ترسيم مسارات سياحية بالقدس.. عنصرية تحاصر المقدسيين بدعم عربي

 

في خطوة جديدة للسيطرة الكاملة على مدينة القدس المحتلة، وتزييف تاريخها الإسلامي العريق ومنحها الطابع اليهودي الخالص، تسعى حكومة الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة لتطبيق خطة كانت في السابق تُعد حُلماً لها؛ بتحديد مسارات سياحية خاصة يسلكها المسلمون داخل المدينة المقدسة.
التصعيد الإسرائيلي الممنهج ضد القدس وسكانها الفلسطينيين متواصل منذ عشرات السنوات، ولم يتوقف للحظة واحدة، وشمل التهجير القسري والطرد وسحب الهوية المقدسية والاعتقال والاعتداءات، لكنه هذه المرة أخذ منحنى آخر بعد كشف مصادر مطلعة موافقة عربية تدعم خطة الاحتلال بإقامة مسارات سياحية خاصة بالمسلمين داخل مدينة القدس.
وبحسب الخطة الموضوعة، فإن تلك المسارات السياحية الخاصة بالمسلمين يجري الإعداد لتنفيذها على أرض الواقع خلال فترة قريبة لا تتعدى الشهور، وتصل من باب العمود حتى المسجد الأقصى المبارك، وتكون تحت حماية وإشراف من الشرطة الإسرائيلية.
وتحدثت شخصيات مقدسية لـ”الخليج أونلاين”، أن سلطات الاحتلال بدأت تجهيز الأماكن التي ستنطلق منها تلك المسارات السياحية، وكذلك إنشاء نقاط مراقبة جديدة تابعة للشرطة الإسرائيلية بالقرب من تلك الشوارع المقدسية التي ستخصص حسب الخطة الإسرائيلية الموضوعة.
– الخط الأحمر
خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ عكرمة صبري، وصف أي خطوة تجهز لها دولة الاحتلال وتهدف إلى تزييف الطابع الإسلامي لمدينة القدس المحتلة، وتغليفه بالطابع اليهودي المزيف، بأنها “تجاوز خطير” لن يقبل به أهل القدس وسيتصدون له بكل قوة.
وأكد أن حكومة الاحتلال تتجاوز كل الخطوط الحمراء داخل مدينة القدس ومحيطها من خلال السرقات، والاعتداءات، وحملات التهجير القسري، وسحب هويات مقدسيين واعتقالهم وهدم منازلهم، والاعتداء على المقدسات وتدنيسها بشكل يومي وضمن خطة ممنهجة.
الشيخ صبري حذر “إسرائيل” من تنفيذ أي مخطط جديد يهدف إلى تقسيم المدينة المقدسة بين الإسلام وغيره من الديانات عبر ما تسمى “المسارات السياحية للمسلمين”، مؤكداً أن هذه الخطوة تهدف إلى إعطاء الاحتلال شرعية لوجوده داخل المدينة، وأن للمسلمين مجرد مسارات وطرق خاصة، والباقي هو ملك لليهود ودولة الاحتلال.
وشدد خطيب المسجد الأقصى على أن “القدس هي مدينة محتلة من قبل “إسرائيل”، وهي مدينة للمسلمين وليس لليهود فيها صلة أو شأن، وأن محاولات الاحتلال لتغيير المعالم الإسلامية والدينية لهذه المدينة المقدسة من خلال الخطط العنصرية والتهويدية التي تُحاك ليل نهار ضدها ستقابل بغضب فلسطيني عارم قد تصل للتصعيد الميداني، وهذا ما تسعى له حكومة الاحتلال لجر المدينة لموجة مواجهات دائمة وقلب المنطقة”.
“جرأة الاحتلال في طرح تلك المخططات التي تستهدف القدس ومكانتها الإسلامية العظيمة، ما جاء لولا موقف العالمين العربي والإسلامي المتراخي والمشجع لتنفيذ مخططات أكثر خطورة”، يقول حاتم عبد القادر، مسؤول ملف القدس في حركة “فتح”.
ويضيف “الاحتلال يستغل جيداً الموقف العربي والإسلامي المترهل والضعيف، ويحاول أن يسابق الزمن في تغيير الواقع القائم داخل المدينة المقدسة واستبداله بواقع جديد تغطيه المعالم الصهيونية واليهودية المتطرفة”.
ويلفت إلى أن الحديث عن تدخل الاحتلال بفرض سيادته وسيطرته الكاملة على المدينة، وإعطاء أهل القدس بعض الحقوق والصلاحيات، ما هو إلا جزء صغير من مخطط “إسرائيل” الكبير لما يسمى بـ”القدس 2020″، والذي يعد الخطر الأكبر الذي يحيط بالمدينة وسط صمت عربي وإسلامي مخيف.
ومنذ توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على قرار اعترافه بمدينة القدس المحتلة عاصمة لـ”دولة إسرائيل”، 6 ديسمبر من العام 2017، ضاعفت سلطات الاحتلال من خطواتها العدوانية والتصعيدية ضد المدينة وسكانها على عدة مستويات اقتصادية وسياسية ودينية، وهو ما فاقم من أوضاعهم المعيشية بشكل ملحوظ، وارتفعت معدلات البطالة بين المقدسيين لأرقام مخيفة تجاوزت الـ25%، فيما وصل معدل الفقر لـ80%.
– خطوة نحو التطبيع
وفي السياق ذاته، يقول جمال عمرو، الخبير في شؤون القدس: إن “الاحتلال يريد أن يرسم ملامح جديدة لمدينة القدس المحتلة ومحيطها، بعيداً عن الملامح الإسلامية التي عرفت بها المدينة آلاف السنوات الماضية”.
ويضيف عمرو أن “المخطط الأخير الذي ينوي الاحتلال تنفيذه، والمتعلق بتحديد مسارات سياحية خاصة للمسلمين في شوارع المدينة المقدسة، ما هي إلا خطوة جديدة من قبل الاحتلال لحصار المسلمين في المدينة بمساحة لا تتجاوز الـ10%، وإبقاء الـ90% الأخرى لمصلحة اليهود والمستوطنين”.
واعتبر أن مخطط تحديد المسارات “تجاوز إسرائيلي خطير يخدم مصالحه في السيطرة الكاملة على المدينة، خاصة أن تلك المسارات ستكون بحماية من الشرطة الإسرائيلية”، لافتاً إلى أن تلك المسارات “تمهد الطريق نحو تطبيع علني مع كل الدول العربية والإسلامية التي تلهث وراء التطبيع مع إسرائيل”.
وشدد الخبير في شؤون القدس على أن المدينة “كلها” لأهل فلسطين، ومحاولة الاحتلال إنشاء مسارات محددة للمسلمين فقط داخل المدينة تصل بين مناطق سياحية هامة ما هو إلا “ترويج زائف لدعاية الاحتلال باحترامه للأديان، ومحاولة تجميل صفحته السوداء المليئة بالجرائم”.
ووجه عمرو نداء لكل الدول العربية والإسلامية التي ترسل وفودها إلى مدينة القدس للسياحة، برفض التعامل مع “إسرائيل” من خلال تلك المسارات، أو حتى السماح لمواطنيهم بالخضوع لها والسير من خلالها، مؤكدًا أن حرب الاحتلال على القدس وسكانها سياسية ودينية واقتصادية تجاوزت كل الأرقام بعد خلقها واقعاً صعباً ومريراً على المقدسيين.
ويعيش في القدس الشرقية 320 ألف فلسطيني يشكلون 36% من مجمل سكان القدس بشطريها، في المقابل يعيش نحو مئتي ألف مستوطن بالقدس الشرقية.
وتشير إحصاءات إسرائيلية رسمية إلى أن 80% من الفلسطينيين في القدس الشرقية فقراء، وأن نسبة البطالة بين الفلسطينيين في القدس تصل إلى 25%، أما معدل الدخل فيبلغ للفلسطيني نحو ألف دولار، وهو أقل من نصف تكلفة المعيشة بالمدينة.

قد يعجبك ايضا