الغزاة والساحل الــــــغربي.. من هنا مروا

 

> التقسيم الطائفي والمناطقي كان مدخلاً للاحتلال العثماني لليمن
> التحضير لإسقاط الدولة تم تحت مظلة الحوار

الثورة / محمد ناجي أحمد
قصة الغزاة والساحل الغربي من ميدي شمالا إلى باب المندب جنوبا، وميناء عدن وساحل حضرموت هي ملحمة اليمنيين في مواجهة الغزاة عبر التاريخ.
من هنا مرَّ الرومان، وتركوا في الذاكرة الشعبية “سنة دقيانوس” أي حملة “جالينوس ” في 25 ق.م. ثم عودة الرومان مرة أخرى بواسطة أدواتهم بطالمة مصر، ومملكة الحبشة في عام 575م، واستيلاؤهم على اليمن، وكان الساحل الغربي ممرهم للغزو، ومنه جاء البرتغاليون والأتراك والبريطانيون. وكل مرة تكون الجزر اليمنية قواعد لهم، وممر باب المندب عبَّارتهم للسيطرة على حركة التجارة في البحر الأحمر نحو الهند.

 

الامام يحيى ومواجهة التوسع السعودي في تهامة
في عام 1919م وكنوع من إجبار الامام يحيى على عدم المطالبة بعدن والمحميات فامت بريطانيا باحتلال الحديدة، ولأن اتفاقية سايكس بيكو لا تشمل استحواذ بريطانيا على الحديدة فقد قامت بتسليمها للادريسي حاكم صبيا، عام 1921م إداريا واستمرت سفنها الحربية في ميناء الحديدة، لكن المملكة المتوكلية اليمنية حينها بقيادة الامام يحيى استمرت في المقاومة لهذا الاحتلال حتى استطاعت استعادتها عام 1925م.عندما نشبت الحرب بين السعودية واليمن عام 1933 – 1934م، وزحف الأمير فيصل بن عبد العزيز إلى ميدي وصولا إلى الحديدة مدججا بأحدث الأسلحة التي زودتهم بها شركة ستاندر أويل الأمريكية، ودعمت المملكة السعودية بالمال، كقرض يحتسب من عقد احتكار التنقيب بالمملكة – يومها كان قائد الجيش في الحديدة هو سيف الاسلام عبد الله، الذي قام بتخذيل الإمام يحيى، وتصوير المواجهة ضد الأمير فيصل بالمهلكة، ناصحا اباه بعدم المواجهة، فما كان من الإمام يحيى إلاّ أن أمر الجيش بقيادة سيف الإسلام عبد الله بالانسحاب وعدم المواجهة، وهكذا تم احتلال الحديدة سعوديا دون حرب، باستثناء أن المقاومة التهامية بقيادة أحد مشايخها الوطنيين رفضوا الانسحاب، وواجهوا بأسلحتهم الشخصية وذخيرتهم المتواضعة حتى نفدت، فانسحبوا بعد ذلك.
وقد كان الجيش الذي يقوده سيف الإسلام أحمد في الجهة الشمالية قد استعاد نجران، وهزم الجيش الذي كان يقوده الأمير سعود بن عبد العزيز، مستوليا على المعسكر وأسلحته.
ما هي دوافع سيف الاسلام عبد الله في تخذيل أباه؟ هذا يحتاج إلى بحث وتقص، فالامريكيون استطاعوا في منتصف الأربعينيات استقطاب سيف الاسلام علي وسيف الاسلام عبد الله إلى صفهم، وهو ما تكشف من علاقة أمريكا بانقلاب 1955م بقيادة سيف الاسلام عبد الله.
انسحبت السعودية من لواء الحديدة مقابل انسحاب سيف الاسلام أحمد من نجران. ووقتها لم يكن باستطاعة السعودية البقاء في الحديدة، لأن بريطانيا كانت ترغب من احتلال بن سعود للحديدة الضغط على الإمام يحيى من أجل توقيع اتفاقية هدنة معه لمدة أربعين عاما، يتوقف فيها عن المطالبة بعدن والمحميات ضمن اليمن الواحد.
احتلال الحديدة والسيطرة على تهامة مشروع امريكي بريطاني صهيوني
هذا نموذج من الحروب التي كانت امتدادا للسياسة، أي فرض شروط تفاوضية باحتلال ميناء الحديدة، وهو ما يحدث هذه الأيام، بقيادة تحالف العدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني بأدواته المساه “التحالف العربي “الذي تقوده السعودية، محتلة ميناء عدن وباب المندب، وجزيرة سقطرى، وجزر فرسان إلخ. وتخطيطها منذ عام لاحتلال الحديدة، محدثة اختراقا في شهر رمضان في مديرية الدريهمي، لكن مراوحتها في نفس المكان وعدم قدرتها على احتلال ميناء الحديدة حتى الآن يؤشر على فشل العدوان في احتلالها بغرض فرض شروط تفاوضية إملائية، تجعل تقسيم اليمن وفقا لمعايير طائفية ومذهبية ومناطقية واقتصادية، تخنق فيها الكتلة البشرية الكبيرة داخل إقليم هو زنزانة للطموحات الوطنية. لكن بقاء العاصمة صنعاء حرة مستقلة كفيل كما هو في التاريخ باستعادة الدولة اليمنية المركزية الواحدة والوحدوية ذات السيادة، وفقا لثوابت الوطنية اليمنية المتراكمة عبر التاريخ، وطموحات المستقبل العروبية والاسلامية والتحررية الإنسانية.
ما يحدث في محافظة الحديدة من عدوان ومحاولة لاحتلالها هو عدوان أمريكي بريطاني صهيوني. فالوصيف البريطاني هو من تعتمد عليه أمريكا في رسم الخطط ووضع الاسترتيجيات، فالمدرسة الاستخباراتية البريطانية هي من تقترب بشكل مباشر في المنطقة، وتعتمد على زرع الأعوان، على عكس المدرسة الأمريكية التي تعتمد في رسم سياساتها على الحسابات قصيرة المدى والتوقعات المباشرة، بحسب توصيف الدكتور مصطفى الفقي في كتابه (العرب الأمثل والصورة) الصادر عن الهيئة العامة للكتاب 2002م.
الدور الإماراتي ومحاولة التعملق تضخيم الدور الإماراتي شبيه بتضخيم الدور القطري في ما سمي ب” الربيع العربي، والإعداد له من عام 2006 إلى 2011م، وتحرك قناة الجزيرة بقدرات وإمكانيات دولة عظمى!
كل مشيخات الخليج دورها وظيفي في خدمة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، وما استخدامها في الواجهة سوى قشرة وقفاز يعفي أمريكا والغرب من اتساخ أيديهم بدماء البسطاء ودمار المدن بشرا وعمرانا!
لا يوجد شيء اسمه دولة الإمارات، هناك شركات أمريكية بريطانية صهيونية هي صاحبة القرار السياسي في مشيخة الإمارات، مع ترك هامش لمشايخ الخليج والكيان السعودي للظهور في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي بصورة الامبريالي الذي يتمدد!
هذا هو مفهوم “الحرب النظيفة ” الذي قادته أمريكا في غزوها للعراق، وتدميرها لسوريا وليبيا، وفي اليمن تستخدم مشيخات الخليج واقيا يحجب جرائمها، ولا يصيبها بلطخات الدماء.
السعودية وبقية مشيخات الخليج قفازات لمشروع أمريكي بريطاني صهيوني. وأمريكا في هذه الحرب ستقيس الفوائد والخسارات، حتى لو كان المال الذي يدفع لتحريك ماكينة الحرب والدمار من خزينة المشيخات، فهي خزينتها ومخزونها الاستراتيجي، لهذا باعتقادي إذا استمر الصمود الأسطوري للجيش والمقاومة اليمنية ومواجهة العدوان بنفس طويل فإن النتيجة ستكون هي العودة إلى مائدة المفاوضات وبشروط أفضل، وستسقط إملاءات القوة وغطرستها.فالحرب امتداد للسياسة لا العكس.
وأنا هنا استخدم تعبير “الجيش المقاومة اليمنية” بدلا عن تعبير ” اللجان الشعبية ” فتعبير ” لجان ” لا يشير إلى حقيقة المقاومة الشعبية التي تحتشد إلى جوار الجيش في صد العدوان ودحر الغزاة.
الأهداف الأمريكية من السيطرة على البحر واحتلال ميناء الحديدة
أمريكا استعمار بحري، وهي بذلك وريثة الاستعمار البحري البريطاني والهولندي والبرتغالي، وما يهمها هو :
1 – احتلال المضايق والممرات المائية بما في ذلك الجزر الاستراتيجية في البحر الأحمر.
2 -السيطرة على موارد الطاقة
3 – استخدام ذلك قاعدة للهيمنة على الهضبة الايرانية والشرق الأقصى.
ولهذا فإن احتلال الحديدة يأتي هنا كورقة ضغط في فرض الاملاءت الغربية في إجبار الممانعين لسيطرتها على القبول بالتقسيم الأقاليمي الذي فرض من الدول العشر الراعية للتسوية الخليجية. فالتقسيم الأقاليمي لم يطرح حتى كشعار في ساحات انتفاضة ١1 فبراير، ولم يكن مطلبا للقوى السياسية طيلة الحرب الباردة بين شركاء الحكم بعد حرب 1994م.
المطروح من الحراك الجنوبي كان فك الارتباط إلى النظام الشطري السابق لـ 22 مايو 1990م وجزء منهم كان مع تصحيح مسار الوحدة، والقوى.وشركاء حرب 1994م كان مطلبهم منذ 1997م وحتى انتفاضة 11 فبراير هو إصلاح النظام السياسي، البعض يريده رئاسيا وآخرون يريدونه نيابيا وثالث يريده مختلطا لكن مسألة شكل الدولة والانتقال من الدولة البسيطة بمركزيتها أو الانتقال الى الدولة المركبة ؛أي الاتحادية ونظام الاقاليم الستة برئاسة اتحادية ستكون بطبيعة هشاشة الدولة مجرد رئاسة فخرية لدويلات تتوافق وتحترب وفقا لتدخلات إقليمية ودولية بحسب صراع وتداخل المصالح، هذا التقسيم الأقاليمي لم يكن مطلبا جماهيريا في الساحات، كانت مطالب الناس إسقاط نظام المحاصصة السياسية وتوفير رغيف الخبز والعيش بكرامة كمطلب لغالبية الجماهير.
وشركاء الرئيس الاسبق علي عبد الله صالح المنقلبون عليه والمستخدمون للساحات استقواء ضده كان مطلبهم “الشعب يريد إسقاط الرئيس) ثم تم استخدام مؤتمر الحوار لفرض تقسيم اليمن إلى أقاليم وفقا لمعايير طائفية واقتصادية واستراتيجية، بحيث تحشر الكثافة السكانية لليمنيين في إقليم دون منفذ بحري ودون ثروة، من أجل تطويع الجماهير وسوقها ضمن غايات صفقة القرن، وصناعة إقليم يمتلك الثروة وقليل السكان، وآخر اقليم مهجن لتأمين سيطرة امريكا على الساحل والمضيق والجزر تمت هندسة الأقاليم بمعايير طائفية ومذهبية تقسم اليمنيين إلى شوافع وزيود، وهضبة وسهل، وجهات ومناطق إلخ، وعندما استعصى عليهم فرض تقسيم اليمن إلى دويلات أقاليمية ودسترة ذلك في مخرجات الحوار، كان العدوان بلافتاتهم (عاصفة الحزم) و(إعادة الأمل) وما بني على ذلك من تدمير المدن وإسقاط الدولة وجعل المناطق المحتلة نموذجا للفوضى القاتلة.
احتلال الحديدة ومشروع التقسيم من هنا يكون الهدف من احتلال ميناء الحديدة فرض تقسيم اليمن إلى أقاليم كي يسهل على امريكا والغرب السيطرة على البحر الاحمر وجزره وخليج عدن للتفرغ لمشاريعها في الشرق الاقصى.
تفكيك الانظمة العربية من المركزية إلى الفوضى أدارته دويلة قطر منذ 2006م، ثم جاء ما سمي بالربيع العربي الذي قادته قناة الجزيرة، والتي تحركت بقدرات وامكانيات دولة عظمى لتنتقل الراية إلى السعودية والامارات في استكمال (صفقة القرن) وتوفير شروطها الموضوعية.
اليمن و مواجهة مشروع التقسيم والصهينة
سقطت اليمن وسوريا وليبيا في الفوضى الشاملة، واستمرت مصر في غيبوبتها ومشاكلها الداخلية، وانساقت لإرادة السعودية والإمارات بشكل مهين لتاريخها.
والجزائر منزوية في مخاوفها التي لا تدري كيف تتداركها، وبغداد منذ أن غزتها امريكا وهي تنتقل من كارثة إلى أخرى، أسيرة لدستور بريمر الطائفي والعرقي!
أريد لليمن أن تكون دويلات محتربة، ولكن بقاء العاصمة صنعاء هو ما أعاق اكتمال مشروع الفوضى.
بقاء صنعاء يجعل دورها التاريخي في استعادة الدولة الوحدوية ذات السيادة مسألة وقت وتغير في الظروف.
لهذا وضعوها في مخططهم الامريكي البريطاني الصهيوني في إطار جغرافي محاصر دون ثروة ودون منافذ بحرية!
يقتل الكيان الصهيوني من الفلسطينيين في (مسيرة العودة) المئات من الفلسطينيين، وتقف الشعوب العربية مشلولة فقد تم ضربها بثورة استباقية سموها الربيع العربي، لتموت روح الإرادة فيها إلى حين.
سواها صنعاء اليمن ظلت كل جمعة تحتشد من أجل فلسطين، حتى كان احتشادها المهيب في يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان.
أي أن هناك كتلة بشرية لا زالت خارج التهجين ومستعصية على الخضوع لـ(صفقة القرن) لهذا يستمر تطويقها من أجل ترويضها.
لكنها صنعاء التاريخ والحاضر والمستقبل، اجتراح الصمود وأمل العروبة…
الاهمية الجغرافية والجيوستراتيجية لليمن
صراع المصالح لا يرتبط بسقوط س أو ص من الحكام أو تغير في طبيعة النظام وأيديولوجيته وإنما بما تمثله اليمن في المنطقة من تحد سياسي واقتصادي لا يسمح لها بأن تكون شريكا مع مصالح “العائلات المتحدة ” فلقد مر على الكيان السعودي: المملكة المتوكلية ثم جمهورية السلال فجمهورية المشيخ وجمهورية اليمن الديمقراطية بتياراتها المتصارعة وحركة 13يونيو من الحمدي والغشمي وصالح، ثم الجمهورية اليمنية وفي كل هذه المراحل والتحولات لم يتغير موقف الكيان السعودي العدائي من اليمن.
شكل المال النفطي عمود التأسيس والتكوين للسعودية حتى أصبحت في سبعينيات القرن العشرين تقوم بدور الامبريالية الفرعية في المنطقة العربية والعالم الثالث ؛أي أداة الولايات المتحدة الأمريكية في بسط نفوذها على دول العالم الثالث، المحتاجة إلى المساعدات السعودية.
عملت السعودية منذ ستينيات القرن العشرين وحتى الآن على تنفيذ المشاريع الأمريكية، في تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن، وإغراق مصر بالأزمات الداخلية، وهو ما وصم هذه العقود ب (الحقبة السعودية ).
مما ينقله صاحب كتاب (البترول والسياسة في المملكة العربية السعودية )”توفيق الصالح ” ما قاله القائد الفرنسي جورج كليمنصو، عن أهمية النفط “من الآن فصاعدا ستكون نقطة النفط عند الشعوب والأمم، معادلة لنقطة الدم ” ويبدو أن نقطة النفط قد تجاوزت في أهميتها نقطة الدم.
كان احتياج ابن سعود للمال، لتمويل مشاريعه التوسعية، وعزوف بريطانيا عن التنقيب عن البترول في السعودية –دافعا له لأن يتواصل مع الأمريكيين عن طريق مستشاره جون فيلبي.
ومن هنا بدأ النفوذ الأمريكي بالتمدد والسيطرة من خلال شركة ستاندر –كليفورنيا، التي وقعت اتفاقية الامتياز في التنقيب عن البترول، في أراضي المملكة.
وعملت الشركة على تسليح جيش ابن سعود، وتمويله بالمال في حروبه ضد اليمن عام 1933 – 1934م، مما جعل الغلبة في هذه الحرب لابن سعود، فقطف ثمار ذلك ضم عسير وجيزان ونجران إلى مملكته. جاءت الثروة النفطية واتحاد مشيخات الخليج لتعيد صياغة النظام العربي لصالح الكيان الصهيوني، وتوالت الكوارث العربية من المعاهدة المصرية الإسرائيلية 78 – 79م، واكتساح إسرائيل للبنان عام 1982م وحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، كل ذلك كان يصب في مصلحة مشروع الشرق الأوسط، الذي نهض على رميم المشروع القومي العربي.
لقد ساعد احتكار “العائلات الخليجية المتحدة” للثروة على إعادة صياغة الجغرافيا السياسية والاقتصادية والثقافية والمذهبية، فهذه “العائلات المتحدة “كثيرة الثروة النفطية مما مكن الغرب من استخدامهم مقابل حمايتهم في صياغة عقيدة المنطقة من هوية قومية إلى عقيدة وهابية، ومن توجه لبناء أمن قومي عربي عسكريا وغذائيا وجغرافيا واقتصاديا وثقافيا إلى دويلات منقوصة السيادة، وبعضها منزوعة السيادة عبر تدويلها!
وما مشروع المناطق الآمنة الذي يتم الإعداد لفرضه في اليمن وسوريا والعراق الذي تسعى لفرضه كل من امريكا والسعودية وتركيا –إلاّ بعض ملامح شرقهم الأوسطي، والذي سيشمل نصيبا لتركيا وآخر لروسيا، فصراع الأقطاب المتعددة وإن كانت غير متكافئة القوة ينطلق من فلسلفة السوق ووحدة العقيدة الرأسمالية بشركاتها المتعددة والمتعدية الجنسيات.
الثابت والمتغير في المخططات الامريكية ضد اليمن
إن العدوان السعودي ضمن تحالف “العائلات المتحدة ” الخليجية ومن استأجرهم كمرتزقة في الحرب على اليمن ليس من إفرازاته فقط الطائفية والجهوية والعرقية فالخريطة الجديدة كما يقول غالي شكري “لن تكون في الجغرافيا فحسب وإنما ستشمل التاريخ والاقتصاد والسياسة والثقافة “إنها مجموعة خرائط لا خريطة واحدة، أو أنها تشكلات متنوعة لخريطة واحدة”
إن الثابت في السياسة الأمريكية منذ نهاية معركة السويس إلى عدوان 1967م هو العمل على تفكيك النظام العربي نهائيا والاشتراك مع “إسرائيل في صياغة نظام ليس عربيا، أي لا يتمتع أعضاؤه بروابط التاريخ والجغرافيا والمشاعر والدين والثقافة واللغة والمصالح المشتركة، وإنما يتمتع شركاء النظام الجديد بالأهداف المشتركة كما يرى ذلك ببصيرة المرحوم الدكتور غالي شكري، وهذه الأهداف المشتركة هي الثروة النفطية والغازية والممرات الاستراتيجية والمياه والالتحاق بالبنية الاقتصادية للغرب على طريقة قطر والإمارات العربية المتحدة التي أشاد بنظامها الدكتور ياسين سعيد نعمان، الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني في أكثر من مقال في صحيفة الثوري أو في صفحات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك، فهي لديه نموذج التطور والنظام السياسي الديمقراطي، ونموذج للفيدراليات التي يبشر بها اليمنيين ويمنيهم بها، مع أنها ليست دولة وإنما شركات رأسمالية عابرة للقارات، إنها نموذج لسقوط المشروع العربي القومي وبروز مشروع الشرق الأوسط!
كتب زبيجنيو بريجنسكي كتابا عن المضايق في أوج الحرب الباردة بعنوان “هلال الأزمات” تناول فيه مضيق بحر الصين الجنوبي وخليج توتكين فمضيق البنغال ومضيق هرمز وباب المندب “وعلى غرار ذلك كان كتاب سيد مصطفى سالم عن البحر الأحمر الذي يتحكم بباب المندب وقناة السويس، ويربط القارة الآسيوية والشرق الأوسط بدفتيه الآسيوية والأفريقية وبكل من القارة الأوربية وأمريكا الشمالية-كما يشير إلى ذلك الدكتور عبد الكريم الإرياني في تقديمه لكتاب سيد مصطفى سالم -وما بين المضيقين تقع جزر عدة متفاوتة من حبث الأهمية الاستراتيجية، اهمها جزر (حنيش –زقر)جنوب البحر الأحمر، وجزيرة كمران إلى الشمال من هذه المجموعة، وهناك مجموعة جزر فرسان ومجموعة الزبير وجزيرة جبل الطير، وجزر دهلك الواقعة في المياه الداخلية لدولة اريتريا، وكلها بحسب الدكتور عبد الكريم الإرياني قد جذبت القوى الاستعمارية منذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي وحتى القرن العشرين…
للبحر الأحمر ثوابته كما يرى ذلك الدكتور سيد مصطفى سالم، وهو أن يكون ممرا وبحيرة في آن، وأنه إذا فقد إحدى خاصيتيه فسوف تفقد شواطئ البحر الاستفادة من البحر حين يتحول إلى بحيرة مغلقة، وإذا تحول إلى ممر لخدمة مصالح الدول العظمى فسوف تتضرر شطآن “البحيرة” وتسود فيها الاضطرابات والحروب وستقع شواطئه فريسة سهلة في أيدي الدول العظمى المستأثرة بالبحر الأحمر.
اليمن السبئية الحميرية والساحل الأفريقي
لقد حاول اليمنيون في عهد الدولة السبئية الحميرية أن يفرضوا سيادتهم على الساحل الافريقي المواجه لباب المندب بعد أن هاجر إليه عدد كبير من اليمنيين واختلطوا بأهله، غير أن الرومان لم يسمحوا لهذه الدولة بإقامة سيادة مباشرة لها على هذا الساحل الافريقي المواجه لباب المندب حتى لا يعطي ذلك فرصة لعرقلة النفوذ البحري الروماني.وقد كانت خطة الرومان الاستراتيجية احتكار تجارة البحر الأحمر وتحطيم مملكة الأنباط في شماله ومملكة حمير في جنوبه، لهذا لاعجب مما يحدث اليوم من ترابط بين سوريا شمالا واليمن جنوبا ومن ذات الاستراتيجية الامريكية وادواتها في المنطقة، فكما كانت مملكة “أكسوم”قفازا للمصالح الروانية تؤدي السعودية وبقية مشيخات الخليج دور القفاز، والقاعدة الأمريكية البريطانية في المنطقة، الذي يجعل البحر الأحمر بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بحيرة وممرا أمريكيا دون منازع…
لقد كانت الضائقة الاقتصادية التي أصابت المنطقة في القرن السادس عشر، واشعلت الحروب بين “الجبل” و”السهل”، وبين “الساحل” و”الداخل” وبالأحرى بين الدويلات الإسلامية وبين ممالك الهضبة الحبشية المسيحية – مدخلا لاستنزاف القوى في حروب محلية، تحت شعارات دينية، مما أدى إلى سقوط المنطقة جميعها في أيدي القوتين الكبيرتين اللتين ظهرتا في المنطقة حينذاك، وهما العثمانيون والبرتغاليون…وهو ما يحدث في اليمن من استنزاف للقوى في المنطقة بحروب محلية تحت شعارات دينية بتوظيف للافتات مذهبية وطائفية وجهوية -ليخلو الأمر لأعظم دولة في هذا العصر ؛ أي الولايات المتحدة الأمريكية…
يقول “كارل فون كلاوزفتز “في كتابه “الوجيز في الحرب”ترجمة أكرم ديري والهيثم الأيوبي عن استحالة احتلال الدول ذات العمق الجغرافي والسكاني “لقد توصلت إلى اقتناع، بعد تفكير طويل أنه لا يمكن احتلال بلد أوروبي بدون الاعتماد على فتن داخلية “وما قاله كلاوزفتز قاعدة عامة ليست حكرا على أوروبا فقط، وإنما تنطبق على كل الدول ذات العمق الجغرافي والسكاني، والتي يستحيل إسقاطها إلاّ من خلال الفتن الداخلية
يذكر الرحالة، وعالم النبات “بول إيميل بوتا في كتابه الذي نشره عام 1841م عن رحلته إلى اليمن عام 1836م “لم يتمكن العثمانيون حتى هذا الوقت من التقدم في المناطق الداخلية، وظل حضورهم محصوراً في المناطق الساحلية، ولكنهم استغلوا بدهاء الخلافات بين اليمنيين، ووظفوها بنجاح للتوغل في المناطق الجبلية “اليمن في الذاكرة الفرنسية –ت.د.حميد عمر.
قام الرومان بغزو اليمن عام “25 ق.م “بقيادة (اليوس جاليوس ) وكانت تجربة عسكرية فاشلة، في سياق التنافس بين روما وفارس على طرق التجارة البحرية والبرية.وكان مدخل النفوذ الروماني والفارسي هو صراع ومطامع أمراء الإقطاع اليمنيين، الذي عكس نفسه “في تعدد الانقلابات من أجل السلطة من قبل أمراء الإقطاع الطامحين إليها، والذين كانوا يلقبون أنفسهم بالملوك.
لقد كان من أسباب تغلغل النفوذ الروماني إلى اليمن عن طريق الأحباش، الصراع الطائفي الديني، والحرب الأهلية التي جرت بين حمير وهمدان “حيث تحالف الحميريون مع الأحباش الأكسوميين ضد الهمدانيين، فانقض الأحباش مرة أخرى فاتحين طمعا في موارد اليمن ومنافذها البحرية من جهة “وحين توحد اليمنيون بقيادة (شعر أوتر، وشمر يرعش )قاما بطرد الأحباش ودحرهم من المناطق اليمنية، واحتلوا “القسم الأكبر من أرض الحبشة والسواحل الأفريقية الشرقية، بقيادة القائد (قبطن )و(كن)…”
الغزو التاريخي لليمن الاهداف والنتائج
بحسب ما ذكره علي بن علي صبره في كتابه “اليمن…الوطن الأم”1986م.ص17 – 21.
غزا الأحباش اليمن حتى وصلوا إلى (ظفار )عاصمة الدولة الحميرية، لكن اليمنيين بتكاتفهم استطاعوا طردهم، ثم غزوا اليمن مرة أخرى في عهد الملك الحميري (ذي نواس)عام 525م، وتم استخدام الدين كذريعة لأطماع الأمبراطورية الرومانية التي أوعزت للبطالمة في مصر والأحباش لغزو اليمن، وقد استمر هذا الاحتلال حتى عام 575م حين تم طردهم بقيادة (سيف بن ذي يزن) بمساعدة الفرس…
حين اندفع الاستعمار الروماني إلى اليمن، بتوجيههم لجيش من الحبشة، وبدعم بالمال والسلاح من البطالمة في مصر، عام 525م، كان الصراع الديني بين اليمنيين مدخلهم وذريعتهم لاحتلالنا. وعندما تم طرد الأحباش.
حين استولى البرتغاليون على سقطرى عام 1507م، ثم تركوها لعدم أهميتها وقتذاك تجاريا وأمنيا، قام القائد البرتغالي البوكيرك في فبراير سنة 1513م على رأس حملة بحرية كبيرة تتألف من عشرين سفينة حربية، وألف وسبع مائة جندي برتغالي، وثمانمائة من الهنود بالهجوم على عدن في 24 مارس 1513م.لم يصل دعم السلطان عامر بن عبد الوهاب المشغول بحروب داخلية إلى عدن إلاّ بعد أن صمد اهالي عدن، الذين تركوا البرتغاليين يدخلون إلى بر عدن ثم واجهوهم بقتال أدى إلى انسحاب البرتغاليين إلى سفنهم، وضرب عدن منها، وحين عجزوا عن الاستيلاء عليها بفضل صمود الأهالي، قام البوكيرك بالاستيلاء على جزيرة كمران، ثم عند عودته إلى الهند قام بضرب عدن بالمدافع حوالي خمسة عشر يوما، ثم غادر إلى الهند.
إن سقوط الدولة الجامعة في اليمن يكون حين يتم تقسيمها إلى أقاليم بين الأمراء، وحين تتوفر الأزمات الاقتصادية، وفساد الحكم، مما يؤدي إلى اضطرابات وصراعات داخلية، والاستقواء والتواصل مع الغزاة طلبا لمعونتهم فتكون الغلبة لأهداف الغزاة وسيطرتهم على اليمن مستثمرين عوامل الضعف والاضطرابات والأزمات الاقتصادية. اليمن مقبرة الغزاة، ولعلّ أدق وصف لصمود اليمنيين في مواجهة جيوش العثمانيين ما ذكره “قطب الدين النهروالي في كتابه “البرق اليماني في الفتح العثماني، حين عبر عن ضخامة خسائر العثمانيين فقال “سمعت المرحوم محمد جلبي دفتر دار مصر يفاوض المرحوم داود باشا في حدود سنة 953هجرية (6 / 1547م) فقال ما رأينا مسبكا مثل اليمن لعسكرنا، كلما جهزنا عسكرا ذاب ذوبان الملح ولا يعود منه إلا الفرد النادر، ولقد راجعنا الدفاتر في ديوان مصر من زمن إبراهيم باشا (الصدر الأعظم )إلى الآن فرأينا قد جهزنا من مصر إلى اليمن في هذه المدة ثمانين ألفا من العساكر، ولم يبق منهم في اليمن ما يكمل سبعة آلاف نفر ”
لقد تعمد المؤرخون المعاصرون للغزو العثماني تصوير الصراعات والثورات على الحكام الزيديين بأنها مبنية على أساس مذهبي وطائفي، ويرى سيد مصطفى سالم في كتابه آنف الذكر، أن تلك الدوافع من ترويج أولئك المؤرخين، فقد كانت تحدث في المناطق الشمالية تمردات ضد الأئمة لأسباب تتعلق بسياسة هذا الإمام أو ذاك، او هذا العامل وذاك الوالي، وكذلك وجدنا المناطق الشافعية بتعز وإب وعدن، وحضرموت إلخ كيف واجهوا العثمانيين وظلمهم، واعتماد الأئمة في ثورتهم ضد العثمانيين على المناطق الشافعية، والتعاون الوثيق في أوقات كثيرة بين فئات الشعب اليمني ضد العثمانيين.
كان التقسيم والتوصيف الطائفي والمذهبي مدخلا من مداخل العثمانيين، في احتلالهم لليمن “وقد عبَّر حيدر باشا عن وجهة نظر العثمانيين بوضوح أثناء محاصرة أبناء الإمام القاسم له في “صنعاء “فقال “إذا عاد إلينا ملك اليمن فسنجمع الأشراف، الجميع، ونرسل بهم إلى (جزيرة )”كمران “”فما أتتنا الفتن إلاّ من قبلهم “ص460 الفتح العثماني الأول لليمن –سيد مصطفى سالم.وهذا اختزال للثورات غير صحيح، فالثورات كانت لأسباب موضوعية منها ما يتعلق بالنزوع إلى الاستقلال ورفض الهيمنة العثمانية، ومنها ما يتعلق بالمظالم والوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءا بما يعانيه اليمنيون من قسوة الخراج الذي يدفع على الأرض كخراج وظيفي، وعلى ما تنتجه الأرض كخراج على الثمار.وما يستخدمه الضامن والملتزم من وسائل بطش وظلم ضد الفلاحين والمزارعين.
ومع عصر النهضة، والصراع على الشرق الأوسط والأدنى والأقصى، كان البرتغاليون يتجهون صوب عدن، ومن بسالة اليمنيين وتكاتفهم تحقق ردع البرتغاليين وهزيمتهم.
الصراع بين الشركات والأساطيل التجارية والحربية، والقرصنة كان يحوم على سواحل اليمن من عدن إلى باب المندب والمخا إلى الحديدة والجزر اليمنية على البحر الأحمر…تنافس بين شركة الهند الشرقية الهولندية والانجليزية والفرنسية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وتكون عدن والمخا مركز اهتمامهم.
مع عشرينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر كانت التمردات، والانفصال عن الحكم المركزي، فانفصلت لحج، وتمردت الحجرية، والعدين وشرعب، ويافع وصبر، وبكيل وحاشد.ثم استمرت مشيخات الجنوب بالانفصال إلخ.حينها وجد الاستعمار التركي غايته وبدأ يزحف لاحتلال اليمن مرة أخرى، وبدأ زحفه من زبيد والمخا وصولا إلى صنعاء.
كان الاستعمار البريطاني قد استولى على بعض الجزر اليمنية بذريعة الاستئجار، وصولا إلى احتلال عدن عام 1839م، ثم بقية الجنوب اليمني، الذي قسمه إلى محميات غربية، ومحميات شرقية، وتحول المشايخ إلى سلاطين، والتجار في الهند، الذين يعملون في شرطة حيدر آباد إلى حكام على حضرموت.
الانجليز في عدن احتل الانجليز عدن في 16 يناير 1839م (1255هجرية).
يظل الساحل اليمني في حضرموت وعدن والمخا وميدي وباب المندب والحديدة إلخ، هو غاية الاستعمار في اليمن، بسواحله وجزره، ومضيقه – بوابة الاستعمار.فمن يسيطر على مياه الخليج الدافئة كما قال بطرس الأكبر يسيطر على العالم، واليمن بوابة الخليج، ومفتاح الولوج إلى إيران وشرق آسيا.
حين احتل صلاح الدين الأيوبي اليمن عن طريق إرساله لأخويه توران شاه، ثم بعد ذلك طغتكين شاه، كان خوفه من أن يحاصره محمود نور الدين زنكي من الشام، وهو في مصر، فسارع إلى احتلال اليمن.
حين جاء الرسوليون ضمن قادة الجيش الأيوبي في اليمن، كانت سياستهم التجارية والولاء مرتبطا بمصر المملوكية، في تجارتهم مع الهند، وفي سياستهم في البحر الأحمر.واستقدم الرسوليون العبيد وهم أطفال، وشكلوا منهم فرقا عسكرية “مماليك الخاصة “على الطريقة المصرية –راجع كتاب (تاريخ الدولة الرسولية في اليمن –لمؤلف مجهول –تحقيق عبد الله محمد الحبشي).
وكان الصراع بين اليمنيين يستدعي تدخلا وسيطرة مباشرة من مماليك مصر، الذين سرعان ما يرسلون حملاتهم العسكرية، لترتيب أمر السواحل، ولضبط إيقاع الحكم داخل اليمن.
وكذلك صنع جمال عبد الناصر حين تآمر عليه الغرب والسعودية، واسقطوا الوحدة بين مصر وسوريا.كادت مصر تخنق استراتيجيا، فتحرك جمال عبد الناصر بعد الانفصال مباشرة، أي عام 1961م نحو اليمن، ليقطع الطريق على السعودية من أن تحدث انقلابا وتسقط الإمام محمد البدر لصالح أهدافها فتخنق مصر استراتيجيا، وتستسلم لإملاءات الغرب والكيان الصهيوني.
كانت مصر وهي تدعم ثورة 26سبتمبر 1962م، تعبر عن مشروعها القومي، وفي ذات الوقت تستجيب لأمنها المصري، وتقطع الطريق على من أراد خنقها بين كيانين إسرائيل من الشمال، وسيطرة الغرب على جنوب البحر الأحمر من خلال الكيان السعودي.
استمرت مطامع الغزاة وأدواتهم في المنطقة بخصوص السواحل والجزر اليمنية، ومضيق باب المندب، فاحتلت السعودية بعض الجزر اليمنية، وأخذت إسرائيل جزرا يمنية سيطرت عليها اريتريا، في خدعة التحكيم الدولية على الجزر اليمنية.
كانت الوحدة اليمنية عام 1990م لطمة في وجه مشيخات الخليج، فسعوا إلى شراء عدن، وتعطيلها كمنطقة حرة، من خلال شركة الموانئ في دبي، وصولا إلى حرب 1994م، التي لم تنجز مطامع السعودية والإمارات، فكان ربيعهم عام 2011م مدخلا لتحويل خرائط المشروع الشرق أوسطي إلى حقيقة على الأرض.وكان المدخل هو الصراع على السلطة، فالاستئثار بالحكم ضمن دائرة مغلقة، خلق صراعا بين مكونات النظام، مارسوه عن طريق صناديق الاقتراع عام 2006م فلم يتغير شيئا في موازين قواهم وأطماعهم.فكانت أحداث 2011م، والنزول إلى الشارع، لممارسة الإقصاء في مواجهة السعي للاستئثار هو سلوك تلك الأطراف المعنية بمحاصصة الحكم.وهنا كان المال السعودي والإماراتي والقطري وإعلامهم حاضرا فاعلا بقوة، وكان أمراء الحروب، محليا وإقليميا جاهزين، وكان السلاح الغربي وتحريك مصانعه تحت الطلب، للإمداد واستهلاك أموال النفط العربي.وكان تحريف الصراع من اجتماعي اقتصادي سياسي إلى صراع إثني مذهبي مناطقي جهوي، هو بوابتهم للاستعمار.
أُنهكت الدولة، وحوصرت اقتصاديا، وتم الاستيلاء على المناطق التي تنتج النفط والغاز، واستعمار السواحل والمدن اليمنية الاستراتيجية، من عدن والمخا وكمران وسقطرى، وحضرموت إلخ.وإسقاط تعز في الفوضى الخلاقة للمناطقية وتطرف الجماعات الجهادية.وخنقت عدن بسياج أمني يقوده المتطرفون السلفيون إلخ.كل ذلك لأن تعطيل السيادة والإرادة اليمنية، والاستيلاء على الثروة اليمنية، عوامل مساعدة لأن ينطلق الاستعمار الغربي نحو تحقيق مشروعه الشرق أوسطي، في تمكين إسرائيل من الوطن العربي وثرواته، من خلال بيادق الخليج، التي صنعها الاستعمار البريطاني، وورثها الاستعمار الأمريكي.ولتنتقل أمريكا وبريطانيا إلى الاستيلاء على نفط إيران وتركيا، وصولا إلى الصين، وجعل روسيا أسيرة الجغرافيا المنفية، مشلولة وتابعة لإرادتهم.
كلنا يعلم كيف استفاد الانجليز في عدن من نشاط الأحرار اليمنيين منذ عام 44 – 1948م، من حيث تشجيعهم أو التضييق عليهم وفقا لطبيعة علاقة الاستعمار البريطاني مع المملكة المتوكلية اليمنية، فحين تشتد المملكة المتوكلية في مطالبتها باسترداد جنوب اليمن، سواء دبلوماسيا، او من خلال دعم التمردات القبلية –كانت بريطانيا تشجع الأحرار على نقد الإمام، والترتيب لانقلاب ضده في عام 1948م من عدن ومصر المحتلتين بريطانيا! وإذا استكانت المملكة المتوكلية ضيقت بريطانيا على الأحرار وطالبتهم بترك عدن!
وكلنا يعلم كيف أصبح الصراع مع مصر في اليمن وسيلة لهزيمتها وفق أهداف غربية، ورعاية سعودية، لتستمر الحرب سبع سنوات، حتى بعد خروج المصريين من اليمن بعد هزيمة 5يوينو1967م استمرت السعودية في حربها ضد الثورة والجمهورية، حتى تحقق لها تطويع النظام والسيطرة عليه من خلال تسوية مايو 1970 م والتي سميت بالمصالحة الملكية الجمهورية.والحقيقة أنها كانت عبارة عن تسوية للملعب اليمني بما يرضي السعودية ويحقق أهدافها في التحكم بالقرار السياسي والسيادي، والاستيلاء على المزيد من الأراضي اليمنية، بما يتجاوز اتفاقية الطائف بمئات الكيلومترات.، وصولا إلى اتفاقية جدة عام 2003م، والتي كانت خيانة وطنية بكل المقاييس، أعطي فيها الأرض مقابل صداقة السعودية، فهي أهم من “حفنة تراب” على حد تعبير الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر، في مذكراته، والذي كان وقتها الملف اليمني السعودي حكرا عليه، ضمن المحاصصات بين شركاء الحكم آنذاك.
ولم تكتف السعودية بذلك، فوجود نظام سيادي قوي، في جنوب الجزيرة العربية يشكل لها خطرا استراتيجيا، اصالة عن نفسها، ووكالة للغرب الذي لايريد دولة قوية على بوابة مياه الخليج الدافئة بالثروة، وحركة التجارة العالمية!دولة ذات سيادة على السواحل والجزر والمضيق، والقرار السياسي والسيادي.فالغرب يريد في اليمن دولة هشة، مفككة، منزوعة السيادة تارة باسم الحماية والاستشارة، وتارة باسم تقسيم اليمن إلى دويلات، اسموها ب”الدولة الاتحادية “بأقاليمها الستة، والتي رُسمت على أسس عرقية ومذهبية وجهوية، الهدف منها هو الاستيلاء على الثروة والأرض، ومحاصرة غالبية اليمنيين بالقتل والجوع والجهل والخوف.
نهج الغرب تجاه اليمن والجزيرة العربية كلها توضحه مذكرة من دائرة الشؤون الخارجية حكومة الهند إلى وزارة شؤون الهند في لندن بتأييد من الحكام الانجليز في عدن وبومباي وأماكن أخرى، تقول هذه المذكرة كما أوردها “دافيد فرومكين” في كتابه سلام ما بعده سلام، ترجمة أسعد كامل -تقول “إن ما نريده ليس شبه الجزيرة العربية موحدة، بل نريدها مقسمة وضعيفة، ممزقة إلى إمارات صغيرة خاضعة إلى أقصى ما يمكن لسيطرتنا –ولكنها عاجزة عن القيام بعمل منسق ضدنا، وتشكل حاجزا في وجه قوى الغرب “المنافسة.ص125.
هي الحرب والتجارة والقرصنة ثالوث الاستعمار الذي لا يتجزأ بحسب تعبير (غوته). الاستعمار الذي يلبس أقنعة التسامح، ويمارس عمليا تمزيقا، وحصارا وتجويعا، وإبادة للشعب اليمني.يستثمر الرموز التاريخية بعد أن عمل على تصفيتها واغتيالها، ليبيع علبة بيرة تحت شعار “الثورة الحمراء قادمة “-تأملات في التاريخ العربي –شارل عيساوي 1991م-ويستثمر المقدسات كعلامة تجارية في مشروب غازي يحمل اسم “مكة كولا “بل ويمكن لمشيخات الخليج الوهابية أن تشجع وتمول وتنظم قيام “مسيرات مليونية ” وقد وزعت عليهم قمصانا عليها صورة (جيفارا )وأن تطبع ملايين الصور للينين وجمال عبد الناصر وإبراهيم الحمدي، وسالمين، وعبد الفتاح إسماعيل إلخ، طالما ذلك سيؤدي إلى تحقيق غاية الاستعمار في تفكيك اليمن إلى مشيخات وإمارات صغيرة.
التاريخ يصنع مآسيه، ويكرر مهازله لأن الجغرافيا هي صانعة التاريخ، فقديما كان التنازع على جمع الضرائب، والأمن والدفاع سببا في التفكك، واختراق الغزاة لليمن.واليوم تم التحضير لإسقاط الدولة المركزية بمظلة حوار نصوا في مخرجاته على تقسيم اليمن إلى أقاليم وولايات، تكون السلطة على الثروة فيه للولايات، مما يجعل ما يحدث هذه الأيام من فرض ضرائب وأتاوات في تعز من مسؤولية أمراء الحرب هناك، والاستحواذ على الثروة النفطية والغازية في مناطق تصديرها أمرا يخص تلك الأقاليم والولايات، والسلطة في عدن بيد تحالف العدوان.لقد أصبحت الدولة تحت رحمة الكيانات الانفصالية والمتطرفة دينيا.فتعدد الدويلات في اليمن يسهل على الغازي الاستيلاء على كل المناطق الواحدة تلو الأخرى…
لقد كان الاحتراب الداخلي وسيلة الأحباش وكالة عن الرومان في احتلال اليمن في القرن السادس الميلادي، فتقف (عك) وقبائل (معد) في الشمال و(شمير وحميّر) وغيرها في الجنوب مع الأحباش، ويهتبل البعض الآخر الفرصة للتمرد على السلطة المقاومة، فتتعدد جبهات القتال هنا وهناك –علي بن علي صبرة – اليمن.. الوطن الأم – 1986م.
وفي العقود الأولى للقرن التاسع عشر انشغلت الدولة بالحروب مع المعارضين من القبائل والأئمة المنافسين، وسعى كل شيخ وعامل للاستقلال بالسلطة في منطقة ولايته، فانفرد آل الكثيري بحضرموت، وآل العبدلي بلحج، وآل هرهرة والعفيف بيافع، ومثلهم آل الفضلي والواحدي والهبيلي إلخ، وقد كانوا عمالا للإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، وللمهدي أحمد بن الحسن، وللمهدي محمد بن أحمد بن الحسن “صاحب المواهب ” –فكان هذا التشرذم والصراعات الداخلية، التي عمل الأتراك على تعزيزها، مما جعل الاحتلال البريطاني يهتبل الفرصة ويحتل عدن والجنوب، ويعود الاحتلال التركي إلى اليمن مرة أخرى في الشمال.

 

قد يعجبك ايضا