ارتفاع أجور المواصلات.. معاناة جديدة تثقل كاهل المواطن

*باصات أجرة تقع فريسة السوق السوداء وتشتري اسطوانة الغاز بـ 7500 ريال

*مواطنون: نعجز أحيانا عن ركوب وسائل النقل ونضطر إلى المشي لساعات طويلة

*طلاب: لا نستطيع تغطية تكاليف المواصلات وندعو إلى سرعة إيجاد حلول مناسبة

*سائقو باصات: نشتري الغاز بأسعار مضاعفة واضطرينا إلى رفع تسعيرة النقل

أعد الملف: حاشد مزقر

منذ اللحظات الأولى لأزمة الغاز الأخيرة خرج الكثير من المواطنين لقضاء حوائجهم فاستقلوا باصات الأجرة الجماعية كالعادة وعندما انتهى بهم المشوار تفاجأوا بالسائقين يطالبونهم بمائة ريال بدلا من الخمسين ريالاً التي كانت محددة لسعر المشوار ، لم يكن قرار السائقين تعسفيا فهو امتداد لانعدام مادة الغاز كما ان قرار الجهات المسؤولة بتعبئة الغاز عن طريق عقال الحارات لم يشمل باصات الأجرة والسيارات العاملة بالغاز..الأمر الذي ضاعف معاناة المواطنين في ظل تعنت سائقي باصات وسيارات الأجرة بفرضهم لتسعيرة مرتفعة ..ولمعرفة المزيد من التفاصيل طرحنا الموضوع على طاولة النقاش وخرجنا بهذه الحصيلة:
صلاح الحشف طالب في جامعة صنعاء قال ” إن استمر السائقون يأخذون مبلغ 100 ريال للمشوار الواحد دون أن تطرح حلول عاجلة فأنا سأجد نفسي مضطرا لإيقاف الدراسة فالذهاب إلى الجامعة يحتاج إلى مشوارين ذهابا ومشوارين للعودة أي سأحتاج تقريبا 400 ريال للمواصلات فقط بمعدل شهري ستصل إلى 12 ألف ريال إلى جانب المتطلبات الدراسية الأخرى وهذا الأمر سيكون من الصعب معالجته فأنا أعتمد على والدي في مصاريف الدراسة في الوقت الذي يعاني فيه الوالد من شحة في الدخل إذ يعمل حارسا في عمارة راتبه الشهري 45 ألف ريال ينفقه على اخواني الخمسة الذين هم الآن في بعض المراحل الدراسية في المدرسة .
عمار الشعوبي تظهر عليه تقاطيع الأسى والحزن على جبينه وتعابير الامتعاظ والشكوى تلهجان بها لسانه التي قال إنها اتعبته كثيرا في إشارة إلى ارتفاع أسعار المواصلات التي فرضتها أزمة الغاز الاخيرة والتي ازدادت ضرواة وقساوه بالقرار العشوائي الذي أجمع عليه سائقوا السيارات وأصحاب الباصات برفع سعر الراكب بنسبة 100% ، ما يجعل هذا الرجل في وضع لا يحسد عليه وبل ويثير الشفقة والرحمة التي ماتت من قلوب مالكي السيارات حسب تعبيره؛كما أنه يعمل في أمانة العاصمة في شركة خاصة براتب 50 ألف ريال يذهب مبلغ عشرين ألف ريال للمواصلات فالرجل يسكن في منطقة بعيدة بمديرية بني الحارث البعيدة عن المدينة ولأنه لا يملك منزلا بالمدينة ولا أقرباء له هناك فإنه يضطر لمراوحة منزله بشكل دائم وكان يدفع مبلغ 600 ريال لباصات الأجرة التي تقله إلى مقر عمله ومن ثم تعيده إلى منزله غير أن ما فعله السائقون من رفع للأجرة بنسبة 100% فإنه يتوجب عليه أن يدفع الآن مبلغ 1200 ريال أما في حال التزم السائقون بالسعر السابق فإن المبلغ المتوجب دفعه سيكون 600 ريال ولعل هذا المبلغ الأخير أخف مما فرضه السائقون ويوفر شيئاً من قوت أسرته.
معاناة أخرى
استغلال انعدام الغاز في المحطات لم يقتصر على حركة تنقل المواطنين بين الخطوط وحسب بل تعدى إلى ما هو أبعد من ذلك حيث القوت الضروري للمواطن الذي يرتبط أمر الحصول عليه بتوفر مادة الغاز وهو الأمر الذي يعني حصول سائقي الدبابات الأجرة ممن يحصلون على مادة الغاز بطرق مختلفة على فرص أكبر للربح وذلك من خلال استغلال حاجة الناس لحاجاتهم الأساسية ..أمين أحمد مواطن انتهى به العدوان السعودي إلى ساحل المعاناة في ظل شحة الإمكانيات من جهة وتوقف جميع الأعمال الحرة التي كان يعمل فيها من جهة أخرى ، أعلن هذا الرجل حالة الطوارئ القصوى داخل منزله قبيل نفاد مستلزمات الأسرة وعلى رأس القائمة ذرات الدقيق ، وبعد ان انتهى كل شيء لجأ الرجل إلى أحد سائقي سيارات الأجرة ليشتري له كيسا من الدقيق ليتدبر أمور أسرته على الأقل لأيام قادمة ، فلم يكن من السائق إلا أن أنزل على رأس الرجل الويل والثبور وأبلغه أن الغاز غير موجود وعليه دفع 3 آلاف ريال كإجرة وكون أمين يسكن بعيدا عن العاصمة فقد اضطر إلى دفع مبلغ الأجرة والذي يعتبر بالنسبة إليه نتيجة لظروفه الصعبة كبيراً للغاية.
رفض قاطع
عبدالله المخلافي سائق باص يعمل بالغاز اشتاط غضبا عندما وجهنا له السؤال عن أسباب رفعهم لتسعيرة الأجرة وقال بلغة المتهجم ” ايش تفعل لي الخمسين الريال “وأضاف ” نقول لك الغاز معدوم ونقوم بشراء الدبه بـ 7 آلاف و200 ريال يعني ارتفعت بزيادة 4 آلاف، يعني بنسبة 120% وأنت تقل لي خذ لك خمسين ريالاً ” المخلافي يصر ويقسم أنه لن يتخلى عن التسعيرة التي اجمع عليها السائقون كما انه يقول بأنها لا تفي إلا بمصاريف الباص لا غير.
فيما يقول وليد الحيمي سائق باص يعمل بالغاز إنه يلجأ لشراء اسطوانات غاز من السوق السوداء حيث تتواجد ببعض الاحواش في أمانة العاصمة لبيعها حسب قوله ويصل سعر الاسطوانة إلى 7 آلاف ريال ولا تتجاوز العبوة 14 لتراً واحيانا تكون اقل في حين تباع على أنها تحتوي على 20 لتراً حيث لا تكفي للعمل طوال اليوم واحيانا يتفاجأ بانتهائها في منتصف اليوم وهو ما دفعه كغيره من السائقين إلى رفع سعر الأجرة.
حيلة واحتيال
وقال سائق باص آخر :إن بعض السائقين يقومون بتسجيل أسمائهم في كشوفات عقال الحارات على أساس ان اسطوانات الغاز لمنازلهم إلا انهم يقومون بتفريغها لباصاتهم وبقيمة 3 آلاف ريال ومع ذلك يصرون على رفع أجرة الركاب ويتحصلون على أرباح إضافية.
استغلال
بين استغلال الأزمات الماضية والأزمة الحالية فالآن تعمقت أزمة الغاز بدرجة كبيرة وهو ما أراد له ذلك العدوان السعودي ومرتزقته على اليمن لكن هذا الوضع تفاقم وازاد ضرره مع استغلال سائقي الباصات والحافلات التي تعمل بالبنزين والديزل بذات الدرجة لهذه الأزمة الخانقة إذ ضاعفوا سعر الراكب الواحد المتنقل بين الخطوط المختلفة إلى الضعف ويظهر مدى هذا الاستغلال بمجرد حسبة تكلفة شراء مادة البنزين أو الديزل ونسبة أرباح السائقين حينها سنجد أن القيمة الشرائية لمشتقات النفط ليست سوى نسبة بسيطة من إجمالي التحصيل فأجور نقل الراكب الواحد على سبيل المثال من المطار إلى الحصبة تجاوزت 100 ريال بينما عند آخرين تتذبذب بين الزيادة والنقصان على هذا المبلغ ، وبناء على عملية حسابية أجريت فإن نقل أي “باص” لـ14 راكباً وهي سعتها الطبيعية تساوي مبلغ 1400 ريال في الوقت الذي سيتم انزال ركاب وتحميل ركاب آخرين أي ان هذا المبلغ يتضاعف إلى 3 أضعاف في المتوسط بحسب ما قاله احد سائقي الباصات ويظهر هنا مبلغ الربح الذي يجنيه أصحاب باصات النقل فهم في أيام توفر المشتقات النفطية وثبات الأسعار لا يتحصلون إلا على نصف هذا المبلغ كصافي ربح خصوصا ان استهلاك سيارات البنزين والديزل اقل بكثير من استهلاك سيارات الغاز وهو ما أكده العديد من ملاك الباصات إلا ان هذه الباصات ليست الوحيدة في هذه الاستغلالية فكل الطرق التي تربط المدن اليمنية يتعامل سائقوها بذات الطريقة وبنفس الأسلوب رغم عدم ارتباطهم بأزمة انعدام مادة الغاز.
اتساع دائرة المشكلة
فايز البهلولي رب أسرة مكونة من طفلين وزوجة كان يعمل في إحدى الجامعات الخاصة بمحافظة إب كموظف حكومي براتب لا يتجاوز خمسة وأربعين ألف ريال النصف منه ينفقه في إيجار المنزل والباقي يتدبر به القوت الضروري للأسرة وقد ظل في عمله مرابطا لأكثر من ثلاثة اشهر ومن ثم قرر أن يعود لأسرته ليقضي إجازة العمل معهم في محافظة الحديدة ومن ثم يعاود السفر لزيارة والده ووالدته في العاصمة صنعاء لكنه استغرب من ارتفاع أجور النقل التي فرضها سائقو الأجرة والتي كبلت حيلته ولم يعد يقوى حتى على التفكير بالسفر حيث أن المبلغ المطلوب توفيره للوصول إلى محافظة الحديدة ومن ثم العودة إلى صنعاء يتجاوز بكثير ما يحوزه في جعبته وبعد يومين من الانتظار ــ للفرج لم يكن ينتظره رغم الأمل ــ اضطر لبيع كمبيوتره الخاص وكما يقول فإنه دفع ثلاثين ألف ريال للانتقال من وإلى المحافظات الثلاث..فايز أدهشه ارتفاع أسعار المواصلات بين المحافظات على الرغم بأن سيارات البيجو لا تعمل بالغاز.
عواقب كثيرة
وهيب الجمل أستاذ في الاقتصاد يقول إن استمرار ارتفاع رسوم التنقل التي فرضها واقع أزمة الغاز وعدم إيجاد الحلول السريعة لهذه المشكلة، الالتزام ستكون له عواقب كبيرة أبرزها أنه سيثقل كاهل ميزانية الأسر الأمر الذي سيعمل على زيادة المشاكل الأسرية التي تظهر الدراسات أن 80% من أسبابها يعود إلى ضعف الجوانب المادية كما أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيكون له انعكاساته السلبية على مستوى الانضباط الوظيفي في المؤسسات والدوائر الحكومية وسيكون عاملاً أساسياً في التسرب من التعليم المدرسي والجامعي .

قد يعجبك ايضا