“حقائق عن جولة مفاوضات الكويت “

 

*خفايا دهاليز مفاوضات السلام اليمنية “5”

السفير/ عبدالاله محمد حجر

ذكرت في المقالة الرابعة ” الجولة الثالثة “حول مفاوضات الكويت التي انتهت في 24 يونيو وعلى أن تستأنف بعد عيد الفطر المبارك وتستمر لمدة أسبوعين فقط ، وقد تفاجأ الكثير بوصول عبدربه هادي يوم 10 يوليو إلى مأرب وبرفقته نائبه علي محسن الأحمر وبعض الوزراء في أول زيارة له إليها منذ بداية العدوان على اليمن (وربما منذ توليه الرئاسة في 2012) وأصدر من هناك تصريحات نارية يدشن فيها معركة تحرير صنعاء ويرفض فيها استئناف المباحثات في الكويت في تلويح منه بأنه غير راض لتطور المفاوضات في الكويت والتي اعتبرها تجري لاستبعاده عن حلبة الرئاسة.
وبعد عدة أيام اجتمع الوفد الوطني المفاوض بالمبعوث الأممي ولد الشيخ في صنعاء يوم 14 يوليو حيث شرح نتيجة لقاءاته مع المسؤولين السعوديين والتي تركزت حول همومهم من استمرار احتلال “الحوثيين” الأراضي السعودية ورغبتهم في الإنسحاب منها كاملة
(تم الجواب عليه بأن ذلك يأتي رداً على الغارات الجوية المستمرة على اليمن.. وهو الجواب الذي ظل يؤكد عليه من قبل حكومة صنعاء حتى اليوم..!! ) ، وأضاف أن السعودية تدعم موقف ما يسمى ” الحكومة” بتوقيع اتفاق في الكويت يتطرق للانسحابات وتسليم الأسلحة ثم يتم توقيع اتفاق سياسي مكمل في مكة يتناول مسألة الرئاسة ( كانت هناك بعض التسريبات في الأيام الأخيرة للمفاوضات في الكويت حول رغبة السعودية في التوقيع النهائي لاتفاق السلام في الرياض ثم اقترحت مكة المكرمة وظهرت بعض الأصوات التي تبدي الاستعداد للموافقة على ذلك في حالة الإيقاف الكامل لإطلاق النار والوصول إلى اتفاق يتضمن إجراءات أمنية وعسكرية وأخرى سياسية.
وسلم المبعوث للوفد الوطني ورقة غير رسمية سميت خارطة الطريق تحوي الأفكار التي ستتم مناقشتها في الجولة المستأنفة في الكويت ، ومن أهم عناصرها :
*الالتزام بأحكام اتفاقية وقف القتال التي تم الاتفاق على سريانها في 10ابريل ، (والتي نقضها تحالف العدوان عدة مرات)
*التوصل إلى اتفاق مبدئي يتضمن ترتيبات أمنية وسياسية.
*تنفيذ الانسحابات التي تمكن من تشكيل حكومة.
*تسمية شخص لمنصب نائب الرئيس بالتوافق.
*تسمية شخص لمنصب رئيس الوزراء بالتوافق.
*بمجرد التوقيع على اتفاقية كاملة شاملة تعلن الأمم المتحدة عن تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال 30 يوماً.
*بمجرد التوقيع على الاتفاقية يعين هادي أعضاء اللجنة الأمنية لتنفذ الترتيبات الأمنية.
*بمجرد التوقيع على الاتفاقية يستقيل نائب الرئيس الحالي (علي محسن الأحمر) ويعين هادي نائبا جديدا وينقل إليه كافة صلاحياته.
وقد أجاب الوفد الوطني على الخارطة بإبداء ملاحظات جوهرية من أهمها ضرورة التزامن في تنفيذ الترتيبات الأمنية مع تشكيل الحكومة التي بدورها تشكل اللجنة الأمنية وتشرف على أعمالها.
وأكد المبعوث أنه تلقى تأكيدات بأن وفد الرياض سيشارك في اجتماعات الكويت المقررة في 16يوليو ، وهذا يفصح عن أنه أطلع الحكومة المقيمة في الرياض على الخارطة وأن تصريحات هادي في مأرب رسائل مركبة أكثر منها فرقعات اعلامية.
غادر الوفد الوطني صنعاء في 15 يوليو في طريقه إلى الكويت مروراً بصلالة حيث التقى بالسيد يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العمانية والذي استمع إلى شرح موجز من الوفد الوطني عن سير المفاوضات .
بدأت جلسات الجولة التفاوضية في الكويت في16 يوليو وتم التمديد لها أسبوع لتصبح ثلاثة أسابيع وتنتهي في 6 أغسطس 2016 .
تميزت هذه الجولة بإجتماع الوفدين في طاولة المفاوضات مرة واحدة فقط وهي الجلسة الافتتاحية عقبها عقدت عدة اجتماعات لرؤساء الوفود ونوابهم مع المبعوث ، وقد تغيب في هذه الجولة اثنان من أعضاء وفد الرياض ليحل محلهم كل من نصر طه مصطفى وصخر الوجيه واللذين وصلا الكويت متأخرين عن الوفد بأيام ولم يتسن لهما حضور الجلسة الافتتاحية او جلسة مباحثات مشتركة (ربما لأنهما ينتميان لحزب الإصلاح الذي يتنافس معه عبدالملك المخلافي ).
في حين انضم الى الوفد الوطني كل من الأخ عبيد بن ضبيع والأخ عبد الله ابوحورية.
أكد الوفد الوطني أثناء الجولة كما هو الحال في جميع الجولات السابقة على أهمية الالتزام بوقف الأعمال العسكرية التي تشنها السعودية وما يسمى بالجيش الوطني وذلك للوصول الى حل سلمي شامل ينهي المعاناة الانسانية والعقاب الجماعي للشعب اليمني ويتضمن تشكيل مجلس رئاسي وحكومة توافقية ولجنة عسكرية وإجراءات أمنية مشتركة ، وإنهاء الحصار وإنهاء الامتهان للمسافرين جوا في بيشة، وخروج القوات الأجنبية ، وإعادة الاعمار، ومكافحة الإرهاب وإخراج اليمن من طائلة الفصل السابع . في حين أكد وفد الرياض انه جاء إلى الكويت بعد جهود حثيثة من المبعوث واتصالات من دول مجلس التعاون وذلك للبدء في مشاورات جديدة لا يضيع فيها الأوقات كما تم في الـ 70 أمس من الجولات السابقة وأنه عاد للتأكيد على دعم الأمم المتحدة لتطبيق القرار 2216 والقرارات ذات الصِلة ومعالجة الأوضاع الاقتصادية وتثبيت وقف إطلاق النار .
وقد قدم المبعوث الأممي في الأيام الأخيرة من هذه الجولة خطة تتضمن الجوانب الأمنية والعسكرية فقط دون تقديم الخطة السياسية مخالفاً ما أُتفق عليه في نهاية الجولة الثالثة وفي لقائه بالوفد في صنعاء ، وبتدبير وتنسيق مسبق معه أعلن وفد الرياض موافقته وتوقيعه على ما تم تسميته (اتفاق أمني) قدمه المبعوث ثم انسحب وفد الرياض من المفاوضات وغادر الكويت بحجة عدم موافقة الوفد الوطني على الاتفاق المقدم من المبعوث ، ثم ما لبث أن عاد عبدالملك المخلافي مع أحد أعضاء الوفد لتوديع الدولة المضيفة ” وجهت له الانتقادات انصاع أمامها أخيرا.. ففعل ذلك” وعلى أمل حضور جلسة ختامية بروتوكولية للمفاوضات مع بعض أعضاء الوفد الوطني والذي أصر على حضور كافة أعضاء الوفدين .
وفي حقيقة الأمر أنه لم يكن هناك اتفاق أمني عسكري متوافق عليه بل كان هناك مشروعا اتفاق متزامنان أحدهما أمني وعسكري والآخر اتفاق سياسي ولا يمكن تنفيذ أحدهما إلا بوجود الآخر .
وقد أعلن المبعوث الأممي نهاية جولة المباحثات مشيراً الى أنها ستستأنف بعد شهر في المكان الذي يتفق عليه وكان ذلك بمثابة إعلان فشل مفاوضات الكويت .
وغادر الوفد الوطني الكويت في 6 أغسطس 2016 إلى مسقط عمان وظل فيها مدة 68 يوماً إلى14 اكتوبر حيث منعت السلطات السعودية عودته إلى صنعاء بإغلاق المطار وعدم التصريح للطائرات العمانية بالهبوط ، في إجراء تعسفي وبما يمثل استخفافاً فظيعاً بالأخلاق والقيم الإنسانية وفي تحد واضح للمبادئ والأعراف الدولية .
للخلوص إلى استنتاجات وخلاصة ورأي حول جولات المشاورات التي تساهم في تقديم رؤية إستراتيجية لأي مراحل تفاوضية قادمة ، سيكون من المفيد تقييم أداء الوفد الوطني وإبداء ملاحظات حول دوره وكذلك أداء الوفد القادم من الرياض وقبل أن نخوض في ذلك هناك بعض النقاط الجديرة بالذكر حول دور الدولة المستضيفة “دولة الكويت” وحول دور المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ.
الدولة المضيفة “دولة الكويت”
كان استقبال دولة الكويت للوفد الوطني يحفه التكريم وكرم الضيافة والحرص على توفير جميع الإمكانيات والأجواء الكفيلة بسلامة وأمن أعضاء الوفود وكذلك بنجاح المفاوضات ، وحرص المسؤولون على تكافؤ التعامل بين وفدي التفاوض (رغم حمل القادمين من الرياض مناصب وزارية ونواب رئيس وزراء ) كما حرصوا على اتخاذ موقف الحياد وعدم التدخل في مجريات التفاوض ، واستقبل أمير الكويت الوفدين على حدة وأبدى مشاعر صادقة تجاه اليمن واليمنيين وحرصه على نجاح المشاورات وتوقيع اتفاقية سلام في الكويت ، وكلف الأمير صباح خالد الصباح نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية بمتابعة سير المباحثات بنفسه والالتقاء يومياً بمسؤولي الأمم المتحدة والاجتماع بالوفود متى اقتضت الحاجة لتذليل أية مصاعب وتقريب لوجهات النظر .
وقد لوحظ استياء وخيبة أمل دولة الكويت حكومة وشعباً نتيجة فشل المفاوضات وكذلك الاستياء من بعض تصرفات الوفد القادم من الرياض المسيئة للدولة المضيفة ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر عدم تجاوب وفد الرياض لمناشدة أمير الكويت شخصياً لهم بالعودة للمفاوضات بعد تعليقهم الحضور لقرابة أسبوع “احتجاجا على طرح موضوع إقالة كل من هادي وعلي محسن ” ثم استجابتهم لطلب أمير قطر ومن ثم عودتهم للمفاوضات . وقد أفصح نائب رئيس وزراء وزير الخارجية الكويتي للوفد الوطني أثناء توديعه له، بعد فشل المفاوضات، بأن الرؤية التي قدمها منطقية وقابلة للتنفيذ ، وقد سمعنا من بعض المواطنين الكويتيين أنهم يعتقدون أن أحد أسباب الفشل كان بسبب استكثار السعودية على الكويت شرف توقيع اتفاق سلام يمني في الكويت ، ويؤيد هذا القول اثارة المبعوث الخاص في الأيام الأخيرة للمفاوضات أمر إكمال المفاوضات في السعودية .
أداء المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ:
من المعروف أن المبعوث الموريتاني الجنسية خلفيته العلمية والعملية لا تؤهله للقيام بمهمة إدارة تفاوض، فهو حاصل على ماجستير في تطوير الموارد البشرية وعمل ممثلاً خاصاً لبعثة الأمم المتحدة لمواجهة مرض الحمى النصفية ( إيبولا) ثم نائباً ممثلاً مقيماً لبعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا ثم منسقاً مقيماً لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن في عام 2012 وتم اختياره من قبل السعودية كبديل للمبعوث السابق جمال بن عمر في أبريل 2015، أي بعد بدء العدوان على اليمن بشهر .
وعلى خلاف قدرات المبعوث السابق بن عمر السياسية والدبلوماسية فإن ولد الشيخ لا يملك قدرة وكفاءة للقيام بدور وسيط محايد وكذلك لإدارة مفاوضات بين طرفي نزاع محتدم وطويل المدى ، وللتدليل على ذلك أورد بعض الأمثلة :
*لم يقدم المبعوث مشروع ورقة عمل يتفاوض عليها الوفدان طوال جولات التفاوض حتى نهاية جولة مفاوضات الكويت وبعد إلحاح الوفد الوطني على ذلك ، ناهيك عن عدم اهتمامه بالوصول الى إقرار جدول أعمال وبرنامج عمل قبل بداية التفاوض ، كما لم يصدر بيانات مشتركة عن نتائج كل جولة تحوي ما تم التفاوض عليه وما تم الاتفاق عليه أو الاختلاف.
*اعتاد المبعوث على التغيير الدائم لمساعديه من الموظفين والخبراء التابعين للأمم المتحدة أثناء فترات التفاوض وزياراته لصنعاء وعلى عدم إتاحة الفرصة لتراكم المعرفة لدى أولئك الموظفين الذين كان أغلبهم شباباً وفتيات صغيري السن قليلي الخبرة ، كما يلاحظ عدم وجود تسجيل محاضر للاجتماعات المفتوحة والمغلقة وعدم التعميم على أعضاء الوفود نصوصاً مكتوبة للبيانات التي تلقى في جلسات الافتتاح الرسمية من قبل المسؤولين ورؤساء الوفود وكذلك اجتماع الأمين العام بالوفود.
*تميزت إحاطاته لمجلس الأمن بأنها تمثل غطاء لانتهاكات السعودية كما إنه يصدر بيانات بصفته ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة يدين وينتقد فيها بعض الإجراءات التي تتخذ في صنعاء( مثل تشكيل المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ الوطنية ) والتي هي من شأن الشعب اليمني وتمثل ضرورة لإدارة أمور البلاد ، في حين أنه لم يقم بنفس الفعل تجاه الطرف الآخر حيث لم يصدر أي بيانات تنديد لمخالفات وانتهاكات السعودية وعملائها الجسيمة للقانون الدولي الإنساني من قتل للمدنيين من الأطفال والنساء وقصف المباني المدنية والأسواق والمنازل بالغارات الجوية اليومية على كل محافظات الجمهورية ، كما لم يدن نقل البنك المركزي إلى عدن ، وإغلاق مطار صنعاء ، وعدم تمكين الوفد المفاوض العودة إلى صنعاء لأكثر من شهرين ، وعدم السماح بنقل جرحى جريمة قصف الطيران السعودي الصالة الكبرى ، وكذلك رفض هادي خطة السلام الأممية وكذلك خطة كيري فيما بعد ، ولم يشر إلى تمكين القاعدة وداعش من التوسع في المحافظات الجنوبية ، وغير ذلك من التصرفات والأفعال التي تستوجب التنديد.
*قدم المبعوث في الجولة الرابعة وبتنسيق واضح مع السعودية مشروع اتفاق أمني منفرد وافق عليه وفد الرياض ثم أنسحب من المفاوضات في حين أن المتفق عليه أثناء التفاوض تقديم رؤية متوافق عليها تتضمن مشروع اتفاق سياسي الى جانب اتفاق أمني، وهو ما أكدت عليه فيما بعد خطة “كيري”.
*لم يدع المبعوث الأممي إلى الاجتماع الذي عقده الوزير الأمريكي مع وفد أنصار الله في سلطنة عمان بوجود الوزير العماني يوسف بن علوي وهذه إشارة واضحة إلى ضعف أدائه والشكوك حول تحيزه للطرف اليمني المتواجد في الرياض ، كما أنه غُيب حتى عن حضور اللجنة الوزارية الرباعية التي عقدت اجتماعات عديدة .
تقييم أداء الوفد الوطني:
كان الوفد الوطني منذ بداية المفاوضات يحمل هم إيقاف نزيف الدم اليمني وإيقاف الحرب الظالمة والحصار الجائر الذي تسبب في معاناة الشعب اليمني بأكمله وذلك استشعارا بالمسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية ، ومن أجل تحقيق ذلك كان جاهزاً ومبادراً لتقديم الأفكار والرؤى التي تحوي في ثناياها تنازلات تتناسب مع ذلك الهم والهدف النبيل ،ولتؤمن مخاوف أطراف الصراع وتفويت فرص توسع الإرهاب وتمدده .
فمنذ الجولة الأولى طالب بالوقف الكامل والشامل لإطلاق النار واقترح تشكيل حكومة وطنية بالمناصفة مع الطرف الآخر تشرف على الترتيبات الأمنية والعسكرية لتحقيق السلام والاستقرار في كافة الأراضي اليمنية.
ورغم أن الوفد الوطني مكون من المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله وبعض الأحزاب الأخرى إلا أن مواقفه وبياناته ومداخلات رئيسي الوفدين وأعضائها كانت على أعلى مستوى من الانسجام والتنسيق والاحترام بالإضافة إلى سمو السلوك والعلاقة بين أعضاء الوفد بينهم البين ومع الأطراف الأخرى والمجتمع المحيط والذي أكسب الوفد احترام الدولتين المضيفتين سويسرا والكويت .
ورغم ذلك فإنه لاشك أن أي عمل يشوبه بعض السلبيات والثغرات والتي في اعتقادي أنها لم تؤثر على نجاح الوفد في أداء مهمته التفاوضية ولكن تفاديها في المستقبل ستعزز من تلك النجاحات.
تقييم أداء الوفد القادم من الرياض:
من جهة أخرى وبنقد موضوعي للطرف الآخر القادم من الرياض نجد أنه لم يكن يحمل أي هم وطني سوى بقاء أعضاء الوفد في مناصبهم الوزارية المدفوعة الأجر عاليا ً بالدولار وذلك بتنفيذ التوجيهات التي تُملى عليهم من السفير السعودي واحمد عوض بن مبارك وخالد اليماني والذين تواجدوا خلال فترة المفاوضات ، كما لم يقدم ذلك الوفد أفكاراً ومقترحاتٍ تساهم في تقدم المفاوضات بل على العكس كان معرقلاً بتكراره المطالبة بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 والانسحاب وتسليم السلاح دون تقديم رؤية أو آلية لتحقيق ذلك وبما يحول دون توسع الجماعات الإرهابية وتبديد مخاوف الطرف الآخر في ظل عدوان همجي طال أمده، كما لم يهتم بالأعداد الكبيرة من الأسرى من الطرفين وكان همه الوحيد الخمسة الأسرى، أحدهم شقيق الرئيس عبدربه هادي ووزير الدفاع الصبيحي.
وكان أداء الوفد القادم من الرياض يعكس التناقض الحاصل بين أعضاء الوفد والمكونات التي يتبعونها والتي تختلف أجنداتها والذي ظهر في تباين مداخلاتهم وتصرفاتهم وغياب التنسيق ووصل الأمر بهم أن يسر أحد أعضاء الوفد إلى أحد أعضاء الوفد الوطني بأنه غير مقتنع بما يقوله رئيس وفده ولكنه مرغم على السكوت ، وكان من الملفت لنظر المراقبين ومسؤولي الكويت وبعض موظفي الأمم المتحدة تكرر تعليق وفد الرياض حضوره لجلسات التفاوض احتجاجاً على عدم تلبية مطالبه أو تهرباً من مناقشة قضايا جوهرية في مفاوضات السلام خاصة مسألة الرئاسة وضرورة تسمية نائب رئيس جمهورية بالتوافق بين الطرفين تخول إليه جميع صلاحيات رئيس الجمهورية، واستجابتهم لتدخل السفير السعودي أو قادتهم المقيمين في الرياض للانسحاب ورفض الأفكار المطروحة للتفاوض .
ويؤكد المراقبون والمحللون السياسيون أن عدم السماح لما يسمى نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية حضور اجتماعات اللجنة الوزارية الرباعية بشأن اليمن وهم وزراء خارجية أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات والتي عقدت العديد من الاجتماعات خلال الأعوام 2016 ,2017 , 2018 في لندن ونيويورك والرياض وأبوظبي يعتبره المراقبون تهميشاً متعمداً لما يمكن أن يسمى بالشرعية المفترض بأنها صاحبة الشأن في القضية وأن أي رؤية لحل سياسي تتم بموجبه رغبة دول التحالف فقط ، وبالرغم من أن اجتماع الرباعية الوزارة ضم في عدد من الاجتماعات وزير الخارجية العماني إلا أن الوضع أستمر بعدم السماح لأي وزير من ما يسمى بالحكومة الشرعية حضور اجتماعات تلك اللجنة.
كما أن الطرف اليمني المتواجد في الرياض لم يُدع إلى الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع محمد عبد السلام المتحدث الرسمي لحركة أنصار الله رئيس وفد أنصار الله لمفاوضات السلام في نوفمبر 2016 بحضور وزير خارجية سلطنة عمان والذي نجم عنه ما سمي بخطة كيري للسلام والتي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي وصرح بأن السعودية وافقت على الخطة .
الخلاصة والرأي:
يعتقد البعض بأن جولات التفاوض كانت بمثابة ضياع للوقت ووقوع في فخ التحالف الذي تقوده السعودية للتظاهر بالتفاوض لتحقيق السلام وفي باطن الأمر إتاحة الفرصة لإطالة أمد الحرب والاعتداء وتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض واستخدام التفاوض كغطاء لبشاعة العدوان ولتمرير وتسويغ مقولة تتعلق ” باعتراف الانقلابيين بالسلطة الشرعية القابعة في الرياض من خلال التفاوض معها” ، وفي حقيقة الأمر أن تلك المقولة مردود عليها بأن أولئك الذين خارج اليمن ويدّعون أن لهم الشرعية اعترفوا بمن يملك السلطة الفعلية على الأرض وجلسوا للتفاوض معهم .
وبعيدا ًعن تلك الرؤية السطحية فإن الرؤية الوطنية بشأن الانخراط في المفاوضات من حيث المبدأ هو استجابة لقول الله عز وجل (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، كما أن الهدف النبيل من وراء ذلك هو حقن دماء الشعب اليمني وذلك الهدف يستحق من التضحية ما لا يؤثر على مبدأ الاستمرار في الدفاع عن النفس وعدم الرضوخ والاستسلام بأي شكل للعدوان وقد تجسد هذا في استمرار وتصاعد الهجمات فيما وراء الحدود والتنكيل بجنود العدو ومرتزقته رداً على الغارات الجوية السعودية المستمرة على المدنيين والأهداف المدنية ، كما أن ما يحكم الوفد الوطني في تفاوضه هي التوجيهات الحكيمة للقيادة السياسية ورغبة الشعب اليمني الأبي في تحقيق سلام عادل ومشرف يحفظ كرامته ويحقق الاستقرار وتعويض ما دمره العدوان وإعادة الاعمار.
وقد تحقق من خلال التفاوض عدة مكاسب أورد أهمها :
أولاً : في ظل غياب التمثيل الدبلوماسي واستحواذ الرياض على ولاء غالبية بعثات بلادنا الدبلوماسية والقنصلية في الخارج بفعل الضغوط والابتزاز والحوافز المادية ، مثلت المفاوضات فرصة مواتية للتواصل مع السلك الدبلوماسي وخاصة سفراء الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن و سفراء الدول الصديقة لليمن الـ 18 وإطلاعهم على حقيقة العدوان وما خلفه من آثار كارثية على اليمن وشعبها وكذلك توضيح مواقف السلطة التنفيذية الفعلية في اليمن وإزالة كل ما حرص العدو السعودي على ترسيخه لدى المجتمع الدولي من مفاهيم وانطباعات خاطئة عنها .
ثانياً :استمع المجتمع الدولي من خلال سفراء الدول الـ18 ” أصدقاء اليمن ” إلى رؤية الوفد الوطني السياسية والأمنية لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة وأعجبوا بها وبموضوعيتها وعقدوا مع الوفد عدة اجتماعات لمناقشة تفاصيلها ووصل إلى الكويت خصيصاً وكيل وزارة الخارجية الأمريكي ووكيل وزارة الخارجية البريطاني للاجتماع بالوفد الوطني للاستماع منه ، وقد مثلت تلك الرؤية والأفكار العناصر الرئيسية في ما عرف فيما بعد بخارطة الطريق الأممية وكذلك خطة “كيري للسلام “. والتي أعلنت بعد لقاء وزير الخارجية الأمريكية بوفد من أنصار الله في سلطنة عمان في شهر نوفمبر 2016. وصدر بيان عن الخارجية العمانية نص على ما يلي:
“صرح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أنه في ضوء الزيارة التي قام بها معالي جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ولقائه بالمقام السامي /حفظه الله ورعاه / بتاريخ 14 /11 /2016م ، والجهود التي بذلها معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية مع وفد صنعاء، فقد تم الاتفاق على الالتزام ببنود 10 إبريل 2016م الخاص بوقف الأعمال القتالية اعتبارا من17 نوفمبر 2016م شريطة التزام الأطراف الأخرى بتنفيذ ذات الالتزامات، وعلى استئناف المفاوضات نهاية شهر نوفمبر 2016م على أن تعتبر خارطة الطريق التي قدمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن كأساس للمشاورات من أجل التوصل إلى تسوية شاملة للصراع ومنها العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تباشر عملها في مدينة صنعاء الآمنة قبل نهاية عام 2016م.
وإذ تعرب السلطنة عن ترحيبها بهذا الاتفاق فإنها تأمل أن تساهم هذه الخطوة في استئناف المفاوضات اليمنية وصولا إلى تحقيق تسوية شاملة في الجمهورية اليمنية الشقيقة”
وقد سربت البي بي سي بعض بنود مبادرة كيري وهي :
“حكومة وحدة وطنية، وانسحاب المسلحين من المدن والمؤسسات، وتسليم السلاح الثقيل لطرف ثالث.
وتضمنت الخطة بعض الإجراءات التفصيلية :
يصدر عبد ربه منصور هادي في يوم التوقيع نفسه قراراً بتعيين نائب للرئيس أو رئيس للحكومة، ويخوله كامل صلاحياته الدستورية شريطة أن يتم التوافق بين طرفي الأزمة على اسم المرشح لشغل هذين المنصبين أو أحدهما.
ويقدم الفريق علي محسن الأحمر – بالتزامن مع هذه الخطوة أو قبلها – استقالته من منصبيه نائبا للرئيس ونائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة.
يبدأ سريان وقف شامل لإطلاق النار في كل أنحاء البلاد.
تقترح الخطة – وفقا للمسودة – تشكيل حكومة وحدة وطنية بنسبة الثلث لكل من حكومة هادي وحلفائها، وانصار الله وحلفائها، والمؤتمر الشعبي وحلفائه.”
كما طلب سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في بداية مفاوضات الكويت اللقاء بوفد أنصار الله ولم يتردد الوفد في قبول الطلب ودارت نقاشات هامة سيتم التطرق إليها في مقال آخر في المستقبل يتضمن أهم ما دار من حوار مع جميع السفراء المتواجدين في الكويت .
ثالثا:تمكن الوفد الوطني المفاوض من خلال التواصل الدائم مع أولئك السفراء من التعرف عن كثب على حقيقة مواقف بلدانهم والتي اهتمت بمصالحها الاقتصادية المتمثلة في بيع السلاح للسعودية ولو على حساب ما يدعونه من احترام حقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات الدولية وتمت مواجهتهم بذلك.
رابعاً: كان تواجد الوفد الوطني في الخارج فرصة متاحة أيضاً للتواصل والالتقاء مع وسائل إعلام مختلفة وتوضيح حقائق عن مظلومية الشعب اليمني وكشف زيف وكذب وسائل إعلام العدو السعودي ومرتزقته وشرح توجهات وأفكار الوفد الوطني لتحقيق السلام وتفنيد ادعاءات وفد الرياض وتعرية مواقفه المخزية والتابعة للإرادة السعودية المهيمنة.
الاستنتاجات
*من خلال جولات المفاوضات يتضح أن التحالف بقيادة السعودية حريص على تحقيق نصر عسكري قبل أي تسوية سلمية ليضمن استعادة الهيمنة في الشأن اليمني. وصياغة نهاية حربه الظالمة على اليمن بما يراها متوافقة مع مصالحه بعيدا عن أي التزامات مادية ومالية وقانونية.
*الوفد اليمني القادم من الرياض إلى جميع الجولات لا يملك التفويض لاتخاذ أي قرار الا بعد التشاور والإذن من السفير السعودي، كما أن أعضاء الوفد يتمتعون طوال فترة تواجدهم في الرياض منذ بدء العدوان على اليمن بمناصب عالية ورواتب وامتيازات مرتفعة تقدم إليهم من النظام السعودي” حيث يصل راتب الوزير إلى 8000 $ وفي حالة التوصل إلى اتفاق سياسي لن يصل راتب من يمكن أن يحتفظ منهم بمنصبه الى800 $ وبالتالي فإن الدافع لنجاح المفاوضات معدوم.
*يصر الوفد القادم من الرياض في جميع الجولات على وضع قرار مجلس الأمن 2216 على طاولة المفاوضات باعتباره حجر الأساس رغم ما شاب إصدار القرار من الغموض والملابسات والأهداف المحيطة بصدوره والطبيعة القانونية له ، وبالرغم من أن ذلك القرار لا يخول التحالف الاعتداء على اليمن ولا يعطيه الحق في الحصار البحري والجوي والبري إلا أنه يعتبر عائقاً لأي تسوية سلمية ولا يمكن من تحقيق أي نجاح في المفاوضات والخروج من عنق الزجاجة دون وضعه جانبا وإصدار قرار آخر “كرر العديد من سفراء الدول الـ18 هذا القول:”
*ليس هناك من سبيل لأي مشاورات سلام ناجحة دون إصدار قرار لمجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن اليمن ودفع الرواتب وفتح مطار صنعاء الدولي باعتبار أن مثل هذه الخطوات تمثل عملاً إنسانياً وأخلاقياً يمس طبيعة وظيفة الأمم المتحدة تجاه الكارثة الإنسانية في اليمن ، وبما يمثل ذلك من خلق حالة من الفرح والسرور والترحيب من الشعب اليمني.
*لا مناص من مفاوضات سياسية بين الحكومة اليمنية في صنعاء مع الحكومة السعودية لتحقيق تسوية سياسية تضمن إنهاء كل التخوفات الأمنية لكل طرف ووضع الضمانات اللازمة لعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولتين الجارتين واحترام سيادة وسلامة حدود البلدين.
*يجب في حالة استئناف المفاوضات بين الطرفين اليمنيين أن تبدأ من حيث انتهت مفاوضات الكويت والتي وصلت إلى مشروع اتفاق سياسي وأمني متكامل ومتزامن ، وتضمنه كذلك خطة كيري.
* عضو الوفد الوطني لمفاوضات السلام اليمنية.
28 يوليو 2018

قد يعجبك ايضا