطورة الصمود التي يعيشها اليمنيون لكن هناك من كشفها وهو يقول بالكلمة الأكبر انه القطاع الخاص اليمني قصة صمود وقوة أبقت اليمنيين بعيدين عن الهلاك الذي رسمه لهم الأعداء وها هي قصته.
يقول أحدث تقرير صادر عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بوضوح “إن الأزمة الإنسانية في اليمن هائلة ومعقدة، وهي تشمل مجموعة واسعة من العوامل المترابطة والمتداخلة. ومع ذلك يبدو واضحاً أنه رغم التوسع الكبير لعمليات الجهات الفاعلة الدولية في المجال الإنساني لمعالجة هذه الأزمة منذ عام 2015م، إلا أن القطاع الخاص اليمني هو الذي أنقذ الوضع من تدهور أسوأ بما لا يقاس. فقد منع أصحاب الأعمال اليمنيين – عبر تسهيل كل شيء من الواردات إلى النقل والإمداد والتحويل النقدي – انزلاق البلاد إلى المجاعة الجماعية. وقد قدمت شركات القطاع الخاص على نحو مماثل إجراءات إغاثية عوضت عن انهيار الدولة، والذي عجله إنقطاع الإيرادات الحكومية وتعليق معظم نفقات التشغيل في القطاع العام، مثل رواتب معظم موظفي الخدمة المدنية في اليمن والبالغ عددهم 1.2 مليون شخص.

دور القطاع الخاص

يعتمد اليمن عادة على الواردات لتلبية ما يصل إلى 90 % من احتياجات سكانه الغذائية. وفقاً لمجموعة اللوجستيات التابعة للأمم المتحدة، بين يناير ومارس 2017م شكل الاستيراد التجاري 96.5 % من أكثر من 1.3 مليون طن متري من الأغذية التي دخلت البلاد؛ في حين شكلت الجهات الفاعلة الإنسانية نسبة 3.5 % المتبقية. وفيما يتعلق بالوقود خلال نفس الفترة، استحوذ المستوردون التجاريون على ما يقرب من 526,000 طن متري وصل إلى اليمن.

اعتراف

اعترف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في عام 2017م: بأنه لا يمكن تماما للمساعدات الإنسانية تعويض غياب المؤسسات العامة، فإنها لا يمكنها أيضاً أن تحل محل الواردات التجارية وعمل الأسواق المحلية لتلبية الغالبية العظمى من احتياجات اليمنيين للبقاء على قيد الحياة”.
ويشير التقرير كيف أن القطاع الخاص أوقف تآكل الخدمات فعقب انخفاض إنتاج الكهرباء في القطاع العام إلى ما يقرب الصفر في معظم أنحاء البلد. سهلت الأعمال التجارية عملية انتقال سريعة وواسعة نحو الطاقة الشمسية بالنسبة للكثير من الأسر في العديد من المناطق، مع توفير الوصول إلى المولدات والمعدات وقطع الغيار الصناعية والخبرات للإبقاء على مختلف شبكات المياه ومرافق الرعاية الصحية في المدن اليمنية الرئيسية، وخاصة صنعاء والحديدة وتعز. كما ظلت العديد من المرافق الطبية الخاصة مفتوحة – غالباً لتقديم خدماتها للأشخاص غير القادرين على الدفع – في المناطق التي شهدت إغلاق العيادات العامة، هذا بينما سهلت الشركات اليمنية تدفق الإمدادات الطبية إلى الصيدليات والمرافق العامة والخاصة والإنسانية في جميع أنحاء البلاد.
في استبيان أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أغسطس 2017م ضم 53 ممثلاً لمؤسسات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في اليمن، في جميع القطاعات الصناعية، أفيد أن أربع من بين كل خمس من هذه المنظمات تساعد الأشخاص المتضررين من الحرب. كما ذكرت هذه المؤسسات أن أهم أشكال المساعدة التي تقدمها تشمل الخدمات المالية والغذائية والصحية.
كذلك أفاد الاستبيان الذي أجراه الباحث الاقتصادي والخبير على العزكي مع أصحاب الأعمال اليمنيين في نوفمبر 2017م أن جميع المشاركين يعتبرون أنفسهم مساهمين في محاولة التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية . تراوحت هذه المحاولات بين التوزيعات النقدية، وإعداد سلال الأغذية وتوزيعها، وصولاً إلى توريد المستلزمات الطبية للمصابين بالكوليرا. وعلى الرغم من محدودية الطلب في السوق على سلعهم، إلا أن جميع أصحاب الأعمال قالوا أنهم احتفظوا بأغلبية القوى العاملة – ولو من خلال استراتيجيات تكيف سلبية، كخفض الرواتب والاستحقاقات وأيضاً تقليل ساعات العمل – وذلك كجزء من إجمالي جهودهم للتخفيف من حدة الأزمة.

المشاركة

يعتقد غالبية أصحاب الأعمال أن مشاركتهم في أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات هي نوع من مساهمتهم في العمل الإنساني؛ وقد أفاد أحدهم بأنه يملك مؤسسة خيرية، في حين يقوم الآخرون بتوزيع الدعم من خلال شركاتهم. وفيما يتعلق بهؤلاء الأخيرين، قامت الشركات لأغراض توزيع المعونة بتطوير وحماية قواعد بيانات للمستفيدين باستخدام شبكات غير رسمية من أسر وأصدقاء وجيران. وبشكل عام يقدم الدعم موظفو الشركات من ذوي الخبرة في مجال الإغاثة الإنسانية.

مساعدات

من جهة أخرى، لعبت الشركات الخاصة دوراً أساسياً في توزيع المساعدات الإنسانية الدولية في اليمن، بما في ذلك التحويلات النقدية والسلع المادية. فعلى سبيل المثال، سجل أحد مصارف التمويل الأصغر في اليمن عام 2017 نحو 1.5 مليون تحويل نقدي بلغت قيمتها الإجمالية نحو 29.5 مليار ريال يمني، وذلك لمستفيدين من المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء اليمن. في مثال آخر، من عام 2015، كانت لدى الوكالات الإنسانية 63 شاحنة تحمل إمدادات الإغاثة، بما في ذلك السلال الغذائية والأدوية وبجهود القطاع الخاص تمكنت تلك الشاحنات من الوصول إلى المناطق المستهدفة وتوزيع مساعداتها على المحتاجين..
كما أشارت مقابلات مع أصحاب أعمال يمنيين وعدد من موظفي الوكالات الإنسانية الدولية إلى أن الجهات الفاعلة في المجال الإنساني تعتمد على القطاع الخاص لتوفير خدمات سلسلة الإمداد، مثل النقل والتخزين وخدمات التخليص الجمركي وإعادة الشحن. وبين أبريل وسبتمبر 2017م، اعتمدت معظم الجهات الفاعلة الإنسانية العاملة في جهود الاستجابة للكوليرا على الشركات اليمنية للحصول على المستلزمات الطبية اللازمة. يرجع ذلك إلى تفاقم الأزمة وعدم قدرة الجهات الفاعلة الإنسانية على شراء الإمدادات اللازمة بسرعة من خارج اليمن.

تدمير الاقتصاد اليمني

وفقا للتقارير الدولية كان اليمن من بين أفقر البلدان وأقلها تنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ومنذ بدء العدوان السعودي الأمريكي عليه في 27 مارس 2015م تدهور الوضع بشكل هائل فالناتج المحلي الإجمالي للبلاد تقلص في عام 2017م بنسبة 14.4 %، وذلك بعد تقلص بنسبة 15.3 % عام 2016 و17.6 عام 2015، ما يعني تقلصاً اقتصادياً تراكمياً بمقدار 40.5 % منذ بداية 2015م. ونتيجة لهذا العدوان فقد تسبب في انهيار الاقتصاد، وتكبدت عمليات القطاع الخاص خسائر كبيرة. وفي المتوسط خفضت الشركات التجارية ​​ساعات التشغيل بمقدار النصف، مع تسريح ما نسبته 55 % من مجموع القوى العاملة. حفز هذا التحول ارتفاع التكاليف بسبب انعدام الأمن ونقص المدخلات وانخفاض الطلب على السلع والخدمات، مع تراجع القوة الشرائية العامة نتيجة فقدان سبل كسب العيش على نطاق واسع وانخفاض قيمة العملة المحلية ،و أدى النقص العام في العملة الأجنبية في اليمن والتحديات المتعلقة بسيولة العملة المحلية إلى زيادة التحديات والتكاليف أمام المستوردين.

القيود والحصار الاقتصادي

ومنذ بدء التحالف العسكري بقيادة السعودية عدوانه في مارس 2015، جرى فرض قيود شديدة على الواردات التي تدخل إلى اليمن. ذكر أصحاب الأعمال أن لهذا الحصار آثار تعطيلية كبيرة، وأنه أدى إلى زيادة كبيرة في تكاليف نقل وتأمين الواردات. ومن التحديات الهامة الأخرى التي لوحظت ما يلي: زيادة التعريفات الجمركية بعد تفريغ البضائع، وتطويل إجراءات إطلاق الشحنات، وتراجع أمن شبكات النقل البري في اليمن، وتصعيب التحويلات المالية مع الشركاء التجاريين الأجانب.
وفي 6 نوفمبر 2017م، شدد التحالف السعودي من القيود المفروضة على الواردات باتجاه الإغلاق التام لجميع الموانئ، والذي انعكس فوراً على اليمن بارتفاع كبير في أسعار جميع السلع الأساسية تقريباً ونقص معظمها، ولا سيما الوقود.

التوصيات

يوصى الخبراء الدوليون الجهات الإنسانية الدولية أن تنشئ منصة مشتركة تشمل القطاع الخاص اليمني والسلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني لتنسيق الاستجابة الإنسانية. من الضروري ضمان الشفافية على مستوى هذه المنصة ، ويتوجب على الجهات الإنسانية الدولية تجديد قوائم مورّديها والمتعاقدين معها لمنح شركات القطاع الخاص اليمني فرصاً جديدة، وعلى الجهات الإنسانية الدولية أن تعتمد قدر الإمكان على القطاع الخاص اليمني في شراء الخدمات والاستيراد وتوزيع مواد الاستجابة الإنسانية. من شأن ذلك أن يساعد الموردين المحليين على الحصول على العملة الأجنبية.
على الجهات الإنسانية الدولية أن تقدم مساعدات نقدية مباشرة للمستفيدين بما يمكنهم من شراء احتياجاتهم من السوق المحلية، فالقطاع الخاص يؤمن أكثر من 90 % من الغذاء المستورد إلى اليمن.
على الجهات الإنسانية الدولية أن تضمن وجود نظم لمكافحة الفساد في عمليات الاستجابة الإنسانية.
على الجهات الإنسانية الدولية أن تضمن قدرات وكفاءة ممثلي القطاع اليمني الخاص الذين تتفاعل وتنسق معهم بهدف المساهمة في الاستجابة الإنسانية، وألا تقصر تنسيقها على الهيئات الرسمية كاتحاد الغرف التجارية بل أن تستكشف خيارات أخرى كنادي الأعمال اليمني وغيره.
ويتوجب على القطاع الخاص اليمني أن يجد آلية لتحسين تمثيله في عمليات التنسيق مع المنظمات المانحة وإعادة بناء حوكمة رشيدة ضمن اتحاد الغرف التجارية والصناعية اليمنية.
ويحث رجال الأعمال خارج اليمن أن ينشئوا مجلس أعمال في الخارج للتنسيق مع الجهات الإنسانية الدولية والمساهمة في استجابتها الإنسانية.

قد يعجبك ايضا