الصفقة الملعونة.. مؤامرة القرن

 

لطيفة الحسيني

في خطابه الأخير، أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن “محركات صفقة القرن انطلقت بقوّة”. الخطوات المُتسارعة للمسؤولين الأمريكيين والصهاينة و”أزلامهم” العرب والخليجيين تشير فعلًا الى ذلك. جولة مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير والمبعوث الأمريكي الخاصّ بالمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات في الشرق الأوسط في الأيام الماضية تأتي لترتيب إعلان الصفقة المُزمعة قريبًا. الرجلان تنقّلا بين السعودية وقطر ومصر والأردن والأراضي المحتلة لتنسيق التحرّكات المرتبطة بخطة نسف القضية الفلسطينية.
في الآونة الأخيرة، لا يمضي يوم دون أن يشهد لقاءً يصبّ في خانة التحضيرات الخاصة بالصفقة. كوشنير وغرينبلات اجتمعا بالملك الأردني عبد الله الثاني، بعد أن التقى الأخير رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو. تباحثا أيضًا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري ومدير جهاز المخابرات اللواء عباس كامل بالطرح الأمريكي. حطّا في الدوحة، حيث التقيا الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، واجتمعا كذلك بوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض، فيما تحدّثت التسريبات عن أن السلطة الفلسطينية رفضت عرضًا أمريكيًا لعقد لقاء جماعي يضمّ رئيسها محمود عباس ومستشار ترامب وقادة عرب لبحث عملية التسوية.
لقاءٌ لن يعترف به ابن سلمان..
الأبرز في جولة المسؤولين الأمريكييْن، ما كشفت عنه الصحيفة الفرنسية “إنتليجانس أون لاين” حول القمة الأمنية السرية التي انعقدت في مدينة العقبة في الأردن وضمّت رئيس الموساد يوسي كوهين، ورئيس الإستخبارات السعودية خالد بن علي الحميدان، ورئيس الإستخبارات المصرية عباس كمال، ورئيس الاستخبارات الأردنية عدنان الجندي ورئيس استخبارات السلطة الفلسطينية مجدي فرج، الذي يعتبر أحد المرشحين لخلافة محمود عباس.
بحسب الصحيفة، أشرف كوشنير وغرينبلات على المحادثات لدفع عملية “التسوية” قدمًا. بالموازاة، كشفت الصحافة الصهيونية (“معاريف”) عن حضور محمد بن سلمان جلسة ملك الأردن ونتنياهو في عمّان. وعن هذا اللقاء، ذكرت قناة “الميادين” أنهّ تمّ بالفعل وفقًا لمعلومات مسؤول خليجي رفيع، والمشاورات تركّزت على ترتيبات صفقة القرن.
الدولار يتكلّم..
من هذا المنطلق، يتمحور الجهد الذي يبذله كوشنير حول كيفية إقناع الفلسطينيين بالموافقة على الصفقة. على الرغم من المواقف المُعلنة للسلطة الفلسطينية، يبدو أن صهر دونالد ترامب مُصمّم على انتزاع تلك الموافقة بالإغراءات المالية، فهو قال صراحة الأسبوع الفائت “أنا أؤمن بأن الشعب الفلسطيني يولي اهتمامًا أقلّ لحوارات السياسيين مقارنة بكيف ستُعطيهم الاتفاقية وأجيالهم القادمة فرصًا جديدة ومزيدًا من الوظائف والأجور الأفضل من أجل حياة أفضل”.
يقول الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقال له نشرته صحيفة “الإندبندنت” إن “الصفقة لن تمنح الفلسطينيين سوى كيان هشّ، بلا نهاية للاستعمار، ولا أمن ولا جيش ولا حدود مستقلة ولا وحدة، مقابل مبلغ ضخمٍ من المال والمليارات من الأرباح المُهينة”.
وعليه، يعمل الأمريكيون الآن على الدور الفلسطيني في الصفقة إضافة الى حجم المساهمة المصرية فيها. برأي فيسك، سيضطرّ الفلسطينيون إلى التخلي عن القدس الشرقية كعاصمة فلسطين المستقبلية، مقابل إنسحاب العدو من عدد قليل من القرى شرق القدس وشمالها لإنشاء عاصمة هزيلة خادعة، على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح بالكامل، وتبقى كل مستعمرة يهودية شُيّدت “بشكل غير قانوني” على أرض عربية، فيما ستُسيطر “تل أبيب” على غور الأردن بالكامل، وبالطبع لن يكون هناك أيّ حديث حول حقّ العودة.
ووفق معلومات فيسك، ستذهب مليارات الدولارات إلى مشاريع البنية التحتية، ومنطقة التجارة الحرة في العريش في سيناء، وتتدفق الأموال إلى الضفة الغربية، وتأتي قيادة فلسطينية جديدة بدلًا من محمود عباس تكون أكثر انبطاحًا أمام الأمريكيين “والإسرائيليين”.
على ماذا تنصّ الصفقة؟
خطة ترامب التي يسوّقها مبعوثوه وينتظر أن تُعلن تفاصيلها رسميًا خلال مؤتمر دولي سيعُقد في العاصمة المصرية القاهرة، بحضور ممثلين عن الكيان الصهيوني، تطرح فكرة إعطاء السعودية دورًا متزايدًا في منطقة المسجد الأقصى لانتزاع الوصاية الهاشمية عنها، غير أنها تشمل حلّ الأزمة الخليجية التي مضى على نشوبها أكثر من سنة مقابل مساهمة قطر في تمويل مشاريع غزة.
وتتضمّن الخطة المرتقبة استنادًا الى التقرير الذي رفعه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات الى رئيس السلطة الفلسطينية قبيل انعقاد المجلس المركزي ما يلي:
1- الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”.
2- قيام إدارة ترامب باختراع عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس (خارج إطار الكيلومترات الأربعة) عام 1967م.
3- الإعلان عن موافقة إدارة ترامب على ضمّ الكتل الاستيطانية الى الضفة.
4- إعلان إدارة ترامب عن مفهوم أمني مُشترك لـ”إسرائيل” وفلسطين كشركاء في “السلام”، يشمل: دولة فلسطين منزوعة السلاح مع قوة شرطة قوية، تعاونا أمنيا ثنائيا وإقليميا ودوليا وبما يشمل مشاركة الأردن ومصر والولايات المتحدة، والباب سيكون مفتوحا أمام دول أخرى، وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن والجبال الوسطى، وذلك لحماية “الدولتين”، وتبقي “إسرائيل” على صلاحيات الأمن القصوى بيدها لحالات الطوارئ.
5- إنسحاب القوات “الإسرائيلية” وإعادة تموضعها تدريجيًا، خارج المناطق (أ + ب)، مع إضافة أراضٍ جديدة من المنطقة (ج)، وذلك حسب الأداء الفلسطيني (من دون تحديد الزمن)، وتعلن دولة فلسطين بهذه الحدود.
6- اعتراف دول العالم بـ”إسرائيل” كـ”وطن قومي” لليهود.
7- اعتراف دول العالم بدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني.
8- “اسرائيل” “تضمن” حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع مع الإبقاء على الوضع القائم بها.
9- تخصيص أجزاء من ميناءي أسدود وحيفا ومطار اللد للاستخدام الفلسطيني، على أن تكون الصلاحيات الأمنية بيد “إسرائيل”.
10- توفير ممرّ آمن بين الضفة وقطاع غزة تحت إشراف “إسرائيل”.
11- المعابر الدولية ستكون بمشاركة فلسطينية فاعلة وصلاحيات الأمن القصوى بيد “إسرائيل”.
12- المياه الإقليمية والأجواء والموجات الكهرومغناطيسية تحت سيطرة “إسرائيل”.
13- حلّ “عادل” لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
14- الإبقاء على عبارة الحدود النهائية وقضايا الوضع الدائم يتمّ الاتفاق عليها بين الجانبين ضمن جدول زمني محدد ومتفق عليه.
15- تشريع الأبرتهايد (نظام الفصل العنصري) والاستيطان بمعايير أميركية، من خلال حكم ذاتي أبدي.
تصوّر بيريز لتحقيق التسوية..
الى حدّ بعيد، يتشابه مضمون خطة ترامب مع ما ورد في كتاب رئيس الكيان الغاصب سابقًا شمعون بيريز حين كان وزيرًا للخارجية الصهيونية عام 1993، الذي صدر بعنوان “الشرق الأوسط الجديد” ويطرح تصوّرًا حول كيفية تحقيق “السلام” في المنطقة.
في كتابه، يقترح بيريز مشروعًا اقتصاديًا متعدّد الجوانب من شأنه أن يربط كيان العدو بأكثر من دولة عربية.
من بين بنود هذا المشروع، إنشاء منطقة بحرية حرّة تربط السعودية بالأراضي المحتلة ومصر والأردن، وإنشاء شبكات كهربائية لا تعترف بالحدود، وخلق سوق اقتصادية واحدة بين دول المنطقة، وتحالف عسكري موحّد على غرار حلف الناتو، وإنشاء سكك حديد مشتركة تبدأ بالمغرب وتمرّ بمصر تصل الى تركيا وتنتهي في “تل أبيب”.
التعاون بين “تل أبيب” ودول عربية..
ينسجم ما سبق مع كلام صادر عن مسؤولين صهاينة. رئيس حكومة العدو قال صراحة في سبتمبر 2017 إن التعاون مع الدول العربية بات أكبر من أيّ وقت مضى، فيما تحدّث وزير الحرب الصهيوني السابق موشيه يعلون عام 2016 عن أن السعودية وقّعت على التزامها باتفاقية “كامب دايفيد”، بينما أعلن وزير الاستخبارات والمواصلات في حكومة الاحتلال إسرائيل كاتس الشهر الفائت أن “تل أبيب” تدفع بخطة “قطار السلام الإقليمي” الذي يربط الأراضي المحتلة بالمملكة لتعزيز “المحور الإقليمي لمواجهة إيران”.
حسني مبارك قَبِل بالتوطين..
العام الماضي (2017م)، كشفت محطة “بي بي سي” البريطانية عن وثائق سرية حصلت عليها تفيد أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك قَبِل بتوطين الفلسطينيين قبل أكثر من ثلاثة عقود استجابة لمطلب أمريكي.
وتشير الوثائق إلى أن مبارك كشف عن الطلب الأمريكي وموقفه منه خلال مباحثاته مع رئيسة الوزراء البريطانية مرغريت تاتشر أثناء زيارته إلى لندن في طريق عودته من واشنطن في فبراير/شباط عام 1983 حيث التقى بالرئيس الأمريكي رونالد ريغان.
تحضيرات صفقة القرن أُنجزت وما تبقى هو الإعلان الرسمي فقط الذي أصبح وشيكًا، فيما الزعماء العرب مُصمّمون على إتمامها بأيّ ثمن بحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” الصهيونية التي تقول أيضًا إن “الدول العربية لا تكترث للفلسطينيين”. الهدف الذي ينشدونه بمعية الأمريكيين بات معروفًا: كيان في غزة، وحكم ذاتي في الضفة الغربية، وعاصمة فلسطينية في أحياء في القدس، مقابل التوحّد في مواجهة إيران.

قد يعجبك ايضا