“الحرب الناعمة” هي الأشرس والأفتك بالأمة

العلامة الباحث والمفكر عدنان الجنيد :

¶ مفهوم الحرب الناعمة من المفاهيم القديمة المتجددة التي لجأت إليها أمريكا بعد فشلها عسكريا
¶ خطورة الحرب الناعمة تكمن في أنها تستهدف العقول والنفوس وتجعل الكثير من أبناء الشعوب جنودا لها من دون أن يشعروا
الثورة
هي حرب حقيقية داهمة وشرسة هادمة، ليست جديدة لكنها متجددة تستخدم أساليب متعددة خادعة ووسائل متنوعة مارقة، تجعلها أسلحة فتاكة بأهدافها إنما على نار هادئة ومن دون أن يشعر المستهدفون بها غالبا .. وأثبتت مع مرور الوقت فاعلية مارقة في تحقيق نتائج فارقة ونجاحها في التهيئة لما آل إليه واقع الأمتين العربية والإسلامية من تفكك واضطراب، وضعف واستلاب، وفتن واحتراب، وهوان وخراب، رغم امتلاكها كل مقومات القوة والاستقرار والعزة والازدهار.
تلك هي ما تعرف بـ”الحرب الناعمة” التي لفت إليها وحذر منها قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي في خطاباته وأضحت مثار المتابعين والمهتمين .. فما مفهوم هذه الحرب .. وما هي نماذجها القديمة والمعاصرة .. ومن هي جهات شنها .. وما حقيقة أهدافها وغاياتها .. وما أساليبها المتخفية ووسائلها المتعددة وأسلحتها المدمرة .. وما هي مؤشرات نجاحها .. وكيف يمكن التصدي لها ومواجهتها وهزيمتها .. وغير ذلك مما تطرحه “الثورة” على المفكر والباحث العلامة عدنان الجنيد في هذا الحوار:
ما هي الحرب الناعمة .. ما مفهومها وما خلفياتها؟
– في البداية نشكر صحيفة “الثورة” على استضافتنا في هذا الحوار، وما تقوم به من جهود جبارة في التوعية والتثقيف والتصدي للحرب الناعمة وفضح وسائلها وأساليبها. مفهوم الحرب الناعمة يعد من المفاهيم الجديدة التي استحدثت في عالم الحروب، فالولايات المتحدة الأمريكية بعدما فشلت بقوتها العسكرية وبحروبها العبثية كالحروب التي شنتها على أفغانستان والعراق وغيرها وتسببت بالخسائر الفادحة ناهيك عن المعايير المزدوجة في مواقفها وأفعالها،… الخ.
كل هذا وذاك أوصلها إلى انحطاط سمعتها بل وإلى حافة الهاوية نتيجة تراكم الديون العامة وتكاليف بشرية وذلك بفقدانها الآلاف من جنودها خارج حدودها، ولما رأت ذلك وأنها واقعة ولاشك في المهالك اتجهت إلى خيار استراتيجي آخر تكون كلفته أقل بكثير من خيار الحرب العسكرية، وهذا الخيار هو الحرب الناعمة التي تتجنب من خلالها الخسارة ونقد شعوب العالم لها سيما وأن الشعوب أصبحت ترفض الأسلوب الأمريكي في إدارة حروبها العبثية واستخدامها القوة والهيمنة على شعوب المنطقة خاصة والعالم عامة.
لهذا وجدت أمريكا أن البديل الوحيد هو هذا الخيار وهو الحرب الناعمة، والقائمون على هذه الحرب هم أبناء الشعوب المستهدفة نفسها، فقوام الحرب الناعمة استبدال الدبابة بالإعلام ، والجيوش بالعملاء ، والاحتلال المادي بالاحتلال الفكري والأيديولوجي، والاحتلال للأبدان باحتلال النفوس والأرواح والعقول.
ما الجديد في هذه الحرب الناعمة عما عُرف قديما بالغزو الفكري والثقافي؟
– الحرب الناعمة تستخدم وسائل وأساليب متنوعة للتأثير في الآخرين على عقولهم وعلى دينهم وثقافتهم، فهي خالية من الاستخدام المباشر للقوة العسكرية وهذا ما عبر عنه جوزيف ناي المتخصص في الشؤون العسكرية ووكيل وزارة الدفاع الأمريكية السابق الذي تحدث عن الحرب الناعمة بقوله: “استخدام كل الوسائل المتاحة للتأثير في الآخرين باستثناء الاستخدام المباشر للقوة العسكرية”.
وقال -أيضا- في توصيف هذه الحرب التي تستخدم القوة الناعمة: “القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا عن الإرغام” .. والاستشهاد هنا بتعريف جوزيف ناي يأتي لأنه ابرز الشخصيات الأمريكية الذين استفاضوا في ذكر هذا الموضوع (الحرب الناعمة) حديثا وأصدر كتابا بعنوان “القوة الناعمة”.
وهل يجعل هذا من الحرب الناعمة أخطر أو أفتك من الترسانة العسكرية الأمريكية؟
– نعم هي أفتك من الحرب العسكرية الصلبة لأن الحرب العسكرية هي حرب في مواجهة عدوك المعروف الظاهر الذي لا يخفى عليك، بينما الحرب الناعمة عدوك الحقيقي فيها ليس ظاهراً بل متستر من وراء أدواته ووسائله وعملائه… فقد يكون من أدواتها جماعة من الشعب نفسه، جماعة نخبوية تنشر الأفكار الهدَّامة والمناهج المناهضة للإسلام والمشوهة للدين تحت ستار الانفتاح والعلمنة، وذلك عبر اللقاءات والاجتماعات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. إن خطورة الحرب الناعمة تكمن في أنها تستهدف العقول والنفوس بل وتجعل الكثير من أبناء الشعب جنودا لها من دون أن يشعروا.
إلى أي مدى نجحت هذه الحرب فعليا .. ما شواهد ذلك على أرض الواقع؟
– فعليا استطاعوا -مثلا- أن يؤثروا على الكثير من الشباب في إزالة قداسة الإسلام من عقولهم وأصبحوا ينظرون إلى الإسلام بأنه دين تخلف رجعي يتنافي مع التقدم الحضاري .. ونحن نجد البعض قد التزم الصمت حيال ما تتعرض له اليمن من جرائم قتل وإبادة، سكوتهم وحيادهم هذا من نتائج الحرب الناعمة لأن العدو يعمل ليل نهار على تغيير عقول الناس بأفكاره ومناهجه التي يصدرها إلى هذا الشعب عن طريق وسائله وأدواته وعملائه حتى يظل الشعب خائفاً مستسلماً كما هو الحاصل عند بعض الناس الذين يرون أن الحياد أسلم من مواجهة العدوان.. كل هذا بسبب الثقافات المغلوطة والدخيلة التي تتنافى مع الإسلام ومبادئه….
لكن البعض قد يعد هذا ضمن البروبجندا أو الدعاية المرافقة لأي حرب عسكرية قائمة؟
– إن خطورة الحرب الناعمة تكمن -أيضاً- في أنها تجعل الشعب يقتل بعضهم بعضاً عن طريق إثارة الطائفية والمناطقية بين أبناء هذا الشعب، ولهذا لاحظنا كيف أن أمريكا فشلت عسكرياً في احتلال العراق ففكرت بحرب بديلة عن الحرب العسكرية ولم تجد سوى الحرب الناعمة فزرعت الطائفية بين ما يسمى السنة والشيعة وحققت ما لم تحققه في حروبها العسكرية.
كذلك حاول العدوان على اليمن أن يستخدم الورقة الطائفية، وقامت أدواته سيما في تعز بذبح وقتل كل من يخالفونهم مذهبياً أو حتى عرقياً ومناطقياً كي يتسنى لهم إثارة النعرات الطائفية ليس في تعز فحسب بل في كل محافظات الجمهورية، ولكن ورقة الطائفية التي كان يراهن عليها العدوان قد سقطت بفضل وعي الشعب اليمني بخطورة هذه الحرب وأهدافها وما تسعى إليه.
على ذكر وسائل الاتصال والتواصل.. هل يفسر هذا تسهيل تعميم التكنولوجيا بلا احتكار أو قيود؟
– وتكمن أيضا خطورة الحرب الناعمة في أن وسائلها وأساليبها لا تنتهي، وكل عصر يأتي بوسائل وأساليب غير الوسائل والأساليب التي كانت قبله وهكذا..
لكن تداول مصطلح الحرب الناعمة برز حديثاً .. فهل هي من الحروب الحديثة؟
مصطلح الحرب الناعمة وإن كان مستحدثا من حيث المصطلح لكنه من حيث مضمونه فإنه قديم. فالحرب الناعمة معروفة في تاريخ الصراع الفكريّ والبشريّ وكذلك الصراع العسكريّ، ومصطلح الحرب الناعمة أو الغزو بالطرق الجديدة جرى تطويره على مراحل في الراهن، فجوزيف ناي هو أول من استخدمه ضمن كتابه “وثبةٌ نحو القيادة” (Bond to Lead) الصادر عام 1990م، ثمّ أعاد استخدامه في كتابه “مفارقة القوة الأمريكية” (The Paradox the paradox of American Power) عام 2002م.
وحتى نكون ضدّ الحرب الناعمة، يجب أن تتّجه الأمور نحو تغيير بنيوي في المفهوم حتى لا نبقى في حدود ما يريده جوزيف ناي منّا، فنتحوّل إلى مروّجين للمصطلح بدل أن نكون مواجهين. إن أول تغيير يجب أن يُقال أنّ الحرب لا تكون ناعمة أبداً وإن كان هو استنتج مصطلح الحرب الناعمة من هارد واير وسوفت واير(software-(hardware. لكن هذه حربٌ هادئة وليست حرباً ناعمة، ليس فيها ضجيج المدافع والصواريخ، ولكنّها حرب بكلّ معنى الكلمة….
هل يمكن إعطاء القارئ لمحة عن أبرز نماذج الحرب الناعمة في التاريخ؟
– الحرب الناعمة موجودة ومثبتة وطبّقت في العديد من الحُقب التاريخية. خذ مثلاً على ذلك في الحروب الصليبية، عندما أتى أصحاب الأموال من الأوروبيين ليقوموا بهذه الحرب ليزيدوا من ثروتهم، لم يستطيعوا حشد الأوروبيين معهم لغزو منطقة الشرق الأوسط، فجاء أحد المفكّرين الألمان وقال لهم أنا عندي فكرة عظيمة، لنعطي هذه الحرب رسالة مقدّسة، عندها سيجتمع معظم الأوروبيين لنصرتنا، وفعلاً طرح فكرته وهي الذهاب للبابا في روما، وجعل البابا يوجه نداء بأنّ مدينة القدس تُنتَهَك من المسلمين وأنّ المسيحيين في الشرق يُقتَلون من المسلمين، وعلى الأوروبيين نجدتهم، فقاموا بصياغة هذا البيان الإعلامي الكاذب واشتغلوا عليه بكلّ ما أوتيت لهم من قوة الخطاب والرؤية الإعلامية، وفعلاً استطاعوا بين ليلةٍ وضحاها أن يحشدوا كلّ جحافل القارة الأوروبية ويغزوا الشرق.
الحقبة الثانية التاريخية الأهمّ التي تمّ فيها أيضاً استخدام الحرب النفسية والقوة الناعمة من جانب الإمبراطورية العثمانية، عندما اجتمع الأوروبيون للمرة الثانية لطرد العرب المسلمين من الأندلس، وحاصروا مملكة الملك عبدالله الأحمر، استنجد العرب بإخوتهم في الدين في الإمبراطورية العثمانية، فقام المخططون في الإمبراطورية العثمانية بإعطاء رسائل للعرب في الأندلس ليناموا وألا يقاوموا لأنّهم قادمون لنجدتهم، قالوا لهم انتظرونا نحن قادمون، لكن بدلاً من أن يذهب العثمانيون إلى الأندلس لينجدوا إخوتهم العرب قاموا باجتياح العالم العربي من خلال مرج دابق في العام 1517م واحتلوا العالم العربي لمدّة 400 عام باسم الدين وباسم الأخوّة في الدين.
ولكي لا أذهب بكم بعيداً، الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية تعرض إلى حرب ناعمة على جميع المستويات من إعلام ومن ثقافة وأفلام ومسارح ….. الخ من أجل التدمير النفسي والمعنوي والثقافي لهذا المجتمع، وأيضاً في مصر وسوريا والعراق .. فالحرب الناعمة إذاً موجودة وقد استغلها الانكليز في الحرب العالمية الثانية بشكل فظيع من خلال شارلي شابلن الذي حاول تقزيم القائد الألماني هتلر والسخرية منه بحيث جعل الألمان ينفضون عنه ولا يطيعونه.
الآن، من المستهدف من شعوب العالم بهذه الحرب الناعمة؟
– المستهدف هو الإسلام والمسلمون، وطالما هناك مسلمون وهناك إسلام فإن حرب الأعداء للمسلمين لن تنتهي، وقد أخبرنا الله تعالى عن بغضهم لنا فقال: “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود…”، فهم من شدة بغضهم للإسلام والمسلمين يستخدمون كل وسائلهم الخبيثة لإفساد المسلمين كي يفصلوهم عن دينهم وإسلامهم..
يريدون من خلال الحرب الناعمة أن يجتاحوا الثقافات الإسلامية والهوية العربية ، يريدون أن يغيروا طريقة التفكير وطريقة السلوك عند الشعوب بشكل مقلوب يلائم مصالح الشركات المتعددة الجنسيات ويلائم الولايات المتحدة الأمريكية، يريدون أن يُمِيتوا ثقافات إسلامية وهويات عربية، وهذه إبادة جماعية ولكن بطريقة هادئة كالذي يقتل الآخر بالمخدر.
كثيراً ما نسمع السيد القائد يتحدث عن الحرب الناعمة خاصة في الفترة الأخيرة .. ما تعليقك؟
– إن السيد القائد – حفظه الله – له معرفة عميقة وإدراك واسع لما يخطط له أعداء الأمة في هذه الحرب الناعمة، ولهذا نجده قد كشف في حديثه في الآونة الأخيرة عن الحرب الناعمة وكشف عن أهدافها ووسائلها وطرقها وبين ماذا يجب على الشعب في التصدي لها، وذلك لأنه -حفظه الله – عَلِم أن الأعداء عندما فشلوا عسكرياً فسوف يعمدون إلى تكثيف حربهم الناعمة كي يحققوا من خلالها ما لم يستطيعوا تحقيقه في حربهم العسكرية.
مع العلم أن الحرب الناعمة قد شنها الأعداء علينا ليس من بداية العدوان فحسب بل ومن قبل ذلك بسنوات فهي مستمرة إلى جانب الحرب العسكرية، ولكن الأعداء ركزوا على هذه الحرب في الآونة الأخيرة لفشلهم الذريع في تحقيق أي هدف من أهدافهم في الحرب العسكرية…. إن أعلام الهدى المرتبطين بالقرآن لا تخفى عليهم أساليب وخطط الصهاينة والأمريكان لهذا كان التمسك بهم وبمنهجهم القرآني هو النجاة وهو النصر الأكيد في هذه الحرب الناعمة.
برأيك، ما هي أبرز الطرق والأساليب التي يستخدمها العدو اليوم في الحرب الناعمة؟
– الإعلام، فهو يعد من الأدوات الرئيسة في الحرب الناعمة، بل تجاوز في بعض الأحيان هذا المستوى حتى عَدَّه بعض المتخصصين بأنه كل الحرب الناعمة في حالة مارس الإعلام هذه الحرب بعدد من المسارات، كما ذهب إلى ذلك بعض الباحثين، ومن هذه المسارات: تركيز الإعلام على الخوض في القضايا الداخلية والطائفية والعرقية والقومية والابتعاد عن قضايا إستراتيجية.
أيضاً الإكثار من الفضائيات الفنية وغير الفنية في المناطق التي تعارض السياسة الأمريكية خصوصاً في العالم العربي .. التماهي الإعلامي، أي جعل إعلام الدول نسخة طبق الأصل شكلاً ومضموناً مع الإعلام الغربي.. زيادة تأثير المواقع الإلكترونية في صناعة وتوجيه الرأي العام بما يتناسق مع الإستراتيجية الغربية والأمريكية في الهيمنة والنفوذ .. توجيه وتحفيز الإعلام بأشكاله المتعددة في التركيز على الأفكار السطحية والابتعاد عن الأفكار التي تتيح اليقظة لدى الشعوب المستهدفة.. والترويج والتهيئة لتقنيات التواصل الذكية بما ينسجم مع تأجيج الاضطرابات والانتفاضات والثورات التي شهدتها البلدان العربية وغيرها…
كيف تقيم وضعنا بمواجهة هذه الحرب الناعمة.. هل وصلنا لمرحلة الوعي بخطرها؟
– مازالت هذه الحرب الناعمة تنخر في بعض أجزاء جسد هذا الشعب لاسيما الذين يقطنون في المناطق التي يسيطر عليها المنافقون، فهم ضحايا هذه الحرب ولهذا قبلوا بالغزاة والمحتلين وتعاونوا معهم وأصبحوا أداة لهم، وما حدث في الأيام الماضية من جريمة نكراء وهي اغتصاب فتاة في الخوخة إنما حدثت تلك الجريمة في منطقة تخضع لسيطرة المرتزقة، وقد بلغت الجرأة بأحد المرتزقة أن قال في صفحته على الفيس بوك: “إنه مستعد أن يضحي بأخواته الخمس يغتصبوهن ولا يحكمهم الحوثي ..” فانظر إلى أين بلغ حقدهم على الحوثي لدرجة أنه سوف يضحي بعرضه وأرضه وبدينه ولا أن يحكمهم الحوثي !!.
هكذا استطاع اليهود عبر رعايتهم لهذه الحرب الناعمة إيصال هذا المرتزق إلى أن تصدر منه هذه الكلمات التي تنم عن دياثته وحقده وبغضه .. بينما نجد الذين يقطنون في المناطق التي يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية نجدهم أكثر وعياً وأكثر تفاعلاً ونشاطاً وحباً لوطنهم ودفاعاً عن أرضهم حتى وإن كان البعض منهم قد أصبح أداة لهذه الحرب من خلال نشره للثقافات المنحرفة والمناهج المستوردة المخالفة لقيم الإسلام وتعاليمه إلا أنهم فاشلون والسبب أن الشعب اليمني أصبح يعي خطر الحرب الناعمة .
ما هي مؤشرات هذا الوعي، في نظرك؟
– الدليل على ذلك هو تلك المظاهرات والمسيرات الحاشدة التي تخرج في العاصمة صنعاء وبقية المدن اليمنية والتي من خلالها ندرك مدى الوعي الشعبي الذي وصلنا إليه خاصة في ظل هذه الظروف القاسية من انقطاع المرتبات والنقص الحاد في الخدمات نتيجة العدوان الذي يدخل عامه الرابع حيث فشلت كل أساليب العدوان وحروبه بما فيها النفسية والناعمة.
ما الذي يساعد على نجاح الحرب الناعمة في تحقيق أهداف العدو.. أين تكمن الثغرات؟
– إذا كانت العقول خالية من القيم الإنسانية والثقافة القرآنية وغير محصنة بالتوعية الدينية، تكون فريسة سهلة لهذه الحرب الناعمة بل وتكون أداة لها تعمل على تسهيل نجاح هذه الحرب وتحقيق أهدافها، ليس فقط من عامة الناس بل حتى من النخبة الذين يمررون لها بدعوى الانفتاح والتجديد وعزل الدين عن السياسة وبعناوين ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
ما هي أبرز الآثار السلبية لهذه الحرب محليا، وهل لها انعكاسات إيجابية؟
– كانت لهذه الحرب نتائجها السيئة، نشر ما يسمى “الفوضى الخلاقة: بسبب إذكاء الطائفية والمناطقية والعرقية والمذهبية والحرب الإعلامية والنفسية، ولهذا وجدنا المرتزقة ودواعشهم قاموا بعملية الذبح والسحل وقتل الأسرى ودفنهم أحياء .. وهذا ما هدف إليه الاستكبار، أن يجعل كل هذه الجرائم بأيدي مسلمين حتى يتسنى له تحقيق أهدافه ومنها تشويه الإسلام بنظر الشعوب الشرقية والغربية وجعله إسلام إرهاب لا إسلام دين وسلام، وأن يظل المسلمون يقتلون بعضهم بعضا وينسون قضيتهم المركزية وهي قضية فلسطين. هذا هو الهدف الرئيس من اختيار هذا البديل وهو الحرب الناعمة…
الخلاصة إن أهم التأثيرات السلبية للحرب الناعمة هي تغيير قناعة المتلقي وصناعة الرأي العام وفق توجهات الجهات الراعية لتلكم الحرب وتضليل المتلقين لها وتزييف الحقائق .. وأما تأثيراتها الإيجابية فقد تسهم في صناعة وعي يمثل الإرادة الشعبية الحقيقية إذا كانت الجهات التي ترعى ذلك تتسم بالمهنية والحياد.
هل هناك شريحة أو فئة أو منطقة يركز عليها العدو من هذه الحرب ؟
– أكثر تركيز العدو هو على الشباب سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً لأنهم أمل المستقبل الذين تعول عليهم الأمة في نهضتها وكرامتها، ولهذا نجد أن العدو يركز عليهم أكثر من غيرهم ويستخدم كل أساليبه لمسخ هويتهم وتجريدهم عن إيمانهم وإسلامهم من خلال غزوه الفكري وضخ المسلسلات الهابطة والبرامج المنحطة عبر قنواته الفضائية الخاصة والمأجورة حتى شغل شباب الإسلام عن منهجهم المحمدي وسلوكهم الإسلامي.
أصبح معظم شباب المسلمين اليوم ليس لديهم نخوة ولا قيم ولا عزة ولا كرامة ولا يبحثون إلا عن إشباع غرائزهم وراحة نفوسهم.. هذا ناهيك عن أن أغلبهم انتهجوا منهاجاً مخالفا للإسلام وبعيدا عن منهج النبي عليه وآله الصلاة والسلام، ما أدى إلى تفسخ أخلاقهم ووقوعهم في انحرافات تغضب الله ورسوله، وأصبحوا -باختصار- أداة للأعداء في هذه الحرب الناعمة ينفذون أهداف الأعداء من حيث لا يشعرون.
في الحرب الناعمة يكون الهدف هو قلوب وأذهان وعقول المجتمعات والأسر والأفراد .. كيف لنا تحصينهم من هذه الآفة؟
– بالتوعية المستمرة عبر جميع الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة … كذلك تكثيف المحاضرات والندوات في القاعات العامة والخاصة وفي الجامعات والمعاهد والمساجد والمجالس من قبل أهل العلم والمفكرين وذلك حتى يتسنى لهم الحفاظ على أخلاق الإسلام وقيمه ومبادئه.
ولهذا أشار قائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك الحوثي في رسالته بمناسبة ذكرى مولد فاطمة الزهراء -عليها السلام- إلى أن الحفاظ على الأخلاق الإسلامية والضوابط الشرعية ومراعاتها في النهضة الإسلامية وحركة الحياة العامة، والحرص على الاستقلال الحقيقي، والحذر من التبعية العمياء والتقليد الغبي للأعداء؛ يمثل الضمانة لفشل مساعي الأعداء في أخطر حرب يشنونها على عالمنا الإسلامي والتي عُرفت بالحرب الناعمة وتركز على الغزو الفكري والثقافي والاستهداف للمجتمع في مبادئه وأخلاقه وقيمه.
ولا بد من التحرك الجاد لتحصين مجتمعنا الإسلامي وفي طليعته فئة الشباب الناشئة ذكوراً وإناثاً تجاهها وباعتبارها أخطر بكثير وأشد ضراوة من الحروب العسكرية، فهي تدمر روح المجتمع وعقيدته وإيمانه، أما العسكرية فهي أقل خطورة منها، وإذا حافظت الأمة على مبادئها وأخلاقها وقيمها وعملت على ترسيخها وتفعيلها انتصرت بلا شك في معركتها العسكرية وفي معركتها الحضارية أيضاً.
في حال استطاع العدو -لا سمح الله- الانتصار علينا .. برأيك كيف سيكون حالنا كيمنيين وكأمة إسلامية ؟
– حالنا سيكون لعبة بأيدي الصهاينة والأمريكان وعالة في معيشتنا على بني الإنسان، مفقودي الضمير والإسلام والإيمان، وخانعين أذلاء مثل صهاينة الخليج العربان، وسنكون عكس ما أمرنا الله تعالى القائل: “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم”. فسنكون حينها منهم وحكمنا كحكمهم .. وهذا هو الخسران المبين في الدنيا والآخرة.

قد يعجبك ايضا