الحديدة مرة أخرى

 

عبدالجبار الحاج

لم تشهد أي مدينة اخرى هذا اللون من الحقد والقصف العنيف الذي تشهده الحديدة فنسمع الانفجارات الصاروخية على مدار الدقيقة !؟
ونحن نجول شوارع المدينة كانت اصوات الطيران والغارات والانفجارات في كل مكان لا تتوقف طيلة الأربعة الايام التي عشناها في الحديدة حتى العشرين من يونيو وارتسمت المشاهد من حولنا وفي ذاكرتنا …
منذ صبيحة يوم الاثنين الثلاثاء أخذت تعلو شوارع الحديدة المتصلة بالشاطئ وفي المداخل المتاريس الترابية استعدادا لصد عمليات اجتياح وشيكة .
ماذا لو أن قرار قوات التحالف العدواني هو اجتياح الحديدة باي كلفة باهظة سيدفعها سكان الحديدة وغالبيتهم المسحوقة بدرجة اولى ؟؟
اذا كانت الحديدة بغالبيتها الساحقة تعيش الجوع والمجاعة في كل الظروف السابقة للحرب فكيف تتخيلونها في ظل حرب تستهدف سكانها؟!
المفارقة التي تثير الاسئلة والتوقعات وحجم المعركة وتثير من جهة الوجع والحزن هو اننا في هذه الاثناء وفي آن واحد نشاهد حشود القادمين من انحاء مختلفة من اليمن تكتظ بهم الحديدة وهم أولئك الذين أتوا للانضمام إلى المقاتلين للدفاع عن المدينة من اجتياح قوات التحالف العدواني السعودي الإماراتي وخلفها ومعها القوى الاستعمارية الكبرى التي تقف في مقدمة غرف إدارة جيوش الاحتلال ..ومن جهة ثانية نشاهد قوافل النازحين من الأسر الميسورة نحو صنعاء بأعداد كبيرة بينما الاقطاعيات الكبيرة التي نهبت تهائم الحديدة وأخصب اراضيها واغلى عقارها .. كانت في أغلبها قد غادرت منذ وقت طويل إلى الخارج والتحقت بالعدوان او أمنت لها مسكنا بعيدا عن مخاطر الحرب وقريبا من مغانمها .. وبقي هنا المقاتلون وسكان الحديدة وهم الاغلبية العظمى ويتجاوزن ال90% من الفقراء والجياع الذين لا يقوون على النزوح وهم الفئة المتضررة من كل الحروب التي عاشتها تهامة منذ اربعة عقود على الأقل من جراء حروب النهب الرسمي الحكومي وسياسات التجويع والتهميش في توجهات وسياسات كل أنظمة الحكم المتعاقبة والمتحالفة والمنفردة على حد سواء ..
مظهر آخر يثير الاشمئزاز على شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما يمثله أولئك ؛ الذين يصفقون ويهللون ويكبرون لإعلان الحرب على مدينة الحديدة او اجتياحها وهم يدركون أنه لم يعد هناك مطار او ميناء بالمعنى الحقيقي والحيوي للاستخدام فالمطار لا يعمل والميناء لم يعد سوى لاستقبال أي حمولة يقررها تحالف العدوان الذي يضرب حصارا على كل منافذ البحر والجو .الا اذا كانوا يصفقون للانتقام من فقراء وجياع تكتظ بهم الحديدة .. خاصة اذا ماعلمنا أن سكان هذه المدينة من ميسوري الحال لا يقوون على الحياة ساعة واحدة بلا ماء ولا كهرباء وغالبية ساحقة لا تمتلك كل يوم ما يسد رمق وجبة واحدة …
فعن اي استراتيجية يتحدثون ؟! عن ساحل صارت مياهه وشواطئه كليا بيدهم .. اقصد بقبضة وسيطرة القوات البحرية الضخمة للتحالف العدواني ..
إنها رغبة الانتقام من السكان .
قد يكون الحديث عن نقاش دار ويدور حول طلب تسليم الميناء للأمم المتحدة وبمجرد الحديث عن تفاوض حول التسليم بغض النظر عما اذا كان مناورة او جديا فإنه حتى في حدود المناورة هو موقف أفضل منه الانسحاب الف مرة من الخوض فيه .. هذا اللون من الحديث عاد بي الى ذاكرة أحداث التاريخ أن الانسحاب لا يعني الهزيمة كما أن التضحية والتشبث بأثمان باهظة قد تضيع وتطيح بأخطاء الشره والحرص السياسي الذي يتبع قاعدة حافظ على ما تبقى وهو قاعدة تؤدي إلى التضحية بأجزاء اهم من اجل الحفاظ على الاقل أهمية بل قاعدة تحرف المعركة عن مسارها ..
من استنتاجاتي التي تقوم على الحقائق والوقائع التاريخية أنه في حرب الثلاثينات تحاشى الإمام احمد أن يستنزف قواته في المناطق والمدن الصحرواية ومنها الحديدة ووجد خطته التي تتناسب مع قوته وسلاحه ان يكرسها لحرب في الجبال وقد تقدم وحقق انتصارات تاركا الصحراء والساحل لأن خطته كانت وهي صائبة ومضمونة النصر قضت بالتقدم في الجبال ومن ثم يحاصر قوات فيصل في الساحل الغربي بأن يقطعها من الجبال إلى البحر من عسير فتقع تلك القوة السعودية تحت طائلة الحصار بسهولة ..وكانت خطته ناجحة وكانت تضمن استعادة نجران وجيزان وعسير وكل الساحل لولا سياسة ابيه الامام يحيى التي كانت ترى الحديدة من نافذة الحديدة فحسب ولا تراها من منظور اليمن ككل وفي اطار المعركة ككل كما كان يراها ابنه احمد في هذا الموضوع بالذات الحديدة في إطار كل اليمن وليست اليمن جزءا من الحديدة وهنا أسوق مثالا من حروب الصين وتأجيل حروب الساحل لصالح المعركة الكلية وبحسب الاستراتبجية المتكاملة الأبعاد :
عندما احتلت اليابان ساحل الصين الجنوبي عام 1941 بعد ان كانت قد قامت باحتلال الساحل الشمالي الشرقي بعد اربع سنوات من احتلال الساحل الشمالي الشرقي برا وبحرا كان الاحتلال الياباني قد استكمل احتلاله الساحل الصيني كله . حينها لم يقل قادة الثورة والحرب الثورية الصينية وهي في مرحلتيها الأهلية والوطنية معا ، لم يقل ماوتسي تونج ورفاقه في قيادة الحزب الشيوعي لقد سدت علينا أخر المنافذ بل قالوا سنجعل الساحل الجنوبي مؤخرة لتوجيه ضربات موجعة من خلف قوات العدو في حرب متحركة اي من خلال حرب عصابات محضة وهي مهما كانت فاعليتها فإنها تكفي أن تشغلهم عن شمال وشمال شرق الصين حيث قواعدنا .. فينكشف ظهرهم جنوبا وترتبك مقدمتهم المتجهة نحونا شمالا وفي أي من الانكشافين في مؤخرة ومقدمة جيوش الاحتلال فإننا سنمتلك فرصة المبادرة وبالتالي تكون ذراعنا وقبضتنا أقوى على توجيه الضربة وذراعنا أطول على الوصول إلى قواعد العدو الخلفية ونتائجها أوجع لهم . وأما عن المنافذ البحرية ومصادر الاستيراد والتصدير فقال بما معناه : سنتسلح مما يتسلحون ونشتري موادنا واحتياجاتنا اليومية مما يستوردون ويبيعون وهذا سيدفعنا لأن نزرع ونصنع في مناطقنا بأسرع مما قبل ..
عندما قررنا أن نغادر الحديدة مساء الثلاثاء انا وعدد من الأصدقاء الاعلاميين والشعراء تداخلت الصور والاسئلة قبيل سفرنا عليّ ان اجيب عليها في مقالاتي القادمة عن الحديدة .

قد يعجبك ايضا