التخصص الجامعي.. لمن استطاع إليه سبيلاً

> الجامعات الحكومية.. إمكانيات فقيرة ونجاحات متواضعة
> نسبة المقاعد المخصصة للموازي وأقارب الأكاديميين ضاعفت أزمة المقاعد الخاضعة للتنافس
> أكاديميون:البوابة الالكترونية للقبول والتسجيل منعت الرشاوى والمحسوبيات
> متقدمون لامتحانات القبول:أسئلة تعقيدية وحرمان متعمد للمتقدمين

تحقيق/ سارة الصعفاني
يواجه نظام التعليم الجامعي إشكاليات عديدة منها أزمة المقاعد المتاحة للتنافس بالجد والمثابرة ، وعدد الاحتياج للكليات وعدد الطلاب المتقدمين، ففي حين تعلن إحدى الكليات العلمية بجامعة صنعاء عن توفر 60 مقعدا، دراسياً جديداً لديها يتقدم في ذات الوقت 3 آلاف طالب وطالبة، وهو ما زاد المشكلة تعقيداً حتى بات مجرد الحصول على مقعد دراسي ولو بدفع أضعاف ثمنه (موازي/ نفقة خاصة) هو المستقبل بحد ذاته.
معاذ الحذيفي – خريج كلية الآداب بجامعة صنعاء – تحدث عن أزمة القبول في الجامعات الحكومية بالقول : قد لا تستطيع حكومة الإنقاذ في واقعنا المعاش معالجة مشكلة المقاعد المحدودة والطاقة الاستيعابية الضيقة ولا يكمن الحل بالتسجيل عبر البوابة الإليكترونية فقط – التي ربما منعت الرشاوى من جهة الإداريين واحتفظت بعادة من يحكم يستحوذ .. لكن وفقاً لما يُتاح بالإمكان جعل الجامعة مكاناً للمؤهلين بمعيار الأفضلية باختبار قدرات وكفاءات حتى نضمن مخرجات تعليم جامعي ترتقي بواقع اليمن أما المعدلات المرتفعة فلم تعد دليلاً على التفوق بجدارة في زمن الغش.
أمير السنفي، طالب في كلية الطب، من جهته قال: امتحانات القبول في الجامعات أسئلتها تكرار لما جاء في مقررات التعليم الثانوي ما يضع مسافات أمام اكتشاف لجنة التصحيح القدرات الفردية والميول ولا تعكس الإجابات ثقافة وسعة اطلاع الطالب بالمجال الذي يرغب بالتخصص فيه خاصة عندما تكون الأسئلة بالنظام الأمريكي ‘‘ خيارات ‘‘ وبعض التخصصات تعتمد كلياً على معدل الشهادة الثانوية في القبول لتقوم بالمفاضلة يليها أقدمية التنسيق للقبول ؛ وكنتيجة معيار الأفضلية عند القبول معدل الطالب في الصف الثالث ثانوي ورصيده في البنك قبل أن يكون أداؤه في امتحان تحديد المصير في الجامعة .
مضيفاً: من جهة أخرى صرنا في زمن التخصص ما يعني يفترض عدم أخذ معدل الشهادة الثانوية كاملاً عند احتساب درجات التنافس على المقاعد الدراسية المحدودة والاكتفاء باحتساب درجات الطالب في المواد ذات العلاقة بالتخصص الجامعي الذي يريد الالتحاق به، فمن غير المعقول أن يمنع طالب متفوق في مادة الرياضيات من دخول كلية الهندسة لأن درجاته في اللغة العربية والأحياء منخفضة !
مقاعد محجوزة
هبة طه انتقدت ما يحدث من محسوبية وتخصيص لمقاعد دراسية بمسميات مختلفة ليست خاضعة للتنافس النزيه حيث قالت:
أن يكون لأعضاء هيئة التدريس وموظفي الكليات على امتداد وطن مقاعد خاصة تساوي المقاعد المخصصة لأبناء عامة الشعب هنا لابد من إعادة النظر في المقاعد المحجوزة بكل تسمياتها ومبرراتها ما دام أن المتقدمين لخوض امتحانات القبول الجامعي مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات أمام قانون وطن يتسع للجميع.. ماذا تبقى في كلية طب الأسنان كمثال من مقاعد إذا كان 60 مقعدا سنوياً من نصيب أساتذة الجامعة !
امتحانات شكلية
حسن الغيل، حاصل على معدل 87 % علمي، لم يُقبل لمرتين في جامعة صنعاء، عن مشكلته تحدث بالقول: في بعض التخصصات لا بد من خضوع الطالب المتقدم للتعليم الجامعي لاختبار ‘‘ مقابلة شخصية ‘‘ وهنا تكون الأسئلة أقرب لكونها جلسة تعارف لا تتعدى 180 ثانية من تقييم أداء ومعرفة مخزون الطالب المعرفي التراكمي.. هنا مستقبلك مرهون برغبة ومدى ارتياح من يقابلك فقط .. وامتحان اللغة الإنجليزية صعب كأنه اختبار للمتقدمين للتوفل !
حينها وصلت لقناعة أن امتحانات القبول في جامعة صنعاء شكلية تعجيزية ليس أكثر والتحقت بكلية الإعلام ولكن في جامعة خاصة.
دائرة مفرغة
تبدأ معدلات القبول للتعليم الجامعي من 60 % في الثانوية ما جعل مخرجات التعليم الجامعي هي ذاتها مخرجات التعليم العام دونما تطوير ، والأسوأ أن يكون هذا المعدل المنخفض مقبولاً في تخصصات كليات التربية المنتشرة على امتداد وطننا ما يعني إعادة تدوير الواقع البائس فيما العالم من حولنا يحرص على اختيار معلمين حاصلين على الأستاذية والدكتوراه لتدريس طلاب المرحلة الابتدائية كأبسط إجراء.
19 كلية تابعة لجامعة صنعاء فيها 96 تخصصاً فضلاً عن وجود عدد من مراكز الدراسات والأبحاث هي الثابت في واقع متغير علمياً وتقنياً يتسارع نموه السكاني ويتطور مستوى الوعي المجتمعي فيه سريعاً ما جعل أغلب خريجي الثانوية العامة يرغبون باستكمال التعليم ما فاقم المشكلة التي لم تسع الحكومات المتعاقبة لمعالجتها.
أزمة ضمير .. ولا رقابة
يقدر عدد المتقدمين لخوض منافسة الحصول على مقعد دراسي مجاني أو مدفوع بعشرات الآلاف من الراغبين بحجز تذكرة الوصول للمستقبل رغم أن المقاعد المتاحة للنظام العام لا تتجاوز عشرة آلاف مقعد في كل الكليات التابعة لجامعة صنعاء، لكنها محاولات أكبر من اتساع المباني وتتجاوز إمكانياتها المتواضعة ومستلزماتها المعدومة حيناً حد عدم توفر مجرد مايك في كثير من الكليات فكيف للجامعات الحكومية منح مقاعد لكل الناجحين في امتحان القبول ما جعل مجرد الحصول على مقعد دراسي في الجامعات الحكومية ولو بشرائه في مخالفة لمجانية التعليم هو المستقبل بحد ذاته.
نتحدث عن إمكانية زيادة القدرة الاستيعابية للجامعات الحكومية ومجانية التعليم والتعليم النوعي وتطوير المناهج الجاهزة التي عفى عليها الزمن في واقع لم تجد معه كلية الإعلام بجامعة صنعاء إنصافاً ليس في المعنى فحسب وإنما في المبنى.
مغالطات مكشوفة
وبمعيار الأسبقية والأفضلية والعدالة والإحساس بالمسؤولية الوطنية ليس هناك ما يبرر للجامعات الحكومية فرض النظامين “مواز ونفقة خاصة” ما دامت هذه المقاعد تؤخذ من حصة مقاعد النظام العام التنافسي بدليل أن المحاضرات مشتركة.. وباستثناء المستفيدين من إيرادات الجامعات الحكومية الكل يتساءل باستنكار لماذا لا تنعكس الإيرادات على تطوير العملية التعليمية والبنية التحتية واستغلال المساحات المفتوحة داخل الجامعات ؟!
تفعيل المساءلة
إذ أن الإيرادات التي يتم تحصيلها فقط من رسوم امتحان القبول الذي يتقدم إليه عشرات الآلاف بمبالغ تتفاوت بين 3500ريال ، 2500ريال و1500ريال في النظام العام فقط فضلاً عن رسوم التسجيل والخدمات .. فكم تبلغ إيرادات الجامعة من النظام الموازي والنفقة الخاصة والتعليم عن بُعد والمراكز العلمية؟
إذ يدفع الطالب في كليتي الطب والهندسة في نظام النفقة الخاصة ‘‘ لا تنافسي ‘‘ ثلاثة آلاف دولار سنوياً.
أن نتحدث عن جامعة صنعاء لا يعني أن المشكلة لا تتعداها لكنها في قلب العاصمة صنعاء المكتظة بالسكان ما فاقم أزمة المقاعد المحدودة والمحجوزة أساساً.
وكوضع الموظفين في جميع الجهات الحكومية حيث يتقاضى موظف شركة النفط أو مؤسسة الاتصالات أضعاف راتب موظف في وزارة المياه تجد أن إيرادات جامعة صنعاء لا تصرف حسب حاجة الكليات وإنما تُغطي كل كلية احتياجاتها وإن لم تكن تكفي فهذه مشكلتها الخاصة ضمنياً.
مشكلة الطاقة الاستيعابية المحدودة ليست وليدة السنوات الأخيرة لكن المشكلة تضاعفت نتيجة محذوفات المقررات والبساطة في أسئلة امتحانات الشهادة الثانوية الوزارية.
أعلى المعدلات
ورقمياً بحسب كشوفات وزارة التربية والتعليم بلغت نسبة النجاح في الشهادة الثانوية خلال الأعوام الأخيرة أعلى نسبة نجاح منذ عام 1997م بفارق كبير، ومنذ عام 1996م لم تتعد نسبة نجاح طلاب المرحلة الأساسية ‘‘ الصف التاسع ‘‘ التسعينيات إلا في العام الدراسي 2014/ 2015م وما يليه إذ بلغت 97 %، و94 % في عام 2015 /2016م ،وفي العام الماضي بلغت النسبة 96 %.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الناجحين في العامين الأخيرين 313563 طالباً وطالبة من عدد 555595 متقدماً لامتحانات الشهادة الثانوية في حين بات التعليم في المحافظات الجنوبية خاضعاً لحكومة اللاشرعية بعد تغييرها نظام التعليم هناك.
لا تسألوا ..
كما تحفظ المختص بجامعة صنعاء المسجل العام عن ذكر عدد المتقدمين لامتحانات القبول، وعدد المقبولين في النظامين الموازي والنفقة الخاصة بجزأيها “تنافسي ولا تنافسي” ولو في السنوات الماضية لتتضح الصورة ليس أكثر مكتفياً بذكر عدد المقاعد المخصصة للنظام العام ليبقى عدد المقاعد المدفوع ثمنها والمحجوزة كالعادة لكن المشكلة قائمة وبحاجة ماسة لمعالجات آنية ومستقبلية، رغم العدوان والحصار فالنجاح يولد من رحم المعاناة وحاضر الأوطان ومستقبلها يبدأ باهتمام الحكومات بالتعليم بكل مستوياته كمياً .. ونوعياً.

قد يعجبك ايضا