الجذور التاريخية للصراع اليمني – السعودي ( 1 )

 

عبدالجبار الحاج

جذر المشكلة وأسباب الصراع التاريخي وحروب آل سعود ضد اليمن ليس وليد اللحظة التي ظهر فيها أنصار الله كقوة سياسية وعسكرية كما يزعم البعض فهذا القول مردود وينطوي على خطر كبير مؤداه تزييف التاريخ فحقيقة الصراع والنزاع أو قل تلك الحروب الى الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الثامن العاشر والى الدولة السعودية الثانية في القرن التاسع عشر ولكني سأقصر اشارتي في هذا اظحيز الى حروب الدولة السعودية الثالثة منذ الثلث الأول من القرن العشرين وحتى اليوم فالدوافع استعمارية بريطانية والواجهة سعودية دائما وان تذرعت وغالطت العناوين مرة بكونها دفاعاً عن الشوافع في مواجهة الزيود ومرات دفاعاً عن الزيود لإنقاذهم من ثورة الشوافع .. وهكذا هراء لا يجوز الوقوع فيه .
تكمن الأسباب في الاطماع التاريخية لهذا الكيان المصطنع بعجينته البريطانية في جوهره الصراعي كامن بين كينونة اليمن وجذره الحضاري الضارب في أعماق التاريخ في مقابل الكيان الطارئ الناشئ والذي تساقط لمرات وفي كل مرة تأتي بريطانيا لتبعث عظامه وهي رميم باسم إمارة سعود المتعاقبة فبقدر ما تشكلت النظرة العدائية لدى الكيان الطارئ والمصطنع متكونا من هذه العقد فعلى الطرف اليمني تشكلت في الوعي والذاكرة اليمنية أصالة موقف هو جوهر الموقف الوطني تجاه نهج التوسع والاحتلال الذي نشأ منذ لحظته الأولى على أساس من مشروع إقامة كيان يمثل ويخدم المشاريع والاطماع الاستعمارية الكبرى أنشأته ورعته بريطانيا التي وقفت خلف هذا الكيان كأساس وموقع ومساحة قائمة على مخزون من الثروة الهائلة حملت معها تلك المطامع الدولية وتحولت الىى طاقة مخزونة تدفقت إنتاجا وتدفقت أموالا على الغرب أكثر من بلد المنتج وضمنت الأسرة المصطنعة وصولها بسهولة الى بلدان الغرب الصناعي التي بأشد الحاجة للثروة ووظف مواردها وإيراداتها لضرب كل ما هو عربي وبالفعل صار الممول في حروب احتواء حركة التحرر العربي الصاعدة آنذاك .
هؤلاء البعض لا ينطلقون في مواقفهم من مبادئ راسخة وقيم ثابتة في الموقف من السياسات والحروب السعودية ضد اليمن واليمنيين بحيث تراهم يتقلبون ليس بناء على احداث التاريخ ووقائعه وحقائقه في ثلاث حروب كبرى وخلال قرن فقط في ظل الدولة الثالثة دشنت حقدها التاريخي بمذبحة الحجاج الكبرى عام ????م . وهؤلاء يفترضون ذاكرة اليمنيين مثقوبة وليس في مخزونها شيء .. هذا الافتراض نفسه يقوم على محاولة تحقيق هدف واحد ألا وهو تبرير العمالة وتبييض الخزي الأسود . كأن يقولوا الشيء ونقيضه في آن إذ تراهم وبصفاقة يصفون مثلا الصف الملكي في حرب الستينيات بالخونة بينما يضفون على عمالتهم اليوم بالعمل المشروع وجواز التحالف مع الشيطان !
ليس لهؤلاء احكام واستنتاجات تقوم على البراهين أو بناء على ذاكرة وطنية حية وحافلة بالاحداث الكبرى الحاصلة بل لا يجدون حرجا في تزييف التاريخ المكتوب حتى في وثائق سعود ذاتها أو تلك التي مرت علينا نحن اليمنيين خلال قرن كامل .
إذا تنقلنا عبر محطات التاريخ بوقائعه وأحداثه اعتبارا من بداية نشوء وتشكل ما يسمى بالدولة السعودية الأولى التي نشأت أول الأمر في ظل ما تسمى بالدولة السعودية الأولى عام ????م وهو الكيان الذي اخذ يتموقع ويتمدد بدعم بريطاني بالتماسس والتكون عبر الزحف على الجزيرة العربية في مناطق نجد والحجاز ومن ثم التوسع على أراضي ومياه وجزر اليمن وتخطيطات ومحاولات شتى تتطلع لوضع يدها على المندب ..
منذ بروز قرن الشيطان في الدرعية منتصف القرن الثامن عشر وبعد عشر سنوات فقط من تأسيس ما اسميت بالدولة السعودية الأولى، برزت وتجلت الأطماع السعودية في نجران وتصدى لها يمنيو نجران بقيادة الأمير هبة الله كرد على مصدر الغزوات التي تشنها عصابات قطاع الطرق الهجانة واعد حملة عسكرية لضرب تلك العصابات الإجرامية التي تهاجم السكان الآمنين وتنهبهم وتبيدهم وتأتي بعدها عصابات محمد عبدالوهاب لإرغام ودعوة من تبقى لدعوة الوهابية ..
فأعدت نجران بالتحالف مع الاحساء لشن معركة كسر القرن الشيطاني في كتبته إلا ان حملة الاحساء تأخرت فظن هبة الله انها تراجعت أو عدلت فمضى ولم تأت حملة الاحساء الا متأخرة وقد انتهت المعركة التي ضربت حصارا حول الدرعية .
حققت حملة هبة الله ضد الدرعية انتصارا عسكريا وفرضها حصاراً على عاصمة قرن الشيطان الدرعية لمدة شهرين حتى أن أمراءها من جراء الهلع ( بالوا وسلحوا على أنفسهم ). فتم اللجوء من قبل الذراع الديني في الكيان الطارئ والغريب من قبل محمد عبدالوهاب وتقدم كمصلح ولم يكن قد تكشف بعد حقيقة وواقع أن الرجل المستتر بالمصلح ليس إلا الحليف الرئيس لآل سعود الأول وقد انتهى إلى حيلة لإنقاذ رأس الإمارة الطارئة من الهزيمة والسقوط المبكر . وبعرض من محمد عبدالوهاب بالتفاوض وبموجب قبول أمير نجران بالتفاوض والتوصل إلى اتفاق هدنة وفك حصار وتعهدات أمير الدرعية ترتبت على أمير الدرعية حينها أغرت اليمنيون ولم يفطنوا الى انتصارهم العسكري الذي كان يتوجب المضي به إلى النهاية الكفيلة بالقضاء على تلك الإمارة الخبيثة في مهدها قبل استشرائها السرطاني الذي أصاب جسد الأمة الإسلامية كلها . فكان أن هذه الأسرة ذات الأصول اليهودية الماسونية الصهيونية .أن أخذت متسعا من الوقت تستعيد من خلاله أنفاسها وتعيد ترتيب حالها ونقض بتلك العهود ، فنقض العهود طبيعة وسلوك نشآ وترعرعا في كنف وشريان هذه الأسرة .
في مقابل سقوط اليمنيين مرارا فخ التفاوض يفضي دائما وعبر كل المحطات الى خسارة الانتصار العسكري في كل مرة وفي كل الحروب اللاحقة عبر ثلاثة قرون ومرورا بدويلات سعود الثلاث التي كانت تظهر وتختفي فتلك هي المثلبة التي أفاد منها آل سعود وهي من تمنح السعوديين فرصا للخلاص من هزائمها العسكرية وتعويضها بالتفاوض .
وهكذا فإن بيع الانتصار بالتفاوض يقلب المعادلة دوما لصالح الماكر المهزوم عسكريا لينال بالتفاوض ما خسره حقا بالحرب …
لمن شاء الاطلاع على هذه المحطة التاريخية التي شكلت اول الحروب في عهد الدولة السعودية الأولى أن يعود إلى أهم المراجع التاريخية حيث يروي صاحب المؤلف تلك المعركة التاريخية التي وقعت في الدرعية عام 1755م المؤرخ سيد مصطفى سالم في كتابه مراحل العلاقات السعودية اليمنية اعتبارا من عام 1755م وحتى ….
وأولى الحروب القذرة التي تدشن الحقد السعودي ضد كل ما هو يمني هي مجزرة الحجاج الكبرى في تنومة عام 1923م التي نفذتها عصابات الهجانة شالسعودية وقطاع الطرق القتلة بقيادة المجرم عبدالعزيز صاحب ما يسمى بالدولة السعودية الثالثة في حق الحجاج اليمنيين وسلب كل ما لديهم بما فيه طحينهم وحبوبهم وحوائجهم وأموالهم وجمالهم وتم فيها قتل ثلاثة آلاف ومائة وخمسين حاجاً اعزلاً إلا من بضعة أفراد يحملون البنادق البدائية للحماية من الوحوش الضارية والمفترسة .
لم تكن جريرة هؤلاء الحجاج سوى كونهم يمنيين ولم تكن عيون جحافل القتلة العور في الجزيرة لترى الى كل يمني إلا بتلك العيون السوداء والعقول المتحجرة .
وهذه الواقعة يسردها الاستاذ حمود الاهنومي بمبحثه الهام في كتاب مجزرة الحجاج الكبرى “تنومة” وهي مبحث تاريخي هام وأصيل وغني ووثيق المراجع .
من الحقائق اللافتة واللازم التوقف أمامها في نتاج وآثار هذه الجريمة التي يندى لها جبين كل شعوب وديانات العالم ناهيك عن المسلمين .. ومواقفهم المفارقة والمخزية التي التزمت الصمت إزاء مجزرة كبرى في حق آلاف الحجاج العزل و وبتلك الوحشية أن هيجت غضباً شعبياً عم اليمن .. وهذه الذروة من الغضب والحمية وفرت موقفا وطنيا جامعا شكلت طاقة وقوة ليس للانتقام والثأر وهو حق مشروع بل وفرت أسباب القوة الشعبية الكافية لخوض معركة استرداد الكرامة التي أهدرها للأسف الإمام يحيى وانشغاله بحروب داخلية مع من يتطلعون إلى الأمانة في محيط صنعاء ومناطق أخرى فانهك شعبه واستنزف قدرات وطاقات وفرصاً للانتصار الحقيقي على آل سعود .ثم تواصلت سنوات أخرى في حروب الإمام والإدريسي ولم يعد الرشد إلى وعي هؤلاء القادة الا وقد استزفتهم حروب كان من الممكن تأجيلها عقوداً في سبيل تقديم الحرب الوطنية مع العدو الرئيسي ..

يتبع..

قد يعجبك ايضا