اليمن .. مقبرة الغزاة لا أرضاً للغزوات

كتب رئيس التحرير:
يقول المؤرخ الروسي أليكسي فاسيليف صاحب كتاب: “الملك فيصل شخصيته وعصره”، بأن فيصل “وهو الذي لم يكن يعرف عن اليمن الشيء الكثير” حينما فكر بغزو صنعاء عقب وصوله وقواته الحديدة ،جاءت الأوامر من والده عبدالعزيز آل سعود ،عليك بالانسحاب السريع من اليمن، يقول باسيليف أن فيصل غضب ، كان يعتقد أن اليمن بلد يسهل غزوه ، وعندما رجع الإبن إلى أبيه المتربع في نجد سأله لماذا لا نأخذ اليمن، رد عليه الأب :”ليست اليمن بأرض الغزوات السهلة يا فيصل”.
تشير الشواهد التاريخية إلى أن الشعب اليمني لم يسمح يوما للغزاة باحتلال البلاد والسيطرة على مقدراتها ، ليس هذا فحسب؛ بل تؤكد هذه الشواهد أن جميع القوى التي غزت واعتدت على هذه البلاد تكبدت خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها.
إن استقراء تاريخ اليمن قديما وحديثا يكشف اتجاه التطور التاريخي لهذه البلاد ، والكفاح المستمر لليمنيين ضد أعدائهم الخارجيين، والذي تصاعد وانصب وعيا وتاريخا وحضارة ومن كل النواحي الموضوعية والوطنية والدينية والإنسانية على غاية وحقيقة رئيسية واحدة ، وهي الكفاح المستمر ضد الاحتلال الأجنبي أيا كان منشؤه ، في السياق يذكر المؤرخون كيف كانت نهاية الغزو الروماني الأول بقيادة إليوس غالوس والذي هلك مع قواته في حزم الجوف حيث ما تزال المقبرة الجماعية للرومان تاريخا ماثلا على الهزيمة الساحقة التي ألحقها اليمنيون بهم.
ليل السادس والعشرين من مارس وقبل ثلاث سنوات من اليوم ، تعرضت اليمن لأكبر عدوان جوي في تأريخها ، وفي مارس نفسه، ولكن قبل 87 عاما كان اليمنيون لأول مرة، يشاهدون بذهول أسرابا من سلاح الجو البريطاني وهي تقصفهم من السماء ، كانت “قعطبة” حينها و “دمت” و “الضالع” و “البيضاء”، أهدافا لتلك الغارات البريطانية العدوانية، كما صنعاء وصرواح وميدي وحرض والحديدة والمخا اليوم ومنذ مارس 2015 أهدافا لغارات التحالف العدواني ذاته ، وكان اليمني هو اليمني اليوم ، يبحث عن وسيلة لإعطاب الطائرة ، وسلاح يقتل به قوم النهابة السعودي في تهامة ونجران وعسير!
لا تزال اليمن تواجه التحالفات والتحديات ذاتها ، ولئن كان النظام السعودي يمتلك ثروة طائلة وعلاقات سياسية مصيرية مع دول وقوى رأسمالية غربية كبرى، فإن مفاهيم القوة لدى اليمنيين مختلفة ، لم تعد طائرات الـf16 قوة فتاكة في هذا البلد المعروف بمقبرة الغزاة ، فاليمن وإن كانت فقيرة وفقا لحسابات السلاح والمال ، فإن الحقائق الكبرى التي تؤكدها الشواهد التاريخية وثلاث سنوات من الحرب العدوانية والتصدي لها ، أن اليمن كهوية وجغرافيا وتأريخ وحضارة ، هي أرض سبأ ومعين وذو ريدان ، وحمير، وهي أرض العربية السعيدة، في كتب الإغريق، وهي المدن القديمة والوديان، وتلك الجبال الشاهقة التي لا تزال تحتفظ بالأصول الأولى لبدايات العرب وجذورهم العتيقة ، وهي مقبرة الغزاة لدى إمبراطوريات الغزو والاستعمار، وهم أيضا أي اليمنيون أهل بأس وحرب عند الشدائد وأهل لين ورقة وسلام في مقامه، فالأتراك الذين طوعوا أوروبا وعبروا هضبة الهند وصولا إلى الصين، كانوا يلقون بأنفسهم من شواهق الجبال اليمنية هربا من بنادق ومعاول اليمنيين.
أمام حقائق القوة الجديدة والتي تشكلت بفعل 3 سنوات من الحرب العدوانية ينبغي للبغاة أن يعرفوا بأن اليمنيين الفقراء مالا وسلاحا، لا يمكنهم التفريط في أرضهم وهويتهم وكرامتهم وإرثهم الحضاري المتراكم ، وتنوعاتهم السياسية والثقافية ، وثوابتهم الوطنية والإسلامية والإنسانية ، التي أنجزوها واكتسبوها على طول مشوار الكفاح التاريخي الطويل ، فتلك قيم صار التنازل عنها عارا وذلا يمس الكرامة الشخصية لكل فرد ينتمي لهذه الأرض والهوية ، وهي كذلك بالنسبة لتلك الشعوب والأمم التي اجتازت مراحل “التحولات الحرجة”، بعد نضال طويل وحروب ونزاعات وتحديات مماثلة: كالمكسيك، والألمان والهنود وسواها من التجارب الإنسانية.
ثلاث سنوات واليمنيين يعززون منطقية حقائق التاريخ والجغرافيا اليمنية ، وهم اليوم بهذا الاحتشاد الجماهيري المهيب في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء يؤكدون أن اليمن أقوى من الكيانات الوظيفية وإمبراطوريات الاستعمار ، وأن اليمنيين بفعل كل التحولات المتراكمة أقوى عودا وأصلب وقودا وموقفا وإرادة ، كما هو التاريخ سابقا ، وكما هو الواقع اليوم.
على قوم النهابة السعودي أن يتذكروا مصير أولئك الذين دفنتهم جبال وأودية هذه البلاد من جيوش وقادة وجند ، وأن يتعظوا بتهاوي إمبراطوريات الغزو العثمانية وسواها ممن تورطت في غزو اليمن وانهارت على إثر الهزائم التي لحقت بها في جبال وصحاري وأودية مقبرة الغزاة.

قد يعجبك ايضا