السعودية تلتف على الوصاية الهاشمية في القدس.. والرفض المقدسي بالمرصاد

تواصل السعودية نسج خطط جديدة حول مدينة القدس المحتلة بكل دقة وفي كل زاوية؛ بهدف السيطرة على مقدساتها الإسلامية، وسحب بساط الوصاية من تحت أقدام المملكة الأردنية الهاشمية.
“المال والنفوذ” سلاحان تعتمد عليهما الرياض كثيراً في تحريك مخططات السيطرة على مدينة القدس وإغراء سكانها، لتكشف عن فصول حرب خفية وطاحنة تجري خلف الكواليس وداخل الغرف المغلقة ضد الأردن، الذي يتبنى مواقف سياسية مخالفة لتوجهات السعودية، وخاصة ما تسمى “صفقة القرن” والعاصمة الفلسطينية.
خلال الأشهر الأخيرة أبدت الرياض اهتماماً “مفرطاً” بملف القدس، فدعمت المدينة بـ150 مليون دولار خلال القمة العربية الأخيرة التي عقدت في 15 أبريل الماضي، وتوافقت في حلول سياسية تستثني القدس من دائرة الصراع مع “إسرائيل”، إضافة إلى الشبهات التي لاحقتها برفقة دولة الإمارات بشراء عقارات مقدسية داخل المدينة وبالقرب من المسجد الأقصى، إضافة إلى ضخ الأموال لشراء ذمم المقدسيين لتغيير توجهاتهم ومعتقداتهم.
هذه الخيوط مجتمعة ترى شخصيات مقدسية ومراقبون أنها جزء من “مخطط خبيث”، تقف خلفه السعودية للسيطرة على مقدسات المدينة وزيادة نفوذها، وسحب الوصاية الهاشمية بشكل تدريجي لتتحكم بها في سابقة تاريخية.
صفعة قوية للسعودية
وفي إطار طموحها الكبير للسيطرة على مدينة القدس والحصول على مفاتيح الوصاية، كشفت قيادات فلسطينية رفيعة المستوى في السلطة بالضفة الغربية، عن اتصالات مكثفة جرت خلال الأسابيع الماضية مع مسؤولين سعوديين ركزت جميعها على وضع المدينة والوجود السعودي فيها خلال المرحلة المقبلة.
وأكدت القيادات الفلسطينية، في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”، أن الرياض طلبت من شخصيات نافذة في السلطة ومقربة منها بشكل رسمي دعم توجهاتها في القدس، وتهيئة الأجواء الشعبية والتجهيز لزيارة وفود إعلامية وسياسية ودينية سعودية للمدينة المقدسة.
وأضافت: “السعودية تسعى أن يكون لها وجود دائم وقوي داخل مدينة القدس خلال الفترة المقبلة، وترى في تقوية نفوذ قيادات في السلطة وشخصيات مقدسية موالية لها ومؤثرة في الشارع، النافذة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف؛ لذلك بدأت بخطوة التقرب من المقدسيين من خلال تلك الشخصيات”.
ولفتت إلى أن الرياض “لا تعارض أن يكون المدخل الرئيسي لها للتوغل في المدينة ومنعرجاتها، وتغيير وجهة النظر السلبية السائدة تجاهها، بالأموال والمشاريع الاقتصادية والإنسانية”، مشيرةً إلى أن المملكة رغم أنها تواجه رفضاً مقدسياً كبيراً لوجودها ومشاريعها فإنها تواصل “نسج خيوطها” في كل مكان.
وكشفت القيادات الفلسطينية ذاتها لـ”الخليج أونلاين”، أن السعودية طلبت من بعض الشخصيات المقدسية (إسلامية ومسيحية وإعلامية) أن تزور الرياض للقاء الأمير محمد بن سلمان، والتشاور في ملف القدس وتوطيد العلاقات مع أهل المدينة، إلا أن تلك الشخصيات وجهت “صفعة قوية” للرياض حين رفضت تلك الدعوة، بحجة أن “أهدافها مشبوهة” وستركز على شراء الذمم والضغط لسرقة مفتاح الوصاية من عمان.
الجدير ذكره أن الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس بدأت خلال عام 1924، تزامناً مع نهاية الخلافة العثمانية، وفي عام 1988 قرر ملك الأردن الحسين بن طلال فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، باستثناء الأماكن المقدسة في القدس التي بقيت تحت الوصاية الأردنية، بطلب من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي أعلن قيام دولة فلسطين في العام ذاته.
وبتاريخ 31 مارس من عام 2013، وقع الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، اتفاقية تاريخية، أعاد فيها “أبو مازن” التأكيد أن ملك الأردن هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصاً المسجد الأقصى المعرف في هذه الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف.
مشاريع مشبوهة
وفي السياق ذاته، أكد المدير السابق للوعظ والإرشاد في أوقاف القدس الشيخ رائد دعنا، أن التحرك السعودي داخل مدينة القدس بدأ يظهر بشكل واضح وملفت خلال الفترة الأخيرة “تحت تسميات مشبوهة” كالمشاريع الإنسانية أو السياسية.
وأكد دعنا لـ”الخليج أونلاين” أن النفوذ السعودي داخل المدينة المقدسة بدأ يتسع تدريجياً من خلال شخصيات فلسطينية ومقدسية نافذة ولها تأثير في الشارع، و”هذا الأمر بات مقلقاً ومثيراً للكثير من التساؤلات حول الأهداف التي تسعى لها الرياض في المدينة”.
وأوضح أن الرياض طلبت أكثر من مرة من شخصيات دينية وإعلامية مقدسية زيارة الرياض ومبايعة محمد بن سلمان وصياً على الأماكن المقدسة، إلا أنهم رفضوا تلك المطالب، وأكد أن المحاولات السعودية للسيطرة على المدينة وسحب بساط الوصاية من تحت أقدام الأردن لن تتوقف، مشدداً على رفض المقدسيين القاطع لأي دور أو وصاية سعودية على المقدسات الإسلامية، وأن أهل المدينة سيتصدون لها بكل قوة.
وكانت صحيفة “القدس العربي” اللندنية قد كشفت في 19 ديسمبر من عام 2017 عن نشوب خلافات في الكواليس بين وفدي الأردن والسعودية، خلال مشاركتهما في أعمال الدورة الـ24 للاتحاد البرلماني العربي، التي عقدت في الـ17 من الشهر ذاته بالمغرب، وسط رفض سعودي لتأكيد الأردن وصايته على المقدسات في القدس.
ويقول فاروق العزة، السفير المفوض في منظمة التحرير الفلسطينية، في تصريح له نشر يناير الماضي: إن “هناك محاولات من أطراف عديدة لسحب البساط من تحت أقدام الأردنيين، إلا أن الفلسطينيين قيادة وشعباً متمسكون بالوصاية الهاشمية، وهم مع محاسبة كل من يعبث بهذا الموضوع من دول وجهات ومنظمات”.
ويربط العزة بين محاولات بعض الدول العربية سحب الوصاية الهاشمية عن المقدسات، ومحاولاتها تمرير “صفقة القرن”، مشدداً على أن الشعب الفلسطيني لن يدع ذلك يمر حتى لو قبلت الأنظمة بهذه الصفقة.
وحول موقف السلطة من محاولات سحب الوصاية على المقدسات من الأردن، يقول العزة: “السلطة رغم كل التحفظات عليها ستبقى محافظة على وصاية الهاشميين على المقدسات، ولا تستطيع التنازل عن هذا الحق لأي جهة كانت حتى للفلسطينيين أنفسهم، نحن والأردن شعب واحد وهدف واحد، وسنحافظ على هذه العلاقة دائماً”.
وفي تصريحات سابقة لـ”الخليج أونلاين”، كشف الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية المحظورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، عن مؤامرة عربية خطيرة تقودها المملكة العربية السعودية لتصفية القضية الفلسطينية، وتضييع القدس والمسجد الأقصى المبارك؛ خدمة لمشاريع أمريكية و”إسرائيلية”.
وأكد أن الرياض باتت تسخر كل إمكانياتها وتضخ الملايين من أموالها نحو مدينة القدس المحتلة، ليس للدعم والمساندة بل لشراء ذمم المقدسيين، وترويضهم لتمرير أفكارها الخطيرة والهدامة، للقبول بصفقات تستهدف القضية الفلسطينية بشكل عام والقدس بشكل خاص.

قد يعجبك ايضا