قانون القومية: تهويد فلسطين وشرعنة للعنصرية

جهاد حيدر
يشكل سن قانون “إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي” تتويجاً لمخطط تهويد فلسطين. ويأتي امتداداً لمسار المخطط الصهيوني الذي مر بمراحل، وصولاً إلى إعلان أن “ارض إسرائيل (يقصدون فلسطين التاريخية) هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي…”، وأن حق تقرير المصير في “دولة إسرائيل” حصري للشعب اليهودي.
ونص القانون على أن الهجرة التي تؤدي إلى المواطنة التلقائية هي حصرية لليهود بموجب “قانون العودة”؛ “القدس الكبرى والموحدة هي عاصمة إسرائيل”؛ العبرية هي لغة الدولة؛ اللغة العربية تفقد مكانتها كلغة رسمية في الدولة وسيحدد لها القانون مكانة خاصة بشكل منفصل؛ تعمل الدولة على تشجيع الاستيطان اليهودي والدفع به ومأسسته؛ النشيد الوطني هو “هتكفا/ الأمل”، العلم هو العلم الإسرائيلي، يوم “الاستقلال” هو يوم عطلة وطني، التقويم العبري هو تقويم رسمي، والعطلات الرسمية هي الأعياد الرسمية اليهودية؛ وأن الدولة ستعمل على تعزيز العلاقات مع “يهود الشتات”.
هكذا ألغى الكيان الإسرائيلي أي حق للشعب الفلسطيني في أي بقعة من فلسطين (باعتبارها الوطن التاريخي للشعب اليهودي). وحتى المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بحكم تواجدهم داخل ما يسمى بـ”دولة إسرائيل”، ممن تبقى من الذين هُجروا في العام 1948م، تم حرمانهم بموجب هذا القانون من حق تقرير المصير داخلها. ويأتي هذا القانون كخيار بديل عن عدم إمكانية مواصلة سياسة الترانسفير الجماعي، ويرمي إلى اقتلاع روح الشعب الفلسطيني من أرض فلسطين، إن لم يعد بالإمكان إخراجهم منها عبر ترانسفير جديد.
صحيح أن القانون يشرعن سلوكا إسرائيليا يمارس على أرض الواقع منذ عقود، ولكن تحول هذا السلوك إلى ممارسة “قانونية”، يعني تجذره وتحوله إلى سياسة رسمية وسيؤدي ذلك إلى تفاقمه باعتباره ممارسة مشروعة. أضف إلى أنه سيتحول من منظور دولي إلى أن إسرائيل تنفذ قوانينها و”دستورها”.
أوحت نسبة التصويت على القانون، تأييد 62 مقابل معارضة 55 وامتناع اثنين عن التصويت، كما لو أن هناك أحزابًا إسرائيلية تعارض هذا المخطط التهويدي. لكن الواقع أن أيا من الأحزاب اليهودية لا يختلف مع آخر حول الحق المزعوم بكامل فلسطين، إلا أن هذه التباينات تنبع من صراعات داخلية حول أسس الديمقراطية وعلاقة الدين بالدولة، بالإضافة إلى الخشية من ردود أفعال “المجتمع الدولي”، إزاء بعض البنود الصريحة في عنصريتها.
خطورة هذا القانون في الداخل الفلسطيني، أنه سيكون أسمى من بقية القوانين، حيث سيطغى على كل تشريع عادي وسيؤثر على تفسير قوانين الأساس (أي القوانين الدستورية)، لأنه سيسن الهوية الدستورية للنظام، وبذلك، لا بد أن يكون تفسير القوانين متوافقًا مع روح هذه الهوية الدستورية.
في كلّ الأحوال، إن توقيت سن القانون الذي تتجاذبه المواقف منذ سنوات في الداخل الإسرائيلي، لم يكن عرضياً، بل يتصل بسياق سياسي ينطوي على جملة تطورات حصلت على مستوى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأخرى تتصل بالبيئتين الإقليمية والدولية. ويندرج ايضا في إطار تحولات عميقة في بنيته السياسية وعبرت عن ذاتها في العقد الأخير.
أتى سن القانون في ظل إصرار الطرف الفلسطيني التسووي على رفض الاستجابة لشرط الاعتراف بـ”إسرائيل” كـ”دولة” يهودية. وأيضا، بفعل إدراك مسبق بأن النظام العربي الرسمي بات مهيأ لخطوة من هذا النوع. وبعدما بات يتعامل مع القضية الفلسطينية على أنها عبء لن يوفر طريقا للتخفيف منه.
في المقابل، واستنادا لنفي مبدأ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في ما تسميه “أرض إسرائيل” حسب البند الأول لـ”قانون أساس القومية”، قد تكون هناك إمكانية لمنح حقوق معينة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة مثلا، لكنها لن تتجاوز في الحد الاقصى من التفاؤل، سقف الحقوق الفردية للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، لكونها لا تعتبر بشكل واضح على أنها جزء مما يسمى بـ”دولة إسرائيل”. مع ذلك تبقى الضفة بنظره جزءًا من “أرض إسرائيل”، التي ليس للشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره فيها، أي بمعنى إقامة دولته فيها. وفي أحسن الأحوال قد تمنح حكما ذاتيا لسكان الضفة الغربية، لكن المستوطنين اليهود فقط، هم من يحققون في تواجدهم في الضفة حق تقرير المصير، والتي وفق القانون “أرض إسرائيل” كلها، أي فلسطين كلها، هي وطن لليهود.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن القانون حدد الوطن، والدولة والحق الحصري في تقرير المصير، والعلم واللغة والرموز… إلا أنه تعمد تجاهل أي تطرق لحدود دولة إسرائيل، أو حتى حدود “أرض إسرائيل”.
* كاتب متخصص في الشأن العبري

قد يعجبك ايضا