الحديدة في الميزان الاستراتيجي الأمريكي

 

إيهاب شوقي *
تأتي معركة الحديدة، أو العدوان على مدينة الحديدة ومينائها البحري اليمني، في سياق أمريكي صهيوني سعودي إماراتي، مفاده استعراض القوة بعد الفشل.
هذا الاستعراض لا يحقق أي مضامين استراتيجية، بل ترتد أضراره على هذا المعسكر المعتدي.
رأينا استعراض نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة كعرض فاشل لتركيع الشعب الفلسطيني بعد تهيئة الأوضاع الإقليمية لهذا التركيع عبر تخاذل وتهاون رسمي عربي، مشفوع بعمالة أطراف عديدة، والتي أظهرت في نهاية المطاف عدم تجاوب أقرب حلفاء أمريكا مع الخطوة الحمقاء.
ورأينا الغارات الأمريكية الفاشلة على قوات الجيش العربي السوري وقوات المقاومة سواء في دمشق أو شرق الفرات، بعد فشل الاستراتيجية الأمريكية باستخدام الأذرع التكفيرية، والتي لم تحقق أي أهداف، بل زادت من صلابة محور المقاومة ووصلت مع الروس إلى حافة الهاوية بما أفضى إلى الفشل.
ورأينا الغارات الصهيونية على سوريا كمحاولة لانتزاع التنازلات من محور المقاومة، والتي قوبلت بتوازن الرعب والفشل الذريع.
والأمثلة عديدة تمر بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وزيادة أعداد الضحايا باليمن من دون مقابل استراتيجي، والتخبط في الملفات الدولية بما فيها ملف كوريا الشمالية والاتفاقات الدولية وغيرها.
في هذا السياق يأتي العدوان على الحديدة، هذا الميناء الذي يشكل مدخلا لما يقرب من 80 % من واردات البلاد من الغذاء ومعظم المساعدات الإنسانية. ويعتمد عليه في الغذاء نحو عشرين مليون شخص كل شهر فضلاً عن المساعدات من المنظمات الإنسانية. والحديدة هي محور الحفاظ على الحياة، وتوقف مينائها سيؤدي إلى عواقب إنسانية كارثية، وفقاً لما صرح به رئيس الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة مارك لوتوك في مؤتمر صحفي مؤخرا.
قد يحقق العدوان على الحديدة بعض الأهداف الأمريكية على صعيد مبيعاتها العسكرية، لكنه حتما لا يحقق تركيع المقاومة والشعب اليمني الحر.
تقول التقارير الغربية إن الدروس المستفادة من الصراع غيرت استراتيجية المشتريات الدفاعية السعودية، ومن أمثلتها صفقة أمريكية سعودية توصلت إليها إدارة ترامب العام الماضي، شملت بيع سفن قتالية ساحلية مصممة للقيام بأعمال عسكرية ساحلية.
كما اتخذت المؤسسة الدفاعية السعودية اهتماماً متجدداً بالمروحيات في هذا العام،حيث ستوفر أمريكا قريباً 120 طائرة هليكوبتر من طراز AH-6. الحرفية المسلحة وهي طائرات خفيفة مناسبة للاستطلاع وبعض المهمات الهجومية.
من أهداف أمريكا الأخرى والتي تأتي في مقدمة أولوياتها، تتبع طريق الحرير الصيني. والحديدة طريق إلى باب المندب وهو أحد الممرات البحرية الأكثر ازدحامًا في العالم حيث يمر منه ما يقرب من 4 ٪ من إمدادات النفط في العالم.
والسيطرة على عدن والحديدة هي تطويق للمضيق من الاتجاهين، أي انه تضييق على الصين وأوروبا المتمردة في بعض الملفات أيضا!
كمثال لهذا التتبع، يمكننا ملاحظة أن الصداقة والتعاون بين الصين واليونان تعززت خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد دعم الصين النشط لليونان خلال أزمة ديونها.
ففي عام 2016م، استحوذت شركة “كوسكو” الصينية (شركة مجموعة الشحن البحري الصينية) على حصة أغلبية في هيئة ميناء بيريوس بعد أن نجحت في توسيع جزء من محطة الحاويات في الميناء خلال السنوات السبع الماضية، ويضطلع ميناء بيريوس، أكبر الموانئ في اليونان، بدور رئيسي في مبادرة الحزام والطريق باعتباره بوابة رئيسية في منطقة الجنوب الأوروبي.
وبعد ذلك التعزيز للتعاون، من غير المستغرب أن نرى، في أواخر الشهر الماضي، وسائل الإعلام اليونانية تذكر أن مدير السياسة النووية لحلف شمال الأطلسي، “فريد فريدريكسون”، زار قاعدة “أراكسوس” الجوية اليونانية في “البيلوبونيز” اليونانية، حيث المواقع المناسبة لتخزين الأسلحة النووية.
وجاءت الزيارة وسط تقارير عن احتمال نقل الرؤوس الحربية النووية الأمريكية من قاعدة “انجيرليك” في تركيا الى اليونان!
هذه المعركة تكشف فيما تكشف، تراجع الدور السعودي وتقدم الإمارات لقيادة العدوان بعد الحمق والفشل السعودي، ولا نظن أن مصير الامارات سيختلف عن المصير السعودي المرتبط بمصير الراعي الأمريكي الصهيوني.
الحديدة ملتقى أهداف استراتيجية أمريكية مع مطامع خليجية وروح انتقامية تمارس المزيد من القتل لحفظ ماء الوجه وتصدير بطولات وهمية.
مجلس الأمن الفاشل في حل أي ملف يتعلق بعودة الحقوق لأصحابها، كان على موعد مع انكشاف جديد لعجزه وتواطؤ أطراف فيه، فقد رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خطوة للمطالبة بوضع حد فوري للقتال حول الميناء الاستراتيجي. وفشل المجلس في الموافقة على بيان يدعو القوات التي تقودها السعودية والإمارات إلى تطبيق وقف إطلاق النار، حيث أعربت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن معارضتهما للنص الذي قدمته السويد.
وبدلاً من ذلك، دعا المجلس إلى ضبط النفس و”حث جميع الأطراف على الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي” في القتال من أجل المدينة التي يسيطر عليها حالياً الجيش اليمني واللجان الشعبية وهو ضوء أخضر للعدوان. تقول “الغارديان”: “الحديدة هي حبل النجاة لإيصال المساعدات، ويمكن لضربات التحالف الجوية أن تقتل العديد من الناس مع مرور الوقت من خلال المجاعة والجوع عند إتلاف هذه البنية التحتية المدنية”.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن تفشي وباء الكوليرا في اليمن قد أودى بحياة 2.272شخصاً مع وجود 1.088.030 حالة مشتبه بها.. وحذرت منظمة أطباء بلا حدود في وقت سابق من هذا العام من أنه من المرجح أن تتفاقم حالات الكوليرا خلال موسم الأمطار في اليمن، الذي يستمر من منتصف أبريل وحتى نهاية أغسطس.
كل هذا الدمار يدين العدوان والمتواطئين معه بالمشاركة أو الصمت، وبقدر هذه الإدانة، تظهر يوماً بعد آخر قوة الجيش اليمني واللجان الشعبية وأبناء القبائل اليمنية الشريفة وصمودهم وتكبيدهم العدوان خسائر فادحة.

قد يعجبك ايضا