مقابر جماعية أنشأتها السعودية لإخفاء جثث وهويات القتلى من المرتزقة

> ” الثورة ” تنشر تحقيقاً حصرياً يكشف أرقاماً مهولة لخسائر العدوان السعودي في معارك الحدود

> كيف يخفي النظام السعودي خسائره وقتلاه في معارك الحدود

الثورة/ يحيى الشامي

يهلك العشرات من جنود السعودية وعناصر مرتزقتها يومياً في معارك الحد الشمالي على تخوم نجران وجيزان وعسير في سبيل تحقيق نصرٍ يشبعُ شبق بني سعود ويُلبّي شهوتهم المتنامية خارج الأطر الإنسانية والأعراف السوية، تُغطي السعودية على كل عيوبها بالمال تنفق بسخاء حين بتعلّق الأمر بوهم النفوذ الإقليمي والتقرّب زلفى من النظامين الأمريكي والإسرائيلي، ويتوجب عليها لنيل رضاهما بذل قصارى جهدها وعظيم جهودها، ولكن قبل ذلك كله عليها أن تثبت جدارتها بمقام شرطي أمريكا في المنطقة وخادمها الأول وهذا الإثبات يستلزم منها حسم معركتها في اليمن أو بالأحرى إبادة اليمنيين في بلدهم وإعادة “نزلاء الشرعية” في فنادقها بالرياض إلى صنعاء.
وما بين هذا الهدف والسعودية ركام من كبائر الانتهاكات والتجاوزات الأخلاقية تمرُ عليها الأخيرة غير آبهة ولا مكترثة إلا بمقدار ما تحققه وتنجزه من الأهداف أو ما يُقربها ويوصلها إليها ، وهنا نضع بين أيديكم عنوانين لجريمتين يرتكبُهما السعودي خفية وعلنا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي وقوانينه ومنظماته وأنظمته الأخلاقية الحاكمة وهاتان الجريمتان لا تتعلقان بما اشتهر من مجازرها ضد اليمنيين والتي تجاوزت الخمسمائة مجزرة منذ بداية العدوان، فالموضوع هنا يتعلق بجرائم السعودية بحق جنودها وبحق مرتزقتها.
-من مقابر جماعية إلى القتل والإخفاء ضد جنود الجيش السعودي:
تعطي أرقام القتلى من الجنود السعوديين المعلن عنهم رسميّاً مؤشّرات واضحة عن حجم الخسائر المتحصّلة للسعودية خاصة خلال الأشهر الأخيرة من عمر المواجهات، وهي لوائح تطول وتتعدّى في كثير من الأشهر الثمانين صريعاً ناهيك عن المصابين والمعاقين، كما هو الحال في حصيلة شهر ابريل، علماً أن هذه الإحصائيات وهي مرفقة بالأسماء والرتب العسكرية تخص فقط المعلن من الجاني الرسمي غير ما يتم التكتّم عليه وإخفاؤه، حيثُ تفيد أحاديث الأسرى السعوديين لدى الجيش اليمني واللجان الشعبية أن السلطات السعودية لا تكترث كثيراً بإبلاغ أهالي الجنود عن مصيرهم خاصة أولئك الذين لا يمتلكون نفوذاً وواسطة من دوائر الأمراء وأصحاب القرار السلطوي السعودي، وهنا نشير إلى حادثة غير شهيرة وقعت قبل عام ونصف تقريباً إبان تقدم الجيش اليمني واللجان الشعبية داخل مدينة الربوعة، حيث عثر المقاتلون اليمنيون على مقبرة جماعية واقعة في سفح أحد المرتفعات الجبلية في محيط مدينة الربوعة، ومع أن الجيش اليمني واللجان ظنوا في البدء أن الجثامين تعود لمقاتلين يمنيين إلا أنه تبيّن في الأخير أن المدفونين هم جنود سعوديون جرى دفنهم خلال الأشهر الأولى من المواجهات على الحدود، ولا يُعلم ما إذا كانوا قتلوا في المواجهات بنيران الجيش واللجان، ويُمكن القياس على هذه الحادثة في حوادث عدة مماثلة تتعلّق بمصير مئات الجنود السعوديين الذين لا يزال مصيرُهم مجهولاً حتى اللحظة، وتعد هذه القضية، التي ترقى إلى مستوى جريمة إنسانية صارخة، يرتكبها النظام السعودي بحق المجندين وأهاليهم، ويرفض المسؤولون السعوديون التطرّق إلى الملف فضلاً عن الاعتراف به ما يجعلها جريمة مركبة لا تقتصرُ على الجنود بل تطال حتى أهاليهم الذين يحرمون من معرفة مصير أبنائهم أو حتى مجرّد السؤال عنهم، ولا يستبعد متابعون وحقوقيون أن يكون هذا المصير هو ذاته الذي يُلاقي الجنود الذين يرفضون الخدمة أو يُحاولون الهرب من الجبهات.
ويتداول ناشطون وحقوقيون سعوديون بين الحين والآخر أخبار مجندين وعسكر سعوديين “مفقودين” وهم من تنقطع أخبارهم فلا يُحسبون في عداد القتلى ولاهم في لوائح الأسرى، فيما تشكو على استحياء أسر هؤلاء الجنود افتقادها أثر أبنائها في مناطق المواجهات على الحدود بين البلدين، ولعل مبادرة الأسرى السعوديين ممن يقعون في قبضة الجيش واللجان إلى تقديم رسائل تطمين لأهاليهم من خلال التسجيلات المصورة التي ينشرها لهم الإعلام الحربي تشير إلى حقيقة الجريمة واستفحالها داخل المجتمع السعودي، وتقع الجريمة وفق تصنيفات حقوقيين في سياق القمع وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبُها السلطاتُ السعودية ضد خصومها والمعارضين مستغلّة في السنوات الأخيرة عدوانها على اليمن لتصعيد مستوى سياسات التضييق والسجن والتصفية والإخفاء ضد كل من يُعارض أو يُحاول الإفصاح عن معارضته لسياسة المملكة تتزامن هذه الموجة من التصعيد الحقوقي مع تسارع كبير في سياسة التطبيع والتقارب بين السعودية وعدو الأمة الأول الكيان الصهيوني، فكل التغييرات “الانفتاحات” الجارية داخل المملكة لا يُمكن عزلها وفق مراقبين عن استعدادات بني سعود الهادفة لإنضاج الرأي الشعبي المعادي لـ”إسرائيل” في سياق عملية واسعة تطال كل ما له علاقة بهويّة الأمة ورموزها ومقدّساتها وهو ما يُعرف بـ”كي الوعي”.
وأي محاولة لفهم التطورات في الداخل السعودي بمعزل عن طبيعة الصراع على مستوى المنطقة لايُمكن أن يقدم قراءة شاملة أو تبريراً منطقياً، خاصة مع انكشاف الوجه الدموي الفاقد لأدنى المعايير والقيم الإنسانية المتجلية بأكثر من 500 مجزرة ارتكبتها السعودية في حربها على اليمن خلال ثلاثة أعوام، بينما تبقى جرائمها ضد شعبها في الداخل أسراراً يصعب سبر أغوارها في ظل حكم ملكي دكتاتوري متسلط صادر كل الحقوق المجتمعية والفردية لشعب بأكمله.
مرتزقة أحياء وعبيد أموات .. قبور بلا هوية
بلغت خسائر مرتزقة الجيش السعودي من يمنيين وسودانيين وساهم في الأرواح أرقاماً قياسية، و وفقا لأي خبير عسكري فإنّ ما ينجزه مرتزقة السعودية على الأرض يكاد يكون صفراً مقارنة بحجم الخسائر التي يدفعونها ثمناً لتلك الخروقات وهي خروقات لا يُمكن الرهان عليها في حسابات النصر والخسارة الاستراتيجية، وهذه على ما هي عليه من الفداحة والفظاعة لا تمثّل إلا جانباً واحداً من جوانب الخسائر السعودية متعددة الأوجه والصور تماماً كما هي مشاهد وصور الإعلام الحربي التي تعكس الجزء الأخير من حصاد المواجهة وتنقل صورة عن رمادها ودخانها.
السعودية لا تعلن -وفق سياستها المتبعة في عدوانها على اليمن- عن خسائرها، وبطبيعة الحال وبرغم بلوغ أعداد قتلى مرتزقتها حدّاً أرغمها على افتتاح مقابر جماعية لهم داخل الأراضي السعودية بدلاً عن إرسال جثثهم إلى مواطنهم التي قدموا منها، وهو تصرّف ينم عن شيئين الأول: تضخّم أعداد القتلى بصورة يصعبُ معها التعاطي مع كل حالة على حدة وهو ما تطلّب من النظام السعودي التعامل مع قتلى مرتزقته كعبيد سواء كانوا أحياء أم صرعى، ونظراً لتفاقم أعداد المرتزقة المستقدمين للقتال بالإنابة عن الجيش السعودي وحرس حدوده فإن مهمة الإخلاء ومراعاة الأوضاع الإنسانية في التعامل مع أجساد القتلى تُكلّف خزينة المال السعودي تكاليف إضافية لم يجر احتسابها في عقود شراء المرتزقة.
ثانياً : وفق هذا المنطق فإن الغاية التي جاء المرتزقة من أجلها تنتهي بعد مقتلهم وبالتالي يجري التعامل معهم كعبء زائد وبطريقة غير مسؤولة تفتقر لأدنى المعايير الإنسانية، كما أنها لا تُراعي مطلقاً مشاعر أهالي المرتزقة وهو ما يجعل الجريمة انتهاكا مضاعفا يتجاوز الفرد إلى انتهاك حقوق الأسرة وأقارب القتيل خاصة أن كثيرا من هذه الأسر تنقطع عنهم أخبار أبنائهم منذ الأيام الأولى لالتحاقهم في صفوف المرتزقة، وهو ما يُفسّر وجود عشرات الأضرحة المجهولة داخل المقابر الجماعية المخصّصة لقتلى المرتزقة، ناهيك عن وجود جثث أخرى داخل ثلاجات مشافي المملكة المخصصة لاستقبال القتلى علماً أن هذه المشافي تختلف تماماً عن تلك المخصصة لعلاج أفراد الجيش السعودي وحرس الحدود.
وخلال الأشهر الأخيرة انتشرت في أوساط إعلامية صور ومشاهد لمقابر جماعية واسعة داخل أراضي المملكة يجري فيها التخلّص من رفات قتلى مرتزقة السعودية من السودانيين واليمنيين، وهو ما أكد شكوك الكثيرين المُتعلقة بانتهاكات السعودية وطريقة تعاملها مع مرتزقتها بعد هلاكهم في سبيل الدفاع عن الجيش السعودي والقتال دونه.
-ويمثل العرض السابق ملمحاً بسيطاً عن السلوك الانتهازي الذي يُمارسُهُ النظام السعودي مع مرتزقته بعد هلاكهم في معارك ما يُسمّى “الدفاع عن أراضي المملكة وسيادتها” ، بينما تبقى تفاصيل كثيرة وهي الأعظم والأكثر فظاعة طي الكتمان، ونستدلُّ هنا بجانبٍ آخر من الانتهاكات المُرتكبة ضد مرتزقة الجيش السعودي وهي مشهورة وتتكرّر في جميع الجبهات تقريباً حيث يتعمد الجيش السعودي وحتى الإماراتي ترك جثث قتلى مرتزقته مرميةً في ساحات المواجهات دون تحمل عبء إخلائها أو انتشالها، ويستندُ هذا الانتهاك إلى أدلة قطعية يعرضها الإعلام الحربي بين الفينة والأخرى ويعاينها كل العالم منذ بداية أحداث العدوان على اليمن، وقد اشتهر منها وبرز إلى الواجهة مقابر المرتزقة السودانيين في صحراء ميدي وقبلهم المرتزقة اليمنيين حيث اضطر مجاهدو الجيش اليمني واللجان الشعبية إلى تحمّل عبء دفنهم والتخلص من أجسادهم بعد ساعات من مصرعهم، ونذكر هنا حديث أحد المقاتلين اليمنيين التقيناه قبل عام في صحراء ميدي عقب مجزرة مرتزقة السودان عُرفت يومها بـ”مجزرة الجنجويد” حين وقف المقاتل على بضع جثث في أطراف الصحراء قائلاً: إن مجاهدي الجيش واللجان كانوا يفكرون أثناء التصدي لهجوم المرتزقة بمصير جثث قتلاهم، خشية تعفنها في الصحراء وبالتالي انتشار الأوبئة والأمراض في المنطقة وفي أوساط المجاهدين، واعتبر المتحدّث أن قيادة العدوان تتعمّد ترك جثث القتلى بهدف استخدامها كسلاحٍ يستهدف صحة وسلامة المقاتلين اليمنيين عن طريق الأوبئة التي تُسبّبها هذه الأجساد.
إلى هذا المستوى المنحط مما لا يخطر في بال تجاوز النظام السعودي كل المعايير الإنسانية والقوانين والأعراف البشرية، وبشكل ربما أنه لم يحدث من قبل، على أنّ توسّع رقعة الحرب وطول أمدها كان كفيلا بإخراج بعض هذه الفضائح ونزر من الانتهاكات بينما يبقى مخبوءا عنا في رسم الأيام القادمة وفي علم ودراية الإدارة الأمريكية وأجهزة استخباراتها.

قد يعجبك ايضا