باراس: الوحدة تخطت مرحلة الخطر وهي محمية اليوم بوجدان الشعب

 

*رئيس مكون الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار الوطني مستشار رئاسة الجمهورية المناضل اللواء خالد أبو بكر باراس لـ”الثورة”:
*احتلال سقطرى والمحافظات الجنوبية حاليا من قبل الإمارات والسعودية لا يلغي يمنيتها وسيدفع المحتلون ثمن تطاولهم
*الحماس الوطني والشعبي وإصرار الحركة الوطنية من أهم العوامل التي سرعت بإعلان الوحدة اليمنية وليس انهيار الاتحاد السوفييتي
*مهما تعاظمت الأخطار والمؤامرات المحدقة باليمن سيظل واحدا ولا تقدر أي قوة على المساس بوحدته
*لا خوف من تعدد النخب والكيانات في المحافظات الجنوبية فمؤسسوها هم أبناء وأحفاد من أجبروا بريطانيا على الرحيل
*تحالف العدوان السعودي الإماراتي أدواتهم من اليمنيين ليسوا سوى أدوات بيد القوى الكبرى والدليل ارتباك مواقفهم
حوار/ محمد إبراهيم
قال رئيس مكونات الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوارالوطني الشامل مستشار رئاسة الجمهورية اللواء الركن خالد أبو بكر با راس: يجب على دول تحالف العدوان أن تدرك أن احتلال أية بقعة من أرض اليمن يعني أن الحرب هي الحل وأن عليهم حماية هذه البقعة ودفع ثمن احتلالها يوميا وإلى يوم القيامة.. مؤكدا أن ليس ثمة قوة بمقدورها المساس بوحدة الشعب اليمني مهما تعاظمت الأخطار والضغوطات.
وأرجع باراس في حوار صحفي لـ الثورة ارتباك البيانات الصادرة عن الإمارات والسعودية وأدواتهما اليمنية (هادي وبن دغر) حول سقطرى إلى غموض ما تسعى إليهما قوى الاستعمار الكبرى، وإلى أن الإمارات والسعودية اللتين أوكلت إليهما مهمة العدوان وإدارته ودفع التكاليف ليستا مطلعتين على الأهداف الحقيقية.. موضحاً دول تحالف العدوان ومعاونيها من اليمنيين ليسوا سوى أدوات تحركها قوى الاستعمار البريطاني والأمريكي والإسرائيلي..
وتطرق الحوار إلى مختلف الملفات والقضايا المتصلة براهن ومستقبل المحافظات الجنوبية المحتلة، وملف نخب وكيانات الحراك الجنوبي وعلاقات مجريات الاستهداف الواضح والصريح للوحدة اليمنية في الوقت الراهن بالمسار التاريخي للاستعمار ومحاولة زرع الفرقة والشتات في طريق حلم الشعب اليمني عبر السنين للوحدة اليمنية، حتى تحققت في 22 مايو 1990م وما تلى ذلك من أخطار وعراقيل وأحداث وصولا إلى ما تشهده اليمن اليوم من عدوان بربري وحصار ظلم.. وغيرها من القضايا.. إلى التفاصيل:
واليمن تحتفل بالذكرى الثامنة والعشرين للوحدة اليمنية في ظل ظروف خطيرة تنذر بمزيد من تشظي جغرافيا الوحدة.. ما هي قراءتكم للمشهد اليمني في هذه اللحظات التاريخية..؟!
– أن يحتفي اليمنيون بالذكرى السنوية الـ 28 لإعلان وحدة اليمن يوم 22 مايو 1990م وقيام الجمهورية اليمنية، وقد مر على ذلك الحدث الوطني ما لا يقل عن ثلاثة عقود من السنين فإن ذلك يعني أن الوحدة اليمنية التي حققها الشعب واحد من أهم أهداف الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، ولهذا فإن الوحدة تعيش حية معنا كجزء من حياتنا وستظل كذلك كمطلب وطموح شعبي تحقق والحفاظ عليه أمر ضروري وهذا ما حصل ولأنه مطلب وطموح شعبي ناضل وضحى من أجله أبناء اليمن في شماله وجنوبه فقد بقى وسيبقى اليمن واحدا بصرف النظر عن أية عراقيل وضغوطات.. وعلى هذا الأساس فإني على يقين أنها لا توجد قوة على الأرض قادرة أن تقسم الأرض اليمنية على هواها حتى إذا وجد من اليمنيين من يؤيد ذلك خدمة لمصالح ذاتية خاصة ما دام الملايين من أبناء اليمن يرفضون تشطير وتجزئة بلادهم.. لكن هناك شيء في المقابل يجب القيام به فالوحدة التي نتحدث عنها ونحتفي بها ليست عبارة عن كرة من الزجاج لا تقبل أي تشكيل لها بل هي تشكل الدولة بما يناسب أوضاع وظروف البلد.
ولهذا فالوحدة لا خوف عليها وقد تخطت مرحلة الخطر الحقيقي..
وكيف تنظرون لما يجري في سقطرى من محاولة استلاب صريحة لوحدة الانسان والهوية والجغرافيا..؟
– سقطرى جزيرة يمنية وليست بحاجة لأية براهين وبشهادات التاريخ التي تثبت هويتها اليمنية، أرضا وإنساناً، وثقافة ومعتقداً وعمقاً حضارياً، ومصير سقطرى وهويتها هو مصير أي أرض يمنية أخرى مثلها مثل ميون وكمران. وباختصار أقول أن احتلال سقطرى حاليا من قبل الإمارات والسعودية وغيرهما لا يلغي يمنيتها وإذا كنا اليوم نعيش وضعا لا يسمح لنا كيمنيين مقاومة الاحتلال فسوف يتم دخول المحتلين حتما وسيدفون ثمنا باهظا لتطاولهم على أرض يمنية فالشعب اليمني العريق لم يسمح لأحد الإقدام على مثل هذا عبر كل المراحل التاريخية ومن لا يعرف هذا الشعب فليسأل التاريخ عنه..
ماذا تعني مجريات القضية السقطرية.. للوحدة اليمنية..؟!
– لا أريد الحديث عن الوحدة أكثر مما قد قلته، فالوحدة في نظري قد تحققت ولا رجعة عنها أبداً، وإذا هي بحاجة لأية إصلاحات كعلاج ضروري فهذا طبيعي.. وسيبقى اليمن دولة واحدة وشعباً واحداً ووطناً واحداً. وعلى الجميع أن يدرك هذا المعطى الواقعي.. وإذا استطاع المحتلون أن يسيطروا على أية جزيرة يمنية أو حتى محافظة أو محافظات، في ظل وضع الشتات اليمني، فسيأتي يوم ويلتم شمل اليمنيين على جغرافيا التعايش كما هي عاداتهم عبر التاريخ، وحينها سوف يحررون أراضيهم مهما طال الزمن.. ومن هذا المنطلق، يجب على دول تحالف العدوان أن تدرك أن احتلال أية بقعة من أرض اليمن يعني أن الحرب هي الحل وأن عليهم حماية هذه البقعة ودفع ثمن احتلالها يوميا وإلى يوم القيامة.
كيف قرأتم بيانات الإمارات والسعودية وبيانات أدواتهما في الداخل المجلس الانتقالي وتناقضات تصريحات بن دغر وهادي….؟
– البيانات كشفت عن تناقضات واضحة حول سقطرى وغيرها، وأعتقد أن سبب ذلك هو غموض ما تسعى إليها الدول الداعمة للعدوان على اليمن من أهداف وهي في الأخير المستفيد الحقيقي من العدوان علينا والأطراف الأخرى التي أوكلت إليها مهمة العدوان وإدارته ودفع التكاليف ليست مطلعة على ما يبدو على الكثير من الأهداف الحقيقية، وهذا هو سر الارتباكات، فلا حكومة بن دغر لديها كل النصوص للسيناريو الشيطاني ولا دولة الإمارات والمملكة السعودية، حصلوا على النص الحقيقي الكامل للسيناريو الذي رسمته قوى الاستعمار العظمى.. لهذا حدث الارتباك ثم تمت التهدئة بإشارة من سيد الأمر الحقيقي (قوى الاستعمار البريطاني والأمريكي والإسرائيلي) وكل من يعمل في العدوان سواء من أشقائنا الخليجيين أو إخوتنا اليمنيين، ليسوا سوى أدوات بيد القوى الكبرى، هذا هو الواقع ولا أستطيع أن أمنع من ينكره ويقول ما يريد، فالأيام ستكشف الحقائق للجميع..
مواقف الحراك الجنوبي خصوصا الفصيل الذي شارك في الحوار الوطني الشامل.؟ وماذا عن مواقف فصائل الحراك الأخرى..؟
– مواقف الحراك الجنوبي مما يجري على الأرض من محاولة لتجزئة اليمن تختلف حسب اختلاف المصالح والتوجهات والجهات الخارجية الداعمة.. وتجدر الإشارة إلى أن هناك فصائل أخرى وأجنحة إما صامتة على مضض إذ ليس بمقدورها عمل شيء وستنتظر حتى تواتي الفرصة، وإما منجرة وراء المصالح المادية.. وبالأحرى ليس لدي علم وإطلاع أستطيع الاستناد إليه، عن موقف كل فصيل.. وما أعرفه هو مكونات الحراك الجنوبي المشكلة للجناح الشريف الذي مواقفة واضحة جدا من العدوان والاحتلال، جملة وتفصيلاً.. وعلى كل حال فإن معظم مكونات الحراك التي لا زالت في ساحة الجنوب غير قابلة بالاحتلال.. وقلة منها هي تلك التي لا زالت تراهن على الاستفادة من الاحتلال حتى الآن لكنها عما قريب ستدرك أنها وقعت فريسة لأكاذيب تم حبكها بدهاء رهيب..
من خلال تجاربكم في الماضي عبر محطات تاريخية مفصلية..؟ هل ستلتقي فصائل الحراك الجنوبي على موقف واحد ضد هذا الشتات والوضع المزري..؟
– بالتأكيد، عبر التاريخ لم تدم فترات الفرقة والشتات، ولم تدم فترات الألفة والتوحد والقوة.. وبالتالي نعم سنلتقي جميعاً على ما سيجمع أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية الشمالية وجميع مناطق اليمن على ما هو خادم للمصلحة الوطنية العليا التي هي الجامع المشترك لكل اليمنيين وهي وحدة واستقلال الوطن اليمني وأمنه واستقراره وعدم القبول بأية هيمنة أجنبية أو تدخل خارجي في شؤوننا.. سنصل جميعاً إلى هذه المحطة وآمل أن يكون ذلك قريبا جداً حيث لا يليق بنا كيمنيين لنا خلفياتنا الحضارية العريقة أن نقبل بأية هيمنة ووصاية علينا. فما قبلت الأجيال السابقة شيئاً من هذا فكيف نقبل نحن.. فهل نحن أسوأ جيل يقبل بخزي وعار كهذا..
يرفع التحالف العربي شعار من أجل وحدة وأمن واستقرار اليمن.. لكن ما يجري على الأرض غير ذلك.. برأيكم كيف ساهم العدوان في تفتيت اليمن إلى كيانات سياسية. كقوات النخبة حضرموت وشبوة وغيرها..؟ وما تعليقكم على من يقول أن ثمة صلة لما يجري اليوم بسياسات الاستعمار البريطاني..؟
– ليرفع تحالف العدوان ما يحلو له من شعارات, فأي عدوان وأي احتلال لا يعترف بحقيقة ما يدبره من مؤامرات وما يهدف إليه.. قد ينخدع البعض بمثل هذه الادعاءات والبعض الآخر الذين مصالحهم تدعمهم أن يصدقوها بل حتى أن يضيفوا إليها ما يجملها. لكن الحقيقة هي أنه تحالف عدواني ويسعى لاحتلال اليمن ليس سقطرى أو الجنوب أو الساحل الغربي، بل كل اليمن… وما يجب أن ندركه جيدا هو أن الإمارات والسعودية وغيرهما، ليست سوى وكلاء ومقاولين بنظام تسليم المفتاح. والمستفيدون آخرون. إنها بعض الدول الكبرى وخاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا..
وأنا مع من يجزم بالصلة بين ما تجري من ترتيبات على الأرض في المحافظات الجنوبية والشرقية وبين ما وجد هناك أيام الاحتلال البريطاني وما مورس من سياسات في هذه المناطق اليمنية.. هناك علاقة واضحة بل هي بصمات بريطانية بكل وضوح.. واعتقد أن من يعتمد على سياسات قد أثبتت فشلها في الماضي ستكون الخيبة نصيبه وهم قليلون مخدوعون بزيف شعارات التحالف.. أما النخب التي ذكرت سواء في حضرموت أو شبوة أو غيرها ستؤكد لنا الأيام القادمة أنها تتألف من مواطنين شباب يحبون وطنهم فهم اما أبناء أو أحفاد الرموز الوطنية المناضلة التي تربت في صفوف جيش البادية الحضرمي الذي أسسه البريطانيون لخدمتهم، فلعب هؤلاء الضباط الحضارم أدوارا تاريخية في تحقيق الاستقلال الوطني عام 1967 أمثال سالم عمر الجوهي، وعبدالله أحمد با قروان، وصالح أبو بكر بن حسينون، وعمر علي العطاس، وسالم محمد بامرضاح، وعلي أحمد باهبرة والقائمة طويلة.. ومثل نخبة حضرموت أيضا النخبة في شبوة وغيرها وفي المحميات الغربية كما كانت تعرف قبل استقلال الجنوب اليمني ونرمز لها حاليا المحافظات الجنوبية وكانت بريطانيا قد شكلت قوة كان أهمها الجيش الاتحادي أو جيش الجنوب العربي، وجدت في صفوفه مجموعة كبيرة من الضباط الوطنيين الذين ساهموا في تحقيق الاستقلال عام 1967م وأهمهم حسين عثمان عشال، مهدي عبدالله عشيش، أحمد صالح عبده، علي عبدالله ميسري، أحمد صالح الأحمر، محمد السياري، صالح زنجبيله وآخرون. وأنا لا أرى ما يخيف في هذه النخب فقوامها أبناؤنا وهم من مواطني البلد وكذلك الحال والأوضاع تتطلب مثل هذه التشكيلات والنتيجة في الأخير تعتمد على ادراكنا لأهمية أن نجد الجامع المشترك للجميع ولما يصلح أمرنا.. وهذا الجامع المشترك لن يكون إلا ما يصلح الشأن العام والوطن الواحد المستقر المستقل الآمن..
لكن من الواضح أن هناك دعماً خارجياً أو من قبل دول التحالف، ومواقف تأييد تتجاذب هذه النخب.. برأيكم ما الرهانات المعلقة على هذه النخب..؟ ومنه الوريث الحقيقي لما يسمى بالجنوب العربي الذي زرعته بريطانيا..؟
– هناك ما يشير إلى ان التحالف العربي وخاصة السعودية والإمارات كانتا في بداية العدوان على اليمن تعول على خلق تركيبة محلية من المتعاونين مع العدوان والقابلين بالاحتلال، عبر إحياء بعض المشاريع الماضوية، كمشروع دولة الجنوب العربي، ولكن اكتشف التحالف فيما بعد ان العودة إلى هذه المشاريع، غير ذات جدوى بالمطلق فمشروع دولة الجنوب العربي لا تدعمه قوى حية فاعلة وان وجدت فهي غير متماسكة بل متنافرة فيما بينها ناهيك عن كونها قد أصبحت جزءاً من الماضي وليس مقبولاً ونصيبه الفشل كما حدث ذلك في الماضي..
وبلا شك إن الوريث الحقيقي لمشروع الجنوب العربي في ظل الأوضاع والمستجدات هو من يدعى فصل الجنوب عن الشمال وهذا حتما يعني التخلي عن الهوية اليمنية والشيء المضحك المبكي أن هؤلاء لن يجدوا هوية يقبلها العقل والمنطق وقبل ذلك يقبلها التاريخ، في صفحاته وسطوره، فلن يذكر هذا الجزء إلا ويربطه بالهوية اليمنية التي هي أصل العرب.. ولن أزيد شيئا أكثر..
على ذكر مشاريع التجزئة في المحافظات الجنوبية.. عايشتم ما قبل الاستقلال وعايشتم العهد التشطيري.. ما مآسي التشطير التي عانى منها الشعب اليمني شمالا وجنوباً قبل وبعد الاستقلال..؟
– التشطير هو في حد ذات مأساة وخاصة في عهد الإمامة في الشمال والاحتلال الأجنبي في الجنوب، حينها انفرد نظام الأئمة في الشمال بالمواطنين وأغلق كل الأبواب وفرض العزلة الشديدة على الشعب، وفي الجنوب استفاد الاحتلال مما لديه من خبرات عندما كانت بريطانيا تعرف بالإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس واستفاد من تخلف النظام الإمامي وعزلته فطبق خبرته وتجاربه الاستعمارية وأساليب عرف بها البريطانيون كاحتلال هي”فرق تسد”.. فخلال استعماره لجنوب اليمن لم يقدم الاحتلال شيئا للناس وباستثناء مدينة عدن المستعمرة التي استحدث فيها ما هو بحاجة إليه مثل بناء المعسكرات لقواته والمساكن لعشرات الآلاف منهم وخلاف ذلك بقية المناطق الجنوبية الأخرى كما رحل عنها كما هي.. أما عهد التشطير بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر وفي ظل جمهورية في الشمال وأخرى في الجنوب فكانت المآسي ذات طابع آخر مختلف كان هاجس الوحدة وحلم اليمن الموحد الكبير هو الغالب على كل الأنشطة داخل الدولتين لكن الحروب أيضا كانت قائمة وفي لحظة تتفجر وتهدأ، ليس لعداوات محكومة ببعد تاريخي مناطقي أو مذهبي أو حتى شطري، بقدر من كانت صراعات ونزاعات تدور في مجملها حول تحقيق الوحدة اليمنية، لا أكثر.. ولن أذهب كثيرا في التفاصيل فيما هو معروف للجميع قبل الوحدة وبعدها..
على ذكر الحروب الشطرية، يرى البعض أنها كانت مرتبطة بالقوى الدولية أو المعسكرين الشرقي والغربي، فما تعليقكم على ذلك وما صحة ما يقوله البعض من أن انهيار الاتحاد السوفيتي كان سببا رئيساً في التسريع بإعلان الوحدة…؟
– التعليق على من يقول ذلك ليس مجدياً في مقام الحديث عن حلم الشعب اليمني التاريخي والأصيل بشماله وجنوبه في الخلاف والنزاع ثم الاتفاق على الوحدة.. كما أني لست مع من يحاول أن يربط مسألة الإسراع بإعلان الوحدة اليمنية بانهيار الاتحاد السوفييتي، وأعتبرة محاولة للتقليل من الدور الفعال لنضال الحركة الوطنية اليمنية بكل فصائلها وتياراتها القومية على الساحة اليمنية شمالا وجنوبا وهذه الحركة التي أحدثت الثورة السبتمبرية 1962م في الشمال وأحدثت الثورة الاكتوبرية 1963م في الجنوب ودخل النظامان الشمالي والجنوبي في صراعات مسلحة من أجل تحقيق الوحدة… إلخ.. فانهيار الاتحاد السوفيتي ليس له ذلك التأثير المبالغ به (لحاجة في نفس يعقوب).. كما يقال، وما يقدمه الاتحاد السوفيتي للنظام في الجنوب في تلك الأيام يمكن التعويض عنه وأكثر منه من قبل دول الجوار لو أن القيادة الجنوبية حينها أبدت استعدادها للابتعاد عن الوحدة مع الشطر الشمالي، فالكثير من التأويلات التي ظل أصحابها يروجون لها طويلا ليس لها ذلك التأثير للإسراع في الوحدة بل لا تمت للواقع بصلة..
إذا ما العوامل في نظركم التي كان لها الفضل الأكبر في إعلان الوحدة اليمنية..؟
– أكثر العوامل التي سرَّعت بإعلان الوحدة هي أن قيادات الشطرين وجدت نفسها تحت ضغط الحماس الوطني والزخم الشعبي العظيم، وإصرار أطياف الحركة الوطنية التي كان لها الفضل في قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر، في استكمال تحقيق أهداف الثورتين التي نصت على تحقيق الوحدة اليمنية، ناهيك عن مآسي الحروب الشطرية التي كانت تحدث بين الشمال والجنوب من حين لآخر، ومعاناة اليمنيين خصوصا في مناطق التماس الحدودية، وغيرها من العوامل التي خلقت من حلم تحقيق الوحدة هما سياسيا وقياديا وشعبيا في تلك الأيام، وليس صحيحا القول أن النظام في الجنوب قد لجأ للشمال هربا من الانهيار، فالنظامان في الشمال وفي الجنوب كانا في أزمات متشابهة والإثنان وصلا للنقطة التي لا عودة فيها إلى الماضي التشطيري وأصحبت قيادة النظامين أمام خيارين إما الوحدة أو الثورة الشعبية من أجل الوحدة. وفي تقديراتي أن أهم عامل دفع بالقيادة السياسية في الجنوب أن تسرع باتجاه الوحدة هي تداعيات أحداث 13 يناير 1986م الكارثية المأساوية التي أحدثت صدعا واسعا في النظام السياسي وفي المجتمع نفسه.. وعلى أية حال نحن اليوم ملزمون أخلاقيا على أقل تقدير أن ننصف من يستحق الإنصاف فالقيادة السياسية في الجنوب وكذا في الشمال وعلى قمتيها الرئيسان الأسبقان علي عبد الله صالح، وعلي سالم البيض اللذان كان لهما شرف القرار الشجاع والإعلان التاريخي للوحدة ورفع علم الجمهورية اليمنية في يوم 22 مايو 1990م.. وليس بإمكان أحد أن يقول شيئا يخالف هذه الحقيقة ولا علاقة لحبنا أو كرهنا لهذين القائدين اللذين تحقق في عهدهما حلم وطني راود ملايين اليمنيين لعشرات إن لم نقل لمئات السنين..
أين كنت يوم إعلان الوحدة اليمنية..؟ وهل كنتم تتوقعون الحرب التي حدثت في صيف 94..؟
– يوم إعلان الوحدة 22 مايو كنت في عدن وساهمت بتواضع فيما تحقق وخلال فترة وجيزة عينت بقرار جمهوري عضوا في مجلس النواب ضمن 31 عضوا تم تعيينهم من أبناء الجنوب ليتساوى العدد المطلوب من الشطرين مناصفة.. وبصراحة لم أتوقع شخصيا أن تتغير الأوضاع وحتى الناس بهذه السرعة..
بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق اتجه البيض الى السعودية وصالح إلى صنعاء.. وحال وصولهما تداعى الوضع العسكري للانفجار.. هل كانت الوحدة في خطر محقق..؟! وما الذي رجح انتصار الوحدة..؟!
– فعلا تعقدت الأمور بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق، ومضت الأوضاع نحو الانفجار بشكل متسارع وبدا في الأفق تصدع اتفاق الوحدة بإعلان الانفصال السياسي، وكان خطراً محققاً بالوحدة، لصالح الانفصال كمشروع شطري، رجح فشله مقاومة الشعب اليمني حفاظا على وحدته، بعيدا عن حسابات المظلومية السياسية والعسكرية.. وجرت أحداث كثيرة لا يتسع المقام لذكرها بل أعتقد انها اليوم فقدت أهميتها إزاء ما يجري من مستجدات..
أين كنت في أحداث صيف 94م.؟ وما مدى الدعم السعودي لقيادات الانفصال..؟
– كنت خلال تلك الفترة في حضرموت وكان دوري الأكثر فاعلية هو سياسي أكثر منه عسكرياً، وعلى اثر الهزيمة وبعد شهر تقريبا لجأت إلى المملكة السعودية عشت لاجئا حوالي ثمان سنوات قضيت معظمها في القاهرة عدت إلى صنعاء يوم 14 أكتوبر 2002م.. خلاصة القول: أني لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية ساهمت في أحداث فتنة صيف عام 94 حيث كنت إلى جانب انفصال الجنوب عن الشمال.
ما هذه الأسباب..؟ وما مدى الدعم الخليجي خصوصا السعودي لقيادة الانفصال يومها..؟
– اعتقد أننا لسنا بحاجة لمعرفة الأسباب الموضوعية والذاتية حاليا..
لم أكن شخصيا أدرك يومها حجم تدخل الإقليم في شؤوننا وخطورة التلاعب بما كان يجري في تلك الأيام، ولم أدرك هذا إلا بعد انفجار الوضع عسكرياً..
ما علاقة ما يجري اليوم تجاه الوحدة بذلك الدعم..؟
– ما هو جار اليوم وهذا العداء والحقد والكراهية التي أظهرتها تجاهنا بعض دول الجوار وخاصة المملكة السعودية، من الطبيعي ان يكون له علاقة بالمسار التاريخي المعادي لوحدة اليمنيين والذي يستغل دائما اختلاف اليمنيين على المصالح الذاتية الضيقة.. لكن الأغرب اليوم هو أني لم أجد مبررا يقترب ولو بالحد الأدنى من المنطق لهذا العداء والظلم.. فما أظلم وأقسى العرب المسلمين على بعضهم بعضا.. لماذا كل هذا التدمير والقتل للأبرياء وحصار ملايين الناس !! لا أجد جوابا إلا القول: إنه الغرور والاستهانة بالغير والاعتقاد أن الظلم والقسوة كفيلان بإخماد أية قدرة على نهوض اليمنيين عشرات السنين, وهل سيحمي الأمراء السعوديين إسكات اليمنيين لسنوات وبعدها يحلها ألف حلال كما يقال.. لكني أسأل هؤلاء هل يؤمنون فعلا بالقرآن الذي يحفظه بعضهم على الأقل؟ ماذا عن الحساب بعد موتهم !! أو أنه لا علم لهم أنهم قد قتلوا عمدا آلاف اليمنيين الأبرياء..
من من الأشقاء العرب كان يريد البقاء للوحدة اليمنية..؟!
– مواقف الدول العربية تلك التي كانت يومها مؤيدة للانفصال أو التي كانت مع بقاء الوحدة فبالإمكان مقارنتها مع مواقفها اليوم من العدوان على اليمن مع الأخذ في الاعتبار قلة أهمية وجدوى مواقف معظم الدول العربية معك أو ضدك. هذا هو الواقع للأسف الشديد فقد اختارت الدول الكبرى ومعها إسرائيل الوقت المناسب لصالح العدوان على اليمن في ظل الشتات والفرقة بين اليمنيين وفي ظل الضعف الذي يعيشه النسيج العربي، اختارت هذا الوقت الذي يعاني فيه العراق ما يعانيه ومثله سوريا وكذلك ليبيا هي الدول التي لولا ذلك الضعف والصراعات التي تعيشها لكانت إلى جانب اليمن أو على الأقل ستكون صوتا قويا ضد العدوان على اليمن ووحدته وأمنه واستقراره..
بعد حرب صيف 94 استقرت الأمور لكن كان هناك غبن يتولد لدى شريحة واسعة من العسكريين.. كما ذكرتم في حوارات سابقة.. ما سبب ذلك الغبن..؟
– الغبن الذي حل بأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية على خلفية حرب صيف 94 ناتج عن الظلم الذي تعرض له العسكريون والأمنيون, وتفسيري لما حصل – وأنا واحد ممن تضرروا- هو الفهم السطحي القاصر لمفهوم وحدة اليمن، وتأثير تلك الحملات الإعلامية التي وقف خلفها من لا يدرك أن العدالة أساس ثبات مشروع الدولة والوحدة. وأن المصالح الخاصة هي أساس بث الروح المناطقية وأن غرور البعض وشعورهم بأن الوحدة خاصة بهم ومكتسب من مكتسباتهم، كل هذا المزيج لعب بكل شيء باسم الوحدة ليقتل مشروعيتها في الذاكرة السياسية اليمنية، وليس في ذاكرة الوجدان الشعبي الواحد, والدليل على ذلك هزيمة الانفصاليين التي كانت انعكاسا لتمسك الشعب بالوحدة دون إدراكه لما يجري في أعلى الهرم السياسي.. ولم تراقب السلطة المركزية ما يجري وكانت وزارتا الدفاع والداخلية هما المسؤولتان بلا شك والقائد الأعلى وهو رئيس الجمهورية يتحمل القسط الأكبر من المظالم التي حدثت حيث ترك الحبل على الغارب كما يقال وكان لنائب الرئيس حينها نصيبه الكبير مما حدث بعد حرب صيف 94م.. حيث تعرض ضباط وأفراد القوات المسلحة والأمن لظلم فاحش ومثلهم الموظفون المدنيون وأعني أبناء الجنوب على وجه الخصوص..
ماذا حدث بعد ذلك هل كان بداية لتأسيس الحراك السلمي وكيف تحول إلى مسلح..؟ وهل دخلت جميع فصائله ضمن مؤتمر الحوار الوطني الشامل..؟
– ما حدث بعد ذلك معروف للجميع, فعندما حاول العسكريون الجنوبيون التماس الحلول لما أصابهم فيما بعد واجهتهم السلطة بالعنف ولم يكن الحراك الجنوبي في ذلك الوقت مسلحا حسب علمي كواحد ممن ساهموا في بدايته.. وحصلت الكثير من الأحداث وارتفعت مطالب الحراك الجنوبي حتى ما عرف بفك الارتباط لاحقا.. وبعد ثورات ما يسمى بالربيع ثم المبادرة الخليجية ثم الحوار الوطني الشامل فضل بعض المحسوبين على الحراك المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني.. لكن الأغلبية لم يقبلوا بل اعتبروا المشاركة خيانة للقضية الجنوبية..
اليوم وقد وصلت اليمن إلى هذا الحد من محاولة الغزاة السيطرة على المحافظات الجنوبية.. كيف تنظرون لمسار ماضي الحراك والمشكلة الجنوبية…؟ ولماذا صمتت القيادات الكبيرة اليوم بعد احتلال الجنوب كالبيض والعطاس وغيرهما..؟
– للحقيقة وللتاريخ أن مشكلة أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية إلى حد ما كانت مشوبة بالمبالغة والتطرف والتشدد فيما نراه صائباً ومع الوقت تبدى هذا بفهم مغاير إلى حد المضاد لما كان قائماً.. والكارثة الأكبر من ذلك أننا لا نعترف بأخطائنا ولا نجد من يقف موقف المنتقد بأن هذا أيضا ليس مقبولاً..
أما ما يتعلق بصمت تلك القيادات التاريخية فما استطيع قوله هو أني لا أقبل أن أقيم مواقفهم والتعليق بأي شيء احتراما وتقديرا لأشخاصهم ورصيدهم الوطني الذي لا غبار عليه في كل الأحوال.. وليس مهما اليوم الوقوف على عتبات الماضي ونبش تفاصيله بقدر أهمية الاستفادة من كبواته للحفاظ على النسيج اليمني والوحدة اليمنية التي تحول العداء لها من الغموض والخفاء إلى الصراحة اليوم خصوصا من قبل من يدعون أنهم يعتدون على اليمن لحماية وحدته وأمنه واستقراره..
برأيكم لماذا يتم اليوم استهداف الوحدة اليمنية صراحة..؟
– لا غرابة في استهداف تحالف العدوان خاصة لوحدة اليمن تحت شعارات تناقض سلوكه على الأرض، فهذا التحالف أصلا يستمد شرعيته وفقا لما تزعم قيادته من دعمه للحكومة اليمنية الشرعية التي تلتزم بدفع المليارات من ثروات اليمنيين. وأين المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني مما يصدر عن التحالف من أفعال على الواقع، وأيضا ماذا عن القرار 2216 كمبرر للتدخل في اليمن، وهو القرار الذي يتمنى أصحابه وخاصة شرعية الرياض لو أنه ما صدر ولا وجود له. ماذا نقول لقيادة التحالف الذي تآكل ولم يتبق منه إلا دولتان.. هذا التحالف الذي سيشار إليه مستقبلا بخجل وستحاول العديد من الدول التي شاركت فيه وفي المجازر أن تتنصل عنه عندما تعود الروح إلى شعوبها وتصحو من غيبوبتها وستجده في صفحات بعض كتب المؤرخين أنه تحالف عدواني لا مبرر له فما بني على باطل فهو باطل، وفيما يتعلق بوحدة اليمن فليس هناك قوى على الأرض قادرة على المساس بها. حتى إذا استطاعت دول تحالف العدوان إخماد مقاومة الشعب اليمني ومواجهته للعدوان وهذا هو المستحيل.. فإن على الدولة التي ستحتل أي جزء من أرض اليمن أن تظل في حالة حرب متواصلة مع الملايين من أبناء هذا الوطن الذي له شعب يحميه. ستصعب حماية أي كيان تعتمده دول العدوان على ذلك الجزء من أرض اليمن..
ما الرسالة الاخيرة التي تريد توجيهها لليمنيين ولدول تحالف العدوان وللمجتمع الدولي..؟
– في الأخير أريد أن أقول لكل اليمنيين الذين يواجهون العدوان والاحتلال عليهم بذل المزيد من مواصلة المواجهة ورصّ الصفوف والصبر والصمود، فبهذا فقط سنحافظ على عزتنا وكرامتنا وسيكون لما عانينا ولما بذلنا من تضحيات معناها الحقيقي المتمثل في النصر، وغير ذلك هو الاستعمار.. وأقول لأبطال الجيش واللجان الشعبية الأشاوس: لقد سجلتم أيها الأبطال صفحات ناصعة في مسار الدفاع عن الوطن وسيادته وإنسانه وأراضيه، ونلتم حب واحترام شعبكم.. كما أقول لقلة اليمنيين أولئك الذين أيدوا المحتلين والغزاة أو الذين يأتمرون بأمرهم: أنتم اليوم مطالبون بسؤال أنفسكم لماذا تساندون من غزا بلادكم بالصمت أو التأييد.. هل صدقتم أنكم تحاربون إيران هنا في اليمن.. صدقوني أنه سيأتي يوم سيقال لكم خلاص انتهت المهمة بعد تدمير بلدكم وتفكيك نسيجه الاجتماعي وسيتنكرون لكم ويعتبروكم خونة لبلدكم فكيف سيثقون بكم !..
أما دول تحالف العدوان فأقول لهم: لقد أخطأتم وما كان ينبغي أن تعملوا في إخوانكم كل هذا القتل والتنكيل.. الشعب اليمني جاركم الذي قبل عدوانكم كان خير جار وخير سند.. وللأمم المتحدة: أقول ساعدوا اليمنيين أن يتفاهموا وأن يتصالحوا وأوقفوا العدوان وارفعوا الحصار فأنتم من تدعون الدفاع والحماية لحقوق الإنسان..

قد يعجبك ايضا