الزكاة في الإسلام .. والمقاصد الشرعية منها

 

العلامة/ عبدالرحمن شمس الدين

تعتبر الزكاة ثالث أركان الإسلام لما روي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ أنه قال: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا» وقرنها الله بالصلاة في كتابه في ثمانية وعشرين موضعاً مما يدل على أهميتها البالغة ومكانتها السامقة، ثم إن ذكر الصلاة في مواضع كثيرة يرد مقروناً بالإيمان أولاً وبالزكاة ثانياً.
يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: (ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلَاةِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً فَلَا يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ وَلَا يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ مَغْبُونُ الْأَجْرِ ضَالُّ الْعَمَلِ طَوِيلُ النَّدَمِ).
كما أن الله سبحانه وتعالى جعل إيتاء الزكاة من أسباب النصر والفلاح والتمكين في الأرض، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[لقمان: 4، 5] وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )[الحج:41].
المقاصد الشرعية من فريضة الزكاة
لقد فرض الإسلام الزكاة وجعلها ركناً من أركانه، وأثبت لها منزلة عليا ومكانة عظمى، وما ذلك إلا لما يتحقق من تطبيقها والأخذ بها من مقاصد شرعية عظيمة تعود على الغني والفقير ومجتمعهما بالخير الكثير في الدنيا والآخرة ومن تلك المقاصد:-
أولًا: تحقيق التعبد لله بامتثال أمره والقيام بفرضه، فقد جاءت النصوص بالأمر بأداء هذه الفريضة كما قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[البقرة:43] وبيّن أن ذلك من صفة المؤمنين الطائعين في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التوبة:18].
فالمؤمن يتعبد الله بامتثال أمره بإخراج الزكاة بالقدر المطلوب شرعاً وصرفها في مصارفها، فليس ذلك ضريبة مالية بل هي طاعة لله وقربة.
ثانياً: شكر نعمة الله بأداء زكاة المال المنعم به على المسلم قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7] فشكر النعمة فرض على المسلم، وبه يتحقق دوام النعم وزيادتها.
ثالثاً: تطهير المزكي من الشح والبخل.
رابعاً: تطهير المزكي من الذنوب، كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[التوبة:103].
خامساً: تطهير مال الزكاة.
سادساً: تطهير قلب الفقير من الحقد والحسد على الغني.
سابعاً: نماء مال الزكاة.
ثامناً: تحقيق الضمان والتكافل الاجتماعي، فالزكاة جزء رئيس من حلقة التكافل الاجتماعي التي تقوم على توفير ضروريات الحياة من مأكل، وملبس، ومسكن، وسداد الديون، وإيصال المنقطعين إلى بلادهم ونحو ذلك من أوجه التكافل التي قررها الإسلام كما في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[المائدة:2]، وكما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
فالزكاة وسيلة كبرى للتعاون والتراحم والتضامن بين الناس، وبها تندفع آفات خطيرة عن المجتمع كالحسد والبغضاء مما يُمَكِّن المسلمين من التعاون على البر والتقوى وتحقيق الغاية التي خلقوا لها وهي عبادة الله.
تاسعاً: تنمية الاقتصاد الإسلامي: فللزكاة أثر إيجابي كبير في دفع عجلة الاقتصاد الإسلامي وتنميته، وذلك أن ثمار مال الفرد المزكي تعود على اقتصاد الجميع بالقوة، كما أن فيها منعاً لانحصار المال في يد الأغنياء كما في قوله تعالى: ﴿كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر:7] فوجود المال في أيدي المجتمع يؤدي لصرفه في شراء ضروريات الحياة، فيكثر الإقبال على السلع فينشأ من هذا كثرة الإنتاج مما يساهم في كثرة العمالة والقضاء على البطالة فيعود ذلك على الاقتصاد الإسلامي بالفائدة، وليس المهم أن تجمع المال وتجبيه فقط، فالأهم في موضوع الزكاة أن تعرف كيف تصرف أموال الزكاة تضعها في مكانها الصحيح وموضعها المناسب.
ومن المؤسف أن التطبيق العملي للزكاة أصبح نادراً بل أقل من النادر نظراً لإهمال الناس لها، وتقصيرهم في تنفيذها وغياب الجهة المسؤولة عن المتابعة.
فلو أن الدولة تابعت أمر الزكاة وصبت اهتمامها في الجمع والتوزيع المطلوب شرعاً لاستطاعت تحقيق جانب مهم من جوانب الإصلاح الاجتماعي وإقامة ركن من أركان العدل الاجتماعي في الحياة.
وكم قد حث السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله تعالى بإصدار قانون للزكاة يكفل صرفها في مستحقيها، لأن الزكاة لو أخذت على الوجه الشرعي من كل مكلف بها، وصرفت بكاملها في أوجهها الشرعية لكانت كافية لسداد حاجات جميع المستحقين لها في جميع البلاد الإسلامية، ولأخرجتهم من حد الفقر والعوز إلى حد الغنى والاكتفاء، وبذلك تتغير حال الشعوب الإسلامية من التخلف والاعتماد على المعونات الاقتصادية المقدمة من الشعوب الأخرى، إلى حال القدرة على الاكتفاء الذاتي؛ الأمر الذي سيكفل للأمة الإسلامية العزة والرفعة والتمكن من اتخاذ القرارات المصيرية بجدية وكفاءة، ويرفع المستوى المعيشي لجميع أفراد الأمة الإسلامية.
هذه الفريضة التي كثيراً ما تقترن بالصلاة يجب أن يكون شأن المسلمين فيها أو شأنها عندهم جميعاً كشأنهم في الصلاة، وشأن الصلاة فيهم، تحديد بيّن واضح لا لبس فيه ولا خلاف، خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا شك أن هناك أموراً جدت في عصرنا لم تكن موجودة من قبل وهذه الأمور تحتاج إلى إصدار حكم في شأنها يريح الناس من البلبلة ويرد على الأسئلة الحائرة على ألسنة الكثير من المسلمين، فهناك ثروات ومدخولات حديثة غير الأنعام والنقود والرزق والثمار، هناك العمارات الشاهقة التي تشيد للإيجار والاستغلال، والمصانع الكبيرة، والآلات والأجهزة المتنوعة، هناك رؤوس الأموال الثابتة أو المنقولة التي تدر على أصحابها أموالاً كثيرة من إنتاجها أو كرائها للناس كالطائرات، والسفن، والسيارات، والفنادق، والمطابع، وغيرها، هناك أنواع من الشركات التجارية والصناعية، هناك الكثير من المؤسسات هل تدخل هذه الإيرادات، وتلك الأموال النامية في وعاء الزكاة، أم تقتصر الزكاة على ما كان في الماضي، وإذا قلنا بوجوب الزكاة فيها، فما مقدار الواجب ومتى يجب؟
هناك الأنصبة والمقادير الشرعية التي وردت بها النصوص في الزكاة كالأوسق الخمسة في نصاب الثمار، والدراهم المائتين، والدنانير العشرين، في زكاة النقود كيف نحدد هذه الأنصبة الآن وكيف نترجمها إلى مقاييس العصر، أسئلة يتطلب عصرنا الجواب عليها؟
الذي تجب فيه الزكاة
تجب في الذهب والفضة والجواهر واللآلئ والدر والياقوت والزمرد والسوائم الثلاث وهي: الإبل، والبقر، والغنم، وما أنبتت الأرض، والعسل، إذا حصل من ملكٍ، ولو كانت هذه الأصناف وقفاً، أو وصية، أو بيت مال، لا فيما عداها إلا لتجارة أو استغلال.

قد يعجبك ايضا