وطن خالٍ من الفساد.. حلم هل يتحقق ؟؟!

 

عبدالرحمن علي علي الزبيب

أجمل الأحلام وطن خالٍ من الفساد مشبع بالنزاهة والشفافية والعدالة والإنصاف كل هذه المصطلحات والأحلام لا تتحقق إلا في وطن خالٍ من الفساد .
وأسوأ الكوابيس وطن يغرق في مستنقع الفساد ملوث بالاختلالات والسرية والكتمان والظلم ونهب الأموال العامة أيضاً كل هذه المصطلحات والكوابيس لا تتحقق إلا في وطن غارق في الفساد .
فنحن هنا أمام خيارين إما وطن خالٍ من الفساد أو وطن غارق في الفساد .
وكلا الخيارين متاح وبجهود بسيطة يمكن تحقيقها إذا توافرت الإرادة الحقيقية في جميع قيادات الدولة وتحولت تلك الإرادة من تصريحات رسمية إلى جهود رسمية في الميدان لاستئصال الفساد بشكل عام بلا تمييز ولا استثناء .
لا يوجد مبرر للفساد وأي تبرير للفساد هو أيضا فساد يجب أن يتم إغلاق جميع منافذ وينابيع الفساد التي تنضح بالخلل ونهب الأموال العامة وانفلات أجهزة الدولة بلا ضوابط ولا عمل صحيح .
أول خطوة نحو تحقيق وطن خالٍ من الفساد هو الاعتراف بوجود الفساد وعدم العناد والمكابرة في إنكاره رغم أن روائحه فاحت وأصبحت تلوث وطناً يحلم باجتثاث الفساد الذي يجثم على صدر وطن يئن من وجع وألم الفساد الذي مزق أجزاءه وقضم قدراته وإمكانياته .
جميع الدول والحضارات كانت نهضتها مرتبطة بخلوها من الفساد وانهيارها كان بسبب غرقها في الفساد كون الفساد يستهلك ويضيع إمكانياتها ويجعلها ضعيفة خاضعة مستسلمة وخلوها من الفساد يجعلها قوية مستقلة ومنتصرة وكلما ارتفع منسوب الفساد كلما ضعفت الدول والحضارات وأصبحت آثاراً في متحف التاريخ .
نسمع باستمرار تصريحات قوية من القيادة وإدارة الدولة بوطن خالٍ من الفساد ولكن؟؟
هذه التصريحات رغم أنها توقظ في الشعب حلم جميل ولكن ؟؟
إن لم يتبع تلك التصريحات عمل في الميدان وعلى ارض الواقع فستشكل تلك التصريحات بلاغاً كاذباً ونكسة في مسيرة ومكافحة الفساد كونها رفعت سقف مكافحة الفساد إلى مستوى عالٍ جداً وهو خلو الوطن من الفساد وبمعنى استئصال كامل جذور وجذوع ومظاهر الفساد بشكل كامل وشامل بلا استثناء ولا تمييز ولكن عدم الوصول إلى هذا المستوى سيؤدي إلى استمرارية الفساد المتمثل في نهب وتبديد الأموال العامة وسيتسبب في ضعف الإرادة الوطنية ومؤشر خطير على عدم جديتها في محاربة الفساد واستئصاله وسيتفشى الفساد اكبر ليغرق الوطن في فوضى عارمة أشعلتها شرارة الفساد التي تأكل الأخضر واليابس وتعطل جميع أجهزة الدولة وتفقد الثقة بين الشعب والقيادة .
لا يوجد مستفيد من الفساد حتى الفاسد أيضا هو متضرر لأنه يمزق مؤسسات الدولة بمبضع فساده وسيتجرع كوارث ومصائب الفساد مثله مثل الآخرين سيأتي يوم يفقد السطوة والنفوذ ويسيطر على منصبه شخص آخر ليجرعه نفس ما جرع به الآخرين من فساد سيتجرع أولاده مصائب الفساد وظلمه وعندها سيندمون عندما لا ينفع الندم وتستمر أسطوانة الفساد المشروخة في الدوران باستمرار كأنها رحى طاحونة تطحن مقدرات وخيرات الوطن وتبدده لتذروه الرياح .
الفساد يقبع في رأس الدولة في الطبقة الأولى والصف الأول من قيادات الدولة والآخرون ليسوا سوى ذيول لتلك الرؤوس لو تم تنظيف رأس الدولة من الفساد لتساقط جميع الفاسدين في جميع جسد أجهزة الدولة لأنه إذا سقط الرأس يموت الجسد وتتساقط ذيوله وهكذا الفساد إذا سقط رأسه تساقطت جميع أعضائه .
عند فتح موضوع الفساد في أي لقاء أو اجتماع رسمي أو شعبي يشكو الجميع من الفساد وتفشيه وكل شخص يطرح أمثلة له وقلما نجد أمثلة ايجابية للنزاهة ومكافحة الفساد وتحول وطن خالٍ من الفساد إلى حلم شعب يتلاشى في واقع مثخن بالفساد .
استمرارية الشعب في نقد الفساد مؤشر ايجابي يستوجب استغلاله لتحويل ذلك النقد الشخصي إلى صناعة رأي عام ضاغط نحو مكافحة الفساد واستئصاله قبل أن يفقد الشعب الأمل ليس في وطن خالٍ من الفساد بل حتى في وطن يلعن الفساد .
وطن خالٍ من الفساد يحتاج فقط إلى إرادة حقيقية وصادقة يتبعها إجراءات متسارعة في ميدان الواقع تضع الفساد والفاسدين في مرمى الاستهداف المباشر وتقتلع جميع الحصون التي تحمي الفاسدين بلا استثناء وتفعيل آليات المحاسبة والمحاكمة لجميع الفاسدين بلا استثناء وإلغاء جميع الحصانات الموضوعية والشكلية في وقائع الفساد واستبدال القوانين التي تحصن الفاسدين بقوانين تعاقب وتحاسب الفساد والفاسدين كائناً من كان .
لو تم تقديم فاسدين كبار للمحاكمة بإجراءات قانونية مستعجلة وتنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم واسترداد أموال الشعب المنهوبة لبدأت فعلاً أحلام وطن خالٍ من الفساد تتحقق على ارض الواقع .
إن لم يتم ذلك ستضيع جميع جهود مكافحة الفساد وتستهلك إمكانيات وأموال دون ثمرة حقيقية وستغرق الأجهزة الرقابية والقضائية في محاربة صغار الفاسدين التي لا ثمرة جوهرية من محاربتهم مادام دينصورات الفساد مطمئنين دون حساب ولا عقاب ويفرخون الفساد ويحمونه باستمرار.
وطن خالٍ من الفساد يستوجب تغيير منظومة العمل في جميع أجهزة ومؤسسات الدول التي كانت ومازالت محفزة للفساد وليس فقط تغيير القائمين عليها لأنه مهما استبدلت أشخاص نزهاء دون استبدال منظومة عمل المؤسسات فسيتساقط النزهاء في ثقوب الفساد المحفزة لهم ستبتلعهم ولن يستطيعون مقاومة الفساد ومغرياته .
غلاء الأسعار والتلاعب في السلع والخدمات وكافة احتياجات الشعب فساد الفاعل فيها ليس من يرفع الأسعار ويتلاعب في كمياتها ومواصفاتها ،الفاسد فيها هي أجهزة الدولة المختصة بضبط الأسعار وضبط التلاعب في السلع والخدمات، تقصيرها في عملها وإعاقة دورها هي من تسببت في هذه الكارثة الذي ما كان لأحد أن يتلاعب إن وجد الضبط والردع وبفساد وإخفاق الردع والضبط يتلاعب الجميع بلا رادع ولا ضابط والضحية شعب والمجرم أجهزة دولة ضعيفة ومشلولة تصنع بيئة محفزة للفساد والتلاعب وإيقاف هذا الفساد هو فقط بتفعيل أجهزة الدولة واقتلاع جميع معيقاتها واختلالاتها وفي مقدمتها الفساد .
جميع الكوارث والمصائب والمعاناة الذي يتجرعها وطني سببها الرئيسي الفساد .
وطن خالٍ من الفساد يستوجب ان يتم تقييد صلاحيات جميع قيادات وموظفي الدولة في توريد وإنفاق الأموال العامة وفقاً لآلية واضحة وشفافة وعامة خالية من الاستثناءات والاختلالات ومسنودة بآلية رقابة قوية وصارمة وشفافة على الجميع بلا استثناء عندها ستتحقق الأحلام بوطن خالٍ من الفساد .
الفساد يتخفى وراء الاستثناءات والمصلحة الوطنية .
نعم للأسف الشديد يتم التغاضي عن الفساد بمبرر المصلحة الوطنية وان هناك أضراراً خطيرة في استئصال الفساد وان الوطن يمر بمرحلة صعبة وموارده شحيحة وإمكانياته ضعيفة وهل هناك اشد خطورة على المصلحة الوطنية من فساد الفاسدين ؟؟!
خطورة وصعوبة المرحلة الذي يمر بها وطننا الحبيب وانخفاض الموارد والإمكانيات مبرر كبير لاستئصال الفساد، لا مبرر لاستمراريته وحمايته .
وطن خالٍ من الفساد يستوجب فتح جميع ملفات الفساد القديمة والجديدة بلا استثناء واسترداد جميع أموال الشعب المنهوبة لأن الفساد جريمة لا تسقط بمرور الزمن بحسب ما نص عليها القانون الذي يؤكد على عدم تقادم جرائم الفساد ولكن ؟؟
من يملك الإرادة الحقيقية والصادقة لفتح جميع ملفات الفساد ومساءلة جميع الفاسدين واسترداد ما نهبوه من أموال الشعب الثابت في أكوام ملفات الفساد القابعة في مخازن الأجهزة الرقابية والقضائية ؟؟
وطن خالٍ من الفساد يستوجب رفع مستوى الوعي المجتمعي بخطورة الفساد وأهمية ووجوبية مكافحته وفتح جبهة عريضة لمحاربة الفساد مغروسة في وعي المجتمع في صف واحد ضد الفساد والفاسدين بمناهج تعليمية في جميع المراحل الدراسية الأساسية والثانوية والجامعية نابذة للفاسد وكاشفة له ومخاطره الخطيرة لحاضرنا ومستقبلنا بوسائل اعلام ناشطة ضد الفساد باستمرار بلا توقف حتى يتحول المجتمع من حاضن وخانع للفساد إلى نابذ ومحارب له وعندها فقط سيستسلم الفساد لعدم وجود حاضن مجتمعي له ويتحول الفاسد إلى عنصر شاذ في المجتمع بلا غطاء ولا حماية لتضربه مطرقة العدالة بلا رحمة .
وفي الأخير :
نحلم بوطن خالٍ من الفساد ونستيقظ كل صباح وكلنا أمل بأن ذلك الحلم الجميل سيتحقق في الواقع ليمزق كوابيس الفساد التي تلوث حياتنا والتي تجثم فوق صدر وطن يئن من فساد يمتص خيراته وإمكانياته ويجعله مسلوب الإرادة ضعيفاً تعصف به رياح الزمن ويتحول فقط إلى بيدق في يد القوى العالمية كون الفساد يفقد الوطن استقلاله ويجعله باستمرار متسولاً لاحتياجات شعبه، كان بالإمكان تغطيتها من موارده العامة لو تم قطع يد الفساد التي تنهشها وتخفيها في ثقوب الفساد .
وطن خالٍ من الفساد حلم جميل لتحقيقه يجب أن تتوافر إرادة حقيقية وصادقة يتلوها عمل جاد في الميدان تقوم بتغيير القوانين ومنظومة عمل جميع أجهزة الدولة وتغلق جميع محفزات ومنافذ الفساد وتخلع جميع تحصينات الفساد والفاسدين وتعاقبهم بلا رحمة وبلا استثناء ولا تمييز وبلا تبرير .
الجميع في وطني يحلم ويتساءل باستمرار عن وطن خالٍ من الفساد ..
حلم جميل هل يتحقق ؟؟!
* عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الإنسان
law771553482@yahoo.com

قد يعجبك ايضا