حقوق المرضى واخلاقيات سوق الدواء

عبدالرحمن علي الزبيب
الدواء ليس فقط سلعة تجارية بل هو حق والتزام انساني.
يتوجب أن يحكم سوق الدواء ضوابط واخلاقيات انسانية يلتزم الجميع بها باعتبار الدواء حقا انسانيا كفلته المنظومة القانونية الوطنية والدولية ولا يقل أهمية عن حق الانسان في الحياه بل يعتبر جزءا أصيلا من الحق في الحياة كون فقدان او صعوبة الحق في الحصول على الدواء يهدد حياة الانسان ويعرضها للموت ويجب توافره بشروطه الفنية الثلاثة :
1 – الدواء الآمن من الاثار الجانبية
2 – الفعالية والجودة
3 – السعر المناسب.
وبالرغم من كل ذلك ؟
للأسف الشديد نجد أن سوق الدواء الوطنية تعاني من انفلات لا مبرر له تختفي معه كل مبادئ واخلاقيات السوق بشكل عام وسوق الدواء بشكل خاص وأصبحت سوق الدواء بسبب الانفلات فرصة كبيرة للبعض للإثراء السريع ولو على حساب أنين ووجع مريض يصارع سكرات الموت بسبب جشع سوق الدواء الذي حرمه من الحصول على حقه في الدواء ويموت ببطء أمام عيون أهله وأقاربه الذين لا يستطيعون توفير الدواء له بسبب اختفائه المفاجئ من السوق أو بسبب ارتفاع اسعاره بشكل جنوني يستحيل معه شراء جرعة الدواء .
كم في وطني ضحايا انفلات سوق الدواء ؟..
أصبحت المقابر مكتظة بألاف البشر الذين فقدوا حياتهم نتيجة حرمانهم من الحق في الدواء وهذا يعود إلى انفلات سوق الدواء وغياب دور الجهات ذات العلاقة من مؤسسات رسمية أو منظمات وطنية او دولية أو قوى مجتمعية وشعبية للرقابة على سوق الدواء ولجم جماح اشتعال اسعار الدواء واحتكاره والتلاعب فيه .
حتى أن البعض يئس من صحوة ضمير تلك المؤسسات واستسلم للواقع المر بحت أصوات الجميع في الصراخ بوجوب ضبط انفلات سوق الدواء وتعميم اخلاقياته .
في ظل واقع مظلم ويأس مطبق من إمكانية ضبط انفلات سوق الدواء وتعميم اخلاقياته ظهر في نهاية النفق المظلم شعاع ضوء أبيض ناصع نقي تجمع حوله مجموعة من اصحاب الضمائر الحية تنادي بأنسنة سوق الدواء تتمثل في فعالية تدوين إشهار مشروع ميثاق شرف لحفظ حقوق المرضى واخلاقيات بيع وترويج الدواء بورشة عمل وندوة صباح يوم الاربعاء الفائت برعاية وتنسيق نقابة ملاك صيدليات المجتمع بالتعاون مع الهيئة العليا للأدوية وبحضور شعبي ورسمي كبير .
الجميع ناقش والجميع تفاعل بقوة لأهمية الموضوع ومن أهم النقاط التي تم طرحها :
1 – كارثة احتكار الأدوية :
من أهم اسباب انفلات سوق الادوية احتكار شركات محددة لمعظم وكالات شركات الأدوية مما يجعلها المتحكم الوحيد بسوق الدواء ويجب كسر احتكار الأدوية وافساح المجال للتنافس الايجابي واعادة النظر في التراخيص والتصريحات لجميع الادوية وعدم منح أو تجديد التراخيص لأي دواء الا بعد توفير بدائل لنفس الدواء وبأسعار مشجعة وجودة وفعالية كما هو معمول بذلك في جميع دول العالم ولا يوجد مبرر لذلك حتى حرية السوق يستوجب التنافس لضبط توازن السوق حتى أمريكا ترفض منح ترخيص لأي سلعة ومنها الأدوية لتسويقها فيها الا بعد التأكد من وجود أكثر من منافس وبدائل لتلك السلع حتى يتم كسر الاحتكار الذي يبتز الجميع .
كما تقوم الشركات المسيطرة على سوق الأدوية بإخفاء الأدوية ذات الجودة العالية لإلزام المرضى بشراء أدوية ذات مواصفات سيئة لعدم وجود البدائل ذات الجودة وسيطرة واحتكار شركات الادوية عليها وللأسف الشديد يتم رفع اسعار الادوية في السوق الوطنية بانفلات خطير حيث تتضاعف اسعار الادوية في فترات وجيزة بمبررات باطلة ومنها ارتفاع سعر الدولار والذي تجعل منه بعض شركات الادوية مبررا لمضاعفة الأسعار.
وبنظرة موجزة لذلك نجد أن معظم الأدوية تم رفع أسعارها بنسب تجاوزت 300% وبمواصفات سيئة بالرغم من أن ارتفاع سعر الدولار لم يتجاوز حتى ربع تلك النسبة وهذا خطير جداً يستوجب مراجعته وتصحيح انحرافات سوق الدواء الوطني بما يحقق مصالح جميع الأطراف .
وقد تم اقتراح أن تقوم الجهات المختصة بمراجعة كافة التراخيص لشركات الأدوية بما يعزز من التنافس ويكسر احتكار سوق الادوية .
وان يتم ردع أي شركة تتلاعب بسوق الأدوية بحيث يتم إلغاء وكالاتها للأدوية وإفساح المجال لجميع التجار والقطاعات الاقتصادية بما فيها شركات القطاع العام والمختلط والخاص لتوريد تلك الأدوية من دون قيود لأن وكالة شركات الأدوية عليها مسؤولية قبل ان تكون حقا لها .
خصوصاً وأن هناك جهوداً إيجابية نحو تحقيق ذلك باعداد دليل لمعظم الادوية في السوق الوطنية ووضعها في جداول تحدد كل دواء والبدائل المناسبة له واسعار كل صنف وبياناته الهامة ونشر ذلك الدليل ليعرف المريض البدائل المناسبة له من سوق الأدوية .
2 – التوعية لجميع الأطراف بحقوقهم وواجباتهم
من أهم أسباب انفلات سوق الدواء غياب الوعي بالحقوق والواجبات فالمرضى لا يعرفون حقوقهم وشركات الأدوية لا تعرف واجباتها ومؤسسات الدولة ذات العلاقة بالدواء والصيادلة والأطباء لا يعرفون التزاماتهم.
ويجب رفع مستوى الوعي لدى جميع الأطراف بتوضيح أهمية الدواء وحقوق وواجبات والتزامات جميع الأطراف نحو بعضهم البعض وبما يضبط الانفلات ويحقق التوازن الإيجابي ويوقف أي تجاوزات لها .
3 – دمج اخلاقيات الطب في مناهج كليات الطب
مازالت النظرة نحو الطب بشكل عام والدواء بشكل خاص على أنه وظيفة ومهنة مربحة وليس رسالة والتزاما إنسانيا وأخلاقيا وذلك لجمود المناهج الدراسية في كليات الطب ويجب إعداد مقرر دراسي إلزامي لجميع طلاب كلية الطب يوضح اخلاقيات هذه الرسالة الانسانية قبل ان تكون مهنة .
4 – تفعيل دور مراجع الوصفات الطبية
يسقط عدد كبير من ضحايا الاستخدام الخاطئ للأدوية نتيجة انعدام مراجع للوصفات العلاجية المقررة للمرضى ويجب إلزام جميع المستشفيات الحكومية والخاصة بتفعيل دور المراجعة للوصفات الطبية للمرضى قبل استخدامها لتصحيح أي اختلال أو خطأ قبل فوات الأوان حيث أن ضغط العمل على الأطباء قد يتسبب في تدوين بيانات وصفات علاجية خاطئة وهنا يكون دور مراجع الوصفات الطبية هاما لتصحيح أي خطأ قبل تفاقمه.
5 – تفعيل الدور الرقابي على سوق الادوية
هناك غياب كبير للدور الرقابي على سوق الأدوية وهذا الغياب ساهم في انفلاتها ويجب تفعيل دور الجهات الرسمية والشعبية في الرقابة الفنية والسعرية على الأدوية وبشكل مستمر وبلا توقف إذ يتوجب إخضاع جميع الأدوية للفحص في المختبرات المتخصصة قبل منحها ترخيص البيع والترويج لها للتأكد من فعاليتها ومن جودتها وايضاً سعرها وايقاف أي ترويج او بيع لأدوية لم تخضع للفحص الفني .
كما يستلزم أن يكون لدى الجهات الرقابية المختصة بضبط سوق الدواء قاعدة بيانات شاملة يتم تحديثها باستمرار وتتضمن جميع أصناف الادوية المصنعة في جميع دول العالم وأسعارها ومواصفاتها حتى تضبط أي مغالاة أو جنون في اسعارها في السوق الوطنية وتوضح البدائل المناسبة حيث يلاحظ ان بعض شركات الادوية ترفع فوق أسعار الأدوية اضعاف سعرها الحقيقي كهامش ربح لها وهذا خطأ ويجب ضبطه.
وهذا الرفع الجنوني يرفع مستوى تهريب الأدوية من الخارج لوجود فوارق سعرية كبيرة بين أسعارها في السوق الوطنية وبين أسعارها في السوق الدولية ويستوجب تقليص تلك الفوارق للقضاء على مشكلة تهريب الأدوية التي تستفيد من فارق أسعار الأدوية في السوق الوطنية عنها في السوق الدولية بسبب جشع بعض شركات الأدوية وطمعها في الربح والاثراء السريع من تجارة الادوية ويجب وقف ذلك وضبطه بإجراءات واضحة وشفافة وخالية من أي فساد أو احتكار.
6 – القواعد والبرتوكولات لضبط جرعات العلاج وتحديث معلوماتها
تخلو المستشفيات العامة والخاصة من قواعد وبرتوكولات واضحة وشفافة عن الادوية وجرعاتها مما يؤدي الى اختلاف في التعامل مع الوصفات الطبية من مستشفى الى آخر ومن قسم الى اخر .
ويجب اعداد برتوكول وقواعد محددة للوصفات الطبية يتم الالتزام بها من جميع الأطباء والصيادلة بما يحد من هامش الأخطاء في الوصفات الطبية لوجود مرجعية عامة للجميع ويستلزم أيضاً تحديث المعلومات عن الادوية والوصفات الطبية بحسب ما يستجد في العالم وأن يتم تحديث معلومات ومعارف ومهارات جميع الأطباء والصيادلة لتجويد عملهم وتقليص هامش الخطأ ورفع فعالية الدواء .
7 – تشجيع وتطوير الإنتاج الوطني للأدوية والبحوث والدراسات
يلاحظ أن سوق الادوية المحلية تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الخارج وبنسبة تتجاوز 90 % من الاحتياج المحلي حيث لا يغطي الإنتاج الوطني سوى ما نسبته 10 % من الاحتياج المحلي ومعظم هذا الإنتاج الوطني البسيط يتركز في أدوية غير هامة وهذا خطأ كبير يستوجب معالجته ورفع مستوى الإنتاج الوطني لتحقيق اكتفاء ذاتي للاحتياج الوطني من الدواء من الإنتاج ومعالجة جميع المعوقات لتحقيق ذلك وبما يخفض اسعار الادوية ويرفع مستوى جودتها ..
ولا يمكن أن يرتفع مستوى الانتاج الوطني للأدوية إلاّ بتشجيع وتطوير البحوث والدراسات الطبية بشكل عام وخصوصاً ما يتعلق بالأدوية لان البحوث والدراسات هي الاساس اللازم لتطوير الانتاج الوطني لها .
8 – رفع مستوى المعروض من الأدوية في السوق الوطنية
انخفاض مستوى المعروض من الأدوية في السوق الوطنية يؤدي الى رفع اسعارها بشكل جنوني وانخفاض جودتها ويتوجب لمعالجة ذلك أن يتم رفع مستوى المعروض في السوق الوطنية ليس فقط برفع حجم الإنتاج الوطني بل ايضاً بتفعيل دور المنظمات الدولية المانحة للأدوية بتسهيل اجراءات الحصول على الادوية المجانية الممنوحة من المانحين الدوليين وبما يغطي نسبة كبيرة من الاحتياج الوطني ويخفف الضغط على السوق الوطنية وهذا سيؤدي الى توفير الدواء المجاني بإجراءات سهلة وشفافة وخالية من الفساد وعدم إخفائها في مخازنها حتى تنتهي أو انحرافها عن هدفها وبيعها في السوق الوطنية بدلاً من صرفها مجاناً للمرضى ويعود ذلك بسبب الكتمان وعدم الإعلان والشفافية عن كميات الادوية وأنواعها وتسهيل إجراءات الحصول عليها بدلاً من تعقيدها.
والى جانب تلك المشاركات الهامة للحضور تم تشخيص المشكلة باستعراض عشر أوراق عمل تخصصية وفنية تم اثراؤها من المشاركين وكانت أوراق عمل الندوة نواة صلبة وجيدة لميثاق الشرف لما تضمنته من معلومات وتفاصيل ونصوص اوضحت بجلاء مشكلة انفلات سوق الدواء وناقشت المعالجات المقترحة لضبطه .
وكانت عناوين أوراق العمل العشر التخصصية:
الجوانب الاخلاقية التي اعتمدها الاسلام لحفظ حقوق المرضى , التقييم الاخلاقي لممارسات الترويج الدوائي , الوضع الراهن للسوق الدوائي , آثار غياب مواثيق لحماية المرضى وأخلاقيات بيع وترويج الأدوية
, حقوق المرضى أثناء المعالجة والتداوي وأهمية تدريس الأخلاقيات الطبية في المعاهد والجامعات الطبية , أخلاقيات البحث العلمي وأهمية الالتزام بحقوق المرضى والمتطوعين في عملية البحث العلمي , البرتوكولات العلاجية وأهميتها في الحد من عشوائية صرف الأدوية تحت تأثير الترويج غير الأخلاقي , مواثيق الترويج الدوائي وأهميتها على المجتمع , الأخلاقيات والمواثيق في نقل التكنولوجيا الدوائية , الصحة والاعلان العالمي لحقوق الانسان والواجبات المناطة بالدول والمؤسسات للنهوض الانساني بحقوق المرضى
وفي الأخير :
نأمل أن يتم ضبط انفلات سوق الدواء الوطنية يعتبر توقيع ميثاق شرف لحفظ حقوق المرضى وأخلاقيات بيع وترويج الدواء خطوة متقدمة ويجب أن يتم توقيعه من جميع الاطراف ذات العلاقة بالأدوية من شركات منتجة ومصنعة ومستشفيات حكومية وخاصة وجهات رسمية وشعبية وجميع من له علاقة ببيع وترويج الادوية وان تتبع توقيع ميثاق الشرف خطوات ايجابية رادعة لكل من يخالف ميثاق الشرف لأن مخالفته ستشوه سوق الأدوية وتحولها من مسؤولية إنسانية إلى تجارة منفلته .
للأسف الشديد ان سوق الدواء المحلية منفلتة وتتضاعف أسعارها بشكل مضاعف وبجودة منخفضة بسبب غياب دور الجهات الرقابية لضبط ذلك الانفلات والذي يتوجب تفعيله ليكمل دور ميثاق الشرف .
كما نأمل أن يتم رفع مستوى وعي المرضى بحقوقهم القانونية وتوضيح التزامات وواجبات شركات الادوية والجهات الرسمية نحو المرضى لتتكامل جميع الجهود لضبط سوق الادوية الوطني ويعزز من الوعي بحقوق المرضى وأخلاقيات سوق الدواء .
عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الانسان + النيابة العامة

قد يعجبك ايضا